من داخل حلب: الموت يسود والأسد يحتفل
«انهيار كامل للإنسانية»، بتلك الكلمات وصف، اليوم 13 ديسمبر/ كانون الأول، المتحدث الرسمي باسم مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة روبرت كولفيل ما يحدث بحلب منذ صباح يوم الإثنين 12 ديسمبر/ كانون الأول، بعدما سيطرت قوات الجيش السوري النظامي على حلب الشرقية وقامت باقتحام المنازل وقتل من فيها من مدنيين، لتسجل الأمم المتحدة موت ما لا يقل عن 82 مدنيًا من بينهم 11 سيدة و13 طفلاً.
من داخل حلب: الموت يسود
بدأ صباح يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول بنداءات استغاثية من أهالي حلب الشرقية على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما بثوا رسائلهم الأخيرة -حسبما وصفوها- حيث انتظارهم للموت الأكيد بعد سيطرة الأسد على 90% من المدينة بمعاونة كل من روسيا وإيران وبعض من القوات العراقية.
جاءت الرسائل موجعة وتم تداولها بين الأجانب والعرب متسائلين عن أي سبل لنجدة الإنسانية من الهلاك، وسط صمت عربي وعالمي وبعض التصريحات القلقة والتحذيرات من تداعيات الأمر، لكن لم يتحرك ساكن ليمنع الكارثة من الحدوث، فالكل يشاهد والبعض يشجب ويندب بينما تموت حلب وتكتب بدمائها موت القيم الإنسانية بالعالم.
و كتب المراسل محمد الخطيب على حسابه بموقع توتير: «يا عااالم.. معقول دماء وأرواح أهل حلب رخيصة لهل الدرجة!!!؟»، وطالب تركيا والسعودية وقطر بالتدخل لنجدة الشعب السوري من الموت الأكيد، وأضاف: «مظاهرات تجتاح مدن وبلدات إدلب وريف حلب غضبًا لما يجري في حلب.. الشعب هو الثورة.. الشعب هو القادر على قلب المعادلة وليس الفصائل».
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي حوارًا بين إحدى الأمهات وابنها بحلب تحثه على المقاومة والقتال أو الموت وألا يستسلم لقوات الأسد، كما قالت والدة الطفلة السورية بانة العابد على تويتر: «رسالة أخيرة، أنا حزينة للغاية فلا أحد يساعدنا في هذا العالم». و صرح رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان عبدالكريم الريحاوي بإلقاء السيدات بأنفسهن من فوق المباني بحلب الشرقية؛ خوفًا من الوقوع في يد قوات الأسد ويتم اغتصابهن.
كما دوّن العرب على هاشتاج «حلب تباد» للتضامن مع ما تتعرض له من قصف موحش على يد الأسد، داعين العالم لنجدتهم من الموت. وخرجت بعض الشعوب، اليوم 13 ديسمبر/ كانون الأول، بتظاهرات ووقفات احتجاجية منددة بما يحدث بحلب الشرقية.
فحاصرت المظاهرات التركية السفارة والقنصلية الروسية مطالبين بوقف الحملة العسكرية الموجهة ضد حلب، كما نظم الشعب اللبناني وقفة احتجاجية ببيروت تضامنًا مع مدينة حلب، هذا إلى جانب مظاهرة بالعاصمة الفرنسية باريس ضد بشار الأسد وحلفائه.
انتصار روسيا وإيران والأسد على الإنسانية
أذاعت قنوات إخبارية تابعة لنظام بشار الأسد عددًا من اللقطات الاحتفالية بشوارع حلب الغربية بعدما سيطر الجيش السوري النظامي على حلب الشرقية، كما كتب نائب البرلمان السوري عن احتفاله مع أصدقاءه بنصر سوريا في حلب.
وصرح رئيس اللجنة الأمنية بحلب زيد صالح بانتصار الجيش السوري النظامي على فصائل المعارضة السورية بحلب الشرقية، مؤكدًا أنه لم يعد هناك أي فرصة أمامهم للتمسك بالمدينة قائلاً: «إما الاستسلام أو الموت».
بعدما انسحبت قوات المعارضة السورية، عصر يوم الإثنين 12 ديسمبر/ كانون الأول، من ست مناطق بحلب الشرقية (بستان القصر، والكلاسة، وكرم الدعدع، والفردوس، والجلوم، وجسر الحج) بعد «انهيار كامل» في صفوفها،وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأضاف المرصد أن 90% من المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة أصبحت في قبضة يد الجيش السوري النظامي، وهو ما تم التصريح به أيضًا من خلال الجيش النظامي السوري مؤكدًا انتصاره على فصائل المعارضة. وقد تم نزوح 10 آلاف شخص خلال 24 ساعة إلى مناطق تابعة للنظام السوري أو مناطق أخرى كردية؛ ليكون سقوط حيّي السكري والمشهد إلى جانب الأحياء الصغيرة الأخرى بيد قوات الأسد مرتقبًا خلال الأيام القادمة، وبذلك يكون الأسد ضم إلى سيطرته حلب بأكملها.
وبنهاية يوم الإثنين حذر بان كي مون من خطورة الفظائع التي ترتكب ضد المدنيين بحلب من قبل النظام السوري وحلفائه، خاصة أن هناك 50 ألف مدني محاصر في حيّي السكري والمشهد بعد أن فروا من الأسد. كما صرح مسئول الشئون الإنسانية بالأمم المتحدة في سوريا قائلاً: «حكومتا سوريا وروسيا مسئولتان عن أي انتهاكات وكل الانتهاكات التي ترتكبها حاليًا الميليشيات المنتصرة بحلب مع قصف قوات الأسد لآخر جيب للمعارضة في شرق حلب المحاصر».
الجدير بالذكر أن القصف الأخير على حلب يعد الأعنف منذ بداية الصراع، و رفضت روسيا طلب فصائل المعارضة وأمريكا وقف الأعمال العدائية للسماح بخروج آمن للمدنيين أو لفصائل المعارضة؛ لينتصر الأسد بمساعدة روسيا ودعم إيران على شعارات الإنسانية التي تتبناها دول العالم.
الأسد يلقن الديكتاتورية درسًا جديدًا
تعرضت حلب و250 ألف مدني بداية من شهر أغسطس/ آب الماضي إلى الحصار التام، حيث مُنعت عنهم كافة أشكال المساعدات والطعام والأدوية. وبداية من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، وجهت روسيا مساعدتها لنظام الأسد من خلال قصفها الجوي المستمر لمدينة حلب؛ مما أسفر عن سقوط مئات القتلى وتدمير المستشفيات وانقطاع المساعدات عن المدينة.
يعتبر سقوط حلب بيد الأسد بعد أربع سنين من انقسامها بينه وبين فصائل المعارضة فوزًا جديدًا للنظام السوري، حيث يكون الأسد قد بسط سيطرته على أكبر مدن سوريا؛ مما يرجح نهاية النزاع القائم منذ خمس سنوات لصالحه. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فقد تم قتل حوالي 400 ألف شخص بسوريا منذ بداية الصراع إلى جانب تدمير نصف مدن سوريا.
وبالرغم من انتصار الأسد اليوم على المعارضة في مدينة حلب، إلا أنه خسر مدينة تدمر التاريخية بيوم 11 ديسمبر/ كانون الأول لصالح قوات داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) بالرغم من تعرضها للقصف الروسي العنيف.
بغشم معهود على كل حاكم متشبث بالسلطة، وببطولة معهودة على كل باحث عن الحرية بوطن عربي، لم يسلسل الدمار أيادي بشار الأسد، ولم تمنعه المقاومة والرفض عن أن يستمر في سلطته على جثث السوريون. يلقن الأسد الديكتاتورية درسًا جديدًا رغمًا عن كل معاني الإنسانية وشعارات الحق في الحياة التي يرفعها العالم.
