في شهر رمضان من كل عام يتسابق عدد كبير من الأعمال الدرامية العربية في مارثون بطول 30 حلقة، وكالعادة ترتفع التوقعات قبل بداية كل موسم، ومع ظهور الإعلانات الترويجية لهذه الأعمال التي تعد بمسلسلات عالية الجودة، تساهم في تطور حركة الدراما العربية، غير أن هذه الوعود لا تلبث أن تتبخر بنهاية الشهر الكريم، وربما حتي قبل أن ينتصف، لنعود إلي السؤال الذي يطرح نفسه كل عام بعد نهاية هذا الماراثون. لماذا لا ترقي الأعمال الدرامية المصرية والعربية لمثيلتها الغربية؟

دائما ما كانت الإجابة الجاهزة لهذا السؤال ترمي إلي الفرق الكبير في ظروف وحجم الإنتاج الغربي عن نظيره العربي، غير أن السنوات القليلة الماضية أثبت عدم رجاحة هذه الإجابة حيث شهدت طفرة نوعية في حجم الإنتاج الدرامي ليس فقط علي المستوي الكمي المتمثل في عدد الأعمال، ولكن أيضا علي مستوي الإنفاق علي العمل الواحد الذي وصل إلي معدلات لا تختلف كثيرا عن تلك التي تعتمد عليها الدراما الغربية. في هذا التقرير نستعرض عدد من الجوانب الفنية التي أخفقت فيها الدراما المصرية هذا العام، والتي لم تتطلب سوي المزيد من الإتقان والارتقاء بجودة المنتج الفني.


المط والتطويل

ظاهرة ليست بالجديدة علي مسلسلات رمضان، فالحلقة الواحدة من المسلسل لا تتجاوز 30 دقيقة، وبعد حذف الوقت الذي يستغرقه التتر في البداية والنهاية، وكذلك حذف الممارسات السخيفة التي درج أغلب المسلسلات علي استخدامها لتطويل عمر الحلقة مثل عرض مشاهد الحلقات السابقة، وعرض المشهد الأخير في الحلقة السابقة، يكون عمر الحلقة الصافي 20 دقيقة فقط وهو المتوسط المعتمد للمسلسلات الخفيفة والكوميدية «سيت كوم» وليس للمسلسلات الدرامية الطويلة.

لا يتجاوز عمر الحلقة الواحدة من مسلسلات رمضان 20 دقيقة، وهو متوسط المسلسلات الكوميدية القصيرة لا الدرامية الطويلة

علي الرغم من هذا التطويل غير المبرر في عمر الحلقات، فإن صنَّاع الدراما يعجزون عن ملء 30 حلقة كاملة ما يدفعهم إلي حشو المسلسل بالمزيد والمزيد من المشاهد الفارغة من أي مضمون أو أحداث جديدة في السياق الدرامي. وهو ما يطرح السؤال نفسه كل عام، ما الداعي وراء حشو 30 حلقة؟ وإذا كان صناع الدراما عاجزون عن ملء كل هذا الكم لماذا لا يكتفون بعدد أقل من الحلقات؟

في المقابل هناك العديد من المسلسلات الأجنبية التي لا تتجاوز حلقات الموسم الواحد فيها عشر حلقات، علي رأسها Game of Thrones المسلسل الأكثر مشاهدة في العالم. وكذلك كان مسلسل Breaking Bad الذي استمر لخمسة مواسم بمتوسط 13 حلقة للموسم الواحد.

المسلسلات الرمضانية تكفي بالكاد لملء 15 حلقة، فإذا كان الدافع تجاري بحت، قد يكون من الأفضل أن يقتصر العمل علي 15 حلقة فقط علي أن يتم إعادة عرضها في النصف الثاني من الشهر، وبهذا لا يفقد المنتج العائد المادي من الإعلانات، ويتسنَّى للمشاهدين متابعة أكثر من مسلسل خلال الشهر، فيخرج الجميع رابحون.


معضلة اللَّكنة

ظاهر اختلاف اللكنات في اللغة الواحدة هي ظاهرة عالمية، فمن الطبيعي أن يكون يكون لكل بيئة خصوصيتها ليس فقط علي مستوي اللغة وما تستخدمه من مفردات وتعبيرات، ولكن أيضا علي مستوي نطق هذه الكلمات والتعبيرات. وقد شهدت الأعوام الماضية هجرة العديد من الممثلين العرب إلي الدراما المصرية أمثال إياد نصار، وصبا مبارك، وجمال سليمان وغيرهم، وخاصة بعد دخول الوضع في سوريا إلي حالة الحرب، وهو ما كان له أعظم الأثر علي الدراما السورية.

وعلي الرغم من سهولة اللكنة المصرية باعتبارها اللكنة العربية الأشهر والأكثر انتشارا، إلا أن بعض الممثلين لا زالوا عاجزين علي إتقانها، وهو ما يفرض تعديلات علي السيناريو في بعض الأحيان بأن تظهر للشخصية جذور غير مصرية لتبرير القصور في اللكنة، وهو ما حدث مع ممثلين مثل جمال سليمان في فيلم «ليلة البيبي دول»، وكندة علوش في مسلسل «أهل كايرو»، وكذلك فيريال يوسف في مسلسل «خاتم سليمان» غير أن هذا الأمر يستعصي علي السياق في بعض الأحيان.

وقد شهدت الدراما المصرية هذا العام نموذجين صارخين لهذه المعضلة أحدهما في مسلسل «أفراح القبة» مع الممثل جمال سليمان الذي أدي شخصية «سرحان الهلالي»، وفي مسلسل «ونوس» مع الممثل «نيقولا معوض» الذي أدي شخصية «فاروق ياقوت»، حيث ظهرت هذه الأزمة بوضوح، وأثرت علي تلقي المشاهدين لهذه الشخصيات التي من المفترض أنها مصرية خالصة أداها الممثلان بلكنة زائفة لا هي مصرية ولا هي شامية.

وفي المقابل فإن الدراما الأجنبية يصل بها الإتقان ليس فقط إلي حد الاهتمام باللكنة الرئيسية، ولكن أيضا إلي التنوع في اللكنات الفرعية. ففي مسلسل «Game of Thrones» والذي يعتمد الحوار فيه بشكل أساسي علي اللكنة البريطانية، وعلي طاقم تمثيل كامل من أصل بريطاني، اهتم صُنَّاعه أيضا بالفروق البسيطة بين اللكنات الفرعية، حيث تختلف اللكنات بين الممالك المختلفة التي تدور بها الأحداث، فاللكنة التي تتحدث بها الشخصيات في الشمال تختلف عن نظيرتها في الجنوب، لا يتوقف الأمر عند ذلك، ولكن هذه اللكنات المتنوعة تتسق مع اللكنات التي يتحدث بها سكان المملكة البريطانية في الواقع وفقا لتوزيعهم الجغرافي.


معضلة اللغة .. «منك ليه»

اللغة حية بطبيعتها، وتختلف دلالاتها من زمن لأخر، ولكن علي ما يبدو فإن هذه الحقيقة تخفى علي صُنَّاع الدراما المصرية.

شهد هذا الموسم الدرامي مسلسلين دارت أحداثهما في حقب زمنية أقدم من تلك التي نعاصرها، هما مسلسل «جراند أوتيل» الذي تدور أحداثه في خمسينيات القرن الماضي، ومسلسل «أفراح القبة» المأخوذة عن رواية الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ، والتي تدور أحداثها في السبعينيات من نفس القرن.

ومن قبيل الإتقان والاحترام للمشاهد، كان من المفترض أن تتسق اللغة بهذين العملين بالسياق الزمني الذي تدور به أحداثهما، لكن علي ما يبدو أيضا أن المشاهد العربي لا يليق بمثل هذا المستوي من الإتقان والاحترام،، حيث جاءت اللغة بهذين العملين مخيبة للتوقعات، استقت الغالبية العظمي من مفرداتها ومصطلحاتها من اللغة العصرية، دون أدني جهد في إظهار السياق الزمني الذي تدور به الأحداث. ففي أحد الحوارات التي دارت بمسلسل «جراند أوتيل» بين «علي» و«مراد» عن محاسب الضرائب الخاص بالفندق، وفي محاولة مراد للتنصل من التلاعب بكشوف الحسابات لم يجد الكاتب أدني غضاضة من أن تنطق هذه الشخصية بتعبير مثل «منك ليه» في إشارة إلي المحاسب المسئول.

وفي المقابل فإن صناع الدراما الغربية لا يتورعون عن صك لغة جديدة من العدم إذا اضطرهم السياق الدرامي لذلك، وهو ما حدث في العديد من الأعمال مثل فيلم Avatar (2009)، وكذلك في مسلسل Game of thrones الذي قام مؤلفه «جورج آر مارتن» بخلق عدد من اللغات الخيالية مثل لغتي Dothraki، Valyrian


الموسيقي التصويرية.. ساسبنس في المطبخ

يتجه صناع الدراما الغربية إلي صك لغة جديدة من العدم وفقا لمتطلبات السياق الدرامي كما حدث في Game of thrones وغيرها

لا جدال أن الموسيقى التصويرية من أهم عناصر العمل الفني سواء كان دارميا أو سينمائيا. فالموسيقى تلعب دورا كبيرا في نقل انفعالات الشخصيات إلي المشاهد، ومواكبة الحركة في المشهد صعودا وهبوطا، كما يفترض فيها أن تعبر عن البيئة والمكان الذي تدور به الأحداث، خاصة إذا كانت هذه البيئة تتمتع بخصوصية تميزها عن غيرها، وهو ما يظهر جليا في الدراما الصعيدية مثلا التي تستقي موسيقاها من الموروث الفلكلوري المميز لإقليم الصعيد. كذلك يفترض أن تتسق تلك الموسيقى مع طبيعة الأحداث، فالموسيقى التي تصاحب المشاهد الرومانسية، تختلف عن غيرها في مشاهد الحركة والغموض. كل تلك المحددات ليست من قبيل الترفع والارتقاء بمستوي العمل، ولكنها من الثوابت الأصيلة في صناعة الفن المرئي. ولكن علي ما يبدو أن الدراما المصرية قد ضلَّت طريقها إلي هذه الثوابت.

شهدت السنوات القليلة الماضية تطورا ملحوظا في الاهتمام بعنصر الموسيقى التصويرية، وبلغت مستويات عالية من الإبداع والإتقان علي يد مجموعة من الموسيقيين المجتهدين أمثال هشام نزيه، وخالد حماد، وأمين بوحافة وغيرهم، وبالرغم من ذلك لم تخل أعمال هذا الموسم من بعض الثغرات التي ضربت بهذه الثوابت عرض الحائط. فقد ثارت مواقع التواصل الاجتماعي بالسخرية من أحد مشاهد مسلسل «القيصر» الذي يقوم فيه البطل بتحضير الطعام بالمطبخ تصاحبه موسيقى الإثارة والتشويق. وعلي الرغم من أن عمرو إسماعيل الذي وضع الموسيقى التصويرية لهذا العمل هو أحد هؤلاء الموسيقيين المجتهدين الذين قدموا العديد من الأعمل الجميلة مثل «رقم مجهول» و«الكبير أوي» و«آسف علي الإزعاج» وغيرها، إلا أنه وقع في هذا الخطأ الفادح.