تعد حركة «حرية إيران» من أقدم الجماعات السياسية الإيرانية إذ تأسست منذ أكثر من ستين عامًا، وما زالت موجودة حتى اليوم، وخلال مسيرتها ضمت شخصيات مؤثرة استطاعت حفر أسمائها في التاريخ الإيراني الحديث.

خرجت الحركة من رحم «الجبهة الوطنية» التابعة لمحمد مصدق، أهم رئيس وزراء في تاريخ إيران، وحكم البلاد بين عامي 1951 و1953، وأمم صناعة النفط، قبل أن تنفذ الولايات المتحدة انقلابًا لإعادة الشاه محمد رضا بهلوي إلى الحكم.

ونشأت حركة حرية إيران (بالفارسية: نهضت آزادی ایران) عام 1961، بسبب انشقاق مجموعة من «الجبهة الوطنية» لتكوين جبهة معارضة متدينة، وكان من أبرز رموزها مهدي بازركان ويد الله سحابي ومحمود طالقاني ومصطفى تشمران وإبراهيم يزدي وعلي شريعتي.

ومنذ تأسيسها، شغل مهدي بازركان منصب الأمين العام للحركة. كان بازركان نائبًا لوزير الثقافة في أول حكومة لمصدق، ثم رئيسًا للهيئة المسئولة عن فك الارتباط مع شركة النفط البريطانية، ثم رئيسًا لمنظمة مياه طهران وأطلق أول شبكة مياه في العاصمة، لكنه أقيل بعد سقوط حكومة مصدق خلال انقلاب في أغسطس/آب 1953، وانخرط في النضال السياسي.

لعب بازركان دورًا مهمًا كحلقة وصل بين رجال الدين المعارضين والجبهة الوطنية، وتعرض للسجن لمعارضته نظام بهلوي، وأسهمت فترة سجنه في تقريبه من المعارضين غير المتدينين، بينما عرف محمود طالقاني كرجل دين يتبنى مشروعًا لتبرئة المذهب الشيعي من تأييد الاستبداد، وإثبات توافقه مع الديمقراطية والاشتراكية.

وقد أعلن بازركان فكر الحركة في حفل تأسيسها قائلًا: «نحن مسلمون وإيرانيون خاضعون للدستور ومؤيدون لمصدق»، مبينًا أن كونهم مسلمين لا يعني اعتبار الصوم والصلاة الواجب الوحيد، بل الدخول في السياسة والنشاط الاجتماعي واجب ديني، مع التأكيد على رفض الفصل بين الدين والسياسة، والحفاظ على التقاليد الإسلامية والشيعية، والإيمان بمبادئ العدل والمساواة والإخلاص وغيرها من الواجبات الاجتماعية والإنسانية، وأن معنى أنهم إيرانيون لا يعني التحيز العنصري، وأن معنى كونهم خاضعين للدستور أنهم مع سيادة القانون واحترام الدستور بما فيه من نصوص حرية التعبير، كما أنهم يعتبرون محمد مصدق من كبار خدام شرف إيران والشرق بصفته رئيس الوزراء الوحيد الذي حظي بشعبية وانتخب من قبل غالبية الشعب عبر تاريخ إيران واتخذ خطوة في طريق رغبات الأمة وربط بين الدولة والأمة وفهم المفهوم الحقيقي للدولة.

تعليق النشاط في إيران

انتشرت الحركة بين الشعب الإيراني خصوصًا بين طلاب الجامعات، لكن عقب قيام الشاه بما يعرف بـ«الثورة البيضاء» سنة 1963، نشرت الحركة بيانًا معارضًا للشاه، فتم اعتقال وسجن قادة الحركة بمن فيهم مهدي بازركان ومحمود طالقاني ويد الله سحابي، وصدر قرار بحظر نشاط الحركة، لكن أنشطتها استمرت في الخارج بتأثير مجهودات مصطفى تشمران وإبراهيم يزدي، وكان علي شريعتي ألمع رموز الحركة واشتهر بنشاطاته وخطبه المؤثرة مما أسهم في نشر بذور الثورة في جميع أنحاء إيران، لكن في عام 1977 سمح النظام لشريعتي بالسفر للخارج ووُجد مقتولًا عقب سفره بقليل.

وتجدر الإشارة إلى أن إبراهيم يزدي وعدد من قادة الحركة في الخارج أجروا اتصالات مع النظام المصري في عهد الرئيس جمال عبد الناصر عن طريق السفارة المصرية في سويسرا منذ عام 1963، واستطاعوا الحصول على دعم القاهرة لحركتهم لبعض الوقت قبل أن ينقلوا تمركزهم إلى لبنان، وحدث ذلك في وقت اتسمت فيه العلاقات بين القاهرة وطهران بالعداء نظرًا لارتباط الشاه آنذاك بالولايات المتحدة في مقابل عداء مصر الناصرية لها.

 وكانت حركة «حرية إيران» إحدى المجموعات السياسية التي دعمت روح الله الخميني وحركته خلال انتفاضة خرداد عام 1963 ضد إصلاحات الشاه التي عرفت بالثورة البيضاء، وتعاونت معه في الأنشطة المعارضة، حتى إزاحة الشاه عام 1979، وتولى الخميني الحكم ليبدأ فصل جديد في مسيرة الحركة.

في دولة الملالي

اعتبر الشعب الإيراني علي شريعتي مفكّرَ الثّورة ومنظّرها بعدما قضى حياتَه يناضل لزرع أفكاره الثورية رغم بطش نظام الشاه الذي سقط بعد وفاته بسنتين. وبعد انتصار الثورة، تولى بازركان منصب رئيس الوزراء، كما تم تسليم مناصب مهمة أخرى لأعضاء آخرين في الحركة، لكن بسبب التوظيف المكثف لمسؤولي الحركة في الشؤون التنفيذية خفت نشاط الحركة بشدة.

 استمرت الحكومة المؤقتة تسعة أشهر فقط، ولكن وقعت حادثة اقتحام السفارة الأمريكية (التي أطلق فيما بعد اسم «عش التجسس الأمريكي») من جانب مجموعة أتباع خط الإمام المقربة من الخميني، ومع تكرار الاضطرابات وتدخلات الخميني وأتباعه في الشؤون الحكومية، استقال بازركان من منصبه وقبل الخميني استقالته على الفور.

شاركت الحركة بقوة في الانتخابات البرلمانية، ضمن تحالف ضم تيارات وطنية ودينية، وأصبح لها تمثيل في البرلمان، ورغم ذلك لم تفلح محاولات الحركة للحصول على ترخيص رسمي من دون تقديم النظام أي تفسير قانوني، خلافًا للمادة 26 من الدستور.

 أثار مسؤولو الحركة القضية بشكل متكرر وشفهي وشخصي مع مسؤولي وزارة الداخلية والهيئة المختصة بشئون الأحزاب دون جدوى، فاستمرت في نشاطها بشكل غير رسمي، واستمرت صحيفتها في العمل كذلك، وعلى الرغم من الضغوط على نوابها في البرلمان، ظلت الحركة تنتقد الحكومة وسياساتها.

الحرب العراقية الإيرانية

دعمت الحركة جهود التصدي للجيش العراقي، وأسهمت في إرسال جنود متطوعين إلى الجبهات، وكان مصطفى تشمران، الذي كان عضوًا بالحركة، وزيرًا للدفاع، قبل أن يُقتل على الجبهة عام 1981، لكن بعد دخول القوات الإيرانية المحمرة/خرمشهر واستعداد العراق للتفاوض على السلام، رفضت حركة الحرية سياسة استمرار الحرب حتى الاستيلاء على العراق وشعار تحرير القدس عبر كربلاء، واعتبرت هذا الموقف غير شرعي وغير عملي، وأصرت على إنهاء الحرب بإصدار عشرات البيانات والمنشورات حول الحرب وانتقاد أداء الحكومة، وركزت على إبراز الأضرار التي سببها استمرار الحرب، واستحالة النصر العسكري.

نتيجة لذلك، مورست ضغوط شديدة على الحركة، شملت اعتقال ومحاكمة وسجن عدد من أعضائها، وتعرض المكتب المركزي للحركة لهجمات من أنصار النظام، وتعرض نوابها في مجلس الشورى لاعتداءات عديدة، وتعرضت الاحتفالات الاجتماعية والدينية للحركة لهجمات متكررة، وتم لاحقًا منع أعضائها من الترشح لانتخابات مجلس الشورى، ومصادرة الصحيفة الناطقة بلسانها، كما أنه بعد إصدار الحركة بحثًا يثبت عدم شرعية سلطة الولي الفقيه المطلقة وسوء إدارة السلطة الدينية المطلقة، نالت قسطًا زائدًا من الضغوط والقمع.

ويعد المجلس المركزي من أهم أجهزة الحركة ويضم ممثلي فروع المدن المختلفة وطهران، وينتخب الأمين العام ومسؤولي المكتب السياسي والمجلس التنفيذي، ويجتمع المجلس المركزي شهريًا.

إبراهيم يزدي

بعد وفاة مهدي بازركان، أول زعيم للحركة عام 1995، عقد المجلس المركزي اجتماعًا وانتخب إبراهيم يزدي خلفًا له، وفي الذكرى الأولى لوفاة بازركان ، لم تستطع الحركة إحياء ذكراه في حسينية إرشاد الشهيرة بسبب ضغوط النظام.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 1997، لم يتم قبول أوراق مرشحين من «حرية إيران»، فصوتت الحركة لصالح محمد خاتمي، وحاولت توسيع نشاطها في عهده لكنها واجهت ضغوطا كثيرة من الدولة العميقة التابعة للمرشد.

ودعمت الحركة إعادة ترشح محمد خاتمي في الانتخابات الرئاسية عام 2001، وشكلت تحالفًا مع بعض الجماعات القومية الدينية ذات التفكير المقارب، مما دفع الحكومة إلى شن أكبر حملة اعتقالات لأعضاء الحركة والجماعات القومية الدينية.

وفي عام 2004، تقدم إبراهيم يزدي، الأمين العام للحزب، للترشح في الانتخابات الرئاسية، لكن مجلس صيانة الدستور المقرب من المرشد رفض قبول ترشحه، فدعم الحزب مصطفى معين مرشح الطيف الإصلاحي ، لكنه لم ينجح في الحصول على الأصوات اللازمة، وفاز المرشح المحافظ أحمدي نجاد، وفي ظل حكمه واجهت حركة الحرية تضييقًا كبيرًا، ومنع إقامة العديد من الفعاليات.

في عام 2008، تعرض شباب حركة الحرية لضغوط وسُجن بعضهم، وعلى رأسهم إبراهيم يزدي، ورئيس المكتب السياسي للحركة، محمد توسلي، وضغط النظام لحل الحركة ووقف نشاطها حتى قرر المجلس المركزي للحركة وقف النشاط السياسي مؤقتًا.

محمد توسلي

بالنظر إلى تدهور حالة إبراهيم يزدي الصحية، تم اختيار محمد توسلي كـ«أمين عام» لحركة الحرية عام 2017، ثم توفي يزدي في مدينة إزمير التركية عن عمر يناهز 86 عامًا بعد معاناته من مرض السرطان لسنوات عديدة.

ويعد توسلي من أشد المعارضين لنظام الملالي؛ مع أنه كان قبل ثورة 1979 مسئولًا عن الإعلام في لجان المظاهرات، ولاحقًا المسئول عن لجنة استقبال الخميني لدى رجوعه من منفاه، ويقال إنه هو الذي أطلق اسم «الحرس الثوري» على القوات التي تم تأسيسها بعد الثورة، لكنه اعتُقل عدة مرات بعد ذلك، منها عام 2009، بسبب الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية، واعتقل مرة أخرى عام 2011.

وفي نفس العام الذي تولى فيه توسلي قيادة الحركة، بدأت سلسلة من الاحتجاجات الشعبية التي ما إن تخبو حتى تشتعل جذوتها من جديد حتى اليوم، واعتبرت الحركة منذ البداية أن الاحتجاجات الشعبية قد تؤدي إلى تكرار سيناريو انهيار الاتحاد السوفيتي، وحذرت من ثورة جياع في ظل غياب الاصلاحات السياسية وغياب الشفافية الإعلامية، وتراكم رأس المال تحت شعار الخصخصة، والفساد.