محتوى مترجم
المصدر
CNN
التاريخ
2016/06/14
الكاتب
James Masters

كريستيانو رونالدو ليس مجرد لاعب كرة قدم، فهو شخصية أيقونية، وظاهرة تسويقية عالمية، الرياضي صاحب أكبر دخل في العالم، والوجه الإعلامي لواحد من أشهر أندية كرة القدم في العالم.

إنه أول نجم رياضي يحوز على 200 مليون متابع عبر تويتر، وفيسبوك وإنستجرام. كما حقق دخلاً يقارب 88 مليون دولار خلال العام الماضي، منهم 32 مليون دولار كربح من صفقات الدعاية المختلفة. لقد أصبح كريستيانو بذاته علامة تجارية، فهناك خطه للملابس «CR7»، وعطره الشخصي، سماعات الرأس الخاصة به، وهناك بالطبع اتفاق الرعاية مع شركة «نايكي»، والذي تبلغ قيمته 20 مليون دولار في السنة.

أمّا في الملعب، فهو الهدّاف التاريخي لنادي ريال مدريد، وهدّاف دوري أبطال أوروبا عبر تاريخه، وهو كذلك هدّاف منتخب البرتغال. عندما تنظر إلى فوزه بميدالية بطولة التشامبيونزلييج ثلاث مرات، وبلقب الدوري المحلي بإسبانيا وإنجلترا أربع مرات، وبجائزة الكرة الذهبية ثلاث مرات، يصبح من السهل أن تفهم لماذا يُعّد رونالدو من أشهر الرجال في الأرض.


حمامات ثلج في الفجر

كارلو أنشلوتي

كثيرًا ما بتحدث هؤلاء الذين عملوا مع رونالدو عن معدلات عمله ورغبته في الدفع بنفسه للأفضل. فقد جذبت إليه قدراته غير المشكوك فيها وفوزه بالمبارايات ملايين المشجعين من كل أنحاء العالم. لكن الرأي العام ما زال منقسمًا حوله على الرغم من كل هذا، وكل نجاحاته، وكل أهدافه وجوائزه صعبة الحصر. فربما يُشكك قليلون في موهبته، وربما تُزعج عجرفته وغروره العديد من المشجعين. كما استخدِمَت صورته المنمقة، وعضلات جذعه الممشوقة، وحبه للتصوير عاري الصدر كدلائل من قِبل منتقديه على كونه واحدًا من أكثر لاعبي العالم انغماسًا في ذاته. فقد وصف أحد الصحفيين فيلم رونالدو الوثائقي الذي يؤرخ لحياته، بأن نتيجته النهائية كانت على درجة من الغرور والتعجرف يصعب معها ألا تظن أن رونالدو يصرخ باسمه هو عند ممارسته للجنس.

ولكن زملاءه في الفريق يصفون رياضيًا متفانيًا في سبيل مهنته. فيقول «أوين هارجريفز»: «إنه واحد من هؤلاء اللاعبين الذين يستقطبون الآراء. لقد أحبه الجميع كزميل بالفريق، واعتقد أن الآخرين أساؤوا فهم تعبيرات وجهه لأنه المنافس الأقوى، فهم يقللون من مدى إصراره وتفانيه. فعلى الرغم من اعتقاد الجميع بأنه يدور حول نفسه، إلا أنه وصل لما هو عليه لأنه استمر بالضغط على نفسه ودفعها للأمام».


الفرصة الأخيرة

ربما تكون بطولة يورو 2016 هي فرصة رونالدو الأخيرة لإضافة لقب دولي لقائمة البطولات التي فاز بها على مستوى الأندية حتى الآن. فمن السهل أن ننسى أن مراهق الماضي يبلغ حاليًا 31 عامًا، وأنه قضى الثلاثة عشر سنة الماضية يلعب لمنتخب بلاده.

كان رونالدو قد وصل، على أرض بلاده، إلى نهائي بطولة اليورو 2004، لكن خيبة الأمل الأكبر جاءت بعد ثماني سنوات (عندما خرجت البرتغال أمام تشيك في دور ربع النهائي). أمّا الآن، فوصول البرتغال لنهائيات بطولة هذا العام تحيطه الآمال الطيبة أكثر مما يحمل معه توقعات جادة. فعلى الرغم من وقوع البرتغال ضمن مجموعة سهلة نسبيًا مما كان من المفترض به أن يزيد من فرصها في التقدم نحو الأدوار الأعلى، إلا أنه يبدو أن الفريق سيزيد من اعتماده على رونالدو وحده إذا ما تمكن من التقدم لأدوار المنافسة الأعلى.

قال بيدرو كاندياس الكاتب الرياضي البرتغالي: «ستقام منافسات كأس العالم في غضون عامين. سيكون رونالدو حينها في الثالثة والثلاثين من عمره؛ مما يجعله أقرب نحو سن التقاعد بالمعايير العادية. لكن رونالدو ليس عاديًا، وغالبًا سيستمر باللعب حتى سن الخامسة والثلاثين أو السادسة والثلاثين. لكن لابد أن تضع في الاعتبار أن الفوز ببطولة اليورو غالبًا ما يكون أسهل من الفوز ببطولة كأس العالم. خاصة هذه البطولة، حيث تضم 24 فريقًا، العديد منهم بدون خبرة وبعضهم بدون ثِقَل».

يصف كاندياس رونالدو بأنه أهم ممتلكات البرتغال، فيقول: «إنه رامبو البرتغال. صحيح أننا أحيانًا ننتقد رونالدو وغروره، وأحيانًا نسخر من نوبات انفعاله، لكن من المستحيل أن نُنكر نجاحه. فثلاث جوائز بالون دو أور، وفوزه بلقب بطولة التشامبيونزلييج ثلاث مرات، هي حقائق لا تسمح بالجدال».


البداية

سوف يُنقَل متحف كريستيانو رونالدو، المقام على موطن ولادته جزيرة ماديرا، إلى موقع جديد في بداية الشهر القادم. فببساطة لم يعد هناك مكان كافٍ لكل جوائزه. ويقدّر عدد زائري المتحف بمئتي ألف زائر سنويًا. فالمتحف موطن فخر لأهالي فونكال المحليين، وحتى هؤلاء الذين عرفوا رونالدو منذ أول ما بدأ في ركل الكرة يجدون صعوبة في تصديق ما تمكن من صنعه لنفسه.

فكما قال روي ألفيز، رئيس سي.دي.ناكيونال: «عرفنا أنه لاعب مميز على الفور، أتذكر عندما قلدته ميدالية الفوز بالدوري، عرفنا جميعًا حينها أنه متجه نحو العظمة. مازال رونالدو، حتى الآن، يعود إلى زيارتنا كلما عاد إلى ماديرا. إنه مصدر إلهام و تشجيع لكل أطفال النادي، فهم يرون ما تمكن من تحقيقه، إنها قصة مبهرة».

انضم رونالدو إلى نادى ناكيونال بعد أن أبهرهم بأدائه بنادي أندورينها للهواة، حيث كان والده خوسيه ديناس يعمل كمسئول عن المعدات. حتى بسن السابعة من العمر، امتلك رونالدو أقدامًا سريعة، وقدرة استثنائية على التحكم في الكرة، وكراهية شنيعة للخسارة. فكان من المعروف عنه قابليته للبكاء إذا ما خسر فريقه، أدت هذه العادة إلى إطلاق زملائه بالفريق لقب «كورا» عليه أو بما معناه «الطفل البكّاء».

لكن هذا لم يشتت الأنظار عن موهبته الاستثنائية، فكانت الأخبار عن الولد الناشئ بنادي ناكوينال قد انتشرت بالفعل.


الفرصة

لم يستطع الخبراء بأكاديمية سبورتينج ليشبونة، وهي واحدة من أفضل الأكاديميات بأوروبا، تصديق أعينهم عندما زارهم رونالدو ليشارك بمعسكر للاختبارات استمر لمدة ثلاثة أيام. قال أوريليو بيريرا، رئيس الأكاديمية النادي وبرنامج ضم المواهب حينها: «أتذكر عندما جاء رونالدو لأداء اختباراته، كان لديه موهبة استثنائية في التعامل مع الكرة. كان يمتلك كل شيء. بالرغم من أنه عندما وصل لسبورتينج لم يكن يعرف أحدًا، لكنه كان يمتلك شخصية عظيمة وسريعًا ما كان يخبر الجميع بما عليهم فعله. لقد كان قائدًا».

لكن الانتقال من ماديرا إلى ليشبونة لم يكن سهلًا على رونالدو الذي انتقل إلى العاصمة في سن الثانية عشر. لقد افتقد عائلته بشدة، بينما كان والده يصارع إدمانه للكحوليات، كان زملاؤه يسخرون منه بسبب لكنته الغريبة. لكن لم يكن هناك مجال للسخرية ما إن تلمس قدماه الكرة. ويضيف بيريرا: «عندما رأيته لأول مرة، لم يكن من السهل أن أقول أنه سيصبح واحدًا من أفضل لاعبي العالم، لكنني استطعت أن أرى أنه سيصبح مذهلاً يومًا ما. لقد كان مختلفًا عن باقي اللاعبين، كان لديه شيء إضافي. لكنني بحلول عام 2004 بدأت أخيرًا في الاعتقاد بأنه سيصبح الأفضل في العالم».

ساعد بيريرا نادي سبورتنج ليشبونة، على مدار أربعين عامًا، على اكتشاف مجموعة من أكثر لاعبي البرتغال موهبة. يتابع بيريرا مباريات رونالدو على التلفاز مثل جد فخور بحفيده، ويتحدثان معًا عبر الهاتف بشكل منتظم. ويضيف بيريرا: «تحدثنا الأسبوع الماضي، كنت أشاهد مباراة نهائي بدوري الأبطال، ورأيت كيف ظهر حسه بالمسئولية نحو ريال مدريد كما كان يتولى زمام المسئولية و هو صغير. لمعت شخصيته عندما تقدم ليركل ضربة الجزاء، دائمًا ما كان على استعداد لتولي المسئولية».

سجل رونالدو هدفين في ظهوره الأول مع فريقه بسن السابعة عشر، وسرعان ما جذب انتباه أكبر أندية القدم في أوروبا. جاءت فرصته الكبيرة بأغسطس عام 2003 عندما وقع عقده مع نادي مانشيستر يونايتيد بقيمة سبعة عشر مليون دولار.


الفرصة الكبرى

قبل أيام من تأكيد صفقة انتقال المراهق ذي خصلات الشعر الشقراء لمانشيستر يونايتد، لعب النادي الإنجليزي مباراة ودية أمام رونالدو وفريقه سبورتنج ليشبونة، حيث سجل المراهق هدفين وفازوا 3-1.

قال رينيه مولينستيين، الذي عمل مع اللاعب في يونايتيد: «أتذكر هذه المباراة، كان يلعب بشكل رائع للغاية ذلك اليوم، حتى أن اللاعبين أخبروا فيرجسون ألا يرحل بدون أن يوقع معه». ويضيف الهولندي: «دائمًا ما كان كريستيانو مستعدًا لأداء المزيد من العمل و بذل المزيد من الجهد، كانت لديه شخصية رائعة. في كثير من الأحيان كان يستمر في أداء التمارين بمفرده لمدة تتراوح ما بين ثلاثين وخمس وأربعين دقيقة بعد انتهاء المران الجماعي. أحيانًا كان يعمل على تحسين ركلاته الحرة، ومهاراته التمريرية أو أي شيء آخر. كنت أقضي كثيرًا من الوقت معه ولهذا أصبح بيننا الكثير من التفاهم، فلم يكن هناك أي شخص آخر موجود بالمكان غيرنا».

أمضى رونالدو العديد من الساعات في تحسين مهاراته و صقلها مما عاد عليه بكثير من النفع لاحقًا وساعده في التميز عن باقي اللاعبين. حيث أحرز 118 هدفًا لصالح مانشيستر يونايتد خلال 292 مباراة، قبل أن ينتقل إلى نادي ريال مدريد عام 2009 مقابل أجر غير مسبوق حينها بلغ 80 مليون جنيه إسترليني. وفي ريال مدريد حطم رونالدو الأرقام القياسية واحدًا بعد الآخر، فقد سجل أكثر من خمسين هدفًا بكل موسم من الستة مواسم الماضية.

ويضيف مولينستيين: «يستطيع رونالدو أن يسجل هدفًا ولكنه لم يكن هدّافًا. دائمًا ما أراد رونالدو أن يسجل الهدف المثالي، ولكن الهدّافين يسجلون كل أنواع الأهداف، و يحاولون أن يسجلوا أكبر عدد ممكن. لقد رأينا هذا في تاريخ مانشيستر يونايتد مع دوايت يورك، أندي كول، رود فان نيستيلروي، و سولسكاير. لقد عرضت عليه بعض اللقطات و المشاهد لهؤلاء اللاعبين وحاولت أن أجعله يرى ويفهم أسلوبهم وطريقتهم في إنهاء حركاتهم، حيث إن استطاع أن يستوعب ذلك فسيكون من السهل أن يضيفه إلى طريقته في اللعب».


الشيء الحقيقي

تغيرت هذه الغايات والطموحات كثيرًا في الفترة اللاحقة، خاصة بعد أداء رونالدو المذهل بموسم 2007-08، حينما سجل 42 هدفًا وساعد يونايتد في الفوز بدوري الأبطال. كان رونالدو مبهرًا لدرجة أن يونايتد كان يصارع من أجل التمسك باللاعب، بينما صمم ريال مدريد على إغرائه وإقناعه بالذهاب إلى العاصمة الإسبانية. حتى أن فيرجسون أجاب على سؤال صحفي له إذا ما كان سيقبل ترك رونالدو يذهب لهم بأن: «لست مستعدًا أن أبيع لهم فيروس حتى». ولكنه ذهب إليهم بالفعل في يوليو عام 2009، من خلال صفقة جمعت بين لاعب خارق ونادٍ يفخر بأن يطلق على نفسه أنه الموطن الطبيعي للـ«جالاكتيكوس».

ميّز الوقت الذي قضاه رونالدو في إسبانيا منافسته حامية مع ليونيل ميسي، الذي يلعب لمنافس ريال الأكبر برشلونة. لقد أخذ الرجلان كرة القدم إلى آفاق جديدة لم يكن يتخيلها كثيرون ممكنة، وجعل رونالدو من مدريد منزله، فقد جاءت والدته دولوريس لتعيش معه و مع ابنه كريستيانو الابن.

و يقول أوين هارجريفيز: «ما يميز رونالدو أنه يمتلك كل شيء، فإذا ما ألقيت نظرة على اللاعبين العظماء الآخرين في العشر سنوات الماضية مثل تشافي، أندريس إنيستا، وزين الدين زيدان تجدهم جميعًا لاعبين رائعين، لكن كريستيانو لديه كل مكوِّن مميز. إنه شخص موهوب للغاية، فهو يستطيع هزيمتك بكثير من الطرق؛ بأن يجري أسرع منك، يقفز في الهواء أعلى منك، يراوغك في التمريرات. فهو يستطيع أن يفعل كل شيء».


البرتغال تنتظر

كريستانو رونالدو ناجح للغاية لأنه جاد ومحترف، فعند عودتنا للفندق بعد المبارايات في الثالثة فجرًا، كان يأخد حمامًا ثلجيًا بدلًا من أن يذهب مباشرة للنوم.

تتعلق كل الآمال، في فونشال ومختلف أرجاء البرتغال، بالرجل الذي أحرز في الموسم الماضي واحدًا وخمسين هدفًا لصالح الريال وقاد النادي إلى لقبه الأوروبي الحادي عشر.

سيكون لديه فريق مساعد من اللاعبين صغار السن وأصحاب الخبرة، مثل ريناتو سانشيز، لاعب منتصف الملعب صاحب الثماني عشرة سنة والذي وقع مؤخرًا عقده مع بايرن ميونخ، وهو يمتلك إمكانيات مبشرة. هناك كذلك جواو ماريو لاعب سبورتينج وأندريه جوميز لاعب فالينيسيا صاحب المهارة في وسط الملعب، ودائمًا ما أُعجبت أندية الدوري الأنجليزي الممتاز بـ كارفاليو.

صرح فيرناندو سانتوس، المدير الفني للمنتخب القومي البرتغالي، قبل المباراة الودية أمام إنجلترا هذا الشهر: «فريق البرتغال ليس فريق رجل واحد». لكن سانتوس دائمًا ما يجد نفسه يتحدث عن رونالدو، حتى إذا لم يكن رجله الأشهر متواجدًا في المكان. يخبر سانتوس الصحفيين: «لدى رونالدو حماس ودافع قوي للفوز. لقد كان رونالدو متحمسًا للفوز ببطولة التشامبيوزلييج، وهو الآن متحمس أكثر للفوز لأن اللقب الأوروبي الدولي هو طموحه. إنه مستعد ليقود البرتغال إلى هذا النصر الهام».

إذا ما انتصرت البرتغال، غالبًا ما سيجد سانتوس نفسه مضطرًا للحديث عن رونالدو، ليس فقط لمدة يوم ولكن للباقي من حياته.