أؤمن بشكل قاطع أن أحد أسباب الانهيار التي يمكن أن تؤثر في أي دولة في العالم هي كارثة التعليم، والتي ترتبط بالتبعية بالأطفال، الذين هم من المفترض البناء الذي ترتكز عليه الدولة في تقدمها، والقادرون على صناعة الفارق في المستقبل، فإن فسد الطفل، فسدت الأمة تمامًا.

لو كنت تتفق معي أو كنت ترى أن هذا الكلام إنشائي تقرأه في الكتب فقط، دعنا نختبر هذا الكلام معًا في مقالنا اليوم.


أممٌ تغيرت بسبب الأطفال!

تحكي لنا الآية 26 في سورة هود: «وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ»، كيف جاء الأمر الإلهي لنبي الله نوح بأن يصنع الفلك التي ستحمل المؤمنين فقط، التي حدث بعد إتمام صناعتها طوفان نوح.

بحثت عن تفسير هذه الآية، وعندما قرأت تفسير القرطبي، وجدت أنه يحكي حادثة نزول الحكم، عندما كان سيدنا نوح يصلي، فجاء عليه رجل يحمل ابنه على كتفه، فسأل والده عن سيدنا نوح، وماذا يصنع بالضبط، فعندما أخبره والده، التقط الولد الصغير حجرًا وألقاه على سيدنا نوح حتى آذاه، فجاء الأمر الإلهي بصناعة الفلك.

وذلك لأنه إذا كان الجيل القادم بعد ذلك لن يؤمن بما يحمل سيدنا نوح، فمن سيستجيب للدعوة إذًا؟ ونحن نعلم أن الطوفان الذي حدث أتى على الأرض وما فيها، وبدأ الجيل الموجود في بناء الأرض من جديد، كل هذا بسبب الأطفال.

نؤمن اليوم بأن اليابان تستحق أن نطلق عليها لفظ «كوكب اليابان الشقيق»، وذلك بسبب التقدم الشديد الذي تتمتع به هذه الدولة، والأهم هو رقي أفرادها، واحترامهم الشديد للإنسان في جميع مجالات الحياة.

لكن هل يعلم الجميع الكارثة التي مرت بها اليابان بعد الحرب العالمية الثانية؟

قنبلتان نوويتان على مدينتي هيروشيما وناجازاكي، خلفتا وراءهما العديد من القتلى، وكذلك إشعاعات نووية أدت إلى تلوث شديد في البيئة، وكوارث أخرى حدثت بعد ذلك، كلها أمور من شأنها أن تدمر أي دولة، وتخفيها تمامًا، لكن اليابان صمدت وقامت، ونجحت في بناء امبراطورية عظيمة لها.

كيف نجحت في فعل ذلك؟ بالاهتمام بأطفالها، وبناء الأجيال الصاعدة بشكل صحيح، عن طريق تطوير التعليم.


كيف نصنع أطفالنا اليوم؟

بالطبع الحديث عن التربية أمر يطول جدًا، ويحتاج إلى مقالات عديدة، لكننا هنا سنتكلم عن بعض الظواهر السريعة التي تحدث في وقتنا الحالي في عملية التربية، والتي أعتبرها عملية «صناعة الأطفال».

– تف على عمو يا حبيبي! الكثير منا يعرف هذه الجملة، خصوصًا في مصر، وترى كيف يكون قائل هذه الجملة مسرور وهو يطلب من ابنه الصغير أن يفعل ذلك، فهي ليست جملة رمزية، ولكن في الكثير من الأحيان يقوم الطفل بالبصق على من هو أكبر منه فعلًا.

هذا الأمر هو مثال صغير جدًا عما يحدث مع الأطفال، ثم نتساءل فيما بعد “لماذا لا يحمل الطفل أي احترام للكبار؟”، الإجابة واضحة وضوح الشمس، نحن لم نعد نهتم بأن نربي أطفالنا على أخلاقيات الدين ومنها الاحترام، بل أصبح تركيز البعض على كيفية صناعة طفل قادر على التعامل في مجتمعاتنا، حتى لو كان ذلك بتربيته على سلوكيات خاطئة! وكأن مواجهة المجتمع مفضلة على صناعة طفل ملتزم بأخلاقيات دينه الصحيحة.

– بابا بيقولك هو مش موجود! من المفترض أننا نربي أطفالنا أيضًا على أن الكذب شيء محرم لا يجب فعله، وأن الصدق هو الصواب دائمًا، بل إن الطفل عندما يكذب فإنه يعاقب من الأهل، لكن ماذا عن الاتصال الهاتفي الذي يأتي يطلب الوالد مثلًا، فنجد الأب يخبر ابنه بأن يخبر المتصل بأنه غير موجود، ثم نمرر هذا الفعل وكأنه كذبة بيضاء، ذلك المصطلح الذي اخترعناه لتبرير الكذب.

فكيف إذًا للطفل أن يلتزم بسلوك هام يمكنه أن يهدم المجتمع إذا غاب كالصدق؟ وهو يرى والده، القدوة والمثل الأعلى، يعلمه شيئًا، ثم يطلب منه فعل النقيض.

– ما الذي يشاهده طفلنا اليوم؟ نحن نعرف بأن الطفل دائمًا ما يهتم بالتقليد في السن الصغيرة، وبالتالي فإن ما يشاهده في التلفاز يؤثر على شخصيته جدًا، ولك أن تتخيل أن الطفل يشاهد أفلامًا من عينة “أفلام السبكي”، والتي لا تخرج عن إطار البلطجة والخناق والرقص، وتكون هذه الأفلام هي الأكثر سيطرة على الساحة، الناتج سيكون معروف قطعًا، طفل يهتم بتقليد أفعال عنيفة خاطئة، وبالفعل تعجز العديد من الأسر عن علاج هذه النتائج، ويصبح السلوك العنيف شيئًا أساسيًا لدى الطفل في المستقبل، ومثل أفلام السبكي يمكنك أن تجد الكثير من الأفلام والمسلسلات والبرامج.

– النشأة الدينية! منذ فترة شاهدت أحد التقارير الصحافية المصورة، المذيع يسأل الأطفال –وأحيانًا الكبار– عن أركان الإسلام، والتي من المفترض هي الأساس في الدين، لكن الأغلب لم يتمكن من الإجابة، وهناك من تذكر بعض هذه الأركان، ونسي البعض الآخر، ثم حين طلب المذيع من بعضهم الغناء، كانت استجابة الأطفال سريعة جدًا، وخصوصًا الأغاني الشعبية.

على الرغم من عدم اتفاقي مع هذا الأسلوب في التقارير الصحفية، لكن لا يمكنني أن أنكر أبدًا حجم المآساة الموجودة لدينا في مسألة النشأة الدينية، وكيف أن العديد من الأطفال حاليًا يجهلون الكثير عن أمور دينهم للأسف، كما أكد هذا التقرير.


هل يمكن إنقاذ الأوضاع؟

كل هذه المشاهدات السابقة تؤرق العديد منا حول المستقبل الذي يمكننا أن نصنعه لأطفالنا، ولكن بالتأكيد فإن الأوضاع قابلة للإنقاذ لمن يرغب في ذلك.

والأساس في عملية الإنقاذ يكمن في المقدرة على أن تخلق لطفلك أسلوبًا مبتكرًا في التربية، أساسه الدين، وسلاحه الاستمرارية والمتابعة.

عليك أن تؤمن أن تربية طفلك تدخل بها العديد من العوامل، مثل البيئة التي يتواجد بها، والمجتمع من حوله، وبالتالي تكون مستعد للتعامل مع هذه العوامل جيدًا.

– تأثير الميديا: يمكن أن نضع تحت الميديا كل شيء من “أفلام، برامج، مسلسلات،….إلخ” سواء تعرض على “التلفاز، الإنترنت، السينما، ….إلخ”، يجب أن تكون حريص على أن تختار لابنك ما يشاهده، بالطبع المنع الكامل خاطيء، وسيترك أثرًا سلبيًا، وقد يلجأ الطفل للخارج لمتابعة هذه الأشياء، والأفضل هو أن تختار ما يناسبه ويمكنه أن يترك لديه أثرًا إيجابيًا.

– تأثير المجتمع والبيئة: يختلط الطفل دائمًا مع العديد من الأفراد من حوله، ولذلك يجب أن تهتم طوال الوقت بمعرفة تفاصيل يومه، رغبة منه في الكلام معك لا إجبارًا على فعل ذلك، وتساعده على معرفة الصواب والخطأ في الأفعال والسلوكيات، فالطفل كما أوضحنا يحب التقليد كثيرًا، ولذلك فيجب الحرص تمامًا على أن يتجنب الطفل تقليد أي شيء خاطيء.

– الدين والسلوكيات: وهذا هو الأساس في كل شيء، تربية الطفل على أساس ديني سليم، والأهم من ذلك هو الالتزام بتطبيق هذه السلوكيات أمامه طوال الوقت، فلو كنت تعلم طفلك الأمانة، التزم بها في تعاملاتك أنت، وهكذا كل السلوكيات الأخرى، فالطفل إذا رأى أن أحد والديه يطلب منه فعل شيء، ثم يفعل عكسه، قد يشعر بخلل شديد، والناتج ربما يكون كارثيًا كأن يلجأ الطفل لعدم سماع كلام والديه مرة أخرى.

الأطفال هم المستقبل، اعترفنا بذلك أو لا، ستبقى هذه حقيقة موجودة في حياتنا، وتذكر دائمًا أن أمم كثيرة تغيرت أحوالها بسبب الاهتمام بالأطفال، فإن كان بين يديك طفلًا تربيه، عليك أن تعرف أنها أمانة ستحاسب عليها أمام الله، فاحفظها وأدها حق الأداء، فما بين يديك، قد يكون سببًا في تغيير الأحوال.