تأتي هذه الحلقة ضمن تغطية إضاءات المستفيضة للوثائق المفرج عنها مؤخرًا من الخارجية الأمريكية، حول اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية، المعروفة تاريخيًّا باتفاقية كامب ديفيد.

للاطلاع على الملف المجمع للتغطية اضغط هنا.


الوثيقة الأولى

تعيش المنطقة حالة كارثية عقب الثورة التي اندلعت في إيران؛ فبجانب الأزمة الداخلية التي تعرضت لها السعودية على يد جهيمان العتيبي، يمثل الغزو السوفيتي لأفغانستان أحد أخطر حلقات ذلك المسلسل الكارثي. زادت حدة غضب الإدارة الأمريكية على الطريقة المهينة التي تعاملت بها حكومة الجمهورية مع الرهائن المحتجزين لديها. عرض وزير الدفاع المصري كمال حسن على الولايات المتحدة الأمريكية استخدام المنشآت العسكرية المصرية، ولكن بشكل مؤقت، ودون تأسيس قواعد عسكرية دائمة.قال الدكتور بريجينسكي إن العالم يواجه تحديات صعبة مذ انتهت مرحلة الحرب العالمية الثانية، مضيفًا أن النظام العالمي الذي تشكل عقب تلك المرحلة ارتكز على ثلاثة أعمدة رئيسية، وهي ربط الأمن الأوروبي الغربي بأمن أمريكا في تحالف استراتيجي طويل المدى، بجانب ترسيخ هيمنة أمريكية على منطقتي الشرق الأقصى، والشرق الأوسط. أكد بريجينسكي أن الاستراتيجية القديمة غير صالحة للتعامل في ضوء المستجدات الأخيرة، وأنه بحاجة إلى ربط العرب أكثر برؤية الأمريكيين، لذا دعا إلى اتخاذ خطوات بعيدة في ملف تسوية الصراع العربي الإسرائيلي من جهة، بجانب تعزيز باكستان عسكريًّا بقوة من جهة أخرى، لمواجهة غزو أفغانستان.طالب بريجينسكي بضرورة التروي والهدوء في معالجة ملف إيران، وطالب بإلقاء أزمة الرهائن خلف الظهر، والاكتفاء بمعاقبة إيران مع ترك الباب مفتوحًا بشدة للتعاون معها لاحتواء الخطر السوفيتي، بل طالب بعدم معاقبتها من الأساس، وأكد أنه سيقف في وجه هذا الأمر.


الوثيقة الثانية

عبّر الأمير فهد ولي العهد السعودي عن قلقه الشديد للسفير الأمريكي بخصوص الهجمات التي تشنها الصحافة المصرية بأوامر من السادات على العائلة المالكة السعودية. واستنجد فهد بالإدارة الأمريكية بسرعة التدخل لإنقاذ الوضع، مؤكدًا أنه يصلي كل يوم لنجاح السادات في مساره، رغم الهجوم المصري المتكرر. وأضاف فهد أن الولايات المتحدة بحاجة إلى الدعم السعودي، لاسيما بعد غزو أفغانستان، مؤكدًا ضرورة تدخل الرئيس كارتر لحل هذه المشكلة.يشعر فهد بالقلق جراء احتمالية إعادة سيناريو اغتيال الملك فيصل. أشار فهد إلى أن لديه معلومات عن تورط السيدة جيهان السادات في تجارة الأسلحة بنسبة تصل إلى 10%، وهي المعلومات التي حصل عليها من أشرف مروان، لكنه يؤكد أن عدم إقدامه على هذا الأمر يعود إلى احترامه لكارتر. وهو ما حدث بالفعل في نهاية المطاف، حيث تدخل كارتر مباشرة في اجتماع ضمّ السادات والأمير بندر، وتصالحا معًا، وأكد أن الصحافة المصرية لن تشن هجومًا جديدًا من اليوم.


الوثيقة الثالثة

قال الوزير براون إن القادة العرب لا يريدون قيام دولة فلسطينية مستقلة. التقى حسني مبارك نائب الرئيس مع الشيخ زايد رئيس مجلس وزراء الإمارات العربية المتحدة قادمًا من باكستان إلى عمان لمقابلته. وقال زايد:

من فضلكم انقلوا للرئيس السادات تقديرنا لكل الخطوات التي اتخذها، نتمنى أن يتفهم موقفنا وعدم قدرتنا على قول ذلك علنًا. نحن لا نستهدف ولا نريد طرد الإسرائيليين من القدس.

وعلى الجهة الأخرى،شدد كارتر على عدم وجود كامب ديفيد الثانية لصالح الفلسطينيين. ومع ذلك، فالهدف الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط هو إظهار القوة الدبلوماسية الأمريكية واستمرار عدم القدرة السوفيتية على حل إحدى المشاكل الرئيسية في المنطقة بطريقة عادلة وآمنة، خاصة بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان.

أدركت أمريكا سريعًا حاجتها لشريك عربي معتدل لتتوازن الكفة مع تل أبيب، وخشيتها أن يؤدي الدعم للأخيرة فقط إلى انضمام العناصر العربية للمحور السوفيتي، وهو ما يمثل خطرًا على مصالحها.استطاع السادات اللعب كثيرًا على هذه القضية في كل رسائله إلى بيجن وكارتر. تقول الوثائق الأمريكية إن ذهاب السادات للحرب لم يكن بهدف تحقيق نصر عسكري، بقدر رغبته في تحريك المياه واستدعاء أمريكا كطرف دبلوماسي محكم في المنطقة. ستستفيد إسرائيل بشدة إذا لعبت واشنطن هذا الدور، لأنها ستتمكن من استقطاب منظمة التحرير الفلسطينية مع تنقيتها من العناصر المتطرفة وتقوية العناصر المعتدلة داخلها، وهو ما سيجعلها المتحكم الأكبر في اللعبة.


الوثيقة الرابعة

عبر السادات في رسالة إلى جيمي كارتر عن خيبة أمله الشديدة فيما يخص رد فعل الإدارة الأمريكية على طلبات التسليح المصرية. مضيفًا أن أهمية مصر في أي جهد حقيقي لمعارضة التهديد الشيوعي في العالم العربي وفي أفريقيا هو حقيقة لا يمكن دحضها. وأكد السادات في رسالته أهمية دعم مصر في مواجهة التمدد السوفيتي الشيوعي في المنطقة، محذرًا أمريكا من خطأ الاعتماد على إسرائيل الذي ربما يحقق نتائج عكسية غير محمودة العواقب. رد جيمي كارتر على هذه الرسالة قائلًا:


الوثيقة الخامسة

عملنا عن كثب معكم ومع كبار أعضاء حكومتكم في محاولة لتلبية احتياجات مصر، نحن ندرك الحاجة الملحة لاحتياجاتكم العسكرية، ولكن في الوقت نفسه هناك حدود لما يمكننا القيام به فيما يتعلق بالتوقيت والنطاق مع الوفاء بالتزاماتنا العالمية الأخرى واحتياجات قواتنا المسلحة، أطلب تفهمك لهذه الحدود.

أعدت السفارة الأمريكية في دمشق مجموعة من التقارير الخاصة بالوضع السوري بعد اشتعال الحرب الأهلية بين حافظ الأسد وجماعة الإخوان المسلمين في حماة. عبر أول التقارير بمصطلح «الحكومة العلوية الأقلية» عن الخطر الذي أضحت تواجهه تلك الأقلية بعد أن استدعى الأسد نيران الجيش لمواجهة المدنيين.قام الزعماء الدينيون والمسئولون الحكوميون في حلب بترتيب وقف إطلاق نار لإعطاء نظام الأسد الوقت للنظر في مطالب المحتجين بالمزيد من الحرية السياسية وإطلاق سراح السجناء، وقد أعطى الزعماء الدينيون الحكومة أسبوعًا لتلبية مطالبهم، لكنهم هددوا بتجديد دعواتهم بمعاداة النظام إذا لم تستجب الحكومة. من الواضح أن الأسد لا ينوي تلبية مطالب الزعماء الدينيين. ويقال إن المسئولين الحكوميين قلقون بشكل خاص من مدى الدعم المجتمعي للمظاهرات، ورغم أن معظم المتظاهرين طلاب متقلبون تقليديًّا، فقد انضم إليهم العديد من العمال وأصحاب المتاجر الصغيرة الغاضبين من سياسات الأجور والأسعار الحكومية، كما دعم زعماء الصلاة في المساجد الإضرابات. من الواضح أن أحد الشيوخ في حماة دعا إلى إنشاء دولة إسلامية، وهو ما يعكس آراء السنة المحافظة التي ترفض العلويين، ويعارضون سياسات النظام البعثي العلمانية والاشتراكية. أكدت المتابعة الأمريكية نية الأسد القيام بمذبحة في حلب لعدة أسباب، أولًا: لترويع باقي المدن الغاضبة، وثانيًا: لأن حلب تاريخيًا منافس قوي للسيطرة السياسية العلوية في دمشق، وثالثًا: لابتعاد حلب عن العاصمة قليلًا ما سيتيح للأسد استخدام القوة الباطشة بحريّة. ومع ذلك، فإن استخدام الأسد للجيش النظامي في حلب وأماكن أخرى فيه مخاطرة بتقسيم الجيش على أسس طائفية؛ لأن معظم المجندين في الجيش هم من السنة. وصف السادات الأسد بأنه عميل سوفيتي أغرق سوريا في حرب أهلية ستقضي عليه في النهاية!