اقترب موعد زفافي، اليوم الذي تحلم به كل فتاة لارتداء الفستان الأبيض والزفاف الباهر من قاعة الحفل إلى الزهور، وصولًا لتخليد الذكرى بالصور البراقة وتسجيل المباركات في كتاب يعتزُّ به الزوجان فيما بعد إلى جانب مجلد الصور، لكن وجدتني أتهرب من حبيبي، أرغب في تأجيل غير مبرر، وأتوتر بشدة من فكرة الزواج والمسئولية والالتزام.

ماذا دهاني؟

فأنا أحبه بالفعل، ولست كأمينة خليل عندما هربت من زفافها في مسلسل «ليه لأ»، لكني لا أقوى على الالتزام!

فلماذا نهرب من الالتزام في العلاقات العاطفية؟ وما هي الجاموفوبيا أو ما يعرف برهاب الزواج؟

ما هي الجاموفوبيا؟

تنقسم كلمة جاموفوبيا إلى قسمين: الأول جامو وتعني الزواج، والثاني فوبيا وتعني الرهاب أو الخوف الشديد من شيء ما، والفوبيا نوع من اضطرابات القلق، وقد يمثل الخوف من شيء خطره بسيط لكنه يجعل الفرد قلقًا بشدة.

يعاني نسبة 12.5% من البالغين في الولايات المتحدة الأمريكية الفوبيا أو الخوف الشديد تجاه شيء محدد مثل: الخوف من الإبر، أو رهاب العناكب، أو الخوف من الطيران، حيث تشير الإحصائيات إلى أن فردًا من كل 5 مراهقين وشخصًا من بين كل 10 بالغين يعانون نوعًا من أنواع الفوبيا خلال حياته.

لا نعلم الإحصائيات الخاصة بانتشار الجاموفوبيا تحديدًا، لكنها موجودة بيننا، وعلى عكس المتوقع فإنها تنتشر بين النساء أكثر من الرجال، فالمعروف لدى الكثير من الأفراد أن مصطلح «Fear of Commitment» أي الخوف من الالتزام مرتبط أكثر بالرجال، لكن هذا الخوف يصيب النساء بنسبة أكبر.

لا نتحدث هنا عن مجرد الخوف البسيط من الزواج، فلا مانع من القلق بعض الشيء بأمور الزواج والالتزامات والمسئولية التي ستقع على عاتقك فيما بعد، سواء كنت الزوج أو الزوجة، ولكن الجاموفوبيا قلق مفرط ومبالغ فيه يجعل الشخص يهرب تمامًا من الزواج، وقد تصيبه مجرد فكرة الالتزام في علاقة عاطفية بنوبة ذعر حادة وسرعة في ضربات القلب مع التعرق.

قد يكون المصاب برهاب الزواج يعاني من أنواع أخرى من الفوبيا، وهذا ما يحدده الطبيب النفسي من خلال التشخيص، ومن الأنواع الأخرى التي قد يكون مصابًا بها ما يلي:

  • الخوف من الهجر.
  • البارافيليا وهي الخوف من الحب.
  • الخوف من العلاقة الحميمية.
  • الخوف من الثقة بالآخرين، أو التعرض للأذى من شخص يحبه.

أعراض الجاموفوبيا

تتمثل علامات الجاموفوبيا في قسمين، وهما الأعراض الجسدية وتظهر عند تفكير المصاب بالالتزام في العلاقة العاطفية، والقسم الآخر يتمثل في تصرفاته بصفة عامة أثناء الارتباط، وأما عن القسم الخاص بالأفعال خلال العلاقة العاطفية فهي كما يلي:

  1. ليس لديه القدرة على تكوين علاقات عاطفية لفترات طويلة.
  2. يشعر بالتوتر والقلق من رؤية زوجين سعيدين وملتزمين في علاقتهما معًا.
  3. يشعر بتوتر شديد عندما يكون في علاقة عاطفية خاصة عند وجود تلميحات أو مؤشرات لإتمامها بالزواج.
  4. يفكر كثيرًا في كيفية إنهاء العلاقة العاطفية حتى وإن كانت ناجحة.
  5. يشعر أن حياته تتوقف وتتمحور حول هذا الخوف.
  6. يرفض الطرف الآخر ويحاول الهروب منه وإنهاء العلاقة بشتى الطرق.

أما عن أعراض رهاب الزواج الجسدية فتبدأ بمجرد التفكير في الزواج والالتزام، وهي كما يلي:

  • خفقان أو ما يعرف بتسارع ضربات القلب.
  • ضيق التنفس.
  • التعرق.
  • الاحمرار.
  • ألم في الصدر.
  • الغثيان.
  • دوار.

لماذا نهرب من الالتزام في العلاقات العاطفية؟

أتتذكر العروس الهاربة من زواجها في مسلسل «ليه لأ؟» فهناك غيرها مِمَّن يقرر إنهاء علاقته العاطفية، فليس من المنطقي إكمال علاقة فاشلة بكل المعايير لمجرد إسعاد الأهل أو ضرورة الزواج في عمر محدد قبل فوات الأوان، أو الإكراه على الزواج من فرد لا نرغب فيه، فهنا لا مانع من الهروب.

أما الهروب في حالة المصابين بالجاموفوبيا فمختلف، فقد يكون محبًّا للطرف الآخر ويراه مناسبًا، لكن يخشى الالتزام في هذه العلاقة، حيث ترجع أسباب الجاموفوبيا إلى ما يلي:

  1. صدمات عاطفية سابقة: قد يكون المصاب برهاب الزواج تعرض لجراح عاطفية من قبل كالطلاق، أو الخيانة، أو الانفصال دون وجود أسباب منطقية مما يجعله يخشى انكسار قلبه من جديد في علاقة لا يعلم إلى ماذا ستنتهي، فيُؤثر عدم الالتزام فيها من البداية.
  2.  خلافات الآباء: ينشأ بعض الأطفال أحيانًا في بيئة أسرية سامة مليئة بالخلافات المستمرة بين الزوجين، فيرى النموذج المشوه للأسرة، فيعتقد أن حياته في المستقبل ستكون على هذه الصورة من الخلافات والنقاشات الحادة والتي قد تنتهي بالضرب وأحيانًا الطلاق.
  3. الخوف من الفقد أو إضاعة الفرص «FOMO»: قد يخشى البعض من فوات الفرص المميزة الناجحة، فيفضلون عدم الالتزام في العلاقة العاطفية الحالية؛ لأن الأفضل سيأتي فيما بعد، فنحن لم نجرب الكثير!
  4. تعلم الهروب من الصغر: قد يرى الطفل في صغره تصرفات الكبار من الهروب وعدم الالتزام في العلاقة، مما يجعله يعتقد سهولة الأمر ويقلده فيما بعد، فالأمر طبيعي ويفعله الكثيرون!
  5. الجينات: هل يمكن للجينات أن تصيبنا برهاب الزواج؟ في الحقيقة تؤثر الجينات على إصابتنا بالقلق أحيانًا، وبما أن الجاموفوبيا نوع من اضطرابات القلق فقد تسهم الجينات في هذا الأمر.
  6. الخوف من الرفض: غالبًا ما نجد المصابين باضطراب الشخصية الحدية يعانون من رهاب الزواج لخوفهم من الهجر وفقدان أحبائهم، فيبدأون بالبعد والهروب.

اقرأ أيضًا: لماذا يختنق الحب في مصر؟ الإجابة: ترند القايمة.

علاقة الجاموفوبيا بتطبيقات المواعدة

هل تعتقد أن تطبيقات المواعدة قد تكون مؤذية؟

سيذهب فكرك إلى أمور أخرى كالاستغلال العاطفي، أو محاولة بعض الرجال تمضية الوقت مع الفتيات على هذه التطبيقات من أجل أغراض بعيدة عن الزواج، لكن ماذا عن الراغبين في الزواج بالفعل، سواء من الرجال والنساء، هل تؤثر التطبيقات عليهم سلبًا؟

توفر تطبيقات المواعدة بيئة خصبة لزيادة رهاب الزواج في المجتمع، حيث توفر عدة أمور مثل:

  1. وجود فرص عديدة متنوعة، مما يعزز تأثير الخوف من فقد الفرص أو إضاعتها لدى الفرد الراغب في الزواج، فكلما تعرف على فتاة أو تعرفت على شاب، هناك فرص أخرى لم نجربها بعد!
  2. سهولة الاختفاء المفاجئ أو ما يعرف بالـ «Ghosting»، فإذا لم تعد قادرًا على إكمال العلاقة أو اكتشفت أنها ليست فتاة أحلامك، يمكنك الاختفاء فورًا والمضي قدمًا مع فرص جديدة.
  3.  السماح بالتمرير المستمر في التطبيق، وهذا يخلق تخيلات عديدة لدى الراغب في الزواج، فهو يرى صورًا لعدة أشخاص فما صفاتهم؟ وطريقة تحدثهم؟ وما رأيهم فيما يتعلق بالطاقة الذرية! فالتخيل دون وجود نموذج منطقي وواقعي ومحاكاة حقيقية مع الشخص يجعله يفترض أمورًا غير واقعية، وعند التعامل الفعلي مع الشخص يحدث الصدام ويرفض الالتزام في العلاقة؛ لأنه ليس على المستوى المطلوب من تخيله!

اقرأ أيضًا: 6 نقاشات يجب خوضها قبل الزواج

ما الفرق بين الجاموفوبيا والخوف من الوقوع في الحب؟

البارافيليا أو ما يعرف بالخوف من الوقوع في الحب تختلف عن حالة الجاموفوبيا، والطبيب النفسي هو الوحيد القادر على تشخيص الحالة إذا ما كانت مصابة برهاب الزواج أو رهاب الحب.

يمنع الخوف من الوقوع في الحب الشخص من بدء العلاقة العاطفية مع الخوف من الإبقاء على هذه العلاقة، مما يتسبب بالعزلة وعدم شعورهم بالحب، وله عدة أسباب مثل: الضغوطات الاجتماعية، والخوف من الرفض.

أما في حالة الجاموفوبيا فقد يدخل الفرد في علاقة عاطفية، لكنه يهرب عندما يجد نفسه أمام الالتزام الحقيقي بالزواج وتحمل المسئوليات.

كيف يمكن علاج الجاموفوبيا؟

يعتمد علاج رهاب الزواج على الذهاب إلى الطبيب النفسي مع الرغبة الحقيقية في علاج المرض، حيث يعتمد الطبيب على بعض سبل العلاج النفسي، ومنها ما يلي:

  1. العلاج السلوكي المعرفي: نتعلم السلوكيات ونكتسبها في فترة طفولتنا لكن يمكن تغييرها، لذلك يبدأ الطبيب في تحديد السلوكيات المدمرة، ويوضح للمريض رؤية واضحة لتأثير هذه السلوكيات على تفكيره وحياته، ومن ثَم يعطيه طرقًا لتغييرها من خلال خطة منظمة في عدة جلسات.
  2. الأدوية: يعد العلاج الدوائي من الطرق غير الضرورية في علاج رهاب الزواج، لكن إذا كان المريض يعاني من اضطرابات أخرى مصاحبة للجاموفوبيا، حينها يعطيه الطبيب أدوية مثل: مضادات الاكتئاب، وأدوية علاج اضطرابات القلق، وأدوية لعلاج نوبات الذعر.
  3. العلاج النفسي الديناميكي: يعتمد هذا النوع من العلاج على حرية التحدث والبوح بجميع مشاعرك الداخلية العميقة دون إصدار أي أحكام عليها أو على شخصيتك، وهذا يمثل وصلة عبور آمن للوصول لشط التعامل مع الجاموفوبيا، وقد يعتمد العلاج النفسي الديناميكي على جلسات فردية أو في مجموعات تعاني من نفس المرض لمشاركة الخبرات.

في النهاية، قد أجبناك عن لماذا نهرب من الالتزام في العلاقات العاطفية؟ وهو بسبب الجاموفوبيا، فإذا وجدت بعض الأعراض تنطبق عليك، فحاول الذهاب للطبيب النفسي للتأكد من التشخيص، وإذا كنت محبًّا للطرف المصاب برهاب الزواج، فحاول دعمه وتقديم المساعدة له من خلال تقبل مرضه والبدء بالعلاج.