في الثاني والعشرين من مايو/آيار عام 1966، ضرب زلزال ضخم بلغت قوته 9.5 درجة على مقياس ريختر سواحل تشيلي تسبب في مقتل 1655 شخصًا وإصابة نحو 3000 آخرين، وبلغت خسائره المادية نحو 550 مليون دولار. كما تسببت موجات تسونامي المصاحبة له بالمحيط في أضرار على مدى بعيد في مناطق مثل هاواي، اليابان، والفلبين.

وفي الحادي عشر من من مارس/آذار عام 2011، ضرب زلزال كبير بلغت قوته 9.0 درجات على مقياس ريختر كلاً من اليابان والعاصمة الأسترالية سيدني؛ تسبب في حدوث موجات ضخمة من تسونامي في المحيط الهادئ أسفرت عن مقتل نحو 10 آلاف شخص، وضعف هذا العدد من المفقودين وفقًا للإحصاءات الرسمية.

أمس، 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017،ضرب زلزال عنيف بقوة 7.3 ريختر الحدود بين إيران والعراق، ولا توجد تقديرات نهائية عن عدد الوفيات حتى الآن، لكنها وصلت إلى نحوـ 330 في البلدين.

حسنًا.. لا شيء يبقى آمنًا أمام قوة الطبيعة، وبالنسبة للزلازل محور حديثنا اليوم؛ فهي تعتبر أكثر القوى الطبيعية فتكًا حين تضرب الأرض أسفل أقدامنا غير آبهة بحجم وحياة من يعيش في مناطقها.

غلافنا الصخري

قبل الحديث عن ماهية الزلازل، هل أخبرك أحدهم أننا نعيش على صفائح أرضية متحركة؟

هذا بالضبط ما يمثله الغلاف الصخري للأرض الذي يشكل قشرة اليابسة، والجزء العلوي من طبقة «الوشاح – mantle» التي تتحرك فوق بحر هائل من صخور الوشاح الداخلية المنصهرة والساخنة جدًا على عمق نحو 100 كم، والتي تصل درجة حرارتها إلى آلاف الدرجات المئوية.

وإذا نظرنا لخريطة أرضية قديمة؛ سنجد أن اليابسة كانت عبارة عن كتلة واحدة متلاحمة تقع في منتصف الكرة الأرضية تحيط بها المياه من كافة الاتجاهات، قبل أن تتحرك عبر ملايين الأعوام لتصل إلى شكلها الحالي.

حاول علماء كُثر تفسير كيف أصبح شكل الأرض هكذا؛ قطع منفصلة من اليابسة متفرقة على سطح الماء! حينئذٍ ظهرت نظرية «الانجراف القاري – continental drift» التي وضعها «ألفريد فينجر – Alfred Wegener» في أوائل القرن العشرين في العام 1912، حيث تعتبر أقدم النظريات التي حاول من خلالها وينجر تفسير لماذا تُغير القارات موقعها في الأرض؟

ثم استحدثت منها نظرية في الفترة بين عامي 1950 – 1970 عملت على توحيد وشرح كافة الأدلة التي تفسر حركات الغلاف الصخري على نطاق واسع، والتغيرات الجيولوجية الهائلة التي تصاحبها. سميت هذه النظرية باسم «الصفائح التكتونية – Plate Tectonic».

هذه النظرية تعزي تغير مواقع وشكل القارات إلى حركتها الناتجة عن قوى الدفع وتيارات الحمل الحراري في طبقة الوشاح الداخلية المنصهرة أسفل القشرة الأرضية التي عملت على تحريك هذه الألواح (الصفائح).

خريطة توضح الصفائح التكتونية المكون منها الغلاف الصخري للأرض
خريطة توضح الصفائح التكتونية المكون منها الغلاف الصخري للأرض

يتم تقسيم الغلاف الصخري إلى 7 صفائح كبيرة رئيسية، بالإضافة إلى صفائح أخرى كثيرة وصغيرة. الصفائح السبعة الرئيسية هي:

صفيحة المحيط الهادئ، صفيحة أمريكا الشمالية، الصفيحة الأوراسية، الصفيحة الأفريقية، الصفيحة القطبية الجنوبية، الصفيحة الهندية الأسترالية (تشمل الصفيحتين الأسترالية والهندية)، صفيحة أمريكا الجنوبية.

تتحرك هذه الصفائح بالنسبة لبعضها بثلاث طرق مختلفة وفقًا للحدود بينهما كالآتي:-

– الحدود المتقاربة أو الاصطدام؛ عندما تتحرك لوحتان باتجاه بعضهما.

– حدود متباعدة أو الانتشار؛ عندما تتحرك لوحتان بعيدًا عن نقطة التقائهما.

– الحدود المنزلقة؛ حين تتحرك لوحتان حركة جانبية في نفس مستوى اليابس إما لأعلى أو لأسفل.

الفيديو التالي يوضّح حركة الصفائح التكتونية المختلفة، وما ينشأ عنها من ظواهر وكوارث طبيعية متنوعة.

تتسبب حركة هذه الصفائح في انفجار البراكين، وتشكيل الجبال، واندفاع الطاقة الزلزالية من مناطق الضعف والانكسار المفاجئ في الغلاف الصخري، أو القشرة الأرضية بسبب الجاذبية أو التفاعلات الكيميائية داخل صخور الوشاح المنصهرة.

تظهر الطاقة الزلزالية في شكل موجات صَدْمِية تعرف بـ «الموجات السيزمية – seismic wave» تحديدًا P-wave التي تفتك بالقشرة الأرضية وما عليها من منشآت وحياة، نظرًا لموضع انتشارها بالقرب من السطح، وسرعتها.

وبجانب تأثير الزلازل الفتّاك، إلا أنها قوة طبيعية ساهمت بشكل أساسي في تشكيل معالم سطح الكرة الأرضية منذ ملايين السنين قبل نشأة الحياة عليها.

المخيف في الزلازل -بجانب الأضرار التي تلحقها بالمنشآت والناس في المناطق التي تضربها- هي أنها تأتي فجأة ودون سابق إنذار، حتى وإن كانت مناطق حدوثها أو نشاطها معروفة.

مقياس ريختر

جميع الخصائص الفيزيائية يتم رصدها وتقدير قيمتها بأجهزة ووحدات تختلف على حسب طبيعة الخاصية المرصودة. وفي حالة الزلازل، فإننا نرصد الموجات الزلزالية على أجهزة «السيزموغراف – seismograph»، ونحسب قيمتها على مقياس ريختر. نقصد بشدة أو قوة الزلزال؛ هي مقدار الطاقة أو الهزة الأرضية التي انطلقت من بؤرة الزلزال فور حدوثه.

يعود تاريخ مقياس ريختر إلى عالم الزلازل الأمريكي «تشارلز ريختر – Charles Richter» عام 1935 حين كان يدرس الزلازل في كاليفورنيا، وكان بحاجة إلى طريقة ما بسيطة ودقيقة لمعرفة الزلازل الكبيرة والصغيرة.

مقياس ريختر هو مقياس لوغاريتمي يتدرج من 1 إلى 10. لذا فإن الأعداد الموجودة على المقياس تتناسب مع «لوغاريتيمة» السعة لأكبر موجة رصدها السيزموغراف؛ حيث يسجل السيزموغراف موجات الزلزال في هيئة نبضات تشبه نبضات تخطيط القلب؛ بمعنى آخر كل وحدة أو درجة واحدة على المقياس تمثل عشرة أضعاف قيمة الدرجة السابقة.

الفوالق الأرضية

يترافق مع انفجار طاقة الزلزال من الأرض حدوث كسور وتصدعات في القشرة الصخرية؛ هذه التصدعات يطلق عليها اسم «الفالق – fault». تعتبر هذه الفوالق مناطق ضعف في القشرة الأرضية؛ فإذا ما شعرت الأرض بنوع من الضغط الداخلي نتيجة عمليات الغليان والتفاعلات المهولة داخلها؛ فإن هذه الفوالق تكون هي متنفسها؛ حيث تطلق البراكين، والطاقة الزلزالية من خلالها.

يوجد في الكرة الأرضية عدد من هذه الفوالق، أو الأحزمة التي تحوي العديد من الزلازل والبراكين؛ والتي بدورها عملت على تشكيل الصفائح التكتونية، وتشكيل سطح الأرض. فعند حدوث الفالق، يكون له 3 أوضاع يحدث بها؛ أشهرها هو الانزلاق على نفس المستوى؛ بمعنى أن تتحرك الأرض حركة عمودية على نفس المستوى الأرضي، كأنك تحرك مكعبين موضوعين بجانب بعضهما إلى أعلى وإلى أسفل.

وبما أننا بصدد الحديث عن الزلازل، فإن هناك نطاقات أو أحزمة تتمركز فيها الزلازل؛ كالآتي:-

حلقة المحيط الهادئ النارية

أحد أكثر المناطق المعروفة بالنشاط الزلزالي؛ إلا أن التنبؤ بموعد قدوم هذا الزائر ثقيل الظل فيها غير معروف. تتخذ هذه الحلقة نطاقًا واسعًا على شكل حدوة حصان، يمتد بطول 40 ألف كم في المحيط الهادئ بدءًا من سواحل تشيلي، مرورًا بالساحل الغربي للولايات المتحدة وجبال الأنديز، وقوس من الجزر المتفرقة مثل تونغا، هبريدس، وجزر الكوريل والأليتين، وصولًا إلى أرخبيل اليابان، الفلبين، اندونيسيا، وأستراليا.

يرتبط حدوث البراكين على طول الحزام الزلزالي؛ لهذا يطلق عليه الحلقة النارية. تنشط في هذه الحلقة 90% من الزلازل، ونسبة 81% من أفتك الزلازل التي سجلها التاريخ، وتنفجر نحو 75% من البراكين في العالم داخل تلك الحلقة.

فالق كاليفورنيا

أو مايعرف باسم «صدع سان أندرياس». حيث يعد أحد أكبر الصدوع أو الفوالق في القشرة الأرضية على سواحل كاليفورنيا، ويفصل الفالق بين صفيحة المحيط الهادئ، وأمريكا الشمالية. سجل هذا الصدع زلازل فتاكة كان أشهرها زلزال مدينة سان فرانسيسكو في الثامن عشر من أبريل/نيسان عام 1906، حين ضرب زلزال المدينة بقوة 7.9 درجات على مقياس ريختر، واستمرت الهزة الأرضية نحو ستين ثانية. تسبب الزلزال في حدوث كوارث في المدينة حين انفجرت أنابيب الغاز، وتسببت في حدوث حرائق هائلة أودت بحياة نحو 700 شخص، وكسرت القشرة الأرضية على مسافة بلغت نحو 477كم.

فالق هضبة التبت

أو ما يعرف باسم فالق «ألتيان تاج – Altyn Tagh». تشكل هذا الفالق شمال حدود هضبة التبت، ويعد أهم الفوالق الأرضية في الهند وأوراسيا، يمتد على مسافة تتراوح بين 135 – 261 كم. تكمن أهميته بالنسبة لعلماء الجيولوجيا في إعطائهم صورة أكثر وضوحًا لدراسة أنواع الفوالق المنزلقة.

خندق أتاكما

يقع الخندق شرق المحيط الهادئ على بعد 160 كم من سواحل كل من البيرو وتشيلي بطول يصل إلى نحو 5900 كم، وبعمق يصل إلى 8 كم، وعرض يصل إلى نحو 64 كم.

يضع الخندق الصفيحة التكتونية «نازكا – Nazca» أسفل صفيحة أمريكا الجنوبية التكتونية، والتي تقع في خارج منطقة البركانية النشطة. يحتوي الخندق على طبقات من الرواسب المحيطية، الرماد البركاني، وبعض الكربونات.

فالق شمال الأناضول

يمتد هذا الفالق من الشرق إلى الغرب في معظم أنحاء تركيا بطول يصل إلى نحو 1500 كم، يمتد عبر معظم أنحاء تركيا. تكمن خطورته في موقعه الذي يقع على بعد 20 كم من إسطنبول، وفي تشعبه إلى شبكة معقدة من الفوالق الفرعية أسفل بحر مرمرة. فمنذ العام 1939؛ يتقدم هذا الفالق ويتكسر محدثًا زلازل قاتلة غربًا عبر تركيا في شمال الأناضول.

تسبب حدوث زلزال بقوة 7.4 درجات على مقياس ريختر نتج عن هذا الفالق؛ في وفاة نحو 18 ألف شخص منذ أكثر من عقد من الزمن بالقرب من مدينة إزميت على بعد 100 كم من إسطنبول.

على شاطئ اليابان

حسنًا، يمكنك عبور الجسور بدلًا من مواجهة الأنهار، فبالرغم من أن الزلازل هي قوة طبيعية تحدث دون تدخل خارجي من البشر، ودون إعطائهم أي إشارة تدل على قدومها؛ إلا أن دراستها أحيطت بأهمية قصوى من قبل علماء الزلازل ليس لإيقافها أو تغيير مسارها، أو حتى تحديد جدول زمني بقدومها ومواجهتها، وإنما للعمل على تحليل خصائصها لتفادي أضرارها المدمرة قدر الإمكان.

وبالفعل، فقد أدت دراسات الزلازل المتعددة على مدار عقود من الزمن إلى تطوير عمليات البناء وتشييد المنازل والمباني في المناطق التي تقع ضمن هذه النطاقات الخطرة.

فإذا أخذنا اليابان كمثال لهذه التحديات الطبيعية حيث تتعرض لنحو 1500 زلزال سنويًا؛ فإنها كافحت من أجل إيجاد طرق متعددة لمقاومة الآثار التدميرية للزلازل على المباني.

أهم هذه الطرق الوقائية هي تشييد مبانٍ مقاومة للهزات الأرضية بشكل هندسي بحيث يقسّم المبنى إلى أجزاء مرنة وقوية متفرقة بحيث تنتشر قوة الزلزال على مناطق متعددة من المبنى. كما يستخدم هيكل العزل الزلزالي في المباني الشاهقة كجزء من أساسها المعماري. وهي عبارة عن أجهزة امتصاص -عوازل- للزلازل مثل رقائق المطاط، الزنبرك، الذي يمنع الحركة الزلزالية من الوصول إلى المبنى.

إحدى الطرق المبتكرة أيضًا للحفاظ على المنازل والمباني أثناء الزلازل هو استخدام ألياف الكربون بدلًا من استخدام الصلب أو الخرسانة في عملية البناء. عملت على هذه الفكرة شركة «كوماتسو سيرين – Komatsu Seiren». وفي تجربة هذه الفكرة، تم تثبيت نحو 1035 حبل من الألياف الكربونية على سطح مبنى، ومن ثم تثبيتها في الأرض. وعندما يقوم المبنى بالاهتزاز ناحية اليمين على سبيل المثال نتيجة الحركة الزلزالية تقوم الحبال بجذبه لناحية اليسار والعكس.

في الختام، الخطر في العالم درجات. وبالنسبة لخطر الطبيعة الأم أو أي خطر يحدثه الإنسان، ففي كلا الأحوال أنت لست بمأمن على الإطلاق. كل ما يتطلبه الأمر هو الحذر والاستعداد دائمًا للهرب، أو الاختباء!.