تعد روايات «أجاثا كريستي» من الروايات المفضلة عند الكثيرين، حتى وبعد مرور العديد من السنوات على إصدارها، وحتى كذلك مع وجود الكثير من العيوب بها التي لا تناسب رؤى وتوجهات العقد الثاني في القرن الحادي والعشرين إلا أنها محتفظة بأهميتها كأحد أعمدة روايات الجريمة في العالم. كذلك تلاقي الأفلام والمسلسلات المقتبسة عنها نجاحا كبيراً.

وبعد نجاح فيلم «murder on the orient express» الصادر عام 2017، يعيد المخرج «كينيث براناه» تجربته مرة أخرى كبطل للعمل ومخرج في فيلم «Death on the Nile». فكيف خرب علينا براناه الاستمتاع بفيلم خفيف بسبب اقحام الأيديولوجيات السياسية؟

إشكالية الأيديولوجية السياسية في النقد الفني 

ما قيمة أي فيلم إن لم يكن له موقف ما، سياسيًا أو اجتماعيًا؟ 

هو سؤال شائك، ظهر بالأخص على الأسطح الثقافية في الفترة بين الحرب العالمية الأولى والثانية، وبعد الأخيرة تحديدًا وحتى بدايات السبعينيات تقريبًا. حيث انقسمت المدارس النقدية السينمائية وتشعبت، ومنها ظهرت المدرسة السياسية التي تدافع بشدة عن أهمية وجود موقف سياسي واضح يتبناه الفيلم، و بناءً على التوقيت المذكور سلفًا، ففي الأغلب هو إما اتجاه رأسمالي أو شيوعي، وفقًا للقوتين العظيميين اللتين كانتا تحكمان العالم وبينهما نزاع معروف.

فلا معنى عند الناقد السينمائي السياسي لأي فيلم -مهما كان يحتوى على جماليات سينمائية- إذا كان لا يناقش قضية سياسية أو اجتماعية معينة، أو حتى يناقش قضية غير تلك التي يتبناها الناقد نفسه. فلا يُسمح للناقد أن يرى أي من جوانب العمل إذ كان يبث رسائل خفية أو ظاهرة عكس مبادئه وانتمائه السياسي. وإذا طبقنا نفس المنطق النقدي على فيلم Death on the nile فبالتأكيد لن يكون في صالح الفيلم، لذلك سننظر للفيلم بأكثر العيون موضوعية يمكن تحقيقها.

الحب هو المحرك الأساسي

بما أننا في شهر عيد الحب العالمي الشهير، هل تساءلت يومًا عن سبب ارتباط هذا العيد باللون الأحمر بالأخص؟ أو سبب ارتباط مشاعر الحب الجياشة باللون الأحمر؟ هناك قواعد عامة تحكم استخدام الألوان في الفن، وعلى رأس تلك الفنون يأتي الفن التشكيلي ويليه المسرح، حيث تستخدم الألوان بشكل دقيق للغاية، ليعبر كل لون عن مشاعر معينة، رموز معينة، بل يضع المتلقي في حالة جسمية بعينها. ومن الألوان المثيرة حقًا في الاستخدام المسرحي هو الأحمر، فعلى المستوى الجسدي فهو يزيد من ضربات القلب ويؤدي إلى تهيج الجهاز العصبي وتحفزه، أما عن مدلوله كـلون فهو يحمل في طياته تناقضًا ظاهريًا، فيعبر عن النار، الغضب والحقد كما يعبر عن الحب والمشاعر الحميمة والرغبة الجنسية.

قد يبدو ذلك في ظاهره تناقض، فالصورة العامة المنتشرة عن الحب أنه يشبه اللون الوردي، هادئ ومريح ومثير للطمأنينة، إلا أن الحقيقة أن الأحمر بالفعل هو اللون المناسب للتعبير عن الحب، فـالحرارة، العاطفة، التهور والرغبة الشديدة المصاحبة لحالات الحب هي بالفعل «لون أحمر»، لذلك وفي فيلم يحكمه الحب ويحركه مثل فيلم «جريمة على ضفاف النيل» ستجد اللون الأحمر يظهر في أغلب الأحيان، في الإضاءة، الديكور وحتى الملابس، لتظهر علينا جاكي (إيما ماكي) مفطورة الفؤاد في ثلاثة فساتين حمراء مثيرة، بثلاث درجات مختلفة من الألوان كل منها تعبر عن حالتها العاطفية بين العاشقة بشدة، المجروحة عاطفيًا والساعية للانتقام. على عكس اللون الأبيض الذي اختارته لينيت (غال غادوت) لـ يرمز لشخصية نقية بريئة مسطحة للغاية لا تحمل أي ضغائن لأحد، وهو الأمر الساذج بشدة ولا يتناسب مع طبيعة الشخصيات المركبة التي تجب أن تكون عليها شخصيات عمل معتمد على الجريمة والإثارة والتشويق بشكل أساسي.

غال غادوت: انظروا إليّ! أنا هنا! لماذا لا يراني أحد بحق الجحيم!

تظهر غادوت لأول مرة في الفيلم في بدايته في الاستعراض الراقص في الكازينو، وحتى قتلها بعد منتصف الفيلم لا تقم غال بأي شيء غير الاستعراض تقريبا. سواء في مشيتها، حركة جسدها، نظرتها كل الأمور التي تقوم بها أمام الكاميرا هي استعراض مبالغ فيه ثقيل الظل.

نظرًا لتاريخها السابق كـعارضة أزياء فيعد منطقيًا بالطبع رغبتها المستمرة في تقديم استعراضات حركية، فهو الأمر الذي تجيده حقًا على عكس التمثيل والتعبير الحركي. وبالرجوع للخلف خطوة أخرى في حياة غال سنجدها جندية في الجيش الإسرائيلي، وهو الأمر الذي تفخر به حتى الآن كـداعمة أساسية للكيان الصهيوني.

ويبرر ذلك مشهدها السيئ للغاية المقحم في السياق الدرامي بلا أي معنى، الذي تظهر به على أنها ملكة مصرية وتُقدم بجملة «ملكة النيل» ولا يمكن بأي شكل النظر لهذا المشهد بالأخص بعيدًا عن مرجعية غادوت السياسية. يذكرنا ذلك العبث بمشهدها اللزج في فيلم «Wonder Woman» وهي تُنقذ طفلًا عربيًا وتخاطبه بالعربية بعد أن قتلت بنفسها أطفالًا عربًا حقيقيين أثناء خدمتها في الجيش الإسرائيلي مع قدر كبير من الفخر بذلك.

فيلم جريمة على ضفاف النيل سينال إعجابك إن لم تكن مصريًا 

هل يمكن أن يؤثر انتماؤك لدولة معينة على أن ينال فيلم ما إعجابك؟ بالتأكيد نعم.

إن كنت مصريًا بشكل أساسي أو حتى محبًا لمصر مُطلع جيد على علم المصريات ستواجه مشكلة كبيرة مع فيلم death on the nile. فـبدءًا من الآثار المصرية المزيفة التي تعتمد على تقنيات «المؤثرات البصرية – Visual Effects» بسبب تصوير الفيلم في المغرب بدلاً من مصر. تلك المؤثرات جعلت التجربة البصرية للفيلم سيئة للغاية بسبب جمود و«بلاستيكية» الآثار، مرورًا بـتصوير فيلم -المفترض أنه- في مصري مدته تتعدى 120 دقيقة لم يظهر بها فرد واحد يتحدث العربية بأي شكل، وصولًا لاختيار عرق مختلف تمامًا عن العرق الموجود في مصر لتأدية أدوار المجاميع في مشاهد الأسواق وما إلى ذلك. 

الحقيقة أنه بالأخص المشاهد التي تحتوي على المجاميع، وعلى الرغم من قلة عددها مقارنة بباقي مشاهد الفيلم، فإنها مثال قوي على إقحام الأيديولوجيات السياسية لإرسال رسائل بعينها في الأفلام بشكل يبدو سلسًا. وقبل إلقاء الاتهامات بجنون الارتياب أو اتباع نظريات المؤامرة يجب توضيح أن قضية المركزية الأفريقية- Afrocentrism التي تسعى لإثبات مركزية وأهمية العرق الافريقي في العالم عن طريق نسب مختلف الحضارات والإنجازات إليه، قد وصلت أوجها في الآونة الأخيرة. فكان من المفترض أن يُقام مؤتمر للحركة في أسوان الشهر الجاري لتقديم الدلائل العلمية -ضعيفة السند بالطبع- التي تثبت أن الحضارة المصرية القديمة هي ناتج لإنجازات العرق الأفريقي الأسود، وأن المصريين الحاليين -بشكلهم وحمضهم النووي- هم عرب محتلون ليس إلا.

ألن تنتهي الحرب الطويلة بين رسائل هوليوود السياسية وتقبل الجمهور لها؟

في بدايات القرن العشرين، ومع بدايات ازدهار صناعة السينما، فطنت الولايات المتحدة الأمريكية لأهمية تلك الصناعة، وبالأخص فيما تحمله من قدرة تأثيرية عالية على الجمهور. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن لم تفتأ في استخدام هذا السلاح في تمرير وتبرير كل خطواتها السياسية، سواء داخلية أو خارجية.

والأمثلة لا حصر لها، منها فيلم «القبعات الخضراء – The Green Berets» إنتاج 1986 الذي يبرر إحدى أكبر مجازر الجيش الأمريكي في فيتنام، كذلك عدد مهول من أفلام مبنية حبكتها الأساسية على جنود الجيش الأمريكي في العراق الذي يظهرهم بمظهر المنقذ يسوع، منقذ البشرية من الهلاك. وأخيرًا، تتعمد الأفلام الامريكية تمرير رسائل تخدم مصالح دول وكيانات على حساب التاريخ المصرى مستخدمين في ذلك البطلة الخارقة، المرأة المعجزة، الجندية السابقة في الجيش الاسرائيلى، الصهيونية غال غادوت.