بعد مقتل الرهائن المصريين في ليبيا، قادت وسائل إعلام محلية (حكومية وخاصة) وأخرى إقليمية وبالتحديد التابعة لما يُعرف بمحور الممانعة الذي تقوده إيران (مثل قناة الميادين اللبنانية) وخليجية مثل (سكاي نيوز عربية)، حملة منظّمة للترويج لخبر مفاده: «تنفيذ وحدة خاصة بالجيش المصري مهمة خاصة في مدينة درنة الليبية أسفرت عن مقتل 155 وأسر 55 من قيادات داعش».

بغض النظر عن عدم نشر صورة واحدة للقصف أو القتلى أو الأسرى، فإن من نافلة القول أن هذا الخبر «غير حقيقى غير موضوعى والأحداث الواردة به خياليه و لا تمت للواقع بصلة»، وإن كانت القوات الخاصة المصرية بمقدروها تنفيذ عمليات نوعية بالدقة المزعومة، فلماذا فشلت في إنقاذ الضحايا قبل وقوع الكارثة؟

بعيداً عن الفيلم المصري ، فهناك مئات الأفلام السينمائية حول عمليات الأسر وإنقاذ الرهائن مبنية على قصص واقعية، مثل Captain Phillips و Victory at Entebbe و Lone survivor وغيرهم، وهناك أفلام تشابهت أحداثها فيما بعد مع قصص واقعية مثل Argo. إن فاتتك مشاهدتها، فإن تمدد التنظيمات المسلحة وتوسع دائرة الصراع والحرب الإقليمية قد يمنحك فرصىة معايشتها على أرض الواقع. فما هي التحديات والخيارات المتاحة في عمليات الإنقاذ والأسر؟

يُجمع قادة الوحدات الخاصة بكل الجيوش النظامية على أن العنصر الأهم في عمليات الإنقاذ تكتيكيh هو «الاستخبارات»، وتنفيذيا «عنصر المفاجأة»

إنقاذ الرهائن يتم من خلال «التفاوض» أو «العمل العسكري»؛ بعض الدول مثل الولايات المتحدة تعتمد على الخيار الثاني وتتبنى استراتجية رافضة للتفاوض ودفع الفدى لمن تصفهم بالمتطرفين.

يُجمع قادة الوحدات الخاصة بكل الجيوش النظامية على أن العنصر الأهم في عمليات الإنقاذ على المستوى التكتيكي هو «الاستخبارات»، وعلى المستوى العملياتي والتنفيذي «عنصر المفاجأة». وفي كتابه Spec Ops: Case Studies in Special Operations Warfare يَخلُص الأدميرال المتقاعد «وليام مكرافين» القائد التاسع للقوات الخاصة الأمريكية أن عوامل نجاح أي عملية إنقاذ رهائن تعتمد على 3 عناصر: «السرعة – الغرض – عنصر المفاجأة»، وأن أي خلل في واحدة منها قد يؤدي لفشل العملية بأكملها ، والكُلفة ستكون صعبة وحتمية: «مقتل الرهائن».

من خلال هذه القواعد والخبرة الميدانية للأدميرال مكرافين الذي قاد عملية اغتيال أسامة بن لادن في 2/5/2011 نستعرض آخر عمليات إنقاذ الرهائن وأبرزها في التاريخ الحديث.


أولاً: تركــــــيـــــــا

تمكّنت قوة بريّة خاصة في الجيش التركي بتغطية جوّية ليلة أمس 21/2/2015 من التسلل للأراضي السورية في نطاق سيطرة «داعش» ونجحوا بنقل رفات جد مؤسس الإمبراطورية العثمانية «سليمان شاه» وحراس الضريح المحتجزين منذ 10 أشهر، وسيطروا على منطقة في قرية «آشمة» التركية، تمهيداً لبناء القبر الجديد فيها.

وفي 20/9/2014 أطلقت «داعش» سراح 49 رهينة تركي جلّهم دبلوماسيين كانوا قد احتُجزوا عند سيطرة التنظيم على الموصل في 12/6/2014. العمليتان يكتنفهما بعض الغموض؛ وإن بدا في الأولى الإنجاز العسكري فالثانية يغلب عليها الطابع الاستخباري والدبلوماسي.

بالتوازي مع عملية الضريح، وفي مدينة «كهرمان مرعش» التركية تمكنت قوات الأمن من إنقاذ طفل سوري احتجزته عصابة سورية لعشرين يوماً وطلبت 100 ألف دولار كفدية لإطلاق سراحه.


ثانياً: اليمن

فى يوم 20/2/2015 تمكن الرئيس اليمني «عبدربه منصور هادي» المحاصر منذ قرابة الشهر من قِبَل الحوثيين في منزله بصنعاء من الهروب عبر تدابير أمنية غامضة أيضاً مكنته من الوصول لعدَن ، يبدو – وفق المعطيات الحالية – أن استراتيجية الإلهاء لعبت دوراً هاماً في تغطية هروب هادي ، فبالتوازي مع ترتيبات الخروح الآمن خرجت وزيرة الإعلام المستقيلة المقربة من الرئيس «نادية السقاف» – والتي يصفها بعض اليمنيين بالشجاعة – وصرّحت لوسائل الإعلام بأن صحة الرئيس متدهورة وأنه بحاجة للرعاية وأنها تحمّل الحوثيين المسؤولية عن حياته.

في 25/11/2014 تمكنت قوة خاصة من الجيش الأميركي بالتنسيق مع وحدة مكافحة الإرهاب بالجيش اليمني من تحرير 8 رهائن محتجزين لدى «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» وقتلوا جميع المسلحين. تسللوا في الظلام عبر جبال «حضرموت» وكان «عنصر المفاجأة» هو عنصر الحسم في العملية.

وفي 6/12/2014 غاب عنصر المفاجأة عن عملية تحرير المصور الأميركي «لوك سومرز» عند نباح أحد الكلاب على الجنود على بعد 100 متر من مقر الاحتجاز ، الوقت الذي كان كافياً لقتل الرهائن.


ثالثاً: الصومال

احتجاز الرهائن يحدث يومياً ؛ فمن القراصنة الصوماليين من يمتهن هذا الأسلوب كمصدر رئيسي للكسب. في 7/4/2009 وعلى بعد 350 ميلاً من الشواطئ الصومالية وقع طاقم سفينة الكابتن «ريتشارد فيليبس» التجارية في أيدي مجموعة من القراصنة، وفي 9/4/2009 وصلت العمليات الخاصة للبحرية الأميركية، وكان عنصر الحسم هنا هو «السرعة»، حيث كان على 3 قناصين رصد الأهداف بالمناظير الليلية وقنص 3 رؤوس في مركب إنقاذ مغلق من مسافة 30.5 متراً في نفس الثانية وأي خطأ أو فارق في التأخير لثانية إضافية كان يعني خسارة كابتن فيلبس.

في 25/1/2012 استعان الجيش الأميركي بخبرات نفس الفرقة المكلفة باغتيال بن لادن بقيادة الأدميرال مكرافين في تحرير عاملة الإغاثة الأميركية «جيسيكا بوكانان» ومساعدها الدنماركي «بول هاجن»، وقتلوا 9 قراصنة وتمكنوا من اعتقال البقيّة.


رابعاً: سوريا

يمثل 4/7/2014 تاريخاً مهماً، فقد شهد أول عملية بريّة للولايات المتحدة داخل الأراضي السورية منذ اندلاع الثورة، عبر عملية إنزال بأحد المواقع في محافظة الرقة كان يُعتقد احتجاز داعش للصحفي الأميركي «جيمس فولي» فيه. قال المحللون أن العملية فقدت «عنصر المفاجأة» فتنبّه المسلحون ونقلوا «فولي» قبيل وصول الطائرات، وقال آخرون أنه فشل «استخباري» في دقة تحديد مكان الاحتجاز.


خامساً: البيرو

يعتبر العسكريون عملية «CHAVIN DE HUANTAR» من أمهر عمليات تحرير الرهائن في التاريخ ، وعليها اعتمد الرائد في الجيش الأميركي «كارلوس م. بيريز» في استخلاص منهجية إنقاذ الرهائن في كتابه «Anatomy of a Hostage Rescue: what makes hostages rescue operations successful؟»

في احتفالية بمنزل السفير الياباني في «ليما» في 17/12/1996 تخفّى مسلحو حركة «توباماروس» اليسارية المعارضة وتسللوا للمكان بسيارات الإسعاف، وتمكنوا من أسر أكثر من 400 مدعو، أطلقوا سراح الجميع وأبقوا على 72 رهينة. طالب المسلحون من الرئيس «ألبرتو فوجيموري» إطلاق سراح عدد من رفاقهم السجناء، لكنه رفض مبدأ التفاوض وأعطى الضوء الأخضر لوحدة «كولينا» للبدء في الاستعدادت لعملية الإنقاذ.

بدأوا بجمع المعلومات الاستخبارية وصمموا مبنى يُحاكي الهدف وتدرّبوا فيه لثلاثة أشهر، وعلى التوازي بدأوا بحفر عدد من الأنفاق أسفل المبنى، وعند اقتراب الحفر من سطح الأرض يبدأ الجيش بتشغيل الأغاني الصاخبة وتشرع الدبابات بالتحرك لعمل ضجيج يغطي على صوت الحفارات، وفي ساعة الحسم في 22/4/1997 جاؤوهم من فوقهم عبر سلالم خشبية وفجّروا الأسقف والحوائط، ومن تحتهم بالأنفاق، ونجحوا بتأمين إجلاء الرهائن. وأسفرت العملية عن مقتل جنديين من القوات الخاصة ورهينة واحد.

وأدين الرئيس البيروفي فوجيموري فيما بعد بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.


سادساً: إسرائيل/أوغندا

اعتُبرت عملية «عنتيبّي» التي أنتج عنها عشرات الأفلام الوثائقية والسينمائية وأهمها Victory at Antebbe و Raid on Antebbe أشهر عملية إنقاذ في التاريخ وأكثرها تعقيداً وحرفية على الإطلاق. بطل هذا المقال الأدميرال «وليام مكرافين» اعتمد في تعزيز خبرته الميدانية واستخلاص قواعد العمليات الخاصة في كتابه بتشريح هذه العملية.

في 27/6/1976 اختطفت مجموعة مقاومة تابعة «للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الفرنسية كانت متجهة من تل أبيب إلى فرنسا. حوّل المختطفون اتجاهها إلى أوغاندا بعد التزود بالوقود في ليبيا، وحطّوا في مطار عنتيبّي. قبل هبوط الطائرة كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي قد بدأت بمتابعة الموقف ودراسة خياراتها وبدأت في التنسيق مع وسائل الإعلام.

تحرّكت إسرائيل بمسارين أحدهما هزلي وهو التفاعل الشكلي مع مطالب المختطفين بالتفاوض، والآخر جدّي وهو التخطيط لعملية إنقاذ بالاستعانة بوحدة مكافحة الإرهاب الخاصة «سيريت متكال» بقيادة العقيد «جونثان نتنياهو» شقيق رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو. أطلق المختطفون سراح غير اليهود على دفعتين ، استثمر الموساد هذا الخطأ واستجوبوا المحرريين وحصلوا على معلومات قيّمة.

بعد 6 أيام من التخطيط وموافقة المجلس الوزراري المصغر في 4/7/1976 وبعد ترتيبات غاية في التعقيد، انطلقت 3 طائرات من مطار بنغوريون بتل أبيب إلى عنتيبي، تتجاوز هذه المسافة 4000 كم قطعتها الطائرات في 8 ساعات ونصف. حلّقوا على مسافة 30 متراً فوق سطح البحر لتفادي الرادارات المصرية والسعودية. 3 طائرات على وشك محاربة الجيش الأوغندي والمسلحين «خلف خطوط العدو» لإجلاء 105 رهينة أحياء!

هبطت الطائرة الأولى وخرج منها سيارتان لاندروفر تتقدمهم ثالثة مرسيدس وزي أوغندي لإيهام الحراسة بأنه موكب للرئيس «عيدي أمين» المؤيد لفلسطين ، حدث اشتباك أفقدهم عنصر المفاجأة. قطعوا التيار عن المطار واستخدموا مولداً ضخماً كانوا أحضروه معهم. الطائرة الثانية كانت مخصصة للرهائن. الثالثة كانت للدعم الفني والاتصال بالأقمار الاصطناعية. في غضون 90 دقيقة كان 102 رهينة على متن الطائرة. قُتل نتنياهو و 3 رهائن وجميع المختطفين ودُمرت جميع الطائرات الحربية للجيش الأوغندي في المطار. في العملية تفاصيل عملياتية كثيرة ومعقّدة لكن يكفي من الفكرة إيضاحها. (شاهد هذا الفيديو التوضيحي للعملية، ويمكنك التوسّع من خلال المصادر في آخر المقال).


الحالة المصرية

وبالعودة للحالة المصرية فإن الفشل لم يكن في العوامل الثلاثة، وإنما في عدم سعي الحكومة لاتخاذ أية إجراءات طيلة 45 يوماً من احتجاز الرهائن، وما يثيره ذلك من شكوك قوية حول مدي جاهزية الجيش المصري لهذا النوع من التحديات؛ فبالحديث عن «مسافة السكة» وبالمقارنة مع عملية عنتيبّي، فإن مدينة سرت (المكان المفترض لأسر الرهائن) تبعد عن مطار مطروح 1000 كم فقط دون وجود تحديات تُذكر من البر أو البحر أو الجو.

قبل 3 سنوات من عملية عنتيبّي كان الجيش المصري قادراً على إلحاق الهزيمة بجيش الاحتلال الإسرائيلي، لكن الجيل الجديد من المحاربين بقيادته السياسية والعسكرية لا يبدو مؤهلاً نفسياً ولا مادّياً لخوض معارك جديدة في الاتجاه الصحيح. والفشل الذريع الذي منيت به وحدات مكافحة «الإرهاب» في سيناء وسلاح الجو في ليبيا الأشهر الماضية وجه آخر لهذا الفشل.

المراجع
  1. 1- Şah Fırat Operasyonu
  2. 2- Why Hostage Rescues Fail
  3. 3- US Special Ops led daring raid to free al Qaeda hostages
  4. 4- The problem with the U.S. policy of no ransoms? Hostage rescues are very, very difficult.
  5. 5- U.S. commandos free two hostages in daring Somalia raid
  6. 6- The failed US mission to try and rescue James Foley from Islamic State terrorists
  7. 7- Japanese hostage crisis and Operation Chavin de Huantar
  8. 8- Recollections of Entebbe, 30 years on
  9. 9- Assault and Rescue – Entebbe Hostage Rescue – Documentary
  10. 10- https://twitter.com/NadiaSakkaf/status/567349796713680896
  11. 11- الإفراج عن الرهائن الأتراك المحتجزين بالعراق