في المرة الأولى التي سمِعنا فيها عن الفيلم كان من أحد الأصدقاء، وكان هدف الترشيح أن هناك فيلمًا للأبطال الخارقين خارج عالم مارفل ودي سي السينمائي، وأفضل منهما بكثير، وأوضح الصديق أن القوة الخارقة لبطلة الفيلم، هي التنقل بين العوالم، وأخذ وعي شخصيات مختلفة، وبالتالي يمكنها اكتساب أي مهارة تريدها حتى تحارب بها وتهزم أعداءها.

خلال الثلث الأول من الفيلم، بحثنا عما سمعنا، لكن لا شيء، كان الفيلم تجربة فريدة تُعاش مع الفلسفة، استطاع تجسيد المدرسة العدمية، والمدرسة الوجودية، وأخذهم في رحلة لا تقل عن رحلة شخصيات أندري تاركوفسكي في فيلمه الرائع «Stalker».

لكن سرعان ما تتابعت الأحداث وتطورت حتى أصبح جليًا أن الفيلم يدور حول سيكولوجية الإنسان، وتأثير قراراتنا علينا. ومع نهاية الفيلم كان الصراخ هو التعبير الأدق لما شاهدناه، لعل هذا الفعل البدائي والعبثي يكون دلالة واضحة يعرف بها من لم يشاهد الفيلم، ما هو مُقبل عليه. لعله يفهم أن الفيلم عن كل شيء، يناقش عشرات القضايا، ويضع كل المعلومات والاختيارات والاختبارات البشرية على رغيف من الخبز الدائري.

تم إصدار الفيلم في شهر مارس من هذا العام في الولايات المُتحدة الأمريكية، والفيلم من إنتاج الشركة الشهيرة A24، ومن إخراج وتأليف دان كوان، ودانيال شينرت، وقد رأينا تعاونًا بين هذا الثنائي من قبل في فيلمهم غير التقليدي أيضًا «Swiss Army Man».

أما عن أدوار البطولة، فالفيلم من بطولة الممثلة الماليزية ميشيل يوه. ومن بطولة جوناثان كي كوان الرجل الذي غاب عن السينما أكثر من عقد كامل لأن شركات الإنتاج قد نسيته، وعلى الرغم من أن هذه العودة جاءت بعد غياب زاد على العقد فإنه أثبت أن تغاضي الشركات عنه كان خسارة متبادلة له ولهم، والفيلم أيضًا من بطولة ستيفاني هسو، المرأة التي خرجت عن النص تمامًا في اختبارات الأداء، وكان هذا الجنون ما يحتاجه المخرجان تمامًا للفيلم. لدينا أيضًا الممثلة والكاتبة جيمي لي كرتيس، والممثل الذي تخطى عقده التاسع جيمس هونج.

قصص متعددة في عوالم متعددة

يحكي الفيلم خلال فصوله الثلاثة قصصًا متعددة، تدور في عوالم متعددة أيضًا. وقد رأينا من قبل أفلامًا تم استغلال العوالم المتعددة فيها بشكلٍ جيد مثل فيلم «Doctor Strange in the Multiverse of Madness» إلا أن هذا الفيلم يتفوق على كل ما رأيناه من قبل، فعلى الرغم من أننا نرى هذه العوالم، ونرى مشاهد الأكشن التي تذكرنا كثيرًا بأفلام جاكي شان، وأيضًا بعض المشاهد والأفكار المتشابهة مع فيلم «The Matrix»، فإن فيلمنا أصيل بدرجة كبيرة، وهو جديد في كل شيء، حتى في التوظيفات المختلفة التي استعان فيها بأفلام قديمة.

نعتقد أن النقطة الأولى التي ينطلق من عندها كل فنان حينما يريد البدء في عمل فني، هي أنه يفكر في الجديد الذي يمكن تقديمه، ما الذي يمكن صُنعه ولم يُصنع من قبل، وفي الغالب نجد المنتج الفني يحتوي على كثير من الأشياء التي رأيناها من قبل. لكن هذه المرة نحن أمام منتج جديد يتماشى بشكل مذهل مع عصرنا، العصر السريع الذي نجد فيه الشبكة العنكبوتية موجودة في كل زواياه، بنفس جنون وسرعة أحداث الفيلم.

الفيلم هو قصة عن الزواج تدور بين إيفيلن وزوجها ويموند، وقصة عن الأم تدور بين إيفيلن وابنتها جوي، وقصة عن الصداقة بين إيفيلن و ديردري بيوبيردرا. تبدأ أحداث الفيلم في مغسلة العائلة، مع إيفلين، في البداية نرى أن الأم في هرولة دائمة لإنجاز كل شيء، تحاول أن تدير المغسلة بأفضل طريقة ممكنة، وترعى والدها المريض، كما تحاول أن تتخلص من موظفة مصلحة الضرائب، ومن مشاكل ابنتها، ومن خلال هذه المشاغل الكثيرة نرى الفتور الذي تخلل علاقتها بزوجها الذي تزوجته عن حب، واختارته مقابل أن تترك عائلتها وتذهب للعيش معه في الولايات المتحدة الأمريكية.

تعرف إيفيلن أن ابنتها مثلية ويصعب عليها تقبل ذلك، مهما جاهدت نفسها لإظهار العكس، تريد ابنتها أن تظهر بحقيقتها وأن يعرف جدها جونج، لكن ترفض الأم، نرى في بداية الفيلم أيضًا أن ويموند يضع بين يديه ورقة طلاقه من إيفيلن، هو لا يريد أن يطلقها في الحقيقة، لكن لم يجد طريقة أخرى حتى تأخذ إيفيلن الأمور بجدية وتتحدث معه عن علاقتهما. حينما نذهب لمصلحة الضرائب نعرف من الموظفة أن إيفيلن تقوم بالعديد من النشاطات في متجرها، فأحيانًا كانت بالتدريس، وأحيانًا أخرى تقوم ببعض أنواع العلاج التقليدي، وأحيانًا ثالثة تُقرر أن تغني، ترى الموظفة أن إيفيلن تخدعها حتى تمارس هذه النشاطات ولا تدفع ضرائبها، لكننا نرى ويموند وهو يدافع عن زوجته ويقول إن هذه مجرد مواهب، فإيفلين متعددة المواهب.

الفشل في كل شيء

عند هذه النقطة بالتحديد نعرف أن إيفلين فشلت في كل شيء تقريبًا، علاقتها متوترة مع ابنتها، وها هي على وشك الطلاق، كما نعرف أنها كانت تمتلك العديد من المواهب بالفعل لكن يبدو أنها تخلت عن كل ذلك مع الوقت، ومع ضغوطات الحياة ووطأة الواجبات اليومية. في القصص المألوفة التي نعرفها في الواقع وفي الأفلام، نرى الشخص الذي لا يحقق أحلامه الكبيرة، يكتفي ببيته وأسرته ويعتبر هذا نجاحه، وحينما يفشل هذا النجاح أيضًا يستمر في حياته الروتينية، وفي زيجته التي لم تعد تسمن ولا تغني من جوع، لكنه يعرف أنها صروف الدهر، وما تريده الأيام. حتى هذا الروتين، وحتى هذا الملل الذي يلجأ إليه الإنسان حتى لا يقع فريسة للمجهول الذي يلتهمه إذا تخلى عن كل شيء، بدأت إيفيلن في خسارته حينما رأينا ورقة الطلاق، وأن ابنتها لا تحبها.

العالم ألفا

من هنا ينطلق الفيلم، من ألفا ويموند الذي يظهر فجأة لإيفلين وهي في المصعد الذي سيوصلها لموظفة الضرائب، في المصعد يظهر ألفا ويموند في جسد زوجها، ويخبره أنه هو ولكن في عالمٍ مواز لهذا العالم، يخبرها أن هناك خطرًا كبيرًا سيدمر كل شيء، وأنه يريد مساعدتها، نعرف بعد ذلك أن هذا الخطر هو جوبو توباكي «Jobu Tupaki» وجوبو هي ابنة إيفيلن نفسها. يعيش ألفا ويموند في عالم ألفا، وهو أول عالم يكتشف باقي العوالم ويتواصل معها، ومن خلال بعض التدريبات التي يقوم بها هذا العالم حتى يتصل مع باقي العوالم نعرف أنهم لاحظوا وجود متدربة متميزة، ومختلفة عن باقي أقرانها وهي جوبو توباكي، كان من المفترض أن تتلقى تدريب أكثر نظرًا لقدراتها، لكن ما حدث أن ما تلقته جوبو كان أكثر من اللازم، وحينها انكسر عقلها وأصبح قادرًا على التنقل بين كل العوامل، وتجربة كل الاحتمالات.

جوبو توباكي: العدمية التي خرجت من رحم إيفيلن

الحقيقة أن محاولة الولوج إلى عقل جوبو توباكي يصعب دون أن نذكر بالضرورة المدرسة العدمية في الفلسفة، حينما يشرح ويموند ما حدث، يخبر إيفيلن أن جوبو تستطيع تجربة كل الاحتمالات، والتنقل بين كل العوالم، وتجربة كل شيء في الوقت ذاته، وقد أعطاها هذا قوة لا متناهية. الحقيقة أن عند هذه النقطة لا نفهم ما مشكلة جوبو بالتحديد فهي تمتلك كل شيء، ويمكنها أن تفعل أي شيء، ونرى هذا خلال أحداث الفيلم، غير أن النقطة المفصلية هُنا هي المعرفة، الوعي الزائد الذي وصفه دوستويفسكي بالمرض في روايته «رسائل من تحت الأرض»، حينما رأت أكثر فقدت حسها الأخلاقي، وفقدت الحقيقة الموضوعية، لقد رأت العالم على حقيقته، وعلى الرغم من جنوح الخيال وطريقة تصوير جوبو في الفيلم فإنه يمكن مقارنتها بالمفكر المثقف الذي قرأ كثيرًا، وفكر أكثر، وفي النهاية عرف أن كل ما يحدث بلا معنى، وهذا الاستنتاج ستقوله جوي نفسها وهي تحدث أمها لتخبرها أنه كلما تقدم العلم واكتشف الإنسان أكثر عرفنا مدى ضآلتنا، وحقارة الإنسان الذي تصور له نفسه عكس ذلك.

على هذه الدركة من العدمية يريد الإنسان أن ينهي كل شيء، وقد أردات جوبو هذا بالفعل، لقد جمعت كل المعلومات التي تعرفها على رغيف من الخبز البولندي الدائري والشهير بالبايجل، هذه الدائرة من الدقيق لم تستحمل هذا القدر من السوداوية فانسحقت، وانهارت على نفسها، وتحولت في النهاية لشكلٍ قريب من الثقب الأسود يمتص كل ما حوله، وقد أرادت إيفيلن أن تنهي حياتها داخل هذا الثقب، أرادت أن تموت داخل المعلومات التي أفقدت كل شيء قيمته، لكن قبل هذا الانتحار غير المألوف أرادت جوي أن تُري أمها أولًا ما رأته، ففي النهاية حتى أتعس البشر لا يريد أن يمر حتى موته هدرًا.

الوجودية: أو لنكن رُحماء من فضلكم

حينما نذهب لمعرفة ما الذي تريده جوبو من البداية نعرف حقيقة كل ما يحدث. وهو أن إيفيلن نفسها هي من صنعت الوحش الذي تحاربه الآن، هي من شكلت ابنتها على هذه الطريقة، كيف ذلك؟ بنفس الطريقة التي قد تحدث في أي عائلة في العالم، لم تُحب إيفيلن ابنتها بالشكل الكافي، ولم تتقبل حقيقتها، ولم يكن لديها كثير من الوقت حتى تعطيه لها. فقدت جوي معنى الحياة بسبب تصرفات والدتها، وقررت أن تُريها ما تراه وتأخذها معها لإنهاء كل شيء، غير أن في القصة بطل آخر وهو ويموند زوج إيفيلن، حينما ترى إيفيلن كل شيء، ترى أن زوجها يُحبها في كل العوالم، وفي كل الاحتمالات المُمكنة، هو لا يريد أي شيء إلا أن يكون معها، بهذا اللطف، وبهذه البساطة. بعد ساعتين من الأحداث المتلاحقة المهرولة، يصرخ ويموند في زوجته، وفي أعدائها، وفي عالمنا المعاصر السريع للغاية والقاسي للغاية، يصرخ ويقول «أعلم أنكم جميعًا تقاتلون لأنكم خائفون ومشوشون» ويقول إن محاولته لرؤية الجانب الجيد للأشياء ليس ضعفًا منه، أو لأنه شخص ساذج، بل هو سلاحه الذي يواجه به الحياة، ثم يطلب ريموند من الجميع أن يكونوا رُحماء، وهذا ما تفعله إيفيلن بالضبط، تتوقف عن القتال، وتحاول أن تواجه الحياة بوجهٍ رحيمٍ ومُحبٍ لأعدائه وهذا ما سيحل كل شيء في النهاية، أن تخلق هي بنفسها معنى في هذا العبث.

العوالم المتعددة وقرارات إيفلين

لنعد إلى البداية مرةً أخرى حينما ظهر ألفا ويموند في المصعد، وألبس إيفيلن جهازًا يُشبه سماعات البلوتوث على رأسها، هذا الجهاز يسمح لها بالتنقل بين العوالم المختلفة إذا عرفت كلمة المرور. وكلمة المرور تكون عبارة عن تصرف عبثي وغريب حتى يصعب معرفتها، والأمر هنا أشبه بأثر الفراشة، هذا التصرف العشوائي الغريب الذي يؤدي لمجموعة من الأحداث تُشكلك أنت نفسك شخصًا مُختلفًا في النهاية، هذه هي الطريقة التي تتنقل بها إيفيلن وباقي الشخصيات في الفيلم، وكل ما يريده ألفا ويموند هو أن تنقذ إيفيلن العالم، لكن لنفهم لماذا إيفيلن بالذات علينا النظر للفيلم بطريقة مُختلفة قليلًا.

إيفيلن هي شابة تعيش في الصين مع عائلتها، لديها بعض المواهب، في يومٍ من الأيام تعرف شاب وتُقرر العيش معه حتى مع رفض عائلتها، قصة إيفيلن هي شبيهة، بقصتنا جميعًا، هي قصة الإنسان في المقام الأول، فكُلنا أيًا كان شكلُ حياتنا نجد أننا في حاجة لأخذ بعض القرارات، وأحيانًا نأخذ العديد من القرارات في الساعة الواحدة. القرارات في الغالب لا تؤخذ إلا إذا كان هناك مجموعة من الاحتمالات، وكل قرار هو عملية موافقة على احتمال واحد ورفض الباقي بالضرورة، لكن لنتخيل أننا غيرنا مُعظم قرارات حياتنا، على سبيل المثال استيقظت من النوم فجأة فهرولت إلى حاسوبك وحذفت كلية الهندسة من الرغبة الأولى ووضعت مكانها كلية العلوم؟ لنتخيل أنك رفضت تكوين عائلة ولم تتزوج؟ أو لنقل أنك تأخرت على حبيبتك في معادكم الأول فغادرت قبل ذهابك وانتهت العلاقة؟

عشرات، وآلاف، وملايين الاحتمالات التي نعيشها في كل لحظة من حياتنا كانت ستُشكلنا أشخاصًا آخرين، وتصنع لنا عالمنا آخر.

واقعية الميتافيزيقا

هكذا تمامًا قرر المؤلفان كتابة الفيلم، فالأكوان المُتعدد التي نراها، ما هي إلا مجموعة الاحتمالات التي رفضت إيفيلن أن تأخذها مقابل احتمالات مختلفة، أحيانًا بقرار واع، وأحيانًا بفعل الصُدف والأقدار، فتارةً هي لاعبة كونغ فو مُحترفة، وتارةً هي مُغنية، وتارةً تُعالج في بعض حقول العلاج الطبيعي، وتارةً هي صخرة، وتارةً هي مُجرد خطوط ملونة على ورقة بيضاء، وطبعًا لا ننسى الكون الذي كانت أصابعها فيه عبارة عن نقانق، كل الاحتمالات مُمكنة وكل شيء موجود، ومع كل ذلك أرى أن أقرب توصيف لفلسفة الفيلم هو أنه فيلم واقعي، لا علاقة له بالأبطال الخارقين، ولا بالخيال العلمي، الفيلم في جوهره يحكي قصة عائلة بسيطة، عائلة مكون من أم وأب وابنتهم وجدها، تضغط الأم على ابنتها كثيرًا مثلما حدث في عالم ألفا، حتى تنكسر الفتاة ولا تتحمل ما يحدث لها، ثم تنظر للعالم فلا تجد فيه لونًا ولا لحنًا، مجرد أرض خربة عليها غرابٌ ناعق، لذا قررت أن تتخلص من حياتها، غير أنها قررت أن تُري والدتها ماذا فعلتُه بها، وهكذا الأمر مع ويموند الرجل الذي تخلى عن كل اختياراته مقابل أن يتزوج إيفيلن ويعيش معها في المغسل. لقد سأم ففكر في ورقة الطلاق، لكنه ما زال يُحب زوجته.

إيفلين الزوجة المُحطمة تعرف عن ماذا تخلت، وتعرف الاحتمالات التي كانت من المُمكن أن تغير حياتها، في النهاية تعرف أنها على الرغم من كل شيء، لا تندم على أي قرار لأنها ما زالت مع ابنتها، وهكذا تُخبرها أن من بين كل الاختيارات التي يُمكن أن تأخذها قررت أن تكون معها، ولما رأت أن زوجها سيحبها في كل قصة مختلفة لهما، قررت أن تعود له. بالطبع لا أنفي الخيال ولا الجنون عن الفيلم، لكن ما أقصده أنه على الرغم من كل هذا الخيال الذي نراه، فالفيلم شديد الواقعية، وإنساني للغاية ويتحدث عنا نحنُ في المقام الأول.

محاولات لكسر عقل المشاهد

الفيلم عبارة عن قصص كثيرة متداخلة، لكنه يحكي في المقام الأول قصتين أساسيتين وهما: قصة إيفلين التي تحارب الأكوان المُتعددة حتى لا تُنهي ابنتها كل شيء وحتى تحافظ عليها. ويحكي أيضًا قصة العائلة البسيطة بتحولاتها الدرامية، يحكي قصة طلاقها، وموظفة الضرائب التي تقف على أعتاب متجرهم. بسبب هذه التداخلات كان يجب أن يتم مونتاج الفيلم بشكل مُختلف عن المعتاد والحقيقة أني من الدقيقة الأولى حتى آخر الفيلم أرى أن المونتاج هو أول أبطال الفيلم، وذلك بسبب المشاهد الكثيرة والمتلاحقة التي تشبه عالمنا اليوم. وأحيانًا كان يتم قص المشهد الواحد لمراتٍ عديدة في الثانية الواحدة، غير أن هناك مشاهد كثيرة من تنقل إيفيلن بين العوالم كان يتم قص المشاهد فيها بشكل لم نر مثله إلا نادرًا. وعلى الرغم من أن هذه الهرولة في التعديل والمونتاج إن جازت التسمية تعتبر هي المدرسة المتبعة في أفلام الأكشن، فإن تصوير الفيلم وتعديله أبعد ما يكون عن أفلام الأكشن، والأمر لا يتوقف هنا، بل نجد أن هناك تزامنًا وتطابقًا مذهلين بين الموسيقى والمونتاج، هذا بالطبع غير الخدع والمؤثرات البصرية. الموسيقى نفسها كانت عنصرًا مهمًا في كثير من المشاهد خصوصًا تلك التي لا تتم في عالمنا الذي نعرفه، وذلك حيث كانت الموسيقى هي البوصلة التي تخبرنا ما الذي من المفترض أن نشعر به مع هذه الصورة الجديدة كليًا علينا، ولم يختلف الأمر كثيرًا مع الممثلين، الذين وجدوا أنفسهم أمام تحد جديد، خصوصًا ميشيل يوه، التي كانت تظهر في المشهد الواحد بشخصيات عديدة.

أخيرًا الفيلم هو تجربة مُميزة بكل ما فيه، كتابة الفيلم شديدة الأصالة والتميز والغرابة، وقد أتاح هذا الفرصة للإبداع في جميع نواحيه. فرأينا أحداثًا تحتاج إلى أن يتحول المُمثل فيها في ثوانٍ إلى شخصٍ آخر، ورأينا أحداثًا تحتاج إلى طريقة بخاصة من التصوير والمونتاج والمؤثرات إضافة إلى الموسيقى التي رأينا غَنِجَ الأحداث عليها، كل هذا يجعل الفيلم فيلم السنة الأول الذي نتوقع أن يكون فيلم الأوسكار الأول، هذا إذا لم تحدث مفاجآت أخرى في الأفلام التي تصدر نهاية العام.