أخطاء جوهرية في فهم الكونيات والكوانتم (4/1)

يعد النظر للتطور على أنه درجات سلم يصعد من الخلية الأولى حتى الإنسان الحالي وليس تفرعًا شجريًا يظهر الإنسان فيه كأحد التنوعات هو أشهر خطأ علمي شائع، وهو يدفع أصحابه غالبًا للقول بأن التطور خطأ، حيث، لماذا توجد القرود إلى الآن؟ ذلك هو ما أقصده حينما أستخدم جملة «أخطاء جوهرية»، فالخطأ في الفهم الذي يتسبب بدوره في هضم مضطرب للنظرية أو العلم المقصود ككل هو مشكلة جادة. تتراوح تلك الأخطاء من بساطة القول أن الثقوب السوداء تتخذ شكل أقماع في الفضاء وليست كرات – بحكم رسمها دائمًا هكذا في مقالات العلم الشعبي – إلى مشكلات في الفهم قد تواجه طلبة الفيزياء وبعض المتخصصين كتعامل البعض مع المفردة على أنها كيان مادي لا حجم له أو التصورات عن ازدواج الموجة-الجسيم في ميكانيك الكم. لذلك، دعنا نجمع بعض أهم تلك الأخطاء في ملف واحد يمكن أن يكون مرجعًا فيما بعد لتحقيق فهم أفضل للكونيات والكوانتم.

كتلة الثقب الأسود هي ما يعطيه تلك القوّة

يفضي ذلك الفهم الخاطئ بالبعض إلى تصور يقول أن الثقب الأسود يشبه «المكنسة» أو «البالوعة» التي تسحب أي شيء، ثم يتعجب قائلًا: «إذا كان هناك ثقب أسود في مركز مجرتنا، فلماذا لم يسحب كل المجرة؟!». سبب تلك المشكلة هو تصور أن هناك علاقة بين قوة جذب الثقب الأسود، حتى أنه قادر على سحب الضوء نفسه، وكتلة النجم المنهار على ذاته فقط، بينما نصف القطر هو ما يجعل الثقب الأسود أقوى.

لنفترض الآن أنك تقف فوق سطوح بيتكم ونريد أن نعرف قوة جذب كوكب الأرض لك، دعنا نستخدم قانون نيوتن الذي تعلمناه في المرحلة الإعدادية، قوة الجذب بينك وبين الأرض تتناسب طرديًا مع حاصل ضرب كتلتيكما وعكسيًا مع مربع المسافة بينكما، لنمثلها برياضيات بسيطة لا تتطلب إلا معرفة بعض الضرب والقسمة:

دعنا هنا نهمل كتلتك وارتفاع المنزل، فهي قيم صغيرة للغاية مقارنة بنصف قطر الأرض (6371 كيلو متر) وكتلها: 5972 x 1024كيلو جرام، أما ثابت الجذب العام G فهو رقم ثابت لا يتغير، دعنا نفترض أنه يساوي 1. هنا، يبدو واضحًا، تتأثر قوة جذب الأرض لك بكتلتها ومربع نصف قطرها، وهما ما يعطيان الأرض جاذبيتها. دعنا الآن نحول الأرض لثقب أسود، بدون الخوض في تفاصيل أكثر عن نصف قطر شفارتز شيلد، يتطلب ذلك أن نضغط الأرض إلى حجم ثمرة الليمون تقريبًا، لكن، تظل بنفس الكتلة. الآن، لنحسب قوة جذب الأرض لك مع نصف القطر الجديد، نصف قطر ثمرة الليمون، هل تلاحظ الفرق؟!

بالضبط، سوف يكون الناتج قيمة كبيرة للغاية مقارنة بجذب الأرض لك في الحالة الأولى حيث أن نصف القطر يقع في مقام المعادلة مربعًا، مع ثبات البسط. تلك هي الفكرة، ما يجعل الثقب الأسود ذا قدرة عظيمة على جذب أي شيء حتى شعاع الضوء نفسه هو صغر نصف قطره مقارنة بجرم سماوي آخر له نفس الكتلة. لذلك، حينما نستبدل الشمس بثقب أسود يحمل نفس الكتلة، فالكواكب سوف تتخذ نفس مداراتها بلا أي مشكلة، لأنها لا زالت تقع على نفس المسافة من مركز الثقب الأسود، تحدث الحركات السحرية فقط كلما اقتربت من أفق الحدث الخاص به.

التشابك الكمي يمكنه نقل معلومات

حسنًا، يأتي السؤال غالبًا بهذه الطريقة: ألا يمكن أن نرمي بجسيم ما في ثقب أسود ثم يبقى رفيقه المتشابك معه كمّيًا هنا ليخبرنا بمعلومات عما يحدث بداخل الثقب الأسود؟ أليس التشابك الكمّي هو ترابط لحظي بين جسيمين تفصلهم أي مسافة ؟! يتصور البعض أنه إذا حصلنا على جسيم «أ» في مكان ما متشابك كمّيًا مع جسيم «ب» الموجود في مكان آخر بعيد عنه ثم قمنا بهز الجسيم «أ» فإن الجسيم «ب» سوف يهتز وحده بشكل لحظي، لكن ذلك غير صحيح.

دعنا نفترض أننا في غرفة مظلمة تمامًا، هناك علبة كرتونية تحتوي على كرتين صغيرتين، بيضاء وحمراء، أخذت إحداهما ثم وضعتها في حقيبتي دون أن أراها ثم سافرت للمجرة أندروميدا على بعد 2.5 مليون سنة ضوئية، بعدها فتحت حقيبتي لأرى لون الكرة التي أحملها، فوجدت أنها الكرة الحمراء. هنا، وبشكل لحظي، أنا اعرف الآن ما لون الكرة التي تبقت معك في الصندوق، حتّى وإن لم تنظر أنت. لكنّي لا يمكنني التأكد من ذلك إلا عبر تواصل معك عبر تليفون ينقل صوتك/معلوماتك لي بسرعة الضوء كحد أقصى. هكذا، في التشابك الكمّي أو حتى الانتقال الآني الكمومي Quantum Teleportation، معرفتنا باتجاه الجسيم الذي يقع على مسافة لا علاقة لها بنقل معلومات، قراءة قياس ما هنا لا علاقة له «بانسياب» معلومات بين الطرفين. في حالة الانتقال الكمّي الآني نحن لا ننقل معلومات بالطريقة الكلاسيكية لكننا ننقل حالة كمّية اعتباطية فقط. لكن، ألا يجعل ذلك من التشابك الكمومي موضوعًا مفهومًا؟ لماذا كل الجلبة إذن؟!

دعنا هنا نضرب مثالًا آخر لتوضيح تلك النقطة، لنفترض أننا قمنا، بضربة أصبع، بلف 1 جنيه مصري معدني على طاولة خشبية، في أثناء دوران العملة نحن لا نعرف على أي وجه سوف ترسو، ملك أو كتابة، يمكن القول أن العملة في تلك الحالة تحتوي على «كل الاحتمالات الممكنة معًا». الآن، يمكننا أن نوقف اللف بوضع إحدى يدينا على العملة وإيقاف دورانها والنظر بعد ذلك للتعرف على حالتها. لنفترض أن هناك عملة مشابهة تدور على طاولة أخرى أمام صديقتي «رهف الوجود» في الغرفة المجاورة، وهي طفلة في الرابعة من عمرها لا تمل من اللعب، قررنا أداء نفس اللعبة معها ومعرفة اتجاهها – ملك أو كتابة – في كل مرة نضع يدينا على العملة الدوّارة من الطبيعي أن نحصل على نتائج عشوائية، كأن تكون النتائج مثلا:

بشكل طبيعي قد تتفق القراءات بين الطاولتين أو تختلف، لكن ماذا لو كانت كل القراءات بهذا الشكل:

هنا يظهر ما أسماه ألبرت أينشتين «التأثير المخيف Spooky action at a distance»، في كل مرة أسجل فيها قراءة على إحدى الطاولتين، مهما حاولنا ومهما كررنا، تكون تلك القراءة معاكسة للأخرى على طاولة رهف. فإذا حصلنا على «ملك» في الطاولة خاصتنا، نحن متأكدين تمام التأكد من أن القراءة على طاولة صديقتي سوف تكون «كتابة». بالمثل، في عالم الجسيمات، في الحالة الكمية – التراكب الكمّي Superposition – يتواجد الجسيم في كل الاحتمالات معًا. في حال حاولنا القيام بقياس، تنهار الدالة الموجية ويتخذ الجسيم لف Spin محدد. يشير التشابك الكمّي لوجود «علاقة» بين الجسيمات المتشابكة كميًا مفادها أنه حينما نقرأ لف الجسيم «أ» في لحظة ما فإنه عند قراءة لف الجسيم «ب» المتشابك معه كميًا سوف تكون معاكسه، حينما تُتخذ القياسات في نفس الاتجاه. لكن، في النهاية، تلك بيانات عشوائية، إذا قمنا بتكرار القياس وملء عشرات الجداول من الموضع «أ» وقمنا بعمل نفس القياسات عند «ب» ثم قارننا الجداول فيما بعد سوف نلاحظ نمط التشابك واضحًا، لكن هل يعني هذا أي شيء؟ هل ينقل أية معلومات؟ لا، لذلك إذا ألقينا بـ «أ» في ثقب أسود وأبقينا «ب» هنا فكل ما يمكن الحصول عليه من «ب» هو حزمة من البيانات العشوائية التي لا معنى لها، لأنه إذا قام شيء/ كيان/ شخص ما بالتحكم في حركة الجسيم الموجود في الثقب الأسود فسوف ينكسر التشابك الكمّي بين الجسيمين ويذهب كلٌ لحاله، التشابك يكون في الحالة الكمّية فقط.

المفردة هي كيان مادي حجمه صفر

نعرف أن الثقب الأسود يتكون حينما ينهار نجم عملاق تتخطى كتلتهُ كتلة الشمس بـ 8 مرات على ذاته. يقف أي نجم ثابتًا بسبب تساوي قوتين، قوة جاذبيته التي تدفعه للانهيار على ذاته، وقوة الدفع للخارج عبر التفاعلات النووية الاندماجية التي تحول الهيدروجين لهيليوم منتجة كم مهول من الإشعاع الذي يدفع ضد الجاذبية. حينما يَنفذ الهيدروجين، يبدأ النجم بدمج الهيليوم لتحويله إلى عناصر أعلى، مرورًا بالكربون، النيون، الأوكسجين، السيليكون، حتى نصل للحديد، عند تلك النقطة لا يمكن للنجم الاستمرار في دمج العناصر، هنا تكسب قوة الجاذبية المعركة، فينهار النجم على ذاته في جزء من الثانية مُحدثًا انفجارًا غاية في القوة لدرجة أننا نراه يحدث في مجرات تقع على بعد عشرات الملايين من السنين الضوئية، نسميه «مستعرًا أعظم Super Nova»، مخلفًا في المركز ما يسمى «نجمًا نيترونيًا»، أو إذا كان النجم عملاقًا بما فيه الكفاية سوف تنهار نواة النجم تمامًا مخلفةً ما نسميه «ثقبًا أسودًا».

شرحنا كيف تختلف قوة الجذب باختلاف قطر الجرم السماوي، حينما ينهار النجم العملاق ضاغطًا نفسه لحجم أصغر بكثير، مع تلك الكتلة الضخمة، تصل قوة الجذب لدرجة لا يمكن معها بأي حال من الأحوال إيقاف الضغط إلى الداخل، هنا تنشأ المفردة، هي رياضيًا نقطة، لا حجم لها، تعبر عن مصير المعادلات التي تحتم انهيار هذا النجم العملاق. لكن، هل هي بالفعل كذلك؟

في هذه النقطة، هناك خلط ما بين التجريد الرياضي وإسقاطه على أرض الواقع، نحن لا نعرف بالفعل ما هي المفردة، لكننا نعرف أنا هناك ما ندعوه «مبدأ استبعاد باولي Pauli Exclusion Principal» الذي ينص على أنه لا يمكن لاثنين من الفيرميونات – جسيمات المادة كالكواركات والبروتونات والنيوترونات والالكترونات … – أن يتخذا نفس الحالة الكمومية. بالتالي، لا يمكن ضغط أي كمّية من المادة في مركز واحد، كذلك نعرف أن أقل طول ممكن لشيء ما في هذا الكون هو طول بلانك Blank Length، وهو يساوي 10-35 من المتر! تحت هذا المستوى لا يمكن للكون كما نعرفه أن يتواجد، لا يوجد أي معنى لكلمات كموضع، أو حجم. كذلك، يفضي ذلك بالبعض للقول أن المفردة هي مكان ذا كثافة «لانهائية»، رابطًا ذلك بالمعادلة القائلة أن الكثافة تساوي الكتلة مقسومة على الحجم، والحجم هنا هو صفر، لكن القسمة على صفر لا تعطي «ما لا نهاية ∞» وإنما تعطي «قيمة غير معرفة»، كما أن الميكانيك الكمومي يتعامل مع الكثافة اللانهائية على أنها استحالة فيزيائية.

في كل الأحوال، لا أحد يعرف ما الذي يوجد في قلب الثقب الأسود، في مراكز الثقوب السوداء ومفردة الانفجار الكبير تنهار الفيزياء كما نعرفها، تحيلنا المعادلات إلى قيم غير مُعرّفة كثيرة وما لا نهايات منتشرة، بل يذهب البعض إلى أن المفردة مفهوم سخيف لا يمكن أن يكون حقيقيًا، ربما نحتاج أولًا لتجاوز مفهوم القيم الرياضية غير المعرّفة والما لا نهاية ∞، هنا – ربما – قد يساعدنا «بَظّ يطير» حينما يهتف بكل أمل: «إلى اللانهائية .. وما بعدها».