دعني أخبرك شيئًا عن يوفنتوس، النادي الإيطالي بات يجمع عددًا كبيرًا من التناقضات، سواء في قرارات الإدارة أو خلال سوق الانتقالات وطبعًا داخل الملعب، لدرجة أن النقاش حول ما يحدث داخل اليوفي بات ملغومًا، ويحتاج لمن يفهم الصورة الكلية ويتحرى الدقة قبل الخوض فيه. 

الأمر يشبه من يفك شفرة قنبلة تتشابك فيها الأسلاك، وعليه معرفة أي سلك يؤدي للانفجار. كاد الانفجار أن يقع هذا الموسم، خصوصًا بعد خسارة بطولة الكأس، والتراجع الواضح في أداء ونتائج الفريق مؤخرًا، حتى أصبح اليوفي مهددًا بفقدان عرشه المحلي، ناهيك عن تضاؤل فرصه في البطولة الأوروبية. 

الآن لا تبدو مهمتنا سهلة في الوصول للأسباب التي وضعت اليوفي على شفا الانفجار، خصوصًا وأن تحميل المدرب الحالي «ماوريسيو ساري» كل مشاكل الفريق لا يبدو فكرة منطقية، لكن دعنا نحاول على الأقل. 

من هو يوفنتوس؟ نادٍ لا يحب فيرجسون

هذا هو السؤال الأهم الذي ينبغي الإجابة عليه، لأنها ستقودنا لفهم السياق الذي فيه البيانكونيري الآن. يوفنتوس نادٍ يرتكز إلى بعض القواعد والأسس، أهمها هو ضرورة الفوز مهما كان الأداء، وثانيها الاعتماد على مدربين إيطاليين يميلون للتحفظ وعدم المخاطرة، وثالثها احتكار الإدارة للقرارات الكبيرة في الفريق. 

ولذلك كتب الصحفي «إنريكو باسيريلا» ذات يوم جملة شديدة الرمزية، تقول: «يوفنتوس لا يحب نموذج السير أليكس فيرجسون. لماذا؟ لأنه ببساطة يخالف بعض أو كل تلك القواعد الثلاثة، هو أجنبي من أسكتلندا وليس مدربًا محليًا، ثم تحول من كونه مدربًا إلى مدير، يتدخل في القرارات ويصنع هوية النادي».

طبعًا هذا ليس كل شيء يخص اليوفي، لأن ثمة فكرة تبناها رئيس النادي «أندريا أنيللي» مؤخرًا، هي ليست فكرة بل مشروع، يستهدف تضخيم علامة يوفنتوس التجارية. وفي سبيل ذلك قام بتغيير شعار النادي، ونجح في إقناع كريستيانو رونالدو باليوفي، لكن بقى أمر هام سعى له أنيللي.

ماذا يمكنك أن تغيّره في أسبوع؟

أراد الرئيس الشاب اجتذاب قطاعات جماهيرية أكبر؛ لأن ذلك سينعكس على أرباح النادي التسويقية، سواء من بيع المنتجات أو حقوق البث أو عقود الرعاة، لكن كيف سينجح بذلك؟

هنا قرر أنيللي أن على يوفنتوس تقديم كرة قدم أمتع، تقوم على الهجوم والمبادرة وتسجيل أهداف كثيرة. ولذلك وجد أن يكون الموسم الماضي هو الأخير لـماكس أليجري، رغم النجاحات المحلية والأوروبية التي حققها، لكنه لن يستطيع تقديم نوعية الكرة التي يريدها أندريا. 

طبعًا الأمر ليس بتلك البساطة، ولن يتحقق بمجرد الاعتذار لأليجري والإتيان بمدرب آخر، بل إنه رهان خطير. رهان يحتاج لتغيير عقلية اللاعبين، وتغيير التعامل مع سوق الانتقالات، وطبعًا يحتاج للوقت. وبعد كل ذلك قد لا ينجح، أو يكلف البيانكونيري خسارة الألقاب، خصوصًا مع الصحوة التي يعيشها الإنتر ولاتسيو. 

هذا ليس قرارًا عاديًا، والأندية لا تغيّر هويتها التكتيكية في أسبوع، خصوصًا مع نادٍ عريق صنع تلك الهوية عبر عقود، وكيّف أموره الإدارية والاقتصادية بناء على أساسها، بل هي أشبه بلحظة تاريخية فارقة في عمر يوفنتوس، لابد أن الثلاثي: أنيللي ونيدفيد وباراتيتشي كان على دراية بعواقب ذلك القرار.

المسار الثاني ومدرب صف ثانٍ

حتى بيب جوارديولا تفاجأ من الرغبة في التعاقد معه، اضطر لرفضها لأنه لم يحقق مع السيتي ما يريد. وهنا وجد أنيللي نفسه في حيرة؛ هل يضطر لتأجيل مشروعه؟ أم يبحث عن مدرب آخر؟ اختار الرئيس المسار الثاني، لأنه أحب الاستفادة من الفريق الحالي، وتقليل الوقت المطلوب للتحول الهجومي. 

السؤال الآن أصبح: من هو المدرب البديل؟ والإجابة ستزيد الأمر حيرة، لأنه لم يكن أحد من مدربي الصف الأول متاحًا، واضطر للبحث في قائمة مدربي الصف الثاني، ليجد فقط بوتشتينو وماوريزيو ساري هما من يقدمان كرة قدم هجومية تقوم على الاستحواذ. لم يتراجع أنيللي عن قراره، وشرع في اختيار أحدهما. 

في النهاية فضّل ساري، لأنه إيطالي ويعرف أجواء الكالتشيو، ويمكنه فهم طبيعة عمل يوفنتوس أسرع، لكن هل كان ذلك الاختيار الأفضل؟ وللإجابة سنطرح سؤالًا آخر: من هو أصلًا ماوريزيو ساري؟ 

لأن مربي القطط لا يروض الأسود

ساري مدرب إيطالي عجوز، لكن خبرته قليلة، ظهر على الساحة فقط قبل خمسة أعوام مع صعوده بإيمبولي للدرجة الأولى.

يقدم كرة قدم ممتعة، ويمكنه تطوير أداء لاعبيه، لكنه لا يعدك بالبطولات، بل لم يدرب فريقًا يعتاد حصد البطولات كل موسم. وبالطبع يعاني من مشاكل في فرض شخصيته على لاعبيه، ألم يسبق لحارس متوسط مثل كيبا أن يتمرد عليه علانية؟  

الآن ماذا تتوقع منه حين يأتي ليوفنتوس؟ الفوز مثلًا بالثنائية المحلية والوصول لنصف نهائي التشامبيونزليج في موسمه الأول؟ ربما هزيمة مدرب مثل كونتي يبرع في التتويج بالدوري؟ ومجابهة زيدان وكلوب وجوارديولا في بطولة يعاني فيها اليوفي؟ لعله يروض لاعبًا متمردًا لكن ممتازًا كديبالا، أو متمردًا لكن خبيرًا كبونوتشي؟

بالطبع إجابة كل تلك الأسئلة هي لا، كان الأمر أشبه بدفع مربي قطط ماهر نحو عرين الأسود، وانتظار خروجه منتصرًا.

33+32+29

الآن وصل ساري، وقدمت له الإدارة عقدًا طويلًا، ليس عامًا أو عامين بل ثلاثة. وكما تعلم فإن أسلوب اللعب الذي يقوم على الاستحواذ والهجوم بحاجة لنوعية لاعبين خاصة، فهل توفرت في يوفنتوس؟ دعنا نرى. 

لنبدأ بالدفاع؛ هذا الأسلوب يعتمد على خط دفاع متقدم، وهو ما يعني مدافعين يمتلكون السرعة والحيوية لتغطية المساحة وعرقلة الهجمات المرتدة، وبنظرة سريعة ستجد أن اليوفي يمتلك معدل أعمار مرتفع.

كيلليني مثلًا سيكمل عامه الـ 36، بينما بونوتشي لديه 33 عامًا، وكلاهما لم يسبق له اللعب بخط متقدم. طبعًا دي ليخت مناسب لهذا الأسلوب، لكنه لا يزال مدافعًا ناشئًا يصعب الاعتماد عليه وحده، خصوصًا بعد الإصابات التي ضربت كيلليني وديمرال، ليرتكب بونوتشي سلسلة من الأخطاء انتهت باعترافه بالمعاناة هذا الموسم.  

ماذا عن الأظهرة؟ في السابق كان يوفنتوس لديه مفتاحا لعب هما: كانسيلو وسبينازولا، لكن الإدارة باعتهم دفعة واحدة، ثم أبقت على أليكس ساندرو صاحب المستوى المتراجع، ودي شيليو الذي فشلت في التخلص منه، واستقدمت دانيلو بلا أي داعٍ، ماذا يفعل ساري هنا؟ 

اضطر للدفع بكوادراردو كظهير أيمن في غير مركزه، وتحويل دانيلو من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في غير مركزه أيضًا. الأول عمره 32 سنة والثاني 29 سنة، بالإضافة لبونوتشي، أصبحنا أمام خط دفاع عجوز يمكن لأي مهاجم سريع إجهاده بسهولة، ورغم ذلك كله لم يكن هذا أسوأ خطوط اليوفي.

أن تنافس بخضيرة وماتويدي على دوري الأبطال

الأسوأ هو وسط الملعب، في البداية لدينا ماتويدي (33 سنة) وسامي خضيرة (32 سنة)، الأول مجهوده وافر لكن قراراته الهجومية سيئة، أما الثاني فمجهوده قليل لكن يشكل خطورة أحيانًا، وكلاهما لا يصلح للعب أساسيًا في فريق صف أول. 

ولذلك كان يوفنتوس يحتاج صناع ألعاب، ماذا فعلت الإدارة؟ تعاقدت مجانًا مع آرون رامسي ورابيو. آرون سيتم عامه الثلاثين، ولديه تاريخ مرير مع الإصابات، ربما كان ساري محظوظًا لأنه غاب 60 يومًا فقط هذا الموسم، وفوق ذلك هو لاعب مزاجي، ربما يصنع هدفين في مباراة واحدة، ثم يختفي تمامًا في المباريات الرابعة المقبلة، قبل أن يصاب في الخامسة.

أما رابيو فله شأن آخر، هو لاعب صغير وموهوب بالتأكيد، لكنه لم يقدم أي شيء مبهر في مسيرته، ولا يمكن أبدًا تصنيفه ضمن اللاعبين الذين يصنعون الفارق. المضحك أن تسريبًا لساري نشر قبل عامين إبان مفاوضات باريس سان جيرمان معه، كان له رأي سلبي يخص لاعبًا بعينه، وصفه بالكسل والمزاجية وتقلب المستوى، هل يمكنك تخمين من هو؟ إنه رابيو، وقد رأت الإدارة أن تجلبه رغم ذلك!

ولذلك تأخر الاعتماد عليه، بل ربما كان ساري مضطرًا لذلك بعد الدفع ببنتاكور كلاعب ارتكاز بدلًا من ميراليم بيانيتش، لأن البوسني يقدم واحدة من أسوأ مستوياته منذ جاء لتورينو. وقد أثبت رابيو كفاءة بعد العودة من توقف كورونا، بدا أكثر تركيزًا وبذلًا للجهد، ليصبح أفضل لاعبي وسط ملعب اليوفي.

تقول الأرقام إن كل هؤلاء مجتمعين صنعوا 17 هدفًا فقط في كل البطولات، لو حاولت مقارنتهم بوسط ملعب السيتي، بايرن ميونخ، وحتى مانشستر يونايتد، فستنبهر بالنتيجة. لأن دي بروين وحده صنع 22 هدفًا، ومولر وحده صنع 22 هدفًا، وبرونو فيرنانديز وحده صنع 8 أهداف في نصف موسم بدون تشامبيونزليج.

هل يمكن أن تنافس على دوري الأبطال ووسط ملعبك مكوّن من رابيو وماتويدي ورامسي؟

تبرير؟

أحد الحسابات التابعة لجمهور يوفنتوس على تويتر قامت بشيء مختلف، لم تقارن إنتاجية وسط الملعب بالفرق الأخرى، بل قارنتها بخط دفاع الفريق، تخيل أن المدافعين سجلوا أهدافًا أكثر من لاعبي وسط الميدان. ربما هذه النتيجة الطبيعية على تدهور حال وسط اليوفي، كان يمتلك بوجبا وبيرلو وفيدال سابقًا، ولم يتم دعمه بالشكل الكافي، فأصبح أفضل لاعبيه هو رابيو. 

كل تلك الثغرات في البيانكونيري لا يجب أن تكون تبريرًا لساري، في النهاية هو فشل في إدارة كثير من المباريات، وقام بقرارات تكتيكية غريبة ليس لها تفسير، ولم يتعامل بمرونة مع قائمة اللاعبين، ولا ابتكر حلولًا هجومية تلائم الوضع الحالي، وهو ما برع فيه أليجري، وهذا ما يجعله مدرب صف أول. 

يوفنتوس حسم الدوري، لأن رونالدو سجل 31 هدفًا بدون صانع ألعاب فعال، ولأن ديبالا قدم أفضل مواسمه على الإطلاق، ونضج كثيرًا على مستوى الشخصية، ولأن تشيزني أنقذ مرماه عدة مرات من كرات صعبة، ولأن دي ليخت يتألق وسط خط دفاع عجوز ومكوّن من شتات. 

ويوفنتوس أيضًا بدا ضعيفًا، ليس فقط لأن ساري يعاني تحت الضغط ويحتاج وقتًا للتكيف، ولكن لأن الإدارة لم تقدم له الأدوات الكافية، وجعلت من قائمة يوفنتوس الحالية أحد أسوأ قوائم فرق أوروبا، ولو أنهم تعاقدوا مع أفضل مدرب يقدم كرة هجومية في العالم كجوارديولا أو كلوب لم يكن لينجح بهؤلاء اللاعبين أبدًا، بل ربما قام بتسريح أغلبهم.