تُقرع طبول الحرب في ليبيا، انطلاقًا من التنافس المحموم على غاز المتوسط بين مصر وتركيا، اللتين اختارتا ليبيا لتكون ساحة الحرب بالوكالة بينهما. أبرمت تركيا اتفاقيات مع حكومة الوفاق التي استدعتها لمواجهة حفتر المدعوم مصريًا، تقضي الاتفاقيات بإرسال قوات تركية إلى ليبيا، الأمر الذي استهجنته مصر بدورها ودفعت بحفتر لخوض غمار الحرب بالإنابة.

كان حفتر خيارًا مصريًا بامتياز، فسعت لإقناع العالم بفعاليته في المشهد الليبي. مصر السيسي التي لا تثق إلا في كل ما هو عسكري، كان مشروعها تحويل ميليشيات الشرق الليبي العسكرية إلى جيش وطني، وتسليحه والدفع به لتأمين حدودها الغربية من خطر الجماعات المسلحة الأخرى.

تدخلت مصر بكل قوتها من أجهزة استخباراتية وأخرى عسكرية، ثم قدمت المشروع لأوروبا باعتباره الحل الأمثل لمشكلة الهجرة من السواحل الليبية، وركزت على أن انتصار حفتر سيحول دون تمدد التيارات الإسلامية المسلحة، وصولًا لإغراء دول كفرنسا بقطعة من كعكة المشاريع الاقتصادية والامتيازات النفطية حال انتصار حفتر، وروسيا بدورها رأت في حفتر سوقًا لبيع سلاحها.

هذا الملف كان أحد عوامل شرعية النظام المصري الخارجية، فقد حصلت على دعم الإمارات التي تعمل كسمسار في صفقات السلاح من ناحية، وتطمع في تواجد اقتصادي وعسكري داخل ليبيا حفتر من ناحية أخرى، وكان تعاونًا ناجحًا في سبيل تقويض الإسلام السياسي، فقد صارت أبوظبي والقاهرة شريكتين في إدارة ملف حفتر.

تمثل الدعم الإماراتي في الدعم اللوجيستي، وإمداد حفتر بالمال والسلاح أو التوسط في شرائه، في تحايل على قرار مجلس الأمن 1970، القاضي بمنع تسليح أطراف النزاع في ليبيا. على صعيد آخر، شاركت الإمارات بقوات ميدانية، تتواجد تلك القوات في قاعدة الخادم في ليبيا، وبعضها في قاعدة سيوة المصرية، والتي تواجدت فيها بشكل سابق لتواجدها في ليبيا لأمور فنية كعدم جهوزية قاعدة الخادم، وأخرى أمنية قُبيل حسم حفتر معارك شرق ليبيا وتأمينها.

قاعدة الخادم الجوية

كشفت قناة الجزيرة عن وجود قاعدة إماراتية جنوب شرق بنغازي، قاعدة الخروبة أو الخادم الجوية تتواجد بها قوات إماراتية تقدم الدعم اللوجيستي والعسكري لحفتر. تحتوي القاعدة على:

  • طائرات نقل: طائرة أنتينوف روسية الصنع 225، وطائرة أنتينوف روسية الصنع 124.
  • طائرات مقاتلة: طائرة إير تراكتور «802 air tractor» تحمل صواريخ فراغية استعلمت في غارات في مدينة بنغازي (قنفودة، سوق الحوت، الصابري، الهواري)، وهذه مواقع كان يتمركز فيها مقاتلو مجلس شورى ثوار بنغازي.
  • طائرة «الوينج لونج – wing loong» بدون طيار والتي تسمى بالانسيابية.
  • طائرات المراقبة والتجسس: طائرتا تجسس نوع «كام كوبتر – cam copter» تحلقان باستمرار في سماء القاعدة.

شاركت القاعدة في إقلاع الطائرات المسيرة التي قصفت طرابلس، كما نُقل عبرها المرتزقة من السودان وتشاد لدعم قوات حفتر، وتنسق القاعدة المهام مع قاعدة سيوة الجوية، الموجودة شمال واحة سيوة، غربي مصر.

قاعدة سيوة الجوية

كشفت مصادر لـ«إضاءات» عن تواجد ما يقرب من 200 ضابط وخبير عسكري وفني إماراتيين في قاعدة سيوة الجوية. بدأ وجود القوات الإماراتية منذ عام 2015، قبل استغلال الإمارات لقاعدة الخادم الجوية بليبيا. يوجد بقاعدة سيوة مركز للتحكم في الطائرات المسيرة عن بعد، كما أكد المصدر تواجد طيارين إماراتيين شاركوا في معارك الهلال النفطي لصالح قوات حفتر بين عامي 2017 و2018.

ساهمت القاهرة في إعادة قاعدة الخادم للعمل في 2016، لتتحول إلى مركز لدعم اللواء خليفة حفتر، لكن تظل لقاعدة سيوة مركزية في قيادة العمليات العسكرية كونها متواجدة في المكان الأكثر أمنًا، حيث كانت جميع الطلعات الجوية للطائرات المقاتلة التي يقودها طيارون لقصف أهداف في ليبيا تنطلق من القاعدة، وشارك العديد من الطيارين الإماراتيين في تلك الطلعات وتحديدًا في معارك الهلال النفطي، كمعارك بنغازي ودرنه.

ذكر المصدر أيضًا أن الخدمات الفنية واللوجستية التي تُقدم لتلك القوات جميعها تأتي من الإمارات كالطعام والمؤن، وهم متواجدون في مبان منعزلة عن القوات المصرية، حيث يُحال بينهم وبين اختلاطهم بالجنود والضباط المصريين.

أكد المصدر أيضًا تواجد طائرات «وينج لونج» بدون طيار المقاتلة، وهي مملوكة للإمارات، ليست مصرية، وتتواجد أيضًا طائرات ميراج متعددة المهام، التي تمتلكها مصر والإمارات.

في ديسمبر/ كانون الأول 2019، اعترف طيار ليبي تابع لحفتر تم أسره بأن طائرات إف 16 والرافال المصرية شاركت في غارات لصالح اللواء خليفة حفتر، تنطلق غالبية تلك الطائرات من قاعدة سيوة الجوية، باستثناء الرافال.

قاعدة محمد نجيب: نظام عربي جديد

التعاون المصري العسكري مع الإمارات مستمر على قدم وساق. دخلت مصر مناورات عسكرية مع الإمارات أكثر من مرة، مناورات ثنائية مشتركة كمناورات زايد وخليفة، وآخرها صقور الليل.

شاركت الولايات المتحدة الإمارات ومصر في مناوراتها؛ مناورات النجم الساطع، ومناورات تحية النسر، وأخرى عربية كمناورات درع العرب التي شاركت فيها السعودية والأردن والسودان بقاعدة محمد نجيب بعد افتتاحها عام 2017.

يستهدف النظام المصري أن يتحول إلى مركز عربي لتدريب وتنشئة القوات العسكرية العربية، كما أن سياسته الخارجية تعتمد بشكل أساسي على الثقة في كل ما هو عسكري، لذا سنجده أنشأ قاعدة محمد نجيب العسكرية بمطروح، ونقل لها معدات ضخمة من قواعد أخرى كقاعدة العامرية، ويقوم فيها بتدريب قوات عربية من دول مختلفة.

كما يقدم تسهيلات للدراسة الأمنية والإستراتيجية والدراسة الأمنية للقادة العسكريين في العالم العربي، وذلك لاجتذاب الفاعلين العسكريين من أنحاء الدول العربية وربطهم بالنظام العسكري المصري، ويعبر ذلك عن توجه السياسة المصرية الجديدة.

تأتي القوات الإماراتية في مقدمة المستفيدين من القاعدة العسكرية، التي شارك ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في افتتاحها في يوليو/ تموز 2017، والتي شاركت (القوات الإماراتية) في انطلاق الطلعات الجوية في الحرب على حكومة الوفاق، كان هدف النظام المصري من إنشاء أكبر قاعدة عسكرية في أفريقيا وفي الشرق الأوسط بعد قاعدة العديد في قطر، أن تكون مفرخًا لتخريج العسكريين العرب، فهو نظام جديد يتشكل عبر استنساخ التجربة المصرية قدر ما أمكن، وهو ما تقبله دولة الإمارات وتدعمه بكل قوة.