منذ فترة ليست بالبعيدة، كان الشارع المصري معتادًا على تداول قالب معين من النكات. كان ذلك القالب يتنقل من نكتة لأخرى مع تغيير المواقف والتفاصيل. «مرة واحد ألماني، فرنسي، صعيدي» ثم تبدأ بسرد مواقفهم واحدًا تلو الآخر، حتى تجد الضحك في النهاية عند المصري أو الصعيدي.

وعلى نفس المنوال، سنحاول الاستعانة بنفس القالب لعرض أمر يتعلق بكرة القدم، تحديدًا عن الملاعب. ومن الواضح أنه مهما بلغ حسك الفكاهي فمن الصعب أن تضيف لموضوع كهذا طابعًا كوميديًا، لكن لا داعي لسبق الأحداث.

إنجليزي مرفه

«مرة واحد إنجليزي، وواحد ألماني، وواحد مصري» عُرض على كل منهم بناء إستاد بمواصفات عالمية، تحقق الهدف الذي يسعى إليه كل منهم. ووقع الاختيار على الشاب الإنجليزي ليبدأ مشروعه.

كان الشاب متأثرًا بحالة الانتعاشة التي تمر بها الكرة الإنجليزية. فالأندية باتت تقدم منتجًا أفضل، مواكبًا لكل صيحات الموضة من استحواذ لضغط عال وخلافه. وقد شهد موسم 2018/2019 احتلال الأندية الإنجليزية لنهائيي دوري أبطال أوروبا، والدوري الأوروبي، لذا نظر الشاب للملعب على أنه مشروع تجاري بحت.

وبنظرة سريعة على الجانب الاقتصادي، فإن معدل التضخم قد قفز منذ عام 1990 إلى 2011 ليصل إلى نسبة 77% وفقًا لبنك إنجلترا «BoE». لكن المذهل أن أسعار التذاكر قد تجاوزت هذه النسبة بمسافة بعيدة، ورغم هذا لم يتأثر الحضور الجماهيري.

في تقرير نشره موقع «this is money»، كانت تكلفة أرخص تذكرة لمشاهدة فريق مانشستر يونايتد «3.50» جنيه إسترليني، وبحساب قيمة التضخم كان من المفترض أن تصل التكلفة نظريًا عام 2011 إلى «6.20» جنيه إسترليني، لكنها على أرض الواقع قد وصلت إلى «28»، أي بزيادة تعادل 700%. تكلفة مشاهدة ليفربول أيضًا حققت زيادة تعادل 1025% في نفس المدة.

استخلص الشاب الإنجليزي فكرته النهائية ليضع المواصفات، الجمهور سيأتي مهما ارتفعت الأسعار وبما أنهم صاروا يشاهدون كرة قدم جذابة، فعلينا اجتذاب نقودهم بمزيد من الخدمات الترفيهية. ستبدأ الخدمات بتقريب الجمهور أكثر من لاعبيهم، حيث تصبح المسافة بينهم وبين الخط الجانبي للملعب 5 أمتار.

سيزوّد الملعب بشاشة عرض ضخمة، هي الأكبر في غرب أوروبا. ولمزيد من الرفاهية، سيتم تقوية جميع شبكات الاتصالات والـWi-Fi داخل الملعب، حيث يتمكن 65% من الجمهور من تشغيل فيديو مباشر معًا. وأخيرًا سيتوافر لهم أطول حانة «bar» لتناول المشروبات في إنجلترا بطول 65 مترًا، أي ما يوازي عرض الملعب.

هذه بعض من مواصفات إستاد توتنهام الجديد، الذي يعتقد الكثير أنه يمثل المستقبل.

ألماني متعصب

انتهى الشاب الإنجليزي من فكرته وجاء الدور على الألماني. كان الأخير قد شعر بأن مندوب بلاد الضباب يبالغ في الاستعراض وكأنه يستفزه؛ فحضرت جينات أدولف هتلر وبدأت في تشكيل فكرته. الإستاد يجب أن يكون مرعبًا للخصوم، الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود.

كان لدى صديقنا الألماني خلفية كروية أفضل من الآخرين، وقد انتهى لتوه من مشاهدة تقرير على قناة دويتش فيله DW بعنوان «?WHY footballers win at home and lose away». فأخذت عيناه تلمع وهو يتذكر مشاهد وأرقام هذا التقرير.

وفقًا لأرقام الدراسة التي أجراها الاتحاد الأوروبي لكرة قدم «UEFA» على أكثر من 6000 مباراة في مختلف أنحاء أوروبا، توزعت النسب كالآتي: 25% تعادل، 25% فوز الفريق الضيف، 50% فوز صاحب الأرض. عزا الباحثان الإنجليزيان «نيك نيف» و«ساندي ولفسون» ذلك، بارتفاع نسبة هرمون التستوستيرون لدى أصحاب الأرض، في ظاهرة تشبه تصرف الحيوانات عند مواجهتها للخطر.

لكن تأثير الهرمون على الأداء ليس بأهمية تأثير الجمهور. فكلما زاد الصخب، زاد رعب المنافسين وأيضًا الحكام. فوفقًا لبيانات العالم الرياضي «دانيال مينيت» فإن الفريق الزائر يتحصل على كروت صفراء أكثر من صاحب الأرض بنسبة 2:3.

ثم أجرى تجربة عملية لإثبات ذلك، عندما دعا حكامًا إلى منزله لمعرفة رأيهم في عدد من المخالفات، حيث كان بعضها مصاحبًا بهتافات صاخبة للجمهور المستضيف، والبعض الآخر بدونها. وكانت الهتافات مؤثرة لدرجة أنها تزيد احتمالية إشهار البطاقة الصفراء في وجه لاعب الفريق الضيف بنسبة 10%.

ومع تذكر صديقنا لهذه الأرقام قرر أن تكون فكرته الأساسية معتمدة على تقريب الجماهير من أرض الملعب، وتصميم السقف العلوي للإستاد ليعكس هتافات الجماهير إلى الداخل. وبذلك سيرتفع الصخب لأعلى درجاته، وسيشعر الخصم أن الملعب أصغر من المعتاد.

هذه كانت فكرة إستاد نادي بروسيا مونشنجلادباخ في ألمانيا بناءً على اقتراح جمهور الفريق.

المصري في أزمة

وقف المصري تمامًا كما وقف محمد هنيدي في فيلم فول الصين العظيم بين سيدتين صينيتن يتحدثان باللغة الصينية وهو لا يفهم منهما حرفًا. ففي مصر، لا أحد يهتم برفاهية الجمهور ولا بحضورهم المباريات من الأساس. وإذا قمنا بتجديد الملاعب، فإننا ندخلها الصيانة فورًا وكأنها صنعت لتتم صيانتها.

لكن وفقًا للنكتة المعتادة، فإن الصعيدي أو المصري عليه أن يتجاوز منافسيه ويرفع سقف الاقتراحات مهما كلف الأمر. لذلك اقترح أن يستغل الإستاد وفقًا لعقلية بلاده، كما فكر كلاهما وفقًا لعقلية بلده. فجاءته الفكرة من الأراضي النمساوية.

حيث تم تمثيل رسمة الفنان «كلاوس ليتمان» على أرض الواقع. كانت الرسمة عبارة عن مجموعة من الأشجار المعروضة في ملعب لكرة القدم، حيث يجتمع الناس لمشاهدتها. تهدف اللوحة إلى التوعية بخطورة إزالة الغابات والتغييرات المناخية، حيث تمثل توقعًا مستقبليًا بشأن الطبيعة، التي سيتعين على الناس مشاهدتها داخل أماكن محددةلندرتها مستقبلًا، مثلما يشاهدون الحيوانات في حديقة الحيوان الآن.

تخيل أن هذا المشهد قد تحول إلى أرض الواقع، وتحديدًا على ملعب «ورثيرسي» بمدينة «كلاجنفورت» في النمسا. وتم استضافة عدد 299 شجرة معرضة للاختفاء مستقبلًا، سيتم نقلها بعد ذلك إلى أرض زراعية مخصصة بالقرب من الملعب. يتسع الملعب لـ30 ألف متفرج، سيتمكنون من رؤية هذه الأشجار التي ستغير لونها بحلول فصل الخريف.

إلى هنا وقرر الشاب المصري أن يضع لمسته حتى يحوز الإبهار كاملاً. بما أنهم اختاروا عرض أشجار الغابات في النمسا اعتقادًا بأنها آخذة في الانقراض، فسوف يختار هو الآخر شيئًا يقترب من الانقراض، لكن في مصر. فاختار أن يضع رسومًا كرتونية لأشخاص تمثل الجمهور. سيتحول الإستاد لاستقبال الجماهير لرؤية تماثيل للجماهير التي كانت تحضر مباريات كرة القدم قديمًا!