كيف عالجَ الفقهُ مسألة السَّفه من زاوية تأثيرها على الحريةِ الشخصية للفرد الذي يُصاب به في مرحلة ما من مراحل حياته؟ ثمَّ كيف عالج نتائج السَّفه وآثارَه على حريات الآخرين الذين قد يتعينُ عليهم الدخول مع «سفيهٍ» أو «سفيهةٍ»، أو سفهاءَ، في علاقة عملٍ، أو في تصرفٍ من التصرفات، أو في رابطةٍ من الروابط الاجتماعية؟

قد لا يعلمُ الشانئون للإسلام أنَّ هذا الدين القويم عالج أحوال السُّفهاء- الذين لا يخلو منهم مجتمع- من منظور الحريةِ، وقرَّر لهم حقوقَهم في حرية الأقوال والأفعال وفق شروط محددةٍ تراعي مصلحتهم والمصلحة العامة معا؛ وذلك على نحوٍ لم يعرفْه أيُّ نظام قانوني قديم أو معاصر.

صحيحٌ أنَّ الشريعة تضمنت بعض القيود على حريةِ السفهاء، ولكنَّها قيود مؤقتة بالحالةِ التي توجبها، وهي وإن كانت تنتقصُ من حريةِ السَّفيه– مثلًا- بدرجة أو بأخرى، فما ذلك إلا لحمايةِ حريات الآخرين وصونِ حقوقهم. وفي الأحوال جميعها لا يقضي هذا الانتقاصُ على أصل الحرية.

والشريعة لم تقرر ذلك للسُّفهاء وحدهم، وإنما قررته لفئات اجتماعية أخرى قد يراها البعض غير جديرة بأي قدرٍ من الحرية ومنهم: المجانين، والمعتوهون، والفسقة، والحمقى، والمغفلون، والمُفْلسُون. ولو أن الشريعة الإسلامية معاكسة للحرية، لكان أمثال هؤلاء أول المحرومين منها، ولكانوا هم أول ضحايا هذا الحرمان. ولكن أحوالهم في الحقيقة ونفس الأمر على خلافِ ذلك. وقد نوالي في مقالات لاحقة- إن شاء الله- النظر في أحوالهم بمرآة الاجتهادات الفقهية.

إن النظريةَ العامة التي انطلقَ منها مختلفُ علماء المذاهب الفقهية في اجتهاداتهم بشأن مسألة «السُّفهاء» هي: المحافظةُ على الحدِّ الأدنى من الحرية الأصلية للشخصِ الذي أُصيب بالسَّفه، أو كانَ في حكم السَّفيه كالصبي الذي لم يبلغ الحُلم، وذلك إما بوضع أقل قدرٍ ممكن من الإجراءات المقيدةِ لحريته، وهذا ما ذهب إليه الإمام الأعظم أبو حنيفةَ النعمان وكثيرون من علماء الحنفية وبعض مجهتدي المذاهب الأخرى، أو بزيادةِ حريات الذين يتأثرون بتصرفات السَّفيه بما يضمن حقوقَهم عنده أو عند وليِّه، وهذا ما ذهب إليه جمهورُ الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.

وأقصى توسُّعٍ في تقييدِ حرية السَّفيه وحريات المتأثرين به نجدُه عند فقهاء آخرين اختاروا الموازنةَ في التقييدات بين كفتي حريةِ السَّفيه وحريات الآخرين الذين قد يدخلون معه في علاقة ما، أو في تصرف معين، وذلك بغرض رعاية مصلحتهم جميعًا. ولم يقل أحدٌ من كبار الفقهاء بإلغاء حريةِ السفيه لسفهه إلغاءً تامًا أو كاملًا، لا مؤقتًا ولا على الدوام مراعاة لمبدأ الحرية الذي لا يجوز تفويتُه لدرء ضررٍ أقل، وهو الإسراف أو التبذير، بتحملِ ضررٍ أكبر وهو إهدارُ حرية الآدمي.

وكلما أنْعَمْنا النَّظر في اجتهادات هؤلاء وأولئك من مجتهدي المذاهبِ وجدناها تصلُ بطرق مختلفة إلى هدفٍ واحد هو: صون أصول الحرية الإنسانية باعتبارها شرطًا ضروريًا ولازمًا لتحمل التكاليف الشرعية، إلى جانب أنها مقصدٌ عامٌ من مقاصد الشريعة. وحب حصيد الاجتهادات المذهبية في هذه المسألة هو: أنَّ الأصل هو المحافظة على كمالِ الحرية الفردية والحريات الجماعية والعامة، والاستثناء هو التقييد المؤقت والمشروط، بغرض رعاية المصلحة الفردية والجماعية أيضًا، وليس للتضييق ولا للمعاقبة الجزافية.

قد يطرأُ السَّفهُ على الإنسانِ في أي مرحلةٍ من مراحل حياته لأسبابٍ تتعلق بظروفِ نشأته الأسرية، أو بنوعية تنشئتِه وتربيتِه، أو لأسباب خاصةٍ بضغوط بيئتِه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يعيش فيها. والعربُ تصفُ من لا يُحسن تدبيرَ المال بأنه سفيهٌ، أو سفيهةٌ؛ والجمعُ: سفهاءُ للمذكر والمؤنث.

ومن المظاهرِ السلوكية والنفسية للسَّفَهِ عند الرجلِ أو المرأةِ: سرعةُ الغضبِ، والطيشُ في أيسر الأمور، والحمقُ، والجهل، أو كما يقول الشريف الجُرجاني في تعريفاته: إن السَّفه هو:

خفةٌ تعرضُ بسببِ الفرحِ أو الغضبِ؛ فتحمِل صاحبَها على التَّصرف بخلاف ما يقضي به العقل السليم، وما يوجبُه الشَّرع.

وابن القيم يرى أنَّ السَّفه غايةَ الجهلِ، وهو مركبٌ من عدم العلم بما يصلحُ المعاش والمعاد.

وفي اصطلاح الفقهاء يأخذُ السَّفَهُ أحدَ معنيين أولهما: فسادُ التصرف في المال وحده، وثانيهما: فساد التصرف في المال وفي الدِّين أيضا. أمّا فسادُ التصرف في المال فيعني: التبذيرَ في إنفاقه، والإسراف فيه دونَ مسوغ عقلي أو شرعي، بما يجعل هذا التبذير عملا غير نافعٍ. ويقابلُه الرُّشْدُ: وهو حسن التَّصرف في المال والمحافظة عليه، وتنميتُه واستثماره بكفاءةٍ على نحو يجعل التصرف عملًا نافعًا ومحققًا المصلحة.

هذا هو حاصل ما ذهب إليه أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، والإمام مالك، وهو المذهبُ عند الحنابلة. أمّا الرَّاجحُ عند الشافعية فهو أن السَّفه يعني: التبذير في المال والفساد فيه وفي الدين معًا، وهو قول لأحمد بن حنبل، رضي الله عنه.

ولكنَّ جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وبعضُ الشافعيةِ يرون أنَّ نقيض السَّفه هو الرُّشد، ويعني: الصلاح في المالِ وحده، ولا شأن للصلاح في الدين به؛ وعلَّلوا ذلك بأن «الرُّشد» لو كان يعني الصلاحَ في الدينِ، لكان الحجرُ على الكافرِ أولى من الحجرِ على السَّفيه والفاسقِ والمجنون، وهو ما لم يقلْ به أحدٌ؛ رعايةً لمبدأ الحرية الأصليةِ للإنسان، والتي هي مقصدٌ من مقاصد الشريعة كما تقرَّرَ عند أغلب علماء أصول الدين والمقاصد والأصول والتصوف.

يذكر علماءُ المذاهب في مدوناتهم الفقهيةِ أن للسَّفه حالتين: الأولى هي أن يبلغَ الصبيُّ غير راشد ويستمر في التصرُّف بسفهٍ. والثانية: هي طروءُ السَّفه بعد البلوغ والرشد في التصرفِ.

وقد قرَّر جمهور مجتهدي المذاهب «الحجرَ» على السَّفيه- ومشروعية الحجر ثابتةٌ عند أغلب المذاهب بالكتاب والسُّنة- والقصدُ من الحجر هو منع، أو تحجيم الآثار السلبية التي قد تصيبُ السَّفيه أو السُّفهاء أنفسَهم؛ سواء كان ذلك في أموالهم أو في مروءتهم، أو في مكانتهم الاجتماعية، أو في ذلك جميعه، أو ما قد تُلحقُه تلك الآثارُ السلبيةُ من الأذى بالمجتمع الذي يعيشون فيه بإشاعةِ التصرفات غير الرشيدة، والسلوكيات غير الحميدةِ.

ولكن ما حقيقة «الحَجْرُ»؟

الحجر لغةً هو: المنعُ مطلقًا، واصطلاحًا هو المنع من ثبوتِ صحة التصرف، وبخاصة التَّصرف المالي، وإن كان لا يقتصر عليه، بل ينصرف إلى غيره من التصرفات القولية، ومنها حرية التعبير، وأداء الشهادة مثلًا. والحجرُ بهذا المعنى الواسع إجراءٌ بالغ القسوة؛ فإن وقعَ كاملًا على إنسانٍ معينٍ، فإنَّه يطيحُ بحريته إطاحة كاملة؛ وهذا ما يجعلُه إجراء شديد الوطأةِ على نفس الإنسان المحجور، وعلى كثيرينَ من المحيطين به.

وتتجلَّى شدةُ وطأته في أنَّه ينالُ من الأركان الثلاثة للحرية بمعناها الفقهي الذي سبق أن بيَّنَّاه؛ وهي:

  • أولًا: القدرةُ على التصرف، والحجرُ يمنع ثبوتها ويبطلها.
  • ثانيًا: الخلوصُ من تسلط الغير، والحجرُ يضع المحجور تحت سلطة الوليِّ.
  • ثالثًا: استقلالُ الإرادة، والحجرُ يدمج إرادة المحجور مع إرادة وليِّه فيفقده استقلاليته.

ولهذا جميعه أسهبَ فقهاءُ المذاهب في تحديد معنى الحجرِ تحديدًا دقيقًا، وفي ضبطِ إجراءاتِ فرضِه ورفعِه، وفي حساب نتائجه وآثاره بحسب أحوالِ المحجور عليه، وما إذا كان صبيًا، أو كبيرًا، رجلًا، أو امرأةً، مع حرصهم على رعايةِ مصلحة المحجور، وحفظِ مصالح المحيطين به، وصونِ مصلحة المجتمع بأسره؛ فهذه الرعاية كانت دومًا في قلب اجتهاداتهم ومطارحاتهم.

والذي ينظرُ، ويدقِّقُ النظرَ في اجتهاداتِ الفقهاء ومطارحاتهم في مسألة السَّفه والسُّفهاء، يجد أنَّ الإمامَ أبا حنيفةَ وكثيرين من مجتهدي مذهبِه يقدمون «الحريةَ» على المصلحةِ المادية، ويجعلون هذه المصلحةَ في مرتبةٍ تاليةٍ للحريةِ، وكأنَّهم يرون: أن الحريةَ شرطٌ لازم لضمان المصلحةِ ذاتها، وعليه فإنِّهم لا يؤيدون إجراءَ الحجرِ على السَّفيه إلا بشروطٍ مشدَّدة لمصلحة المحجورِ أولًا، ثم لمصلحة المحيطين به والمجتمع تاليًا.

وعلى الجانب الآخر يجدُ الناظرُ المدققُ أنَّ أغلبَ بقيةِ أئمةِ المذاهب ومجتهديها يقدمونَ المصلحة الماديةَ على الحريةِ، ويجعلونَ هذه الحرية في مرتبة تاليةٍ للمصلحة، وكأنَّهم يرونَ أن رعايةَ المصلحةِ شرطٌ لازم لضمانِ الحرية، وعليه فإنَّهم يؤيدونَ إجراءَ الحجر ولكن بشروطٍ مشدَّدة لمصلحة المحيطينِ بالمحجور، وبمجتمعه أولًا ثم لمصلحة المحجور تاليًا. والطريقان يؤديان إلى الغايةِ عينها، ويحققان المقصدَ ذاته وهو: صونُ الحد الأدنى من حريةِ الآدمي في حال سفَهه، وصونِ الحدِّ الأعلى من حرية المجتمع المبتلى بسفهاءٍ.

الإمام أبو حنيفة يرى: أنَّ الحجرَ يشملُ التصرفات القوليةَ وحدَها- وهي الأصلُ في حرية التعبير- لأنَّها هي التي يُتصور المنعُ من نفاذِها، أمَّا التصرفات الفعليةُ فلا يُتصور الحجرُ فيها؛ وعلَّل صاحب «الدر المختار» ذلك بأنَّ الفعل بعد وقوعِه لا يمكن ردُّه، فلا يُتصور الحجرُ عليه. (حاشية ابن عابدين 5/89، وتبيين الحقائق 5/190، وتكملة البحر 8/88). ولعلَّ هذا النظر هو ما أدَّى بأبي حنيفة إلى تضييق دائرة الحجر إلى أدنى حدٍ، حرصًا منه على رعاية الأصل، وهو حرية التَّعبير وحرية التَّصرف.

أخذ أبو حنيفةَ- ومن وافقَه من الفقهاءِ- متغيِّرَ «السِّنِّ» في اعتباره، أيضًا، عند النظرِ في حالات تطبيقِ الحجرِ. والسِّنُّ متغيرٌ عضويٌّ وحيويٌّ واجتماعيٌّ مؤثرٌ في عموم تصرفات الفرد، وفي مستوى حريته، وفيما ينفعه وفيما يضره، ولهذا تأخذه الدراسات الاجتماعية المعاصرة في حسابها عند بحث أحوال الفئات المختلفة وسلوكياتها وآرائها.

وفي نورِ هذا المتغيرِ- متغير السِّن- ذهب الإمام الأعظم إلى عدمِ تطبيقِ إجراء الحجرِ بعد سِنَّ البلوغِ، حتى لو بلغَه الصبيُّ غير راشد. واستدلَّ بقول الله تعالى:

«وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا»
سورة النساء: أية 6.

ووجه استدلاله بهذه الآية هو: أنَّ الله تعالى نهى الوليَّ عن الإسرافِ في مال اليتيمِ، مخافةَ أن يكبرَ هذا اليتيم فلا يبقى له (للولي) عليه ولاية، والتنصيصُ على زوال ولايتِه عنه بعد الكِبَرِ يكون تنصيصًا على زوالِ الحجرِ عنه بالكِبَرِ؛ لأنَّ الولاية عليه للحاجةِ، وإنما تنعدمُ الحاجةُ إذا صارَ هو مطلقَ التَّصرف بنفسه. (راجع: المبسوط 24/159، والبدائع 7/170، والتلويح على التوضيح 2/192).

وعلَّلَ الإمام رأيه السابقَ بأن الحجرَ يسلبُ ولاية المحجورِ، ويهدرُ آدميتَه، ويلحقُه بالبهائمِ، وهو أشدُّ ضررًا من التبذير، فلا يُتحمل الضرر الأعلى لدفع الضرر الأدنى. (راجع: مجد الدين عبد الله بن مودود الحنفي، الاختيار لتعليل المختار، طبعة الحلبي 1356هـ/1937م 2/97، والهداية بالهامش الأعلى لفتح القدير 8/139، ومغني المحتاج 2/170).

وإلى جانبِ استدلالِ الإمام أبي حنيفة بالنصِّ القرآني، استدلَّ أيضًا، هو ومن وافقه من الفقهاء، بالمعقولِ فقال: إنَّ السفيهَ حرٌ مخاطبٌ، فيكون مطلقَ التصرفِ في ماله كالرشيد، وهذا لأنَّ وجودَ التَّصرف حقيقة يكون بوجودِ ركنِه، ولأنَّ وجودَه شرعًا يكون بصدورِه من أهله، وحلولِه في محِلِّه، وقد وُجد ذلك كلُّه في تصرف السَّفيه في مالِه (المبسوط 24/ص 159، و160).

وحاصلُ رأي أبي حنيفة هو الانحيازُ للحريةِ الأصلية، وحصر تطبيق إجراء الحجر فقط على: الصبي/اليتيم غير البالغ، والمجنون، والمفلس، وكل حالة يترتب عليها ضرر فاحشٍ. وتابعَ أبا حنيفة في ذلك كلٌّ من: زُفَر وإبراهيم النخعي وابن سيرين. فجميعُهم ذهبوا إلى أنَّ الصَّبي إنْ بلغ سنَّ الحلم غير رشيدٍ وكان سفيهًا فإنه لا يُحجر عليه.

وكلُّ ما في الأمرِ- بحسب أبي حنيفة- في هذه الحالة: أن يَدفعَ وليُّ السَّفيهِ إليه مالَه فقط عندما يبلغ الخامسة والعشرين من عمره. وعلَّل بعضُ الحنفية ذلك بما معناه: أن منعَ المالِ عن السَّفيه الذي بلغ الخامسةَ والعشرين من عمره يكون -هذا المنعُ- على سبيل التأديب والعقوبةِ علي السَّفه، ومن الناحية التربويةِ لا يكون الاشتغال بالتأديب إلا عند رجاء التأدُّب؛ فإذا بلغَ الشخصُ هذه السِّنَّ (الخامسة والعشرين) ينقطعُ رجاءُ التأدُّبِ عادة، فلا جدوى لمنع المال بعده ليحصل التأدُّبُ؛ وإنما يحصل الضررُ له ولغيره الذين يتعاملون معه بتقييد حريتِه في التعبيرِ والفعل، بما في ذلك حريةُ التصرف في ماله. ويضافُ إلى ذلك كله أن الغالبَ فيمن بلغ سِنُّهُ الخامسة والعشرين هو «إيناس الرُّشد»، وقد فسَّر العلماء «الأَشُدَّ» بذلك في قوله تعالى «حتى يبلغ أشُدَّه». (المغني 4/518، وبلغة السلك 2/128. ومغني المحتاج 2/170، والاختيار 2/95. والمبسوط 24/159/160).

كان أبو حنيفة، رضي الله عنه، يرى أن الحرَّ البالغَ العاقلَ لا يجوزُ الحجرُ عليه بعلةِ السَّفَه أو بسبَبِه، وأن تطبيقَ الحجرِ لا يكون إلا على ثلاثةٍ، أثبتَتْ التَّجاربُ في الماضي وفي الحاضر أنَّهم يستحقون أقصى درجات الحجر لتجنب الضرر الفاحش الذي يتسبَّبون فيه لكثيرين من أبناءِ المجتمع، وهم:

  1. المُفتي الماجنُ؛ لأنَّه يثير الفِتن ويضلِّلُ الناس، ويعلمهم الحيل الباطلة للتهرب من أحكام الشرع الشريف.
  2. المتَطبب الجاهلُ؛ لأن دعواه الطب دعوى كاذبة، وهو يغرِّرُ المرضى ويعبث بأبدانهم، وما يأخذه من أجرة فهي محرَّمَة؛ لأنها من أكلُ أموال الناس بالباطل.
  3. المكاري المُفلس (المكاري في لغة القدماء: هو الذي يؤجر الدوابَّ من الإبل والبغال والحمير، بغرض نقل الأشخاص أو البضائع، وهو المعادل التاريخي لشركات النقل ووكلات السفر والشحن في العالم المعاصر، في حال إفلاسها)؛ لأنه بإفلاسه يتعذر الوفاء بالخدمة، وإذا جاء أوان تنفيذ ما اتفق عليه يختفي المسؤول عن التنفيذ، وبهذا يُضيع مصالحَ الناس، ويهدرُ أوقاتهم، ويتسبب في أذاهم نفسيًا وماديًا. هؤلاء الثلاثة يُحجر عليهم؛ لأن الأول مفسد للدين، والثاني مفسد للبدن، والثالث مفسدٌ للمال.

ومما يترتبُ على رأي أبي حنيفةَ ومن وافقه من الفقهاء: أنَّ حالةَ السَّفَهِ لا تُحدثُ خللا في الأهلية، ومن ثم فهي لا تُعفي السَّفَيه من أي حكمٍ شرعي عليه أو له، ولا تُهدرُ حريتَه في التعبير ولا في التصرف، ولا فيما يقرُّ به على نفسه من الأسباب الموجبة للعقوبة، وتُقبل شهادته إن كان عدلًا. (المبسوط 24/157). وبالنسبة للمرأةِ السفيهة، أجاز أبو حنيفة لها أن تُزوِّج نفسَها دون وليٍ أسوة بالرشيدة. (المبسوط 24/478).

ولكن ماذا عن آراء أئمة المذاهب الأخرى وفقهائها من المالكية والشافعية والحنابلة في مسألة حرية السفهاء؟

هذا ما سوف نعرفه، إن شاء الله، ولكن في مقال آخر ضمن حديثنا المستطرد عن الحرية بمعناها الموسَّع في الاجتهادات الفقهية.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.