«من حق كل لاعب كرة قدم اختيار النادي الذي يود اللعب بصفوفه، تمامًا كحقك كموظف في الرحيل من شركة لأخرى بحثًا عن الراتب الأعلى». بالتأكيد قد مرت هذه الجملة على مسامعك أثناء مناقشة غير هادئة على الإطلاق حول تفضيل رمضان صبحي لنادي بيراميدز على الأهلي.

ومع كامل اقتناع قائل العبارة بها، كان يتوجب عليه سؤال نفسه، كم مرة اضطر فيها لترك الشركة والجلوس لساعات لتبرير قراره؟ لماذا يضطر أحد من الأساس لتبرير استخدامه لحقه؟ لأن الواقع يفيد بأن تلك المقاربة ليست في محلها، ولو كانت كذلك لما جلس رمضان مع الإعلامي عمرو أديب لإعادة سرد الكواليس، من وجهة نظره.

مشاعر موظفي الشركة

يدرك رمضان ما لا يدركه قائل عبارة موظف الشركة، وهو أن مشاعر الموظفين ليست على نفس القدر من الأهمية كمشاعر جماهير الكرة. إن تلاعبت بمشاعر موظفي الشركة، علامَ تحصل؟ لكن إن تلاعبت بمشاعر الجماهير، قد تزيد شعبيتك، وتصبح واجهة إعلانية، وترتفع احتمالات زيادة دخلك انطلاقًا من بعض التصريحات التي يتضح كذبها فيما بعد.

في تصريح سابق لرمضان، أوضح رغبته الأولى والأخيرة داخل مصر في اللعب للأهلي أكبر نادٍ في أفريقيا والشرق الأوسط – على حد قوله – ثم أضاف ليدغدغ مشاعر الجماهير بأنه لن يلعب لنادي الأسيوطي سابقًا.

تختلف كرة القدم عن الشركة في اعتماد الأولى على تلك المشاعر كأولوية. مشاعر الحب والشغف هي ما تدفعك لإنفاق المال للاشتراك في القناة التي تبث المباريات حصريًّا، وشراء تذكرة للمشاهدة من داخل الاستاد، ثم إنفاق المزيد لشراء قميص النادي، وإلى آخره.

ومن البديهي أن يبحث المشجع وسط الفرح والحزن وتقلب المزاج عن أسمى تلك المشاعر، وهو الوفاء والانتماء، لأنه سيكون أكثرها إرضاءً لذاته وشغفه، أكثر من فرحة الفوز في بعض الأحيان. وعليه، يحيط المشجع هؤلاء الأوفياء بهالة من العشق الممزوج بالفخر، مع وضع انتقادهم في خانة المحرمات.

زانيتي مع الإنتر، جيجز وسكولز مع مانشستر يونايتد، مالديني في الميلان، بويول وتشافي مع برشلونة، والحالة الأكثر تطرفًا في عالم الوفاء، توتي مع روما.

الكلمات التي كتبها توتي بنفسه على موقع «The Players’ Tribune» هي أغرب ما يمكن أن تقرأه في موضوع يتحدث عن رمضان صبحي، لكن هذا ما فعله فرانشيسكو، والذي كان من الممكن أن يستغله لاعب الأهلي السابق لصالحه.

يسألني الناس، لماذا قضيت حياتك كلها في روما؟ روما هي عائلتي، أصدقائي، الناس الذين أحبهم. روما هي البحر والجبال والآثار. روما هي الأصفر والأحمر. روما بالنسبة لي هي العالم. هذا النادي، وهذه المدينة، هما حياتي.
فرانشيسكو توتى، أسطورة نادي روما

فكر كأنك اللاعب

لو امتلك رمضان الشجاعة في لقائه مع عمرو أديب، لأخبر الجماهير أن توتي وأبو تريكة وحازم إمام وأمثالهم يمثلون ما شذ عن القاعدة، وليس القاعدة نفسها. وبالتالي، لا يصح أن يفكر المشجع في تحويل كل لاعب صاعد إلى نموذج مكرر من لاعب سابق، كان وفيًّا للنادي.

وهنا ستبدأ كمشجع بالهبوط لأرض الواقع ومحاولة ضبط مشاعرك، وتناول الحدث بشيء من المنطق، لتجد نفسك إما تترك -على مضض- بعض المساحة لتقبل أمثال رمضان، أو تحاول النظر للأمر بطريقة مختلفة، وتفكر كأنك اللاعب.

يعلم لاعب كرة القدم أن مسيرته ستمتد من 10 إلى 15 عامًا كحد أقصى، وعندما يعلق حذاءه، على الأغلب لن يجد وظيفة سواء في المجال الرياضي أو خارجه، تمنحه نفس الراتب. وبالتالي عليه استغلال تلك السنوات لجمع أكبر كم من المال، لكن هل ذلك يعني أن يلهث وراء الراتب الأكبر في كل مرة؟

في الميركاتو الصيفي لعام 2020، حول أليكسيس سانشيز (31 عامًا) إعارته للإنتر إلى عقد دائم، بعد أن تخلى عن راتب أسبوعي قدره 500 ألف باوند في مانشستر يونايتد، ليحصل على 300 ألف باوند في إيطاليا. بالطبع لم يقرر سانشيز فجأة عدم الوفاء بالتزاماته المادية، لكنه أدرك أن إطالة مسيرته في الملاعب والتي سيترتب عليها مزيد من الدخل، تعتمد على مشاركته مع نادٍ ومدرب يثقان به.

في نفس الميركاتو فضل الشاب الإنجليزي صاحب الـ 17 عامًا «جودي بيلينجهام» الانتقال لبوروسيا دورتموند وليس مانشستر يونايتد، لأن بيئة دورتموند ستساعده أكثر على التطور. وسبقه «إيرلينج هالاند» في يناير/ كانون الثاني 2020، والتحق بدورتموند لنفس السبب، وفضل الحصول على 100 ألف باوند أسبوعيًّا في ألمانيا، عوضًا عن 170 ألف في اليونايتد.

مسيرتك تتوقف على قرارك

مع كامل الاعتذار لمحبي مانشستر، فالأمر ليس متعمدًا، لكن أحدث الأمثلة كان اليونايتد طرفًا فيها بالصدفة. وبالطبع يوجد الكثير والكثير من الحالات المشابهة، والتي يمكن الاستنتاج منها أن اللاعب الموهوب صغير السن عليه حساب خطواته بدقة، فالتطور يأتي مقدمًا على المال، وما تغاضى عنه «هالاند» وغيره اليوم سيجني أضعافه في المستقبل.

هذه الطريقة في التفكير لا تضمن للاعب فقط مسيرة عظيمة داخل الملعب، بل يمكن أن تمنحه مسيرة أعظم على مستوى التسويق خارجه. وهنا سنحصل على مثال من خارج كرة القدم، تحديدًا من دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين «NBA».

في عام 2003، كان «ليبرون جيمس» لاعبًا مبتدئًا قادمًا من المدرسة الثانوية، لكنه كان ذائع الصيت كأحد أهم المواهب المنتظرة في كرة السلة الأمريكية. كانت مبارياته تحظى بعدد كبير من المشاهدين، من بينهم مشاهير في مختلف المجالات، الرياضة، الفن، وشركات الأحذية.

وكانت النتيجة تلقيه عرضًا ضخمًا من شركة «Reebok» بـ 100 مليون دولار، وقد قدموا له شيكًا بـ 10 ملايين في الحال، كم كان عمر «جيمس»؟ 18 عامًا. لتتضح لك قيمة العرض الذي جعل ليبرون يفقد القدرة على الكلام، كان «كوبي براينت» الفائز لثلاثة ألقاب دوري متعاقدًا لأربع سنوات مع «نايكي» بـ 40 مليون دولار.

قرر جيمس التوقيع مع نايكي لسبع سنوات بـ 90 مليون دولار، ليصف قراره فيما بعد بـ«أفضل قرار اتخذه على مستوى البزنس» حيث اختار الشركة الأعلى تسويقيًّا والتي سترسم صورته وتساعده على الانتشار.

اقرأ أيضًا: رعاية ليفربول: لهذا أنصف القضاء نايكي على نيو بالانس

مما مهد له الطريق لعدد من الأعمال التجارية الهائلة مع كل من: ليفربول (امتلاك أسهم)، شركة Beats للسماعات، شركة Warner Bros. الشهيرة، وإطلاق منصة uninterrupted، إلى جانب مؤسسة خيرية تحمل اسمه، فضلاً عن توقيع عقد مدى الحياة في 2015 مع نايكي بقيمة تقدر بـ 1 بليون دولار، هو الأول من نوعه في الشركة.

كنت في طريقي لتوقيع صفقة لحياتي كلها، لذا لم يكن عليَّ التفكير بالشيك الأول، بل التفكير في كل الشيكات القادمة.
ليبرون جيمس عن تفضيل نايكي على «Reebok»

والآن بعد أن علمت ما فعله «ليبرون جيمس»، وما قام به «هالاند»، أعتقد أنك تسأل نفسك الآن، هل لو انتقل رمضان صبحي إلى الأهلى، كان سيضطر ذلك الكاتب الأهلاوي لاستحضار كل هذه الأمثلة وكتابة كل هذا؟ والإجابة كما تتوقعها، بالطبع لا، لأن رمضان لو لم ينتقل إلى بيراميدز، لما ظهر مع عمرو أديب وأتحفنا بتلك الجملة: «إن كنت أسعى خلف المال، لبقيت في إنجلترا».

وهنا تحول رمضان من مثال ننتظره لتشجيع مواهب أخرى إلى نموذج لا يسعى للمال (المتوفر في إنجلترا)، ولا يسعى خلف خطوة أكثر فائدة لمسيرته (المتوفرة بإنجلترا)، ولا يملك الشجاعة للاعتراف بالتلاعب بمشاعر الجماهير. وعليه كان يجب إعادة تعريف الدوافع، لعل المواهب القادمة لا تتحفنا بمثل هذه التصريحات، ولعل الجمهور يدرك الفارق بين الشركة والنادي.