تميزت سينما شرق أوروبا في العقدين الأخيرين بأساليبها الفنية الحديثة، وموضوعاتها المختلفة. فعلى مستوى الشكل السينمائي، لدينا الموجة الرومانية الواقعية الجديدة التي تستخدم اللقطات الطويلة ذات الإضاءة الطبيعية وشريط صوت حقيقي خالٍ من أي موسيقى تصويرية، كسينما المخرج الروماني «كريستيان مونجيو» مخرج فيلم «أربعة أشهر، ثلاثة أسابيع، ويومان» .أما من صربيا فلدينا المخرج «أمير كوستاريتسا» المتميز بموسيقاه وانتصاره للحب كحل لمشاكل الإنسانية، حتى في أقسى الظروف كالحرب التي عايشها هو بنفسه. كما تتنوع مواضيع سينما شرق أوروبا حيث اكتسب مخرجو هذه المنطقة حريتهم نسبيًا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، فشرعوا في مناقشة مواضيع متعلقة بالسلطات الشمولية والحريات الشخصية، وهي الموضوعات التي لم تكن قابلة للنقاش قبل ذلك.

وقد شهد «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» عرض العديد من الأفلام المميزة من دول شرق أوروبا، في هذا التقرير نتناول خمسة من هذه الأفلام.


Graduation – «تخرُّج»

الفيلم الروماني Bacalaureat
الفيلم الروماني Bacalaureat

هذه المرة يبدو «مونجيو» أكثر تعاطفًا مع شخصيات فيلمه، مستخدما لقطات متوسطة، الأمر الذي يجعله أقرب لهذه الشخصيات. تدور أحداث الفيلم عن الفساد، ولكن مونجيو ليس حالمًا كفاية ليجعل الخير ينتصر في النهاية. إنه ليس فقط فيلما عن الفساد، بل هو فيلم عن الضغوط التي يواجهها الطيبون في ظل دولة يملؤها الفساد.

ﻻ يستخدم مونجيو أي موسيقى تصويرية، وبديلا لذلك تظهر الموسيقى من خلال مجموعة من الأصوات «الديجيتك» ككاسيت السيارة أو مشغل الاسطوانات. ألوان الفيلم تتدرج من الأزرق إلى الرمادي، وفي بعض اللحظات التي يظهر فيها الأمل تكون فيها تيمة اللون ذهبية كشمس مشرقة. الأمر الذي يزيد من واقعية الفيلم أيضا هو استخدامه للأضواء الطبيعية.

نقطة أخرى يتميز فيها مونجيو هو السيناريو شديد التعقيد، كثير من الخطوط الدرامية يرسمها و يخوض بداخلها بمنتهى اليسر، إنه يجسد الحياة بكل بساطة.


On The Milky Road – «على طريق التبانة»

الفيلم الصربي "on the milky road"
الفيلم الصربي «on the milky road»

«هذا الفيلم مبني على ثلاث قصص حقيقية والعديد من الخيالات»، هكذا يفتتح المخرج الصربي «أمير كوستاريتسا» فيلمه الأخير، من بطولته مع الممثلة الإيطالية الشهيرة «مونيكا بيللوتشي»، والذي يعود به بعد توقف دام لأعوام، ليكون هذا الفيلم بمثابة تحية إلى سينماه.

يأخذ الفيلم بعدًا سيرياليًا في تعامله مع أحداث حقيقية كالحرب وعلاقات البشر خلالها،ليخبرنا بفلسفة مخرجه بدون الالتفات كثيرا إلى الواقع المادي. يفتتح الفيلم بحلم لصقر يقوم باصطياد أفعى في استخدام جيد جدا للتقنيات البصرية (الجرافيكس)، يوظفه ليظهر حبه للحيوانات ويجعل منهم أبطالا لفيلمه كما جرت العادة، صقر وأفعى وحمار، هم من أبطال الفيلم بالفعل، حيث تؤثر أفعالهم على مجرى الحكاية، مساعدين بفطرتهم للبشر الطيبين ضد الحرب ومآسيها.

لا يتوقف كوستاريتسا عن إدخال مشاهد الحفلات والموسيقى التي تشبه إلى حد كبير موسيقى السيرك، في أفلامه. حفلات صاخبة للغاية، في وسط حرب ضروس، تؤكد أن الموسيقى وحب الحياة هما خلاص البشر الأبدي. الفيلم يحتفي بالحياة وحبها إلى أقصى درجة.


Kills on Wheels – «قتلة على كراسٍ متحركة»

الفيلم المجري "Kills on Wheels"
الفيلم المجري «Kills on Wheels»

هل سبق و أن شاهدت فيلمًا حركة أبطاله من ذوي الاحتياجات الخاصة؟!

هكذا ينطلق الفيلم المجري «قتلة على كراسي متحركة»، الذي يدخل مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي هذا العام، حيث تكون أكثر نقطة يتميز بها هذا الفيلم أن بطلين من أبطاله من ذوي الاحتياجات الخاصة فعليا، وبينما يبدو أنه فيلم حركة عادي، إلا أن الفيلم يطرح في ثناياه تخيلًا مختلفًا لفكرة الإعاقة في حد ذاتها. الأبطال يرسمون «الكوميكس» المصورة عن حكايتهم، خالقين من أنفسهم أبطالا خارقين للطبيعة. هذا التصور الذي يثقله استخدام المخرج لبعض هذه القصص المصورة لتحكي بعض تفاصيل الفيلم.


Olga – «أنا، أولجا هيبناروفا»

الفليم التشيكي "Olga"
الفليم التشيكي «Olga»

قاتلة أم فيلسوفة؟ هذا السؤال يغدو مطروحًا عليك كمشاهد بعد مشاهدتك للفيلم التشيكي «أنا، اولجا هيبناروفا». أحداث الفيلم مبنية على قصة حقيقية حول شابة «أولجا» ترتكب جريمة قتل بشعة. «أولجا» شخصية معقدة للغاية، فهي تصف ما فعلته بأنه انتقام من بلطجة المجتمع المرتكبة بحقها.

قصة سوداوية بالطبع لآخر امرأة تم إعدامها في التشيك، وربما لهذه السبب خرج الفيلم بالألوان الكلاسيكية (الأبيض والأسود) حيث لا يوجد خيار فني آخر قد يليق بهذا الفيلم. السيناريو محكم للغاية فيما يتعلق ببناء شخصية أولجا، فمن طريقة تدخينها الشرهة يبدو من أول لقطة وكأنها تحاول قتل نفسها سريعا، عملها كسائقة وارتدائها لنفس الملابس، وحتى ممارستها للجنس تثبت الأمر ذاته بلا شك، دور ممتاز للممثلة البولندية الشابة «ميشيلانا اولازانسكا».

قد يذكرك هذا الفيلم بفيلم «فيلم قصير عن القتل» للمخرج البولندي «كريستوف كيسلوفسكي»، و لكن الفارق هنا أن فيلم «أنا، أولجا» يطرح الأمر بشكل أكثر تفصيلا على مستوى الحوار ودوافع الشخصية.


Little Jacob – «يعقوب الصغير»

من الفيلم البولندي "little jacob"
من الفيلم البولندي «Little Jacob»

يطرح هذا الفيلم هذه العلاقة المركبة بين الأب والابن، يتلاعب بنا المخرج بسرد غير خطي (حكاية تبدأ من المنتصف). هذا التلاعب بالوقت هو مهم جدا لكي يرينا كيف يتذكر الانسان ماضيه، وكيف يتصالح معه.

«بيللنسكي» هو مخرج مسرحي بالأساس، الأمر الذي لا يجعلنا نقف كثيرا عند براعة الحبكة والسرد، ولكنه وبالرغم من أنه جديد في صناعة السينما، الا إنه متمكن جدا من استخدام تقنياتها كالضوء، وحركات الكاميرا، ليبقي إيقاع فيلمه سلسًا وبسيطًا. البداية من المنتصف تثير فضولك حول ماهية المشاهد الأولى، وقد تجعلك تتخيل أن هذه القصة لا تنتهي أبدا، ولكن المخرج يراها أنها طريقة البطل للتخلص من ماضيه، والمضي قدما بسؤال وحدته.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.