– هل تعتقدين أنه من الممكن أن تختفي هذه الصناعة يوماً ما؟
= بالطبع لا… فهي أقدم مهنة في التاريخ.

كانت تلك إجابة إحدى الممثلات في الأفلام الإباحية عند سؤالها عن صناعة الأفلام الإباحية، تلك الصناعة التي قد تبدو حديثة العهد كصناعة منظمة، تروج لسلعة قديمة قدم البشرية نفسها، فتجارة الجنس أو ما اصطلح على تسميتها «أقدم مهنة في التاريخ» عرفتها الحضارات القديمة، بل كانت مُباحة ولم تعرف التحريم لفترات زمنية طويلة، فما وصلنا من برديات فرعونية أو رسومات فسيفسائية من الحضارة الرومانية أو كتب تراثية هندية تؤكد ذلك، لكن ما يعنينا هنا في هذا المقال هو عرض لبدايات صناعة الأفلام الإباحية Adult Industry  مع بدايات ظهور السينما أو قبل ذلك بقليل.

كيف كانت البدايات؟

يُرجَّح أن أول ظهور لصورة إباحية متحركة أو شبه متحركة؛ كان عن طريق آلة الميتوسكوب، وذلك في نهايات القرن الـ 19، تلك الآلة التي كانت تعمل بنفس طريقة عمل كراسة الطي عن طريق تحريك عدد من البطاقات المرسومة والمصنوعة من الورق المقوى بتراتبية معينة أمام عدسة أحادية.

أطلق العامة في إنجلترا على تلك الآلة اسم «ما رآه كبير الخدم»، نسبةً لقضية شهيرة كانت حديث الرأي العام في عام 1886 عندما اتهم اللورد «كولين كامبيل» زوجته «جيرترود إليزابيث بلوود» بالخيانة وقام برفع دعوى طلاق أمام المحاكم البريطانية، وفي أثناء المحاكمة استشهد بكبير الخدم في منزله، والذي أقرَّ بأنه شاهد خيانة سيدته عبر فتحة مفتاح الباب.

اشتهرت أيضاً آلة أخرى ظهرت في نفس الوقت تقريباً وهي «الكينتوسكوب»، والتي تم اختراعها على يد المخترع الشهير «توماس أديسون» في نهاية القرن التاسع عشر، والتي كانت تعمل بآلية مختلفة عن الميوتوسكوب، عن طريق تحريك شريط من الصور بين لمبة وعدسة أمام عين الناظر بسرعة تقارب الـ 46 صورة في الثانية، فتكون النتيجة صورة متحركة أقرب للحقيقة.

أما عن السينما، أو بالأحرى متى شاهد الجمهور لأول مرة في التاريخ فيلماً إباحياً؟

فأقدم ما وصل إلينا من أفلام تلك الحقبة هو فيلم فرنسي قصير مدته سبع دقائق تم إنتاجه عام 1896 تحت عنوان Le coucher de la mariée أو «وقت نوم العروس»، تم اكتشاف ما تبقى منه وهو عبارة عن دقيقتين فقط عام 1960 على يد أرشيف الفيلم الفرنسي، ولم يكن فيلماً إباحياً بالمعني المعروف لدينا الآن.

ثاني أقدم فيلم، ويعتبر أول ما أُنتج في أمريكا الجنوبية من أفلام إباحية هو الفيلم الأرجنتيني El Satario من إنتاج عام 1907. وبالحديث عن الولايات المتحدة فقد ظهر أول فيلم إباحي هناك في نفس عام ظهور فيلم ديفيد جريفيث الأسطوري «ميلاد أمة» عام 1915، وهو فيلم A Free Ride، صدفة تدعو للتأمل بأن يظهر الفيلمان معاً في نفس العام، ففيلم «جريفيث» -والذي يعتبره الكثيرون الميلاد الحقيقي لفن السينما- قد يرتبط بذلك الفيلم الإباحي على حسب ما ذكره الكاتب الإنجليزي «ديف طومبسون» في كتابه «أسود وأبيض وأزرق: السينما الإباحية من العصر الفيكتوري إلى الفيديو كاسيت»، حيث يُرجَّح بأن جريفيث قد يكون هو مخرج الفيلم الإباحي المجهول أيضاً، لكن الراجح أن أفراد فريق عمل الفيلم كانوا مجهولين وظهروا بأسماء مستعارة.

ظهرت بالطبع أفلام إباحية عديدة في تلك الفترة، وكانت تُعرض في الخفاء تجنباً للرقابة والغضب المجتمعي، الذي أبدى رفضاً لتلك النوعية من الأفلام، فكان يتم عرضها في بيوت البغاء أو ما يشابهها من أماكن سرية.

من المؤكد أنه قد ظهر في تلك الفترة العديد من الأفلام ولكن لم يصلنا منها إلا القليل، فحسب دراسة أُجريت في معهد كينسي لأبحاث الجنس، فإن عدد الأفلام التي أُنتجت في الفترة من عام 1915 وحتى عام 1968 بلغت ما يزيد عن 2000 فيلم إباحي جرى عرضها سراً، ولعل من الأفلام التي كانت تحمل طابعاً مختلفاً من حيث حداثة الفكرة في وقتها؛ فيلم The Virgin with the Hot Pants من إنتاج عام 1924، حيث يعتبر أول فيلم إباحي يستخدم مشاهد الرسوم المتحركة مع مشاهد الفيلم الحية، وكما ذكرنا سابقاً فإن تلك الأفلام ظلت تُعرض في الخفاء واستمر ذلك لعقود.

ولكن في أواخر الستينيات ظهر ما سُمي فيما بعد بـ «الثورة الجنسية»، ذلك الحدث الذي غيَّر معايير مجتمعية كثيرة في أماكن متفرقة من العالم، ونتج عنه جيل من الشباب المتحرر، مما ساهم فيما بعد في إحداث تغيرات جذرية في المجتمعات المحافظة في جميع أنحاء العالم.

الثورة الجنسية

الجنس هو القوة الدافعة على هذا الكوكب… يجب أن نعتنقه، لا أن نراه عدواً.
«هيو هيفنر» مؤسس مجلة «بلاي بوي».

ظهر مصطلح «الثورة الجنسية» لأول مرة في بدايات القرن العشرين، مقترناً بتلك السنوات الصاخبة في عشرينيات ذلك القرن، تلك السنوات التي أطلق عليها اسم «العشرينيات الهادرة»، تلك السنوات التي شهدت أحداثاً صاخبة، كاختراع التليفزيون وظهور الصوت في السينما لأول مرة… عصر موسيقى الجاز ورقصة التشارلستون الشهيرة واكتشاف البنسلين وعبور المحيط الأطلنطي بالطائرة للمرة الأولى. شهدت تلك السنوات أيضاً تمكين المرأة من حقها في الانتخاب وممارسة حقوقها السياسية لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة.

كان من الجلي أن تلك السنوات قد غيرت بعض الثوابت المجتمعية في العالم أجمع، مما أدي إلى المزيد من الانفتاح والتحرر، ذلك الانفتاح الذي ظهرت سماته بشكل واضح في ثقافة ذلك العصر من كتابات أو موسيقى أو أفلام أو حتى في شكل الأزياء التي تحررت بشكل كبير من قيود المجتمع.

ظهر المصطلح مرة أخرى في كتابات عالم النفس النمساوي «فيلهلم رايش» في ثلاثينيات القرن العشرين، الذي اهتم كثيراً بالكتابة عن الجنس والتحرر الجنسي، لكن الظهور الأشهر للمصطلح كان في نهاية الستينيات مع اندلاع الثورة الشبابية في مايو/أيار من عام 1968.

في خمسينيات القرن العشرين ومع ظهور جميلات الشاشة الفضية من أمثال «مارلين مونرو»، و«بيرجيت باردو» وغيرهما، تم اشتقاق مصطلح Sex Symbol كوصف للنجمات شديدة الجمال والجاذبية، في تلك الفترة أيضاً أصدر الناشر الأمريكي «هيو هيفنر» مجلته الفضائحية الشهيرة Playboy، والتي ظهر على غلافها العديد من نجمات هوليوود، وكانت البداية الحقيقية لبعض نجمات البورنو فيما بعد، واللائي لمع نجمهن في فترة السبعينيات، والتي اصطلح على تسميتها بالعصر الذهبي للإباحية.

العصر الذهبي للإباحية

منْ منَّا يستطيع نسيان مشاهد ترافيس بيكل (روبيرت دي نيرو) في فيلم Taxi Driver ذائع الصيت، وهو يشاهد فيلماً إباحياً في إحدى دور العرض الصغيرة، ومنْ يستطيع أن يتذكر اسم الفيلم الذي دعا ترافيس حبيبته لمشاهدته، والتي تتركه غاضبة عندما تُدرك أنها تشاهد فيلماً إباحياً؟

وحتى تنعش ذاكرتك، فإن اسم الفيلم هو Sometimes Sweet Susan 1975 لمخرجه «فريد دونالدسون». فمرحباً بك في مدينة نيويورك الصاخبة، تلك المدينة التي تمنى ترافيس تطهيرها من أوساخها، والزمن هو فترة سبعينيات القرن العشرين، الفترة الذهبية للإباحية ليس في الولايات المتحدة فقط، ولكن في أغلب أرجاء العالم.

يشير مصطلح «العصر الذهبي للإباحية» أو «الإباحية الأنيقة» إلى الفترة التي تمتد من عام 1969 وحتى 1984، حيث حظيت أفلام البورنو باهتمام واسع وانتشرت انتشاراً سريعاً. كنا ذكرنا سابقاً أن هنالك أفلاماً كثيرة قد جرى إنتاجها في فترات سابقة ولكن لم يتم عرضها جماهيرياً على نطاق واسع، حتى قرر فنان الـ Pop Art الشهير «أندي وارهول» عرض فيلمه المثير للجدل «فيلم أزرق» Blue Movie للجماهير في دار سينما «جاريك» بمدينة نيويورك في 12 يونيو/حزيران عام 1969، وكانت المرة الأولى في تاريخ السينما التي يتم فيها عرض فيلم يحتوي على مشاهد جنسية حقيقية للجماهير العام، مُسطِّراً بذلك تاريخاً اعتمده معظم مؤرخي السينما ليكون البداية الفعلية لعصر الأفلام الإباحية.

بعض نقاد السينما أخذ الفيلم على محمل الجد، لدرجة أنه نال إشادة إيجابية من الناقد السينمائي الأشهر «روجر إيبرت»، وكان للفيلم تأثيراً واسعاً ليس في أمريكا وحدها ولكن في بلدان عديدة في العالم، كما صرح «وارهول» ذات مرة أن فيلمه كان له التأثير المباشر على فيلم «بيرناردو بيرتولوتشي» الأكثر إثارة للجدل في تاريخ السينما «التانجو الأخير في باريس»، والذي كان من بطولة مارلون براندو وماريا شنايدر.

في العام التالي مباشرةً تم عرض فيلم «مونا» mona للمنتج «بيل أوسكو»، وكان أكثر إباحية من فيلم «وارهول» وبدت حبكته أكثر تماسكاً. بعد ذلك بقليل وفي أواخر عام 1970 تم عرض فيلم «فتية في الرمال» Boys In The Sand، وهو فيلم إباحي عن المثلية الجنسية. ومع قدوم عام 1972 ظهر ما غيَّر شكل صناعة الأفلام الإباحية للأبد؛ وهو فيلم Deep Throat.

الإباحية الأنيقة

كان عالماً وسطاً بين الجريمة والفن.
الروائي الأمريكي «نورمان ميلر» مُعلقاً على إقبال الطبقة الوسطى على مشاهدة الفيلم.

كانت البداية عندما افتتح الشاب «جيراردو روكو داميانو» صالون تصفيف شعر للسيدات في نيويورك بعد سنوات من انتهاء خدمته العسكرية في صفوف البحرية الأمريكية، ذلك الشاب صاحب الأصول الإيطالية والذي سيصبح بعد ذلك من أهم مخرجي أفلام البورنو في فترة السبعينيات، كان يستمع لحكايات وأقاصيص السيدات عن الجنس أثناء تواجدهن في الصالون، فقرر وقتها الدخول في عالم صناعة الأفلام الإباحية ظناً منه أن هذا المجال يجلب الكثير من الأرباح. وبالفعل استطاع الوصول لمنتج أفلام منخفضة التكاليف، والذي ساعده في الدخول لمجال صناعة الأفلام بشكل عام، قبل أن تواتيه الفرصة بعدها لإخراج أول أفلامه.

في هذه الأثناء كان «جيرارد داميانو» يكتب سيناريو فيلم بدت قصته مختلفة ومضحكة في نفس الوقت. وكان هذا سبباً في عدم حماس أحد لإنتاجها، إلا أن «لويس بيرانيو» ابن أحد أعضاء المافيا الإيطالية في نيويورك وافق على إنتاج الفيلم، وبالفعل بدأوا في رحلة البحث عن طاقم عمل الفيلم.

تم البدء في تصوير الفيلم في يناير/كانون الثاني 1972 في مواقع تصوير بين فلوريدا ونيويورك، وبلغت تكلفته الإنتاجية 47500 دولار، وتم الإعلان عن الفيلم في «التايمز سكوير» أكبر وأهم ميادين نيويورك في سابقة لم تحدث من قبل مع أي فيلم من تلك النوعية، وكان العرض الأول للفيلم في 12 يونيو/حزيران عام 1972.

ومرة أخرى تُفرَد مقالات نقدية في أهم الصحف الأمريكية لتحليل فيلم إباحي، ويرد ذكر الفيلم في أهم البرامج التليفزيونية، مما أدى إلى ازدياد الإقبال على مشاهدة الفيلم. وكانت الجماهير تقف في صفوف طويلة أمام دور العرض السينمائي لمشاهدة الفيلم، ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة تجتذب مسارح البورنو سيدات الطبقة الوسطى المحافظة. ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل إن بعض نجوم المجتمع الأمريكي قاموا بمشاهدة الفيلم، كالمطرب الأسطوري «فرانك سيناترا»، ومخرجين سينمائيين كـ «مارتين سكورسيزي» و«بريان دي بالما»، ونجوم هوليوود من أمثال «جاك نيكلسون» و«وارين بيتي».

حقق الفيلم إيرادات هائلة لم تحدث منذ ما يقرب الـ 20 عاماً، وكانت دور العرض تفتح أبوابها للجمهور ما يقارب الـ 20 ساعة يومياً.

وفي مقالة شهيرة كتبها الصحفي الشاب «رالف بلومنتال» في مجلة «نيويورك تايمز» في حوالي خمس صفحات بعنوان «الإباحية الأنيقة» Porno Chic ، وصف فيها تأثير الأفلام الإباحية على السينما وكيف أصبح من المقبول مناقشتها علناً، بل كيف وصل الحال لاهتمام نقاد السينما بها وأخذها على محمل الجد، وأطلق على تلك الموجة اللفظ الذي ظل ملازماً لها لفترة طويلة؛ وهو اسم «الإباحية الأنيقة»، لكن الرياح لم تأتِ بما تشتهي السفن، وبدأت حملات المنع تتسع من ولاية لأخرى، تم المنع في نيويورك وتلتها ولايات أخرى، زادت مطاردات الشرطة للفيلم، وبدأت سلسلة من الملاحقات القضائية للفيلم.

إنها وليمة من الجيف والقذارة.
القاضي «جويل تايلور» في حيثيات حكمه بإدانة الفيلم واعتباره فاحشاً.

تم رفع العديد من الدعاوى القضائية ضد الفيلم باعتباره ينشر الفاحشة، وتم بالفعل منعه في العديد من الولايات، لكن استمر عرضه في نيويورك، فقد رأت هيئة المحلفين في المحكمة أن الفيلم ليس فاحشاً، بناءً على شهادة محلل نفسي أقرَّ بأن الفيلم يعرض صور أفعال تعتبر ضمن حدود السلوك الطبيعي، لكن الأمر لم ينتهِ عند ذلك الحد، ففي مارس من العام 1973 أصدر القاضي «جويل تايلور» حكماً بالمنع واعتبار الفيلم فاحشاً وقضى بغرامة مقدارها 100 ألف دولار على شركة التوزيع، تم تخفيضها لاحقاً بعد الاستئناف على الحكم.

في السنة التالية لعرض فيلم Deep Throat، أنجز «جيرارد داميانو» فيلماً آخر اعتبره البعض واحداً من أهم أفلام تلك الحقبة، والذي حل سابعاً في قائمة مجلة «فارايتي» الأمريكية في أكثر الأفلام تحقيقاً للإيرادات في عام 1973، فيلم The Devil in Miss Jones. ظهرت أيضاً في تلك الفترة أفلام مهمة مثل Behind The Green Door، والذي شهد لأول مرة ظهور ممثل أسود في فيلم إباحي، وذلك بعد إقناع بطل الملاكمة الأمريكي «جوني كييز» بأداء دور مساعد في الفيلم. في تلك الحقبة زاد عدد الأفلام المُنتَجة وأصبحت الإباحية أمراً واقعاً، لكن السنوات التي تلت ذلك لم تحمل أخباراً سعيدة لتلك الصناعة.

قضية ميللر ضد كاليفورنيا

بالعودة للوراء قليلاً، وبالتحديد في عام 1971 شهدت ولاية كاليفورنيا قضية شغلت الرأي العام وكان لها تأثير مباشر على صناعة الأفلام الإباحية، ولكن كيف كان ذلك؟

بدأت أحداث القضية عندما أرسل مالك شركة للطلبات البريدية متخصصة في توزيع الأفلام والمجلات الإباحية يدعى «مارفين ميللر» لأحد المطاعم في «نيوبورت بيتش» بولاية كاليفورنيا كتيباً دعائياً يحتوي صوراً توضيحية من أفلام ومجلات إباحية، تم إرسال خمس نسخ من الكتيب للمطعم عبر البريد، فما كان من مالك المطعم إلا أن يبلغ الشرطة بالواقعة، ليتم اتهام ميللر بنشر الفحش، وعبر سلسلة طويلة من المحاكمات وصلت القضية للمحكمة العليا الأمريكية، وفندت المحكمة ادعاء ميللر بأن التعديل الأول للدستور الأمريكي قد كفل حرية التعبير عن الرأي للمواطنين، فقد رأت أن نشر المواد الإباحية غير محمي من قبل التعديل الأول، لتصدر بعدها المحكمة توصياتها والتي عرفت فيما بعد بـ «اختبار ميللر»، وهو عبارة عن ثلاثة معايير لاختبار ما إذا كان المُصنَّف الفني فاحشاً أم أنه يتمتع بحماية التعديل الأمريكي الأول للدستور، وكانت المعايير كالآتي:

  • إذا ما كان الشخص العادي، الذي يُطبِق معايير المجتمع المعاصرة، سيجد أن العمل ككل يراعي المصلحة العامة.
  • إذا ما كان العمل يُصوِّر أو يصف بطريقة مسيئة وبشكل واضح، سلوكاً جنسياً أو وظائف بيولوجية محددة على وجه التحديد بموجب قانون الولاية المعمول به.
  • إذا ما كان العمل ككل يفتقر إلى القيمة الأدبية أو الفنية أو السياسية أو العلمية الجادة.

ما تلا ذلك كان حدثاً فاصلاً في تاريخ صناعة الأفلام الإباحية على وجه الخصوص، إذ انهالت عقب قرار المحكمة مجموعة من الملاحقات القضائية للأفلام الإباحية ومنتجيها.

في عام 1976 كانت هناك سلسلة من القضايا الفيدرالية ضد فيلم Deep Throat تحديداً. أقيمت الدعاوى في «ممفيس» بولاية تينسي وتم ملاحقة حوالي 117 من الأشخاص الذين شاركوا في إنتاج أو توزيع الفيلم، كان على رأسهم المنتج «لويس بيرانيو» والممثل «هاري ريمز»، بتهمة التآمر لنشر الفاحشة وتم اعتبار «ليندا لافليس» والمخرج «جيرارد داميانو» شهوداً في القضية.

كانت هذه هي المرة الأولى التي تُلاحِق فيها الحكومة الفيدرالية ممثلًا بتهم فاحشة، ولكن لاقى «ريمز» دعماً كبيراً من نجوم هوليوود أمثال «وارين بيتي» و«جاك نيكلسون». أدين ريمز في القضية وحُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات، ولكن ألغيت العقوبة في الاستئناف بحجة أن ما فعله ريمز كان قبل إقرار «معيار ميللر» بعام، أمَّا بيرانو فقد تلقى العقوبة هو وآخرون ثبت تورطهم في نشر الأعمال المنافية للآداب العامة.

وبحلول عقد الثمانينيات ومع ظهور أشرطة الفيديو كاسيت، انخفضت إيرادات السينما من عوائد عرض الأفلام الإباحية، ولأول مرة تخطت عوائد بيع الفيديو الإيرادات الناتجة من دور العرض السينمائي، وتقلَّصت أعداد دور العرض السينمائي حتى وصلت إلى 250 دار عرض في بداية التسعينيات بعدما بلغت الـ 2500 دار عرض في منتصف السبعينيات.

وفي منتصف الثمانينيات خبا نور الفترة الذهبية للإباحية للأبد، وذلك بعد انتشار أجهزة الفيديو وقلة إقبال الناس لمشاهدة الأفلام الإباحية على شاشة السينما، كما كان لظهور تقرير أصدرته الحكومة الأمريكية عن الإباحية في عهد الرئيس رونالد ريجان سُمي بـ «تقرير ميسي» نسبة للمدعي العام الأمريكي «إدوين ميسي»، واحتوى التقرير على نحو 1960 ورقة، وهي خلاصة تحقيق شامل أجرته لجنة تم تشكيلها بأمر من الرئيس الأمريكي لمناقشة الأعمال الإباحية وتأثيرها.

كشف التقرير معظم جوانب صناعة الأفلام الإباحية وآثارها الضارة على المجتمع، كما أثبت التقرير وجود صلات خفية بين صانعي تلك الأفلام والجريمة المنظمة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وبذلك انتهى عصر الإباحية الذهبي للأبد، طاوياً معه صفحة تلك الحقبة بكل أسمائها التي بلغت عنان السماء من منتجين ومخرجين وممثلين وممثلات، شكَّلوا جزءاً كبيراً من مُخيلة ذلك الجيل الذي عاصر تلك الفترة.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.