إذا كنت عاشقًا للأنمي أو تريد أن تبدأ مسيرتك في متابعة أعماله، وطلبت ترشيحات أحد أصدقائك، فلا شك أن مسلسل Death Note «مذكرة الموت» سيكون على رأس الترشحيات، بسبب أن عدد الحلقات قصير، وأن الفكرة شديدة العبقرية، والأحداث ليس بداخلها نوع من الملل.

ولكن قبل البداية، فهل –كما هو شائع- تنحصر مشاهدة الأنمي على الأطفال فقط؟

على العكس تمامًا، بعض أعمال الأنمي لا تصلح للأطفال، والمسلسلات والأفلام منها كثيرة، مذكرة الموت واحد من تلك المسلسلات الذي تحمل في طياتها فلسفة وأفكارًا لا يستطيع طفل استيعابها، وعلى الرغم من أن المسلسل منذ عام 2006، ولكنه بداية كل شخص لدخول عالم الأنمي ومعرفة أنه ليس كل الأنمي للأطفال.

الذكاء سر التميز

إذا سألت أحدًا يومًا عن مسلسل الأنمي الشهير «مذكرة الموت» وما سر إعجابه به، فسيقول لك: الذكاء؛ لكن إذا سألته هل ستفعل مثلما فعل بطل العمل، فحتمًا سيفكر كثيرًا قبل الإجابة.

ماذا لو أصبح العالم يومًا ما بدون أشرار، هل سيختل توازنه؟ بالطبع سيختل توازنه، الله خلق هذا الكون ليكون فيه الخير والشر، المسالمون والأشرار، الجريمة والعقاب؛ لكن لو أصبحت «مذكرة الموت» في يد مراهق، هل سيستطيع أن يستوعب مبدأ التوازن في الطبيعة؟

في بعض الأحيان تكون الأسئلة معقدة للغاية، ولكن الإجابة أبسط مما نتوقع.
إل – أحد أبطال مسلسل «مذكرة الموت».

من حُسن الحظ أن المذكرة وقعت في يد «لايت ياغامي» المراهق الذكي، عندما وجد المذكرة لم يصدق أنها حقيقية، حتى جربها بدافع التسلية ولأنه يشعر بالملل، وعندما أثبتت عملها، قرر أن يُنصِّب نفسه إله العالم الجديد.

مُعضلة لايت ياغامي

كانت مُعضلة لايت الأولى والأخيرة هي الغرور، لا شك أنه كان ذكيًّا جدًّا، لدرجة أن يتحدى خصم من أذكى شخصيات المسلسل «إل»؛ لكن هل لأنه جعل نفسه إله العالم الجديد، يعطيه الحق أن يكون مغرورًا؟

ارتكزت فلسفة لايت في استخدامه للمذكرة على قتل جميع المجرمين والأشرار، حتى يجعل العالم مكانًا أفضل، يسوده الخير، لكن لم يأخذ باله أنه سيكون المجرم الوحيد في ذلك العالم، حتى إنه قتل الكثير من الأبرياء، وبرر ذلك بأنهم مجرد تضحيات ليصبح العالم مكانًا أفضل، حتى بعض الأشخاص يعتقدون أنه كان معه حق في كل ما فعله، وأنه ليس بطلًا شريرًا، وهُناك من شبهها بالطفولية.

لكن «ريوك» الذي قام بدور الشينيجامي (ملك الموت في المسلسل) كان يرى في فلسفة لايت نوعًا من المتعة والمرح، بدلًا من الملل الذي كان يعيش فيه، وأن التفاح كثير العصارة هو أعظم ما يوجد في عالم البشر، وأننا حقًا مسليون، نحن البشر.

تحول اسم لايت إلى «كيرا»، وظل يقتل البشر الأشرار لكي يصل إلى المدينة الفاضلة، يوتوبيا، وبمساعدة الشينيجامي حاول أن يحقق غايته.

هذا العالم فاسد، يجب أن يموت الفاسدون لتطهير هذا العالم.
لايت ياغامي.

الموسيقى تساعد على الانسجام

لا شك أن الموسيقى في ذلك العمل كانت من عوامل انسجام المشاهد مع المسلسل، حتى إذا سألت أحدًا يومًا شاهد المسلسل عن الموسيقى، فحتمًا سيخبرك بأن هناك مقطوعة معينة لا تُفارق عقله، خصوصًا أنها تُعبر عن الأحداث بشكل كبير، وعن الظلام الذي كان في كل شخصية.

الأداء الصوتي أيضًا ساعد على الانسجام في المشاهدة، كل مؤدٍّ صوتي قام بتوصيل الشعور على أكمل وجه، حتى إذا لم تفهم اللغة اليابانية، يكفيك الشعور والإحساس.

ذكاء الخصوم

كانت مشكلة لايت أن خصمه مقارب له بالذكاء، وكل واحد منهما يُفاجئ الآخر، وهذا جعل هناك متعة للمشاهد، ومن ذكاء الكاتب، كانت الأحداث غير متوقعة، ومُشوِّقة لدرجة كبيرة، وعلى الرغم من أن الخصم «إل» كان غريب الأطوار لدرجة كبيرة، لكن ذلك جعل هناك نوعًا من أنواع التميز، حتى باقي الشخصيات، كانت شخصيات متميزة، وكل شخصية أفادت الأحداث بطريقة ما.

الذكاء وصل في المسلسل لاستغلال كل شيء: مشاعر الناس، نقط الضعف، الاحتياج، حتى الكذب؛ بغرض الوصول إلى المعلومة ودليل الإدانة، أو حتى الإنقاذ.

وقد كان الكاتب يحمل من الجراءة التي تجعله يعرض أفكارًا لا يستوعبها عقل، وتجعله يصل لحالة من التفكير العميق، لكي يجد حلولًا لتلك الأسئلة التي تدور في رأسه، وأن يجعل مسلسله متميزًا ويتربع على عرش الأكثر مشاهدة، وأن يضرب جميع الأفكار الأخرى التي تميل إلى عدم الجراءة.

كان كثير الشجاعة لكي يقدم تضحيات في عمله، ولا يخاف من ذلك، لأنه إذا خالف نفسه، فسيفاجئ القارئ وهذا هو المطلوب، وإذا تفاجأ القارئ يتحقق الغرض المطلوب، وهو المتعة.

المخاطرة بحياتك والقيام بأمر يمكن أن يتسبب في قتلك بسهولة أمران مختلفان جدًّا.
إل – أحد أبطال مسلسل «مذكرة الموت».

وهنا يأتي السؤال: هل أثبت لايت نجاعة فلسفته؟

لايت ما هو إلا مجرد مجرم ذي فلسفة خاصة، حتى لو حمل في نواياه الكثير من الخير، ففي النهاية هو مجرم، بل أبشع من الذين قتلهم لكي يجعل العالم مدينته الفاضلة.

قتل لايت الأشرار بالفعل، وجعل العالم مكانًا أفضل، لكن معضلته الوحيدة (الغرور) جعلته لا يُميز، بل يقتل كل شخص دون أن يسأل نفسه يومًا: هل كل هؤلاء الذين قتلتهم يستحقون فرصة ثانية؟ هل السجن كان كافيًا لهم لكي يكونوا أخيارًا؟ أم أن العالم بالفعل يحتاج لـ (كيرا-لايت) لكي يكون مكانًا أفضل للعيش؟

هل تحرك لايت بدافع حب العدالة؟ أم لمجرد الشعور بالملل؟ أم أن ما حدث لا يعدو أن يكون مجرد فلسفة مراهق ظن أنه ناضج.