يبدو أن انفصال الثلاثي الذي اشتهر باسم «سمير وشهير وبهير» جعل من المحتم أن تعقد الكثير من المقارنات بين فيلم «كلب بلدي» الذي قام ببطولته «أحمد فهمي» منفرداً والذي عرضنا مراجعة له في مقال سابق بعنوان «كلب بلدي: الهبوط إلى الشلاحات»، وفيلم «حملة فريزر» الذي قام ببطولته ووضع فكرته الأساسية «هشام ماجد» و«شيكو».

ولأن المقارنات تقتضي أن يفوز أحد الطرفين، فقد كانت الكفة الراجحة من نصيب فيلم «حملة فريزر» ربما لأن عقلين يعملان معاً أفضل من عقل واحد منفرد، وربما لأنه حظ حسن، وربما لأن الفيلم فعلاً جيد إذا ما قورن على كل المستويات بفيلم «كلب بلدي»، ولكن يظل الفيلمان «كلب بلدي» و«حملة فريزر» لا يرقيان لمستوى الأفلام التي قدمها الثلاثي مجتمعين حتى وإن تفوق «حملة فريزر» فإن المنتظر من جمهور اعتاد الكوميديا والتجديد من الثلاثي، لن يكون راضيًا تمامًا بجرعة الإضحاك تلك حتى وإن كانت جيدة نسبيًا.


البحث عن «البتاع»

يدور الفيلم حول «بتاع» لا يدري أحد ماهيته، تسبب في تغيير مناخ مصر إلى «برد موت صيفًا.. ديب فريزر شتاءً» على حد تعبير السيناريو، وتكلف الجهات السيادية فريقاً مكونًا من الضابط «سراج الدين بعتذر» الذي يقوم بدوره «هشام ماجد» و«صبحي بيه» الذي يقوم بدوره «بيومي فؤاد» للتحري عن هذا «البتاع» وإفشال عملية تسليمه للأجانب في «إيطاليا»، فيقرر الفريق أن تكون المهمة عبارة عن تصوير فيلم وهمي هناك ليستطيعوا التلصص على مالكي «البتاع» وفي سبيل ذلك يقوموا بالاستعانة بالممثل الفاشل «مديح البلبوصي» الذي يقوم بدوره «شيكو» والعاهرة «تباهي» التي تقوم بدورها «نسرين أمين».

فكرة الفيلم في حد ذاتها فكرة جيدة، ليست جديدة بالكامل حيث أن تيمة المهمة السرية تلك تيمة مكررة، ولكن تفاصيل الفكرة جديدة، وكان تنفيذها أيضاً جيداً جداً من حيث المؤثرات والخدع والاهتمام بالتفاصيل، حيث أننا نرى عربة كارو تجرها كلاب هسكي على الجليد في شوارع القاهرة، والشاي المتجمد الذي يعامل معاملة الأيس كريم، كلها تفاصيل صغيرة انتزعت الضحك بسهولة من الجمهور الصالة.

هذا «البتاع» الذي لم يكن أي من أفراد الفريق على علم بماهيته كان هو المحرك الأساسي لحبكة الفيلم، ولم تكن هناك أي خطوط أخرى تشتت انتباه المشاهد أو تطغى على الحبكة الأساسية وتأخذ من الحيز الموضوع لها، بل كانت كل الأحداث تقوم بالتخديم على الفكرة الأساسية، وهذا بالطبع يحسب جداً لصناع الفيلم.


فتش عن الكيمياء

هناك شيء ما سحري يحكم على كل من يعمل في فريق، إما بالنجاح المبهر أو الفشل الذريع، ويكون هذا الشيء السحري في أوج سيطرته في الأعمال السينمائية، هذا الشيء يسمى الكيمياء أو الانسجام السحري الذي كان واضحاً جداً بين «شيكو» و«هشام ماجد» ربما يكون مبررًا بحكم عملهما معًا منذ ظهورهما على الساحة مع «أحمد فهمي»، ولكن ذلك الانسجام كان تامًا بينهما وبين باقي فريق العمل، فبيومي فؤاد وأحمد فتحي مثلًا أفردت لهم مساحات واسعة في الفيلم، وكان دورهما فضفاضًا بما يكفي لأن يقوما بإضحاك الجمهور بجانب «شيكو» و«هشام ماجد» وكان هذا بالطبع دور «ولاء شريف» السينارست الذي قام بوضع السيناريو والحوار للفيلم.

يمكننا هنا أن نشير بشكل عرضي إلى دوري بيومي فؤاد وأحمد فتحي أيضاً في فيلم «كلب بلدي» واللذان لم يقدما أي إضحاك بالرغم من أنهما نفس الممثلين بنفس القدرات والمواهب، وإذا ما كان المبرر هو مساحات أدوارهم في الفيلمين فأحمد فتحي مثلًا كانت له مساحة معقولة في «كلب بلدي» ولكن السيناريو لم يخدمه بالشكل الذي فعله معه السيناريو في «حملة فريزر».

ليست الكيمياء فقط هي ما خدمت الفيلم، ولكن التمثيل أيضًا لم يصب بأي مرض من أمراض الاستسهال أو الكروتة، ففي المشاهد التي يقوم فيها «بعتذر» بتصوير مشاهد الفيلم الملفق والذي تدور في خلفيته مشاهد الاتفاق على تسليم «البتاع» والتي تكون هي الهدف الأساسي للتصوير، تلك المشاهد تحديدًا تمكنك من رؤية مدى الاجتهاد الذي يقوم به كل فريق العمل، فأنت ترى «البلبوصي» و«تباهي» في وادي يمثلون تمثيلًا ركيكًا بمنتهى التركيز، وترى نظرة «بعتذر» في الكاميرا وهو يتابع الحوار الدائر وراءهم وكيف يمارس دور الضابط بمنتهى التركيز ولا يهتم البتة بالسخف الذي يدور أمامه، وترى «صبحي بيه» في وادي ثالث وحده تماماً يقوم بالاستماع لألبوم عمرو دياب وهو مبتسم ابتسامة لاهية، وترى أفراد العصابة الأجانب يحتدون على بعضهم البعض في الحديث.

كل تلك التفاصيل تدور في كادر واحد في مشهد واحد ليس طويلًا جدًا، استطاع فيه المخرج «سامح عبد العزيز» أن يسيطر حقًا على كل عناصر العمل دون أن يستسهل هو أو أي من فريق العمل ويعتمدون على كون الفيلم كوميدي بالأساس، فكون الفيلم كوميديًا لا يمنعه من أن يكون متقن الصنع، بل أن يكون متقناً فهذا يعطي مساحة أكبر للإضحاك كما حدث تماماً مع «حملة فريزر».


هل يعود الثلاثي مجددًا؟

بين فكرة جديدة وتنفيذ ضعيف في «كلب بلدي»، وفكرة قديمة وتنفيذ جيد في «حملة فريزر» يظل السؤال معلقًا، هل تلك التجربة – تجربة الانفصال – كانت في صالح الثلاثي كفريق أم أنها أضرت بمشوارهم الفني؟ هل أصلاً سيظل الثلاثي فريقًا أم أن انفصالهم إلى فريقين تمهيدًا لأن يقوم كل منهم باللعب منفردًا تمامًا في القريب؟

كلها أسئلة تصب في المقام الأول في صالح صناعة السينما، فالثراء الذي أضفاه «سمير وشهير وبهير» لن ينطفئ بسهولة، حتى وإن أخفق أحدهم في مرة فإنه ليس قانونًا أن يستمر الإخفاق إلى الأبد.