يعيش معظم أبناء الطائفة الدرزية بين سوريا ولبنان وفلسطين، وقد أتت تسمية الطائفة نسبة إلى محمد بن إسماعيل الدرزي الذي اشتهر باسم نشتكين، وكان من أوائل الدعاة إلى هذه العقيدة، ثم انشق عنها إلا أن اسمه ظل ملتصقًا بها رغم أنهم يفضلون تسمية «الموحدين»، ويطلق عليهم أيضًا «بني معروف»، وهي قبيلة ينتسبون إليها، وبعضهم يقول إن التسمية بسبب كونهم من أهل الإحسان والمعروف، وبدأت الدعوة إلى المذهب في عهد الحاكم بأمر الله، ثم تم غلق باب الدعوة إلى دخول الطائفة عام 1043م، ولم يُسمح بعد ذلك بانضمام أي منتسبين جدد لها سوى من يخرجون من أصلاب معتنقيها حتى اليوم.

وتنص كتبهم على تأليه الحاكم بأمر الله الفاطمي (985 -1021م) الذي اشتهر في أسفار التاريخ بالأفعال الغريبة الخارجة عن المألوف، لكن العقيدة الدرزية أعطت تلك التصرفات معاني باطنية لا تخطر على البال، كما يتبنون تفسيرًا باطنيًّا للقرآن الكريم يتضمن إبطال الشعائر والعبادات الإسلامية كالصلاة والزكاة، ولهم كتبهم المقدسة الخاصة بهم، وإن نال عقيدتهم الكثير من التبديل بمرور الوقت وفقًا لما خلص إليه الدكتور محمد كامل حسين، في كتابه «طائفة الدروز تاريخها وعقائدها».

ورغم الانتماء العربي للطائفة فإن أصولها العرقية كثيرًا ما كانت محل جدل ومتاجرة، فالغزاة من الإنجليز والفرنسيين كليهما ادعى نسبتها إليه، متذرعين بشواهد تاريخية واهية مختلقة، كما حاول الإسرائيليون بعد احتلال فلسطين عام 1948 نسج وشائج روحية مع الدروز الذين يعيشون في شمال الأراضي المحتلة من خلال استحضار رواية أن النبي شعيب – عليه السلام – الذي يقدسونه زوَّج ابنته للنبي موسى – عليه السلام – الذي يعظمه اليهود، إذ ينظم الدروز زيارة سنوية للضريح المنسوب للنبي شعيب – عليه السلام – قرب قرية حطين في منطقة الجليل الفلسطينية، في الخامس والعشرين من شهر أبريل/نيسان من كل عام.

حلف الدم

لكن بعض الدروز رفض العيش تحت الاحتلال وهاجروا إلى سوريا أو لبنان، وحاول اليهود استمالة من بقي منهم باللعب على وتر التمايز العقدي بينهم وبين باقي الفلسطينيين، ونجح الإسرائيليون في عام 1956 في عقد اتفاق مع زعيم الطائفة الدرزية تم بموجبه سن قانون يلزم الدروز بالالتحاق بالجيش فيما عُرف بـ«حلف الدم» الذي يعني أن الطرفين أصبحا ملزمين بالقتال دفاعًا بعضهما عن بعض، وتعمد الجيش الإسرائيلي الزج بهم في الاشتباكات مع المتظاهرين المحتجين الفلسطينيين وإرسالهم في مهام قتالية خطرة بدلًا من جنوده اليهود.

 وفي 1974 أنشأ الجيش الإسرائيلي كتيبة لتجمع أبناء الطائفة تدعى «حيرف»، واستطاع عدد من الدروز الوصول إلى مناصب عسكرية قيادية، مثل الجنرال عماد فارس قائد لواء جيعفاتي، والجنرال غسان عليان الذي قاد لواء جولاني الشهير، وهو الذي اشتهر بارتكاب مجازر ضد الفلسطينيين وأصيب في مواجهات عسكرية مع حركة حماس خلال الحرب على قطاع غزة عام 2014، وعُين في السادس من أبريل/نيسان 2021 منسقًا لعمليات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، خلفًا للجنرال الدرزي أيضًا كميل أبو ركن، وقبله خدم يوسف مشلب في نفس المنصب، وكان حينها الضابط الدرزي الأول في الجيش الإسرائيلي الذي يحصل على رتبة لواء.

الوضع السياسي للطائفة

ويبلغ تعداد منتسبي الطائفة في المجتمع الإسرائيلي قرابة 143 ألف نسمة، يمثلون نسبة 1.6% من سكان الكيان الإسرائيلي، ونسبة 8% تقريبًا من مجمل السكان العرب فيها، ويعيش معظمهم في الجليل والكرمل، والباقون في هضبة الجولان المحتلة.

ويشارك أبناء الطائفة في أحزاب إسرائيلية مختلفة، إذ لا يوجد حزب سياسي يمثلهم ويعبر عن مصالحهم وتطلعاتهم، لكن عددًا منهم عملوا وزراء في الحكومات الإسرائيلية مثل صالح طريف الذي عُيِّن وزيرًا بدون حقيبة وزارية في حكومة شارون الأولى في 2001، وهو أول وزير غير يهودي في حكومات إسرائيل، وأيوب قرا الذي عُين وزيرًا بلا حقيبة وأصبح بعد ذلك وزيرًا للاتصالات.

ولهم اليوم ثلاثة نواب في الكنيست من ضمن 120 عضوًا، هم مفيد مرعي عن حزب أزرق أبيض، وفطين ملا عن حزب الليكود، وعلي صلالحة عن حزب ميرتس اليساري، ويُعتبر هذا العدد من النواب كبيرًا مقارنة بنسبة الدروز الضئيلة في إسرائيل.

وقد سلطت الأزمة السياسية الأخيرة في إسرائيل الضوء على أهمية هذه الطائفة في حسم الفارق الضئيل بين المعسكرين المتنافسين، والذي أسفر عن الإطاحة بنتنياهو بفارق صوت نائب واحد فقط، فخلال أزمة تشكيل الحكومة الجديدة كان للدروز ثلاثة أعضاء دروز في الكنيست الإسرائيلي، وهم: جابر عساقلة عن «القائمة المشتركة»، وغدير مريح عن حزب «أزرق أبيض»، وحمد عمار عن حزب «إسرائيل بيتنا»، وكان لأصواتهم تأثير في حسم الفارق الضئيل بين نتنياهو وخصومه.

وللطائفة اليوم وزير مشارك في حكومة بينيت- لبيد التي منحها الكنيست الثقة في يونيو/حزيران الماضي، فقد تولى حمد عمار منصب وزير في وزارة المالية إلى جانب أفيغدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» الذي تولى حقيبة المالية.

وعمار عضو في حزب إسرائيل بيتنا اليميني الذي يعارض قيام دولة فلسطينية ويؤيد الاستيطان، وقد خدم في الجيش الإسرائيلي في الثمانينيات، واستقال مؤخرًا من البرلمان لينضم للحكومة إذ يحق للوزير أن يستقيل من البرلمان، على أن يدخل مكانه التالي له في قائمة مرشحي حزبه للانتخابات الأخيرة، ويحق له العودة إلى عضوية البرلمان، مقابل خروج النائب البديل، في حال استقالة الوزير.

ومع مشاركة القائمة العربية الموحدة بزعامة منصور عباس في الحكومة الإسرائيلية الحالية، كان من بنود الاتفاق بين القائمة ويائير لبيد، وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي وأحد أهم أقطاب الحكومة الجديدة، صياغة خطة خمسية لتحسين أوضاع المجتمع العربي المعيشية، ومن ضمنهم الدروز الذين يمثلون جانبًا من ناخبي القائمة الموحدة.

خديعة المساواة

ورغم اندماج الطائفة في المجتمع الإسرائيلي فإن نسبة الرافضين منهم للخدمة العسكرية آخذة بالارتفاع حتى إن البعض منهم يفضل الاعتقال بدلًا من الانضمام إلى جيش الاحتلال، كما يحاول البعض منهم التخلص من وصمة ارتباط اسم الطائفة بجيش الاحتلال بالاحتجاج بأن عدد المجندين المتطوعين من العرب غير الدروز في الأجهزة الأمنية باتت تفوق بكثير عدد المجندين إجباريًّا من الدروز خلال السنوات الأخيرة.

وتتصاعد بينهم النبرة الناقمة على أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية، ويرون أن الخدمات العسكرية التي أدوها لم تسهم في إحداث تغيير في سلم المواطنة في إسرائيل الذي ظل على تراتبيته نفسها، فاليهود الحريديم مثلًا الذين يرفضون أداء الخدمة العسكرية يتمتعون بوضع اجتماعي أفضل بكثير من الدروز لكونهم يهودًا فقط، كما يتعرض العديد منهم للتنمر ويُعامل بعنصرية شديدة من اليهود.

كما أدى سن قانون يهودية الدولة، الذي تم إقراره في 2018 وينص على أن إسرائيل «دولة قومية للشعب اليهودي»، إلى إشعال إحساس عميق بالخديعة لدى الدروز الذين غضبوا من التشريع الذي يجعلهم سكانًا من الدرجة الثانية، ونظموا احتجاجات خطب في إحداها زعيمهم الروحي الشيخ موفق طريف قائلًا: «ما من أحد يمكنه أن يعظنا عن الولاء.. والمدافن العسكرية تشهد على ذلك.. برغم إخلاصنا المطلق، لا ترانا الدولة متساوين».