هل هذا واضح يا ماكرون، لن نقبل منكم دروسًا. لا تأتي لتقدم لنا دروسًا في حين أنكم تستخرجون 30% من اليورانيوم اللازم لتشغيل مفاعلات فرنسا من النيجر، بينما 90% من سكان النيجر يعيشون بلا كهرباء. لقد قصفتم ليبيا فقط لأنكم لم تريدوا أن تتمع إيطاليا بعلاقات جيدة مع القذافي.

تستغلون الأطفال في المناجم، وتسكّون العملة لـ14 بلدًا أفريقيًا وتفرضون عليهم رسومًا إجبارية. فرنسا واستغلالها لأفريقيا سبب كبير في هجر الأفارقة لقارتهم وتوجههم نحو أوروبا، فالحل ليس إعادة الأفارقة إلى بلادهم، بل إخراج بعض الأوروبيين من أفريقيا. أنت هو المُقرف يا ماكرون، أنت من يستحق أن يوصف بعديم المسئولية وليس نحن.

فيديو قصير لأمرأة لبقة وسط حشد من متابعيها قالت فيه كل ما سبق ردًا على وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للإيطاليين بغير المسئولين والمقرفين. المقطع لاقى رواجًا واسعًا بخاصة بعد حادثة صفع ماكرون الشهيرة من قبل أحد المواطنيين المتجمهرين لاستقباله.

 انتشر الفيديو تحت عنوان أن رئيسة إيطاليا توجه رسالة شديدة اللهجة لماكرون، وأدت شدة انتشاره إلى قيام وكالات الأنباء الفرنسية بنشر توضيح أن المتحدثة ليست رئيسة إيطاليا، بل جورجيا ميلوني رئيسة حزب إخوة إيطاليا، أو إخوان إيطاليا كما يحلو للغالب المواقع العربية تسميته.

رغم هجوم ميلوني على فرنسا فإنها تهاجم فرنسا ماكرون لا فرنسا ماري لوبان، فميلوني تسير على خطى لوبان تمامًا. الفارق بينهما أنه بينما تُمنى لوبان بالهزيمة في فرنسا، فإن ميلوني تصعد الخطوة تلو الأخرى نحو قيادة اليمين الإيطالي، وتبدو مسيرتها واعدة بقرب حصولها على منصب رئيسة إيطاليا التي نفته عنها الصحف الفرنسية. والأرقام التي يحققها حزبها جعلها تُصرّح أكثر من مرة بأنها باتت مستعدة لقيادة إيطاليا، وأن حزبها الصغير يوشك أن يصبح قوة ضاربة في السياسة الإيطالية.

فاشيةٌ منذ الصغر

حزب إخوان إيطاليا يسيطر حاليًا على 20% من القاعدة الانتخابية في البلاد. وهي نفس النسبة التي يملكها حزب ماتيو سالفيني، أكبر أحزاب يمين الوسط. ويتقدم حزب إخوان إيطاليا بوتيرة متصاعدة ستجعله ثاني أكبر أحزاب إيطاليا بحلول بدايات عام 2022. وبعيدًا عن الحزب نفسه فإن الناخبين والمشاركين في استطلاعات الرأي دائمًا ما يشيرون إلى ميلوني باعتبارها زعيمة، وأنها تحظى بثقتهم ودعمهم حتى لو لم يكونوا يثقون في الحزب ذاته.

بخاصة وأن ميلوني لعبت على وتر استقطاب غير المتحزبين عبر تأليف كتاب شخصي بعنوان «أنا جورجيا». يحكي الكتاب قصصًا مؤثرة من حياتها الشخصية، ويقدّمها كإنسانة إيطالية تهتم بالمصلحة العليا لبلادها قبل أي شيء. وقد باع كتابها قرابة 100 ألف نسخة، وشغل قائمة أكثر الكتب مبيعًا على موقع أمازون الإيطالي.

تحكي ميلوني عن عملها كوزيرة للشباب في حكومة بيرلسكوني الرابعة، وأنها ترأست ائتلافًا للشباب أنشأه بيرلسكوني عام 2007. كما حصلت على دبلومة في الصحافة عام 1996، وقبل ذلك كانت قد بدأت مسيرتها السياسية بالانضمام لشباب الحركة الاجتماعية الإيطالية. ثم أنشأت حركة طلابيّة باسم الأجداد، وفي عام 1995 أصبحت عضوة في حزب التحالف الوطني صاحب التوجه الفاشي.

في عام 1998 أُنتخبت في مجلس مدينة روما، وظلت فيه 4 سنوات. ثم في عام 2004 أصبحت أول رئيسة لنشاطات الشباب، وهو ما يعادل جناح الحزب المسئول عن الشباب. وبعد العمل كصحفية لبضع سنوات دخلت مجلس النواب الإيطالي، وأصبحت نائب رئيس، فكانت بذلك أصغر نائب لرئيس مجلس النواب.

وحين اندمج حزب التحالف الوطني مع حزب فورزا إيطاليا وكان الكيان الناتج يحمل اسم حزب شعب الحرية، تولت هي جناح الشباب في الحزب الجديد، وكان الجناح يحمل اسمًا مستقلًا، إيطاليا الشابة. وحين شغلت منصب وزيرة الشباب في حكومة بيرلسكوني عام 2008 وحتى عام 2011 كانت أصغر وزيرة في تاريخ إيطاليا.

تنفي التطرف وتتبنى مواقفه

كذلك فإن ميلوني تحظى بدعم الأنصار السابقين لسالفيني الذين انفضوا عنه بعد أن انضم للائتلاف الحكومي بسبب رفضهم لترك التشدد اليميني والتحول للوسط الذي انتهجه سالفيني. ولم يجدوا أفضل من إخوان إيطاليا معبرًا عن تشددهم، فالحزب هو الوريث الشرعي المعاصر لحزب الحركة الاجتماعية الإيطالية المعروف باتجاهه الفاشي. ولم يزل الحزب يستخدم شعار شعلة اللهب التي استخدمتها الحركة سابقًا.

فالفاشية في الحمض النووي للحزب، كما يصفه بذلك معارضوها. وجود الفاشية في الحمض النووي يعني أن أدوار اليميني المتطرف والوسطي المعتدل والقائد المحايد التي تحاول ميلوني لعبهم جميعًا في وقت واحد غير ممكن. وأن فاشيتها لا بد سوف تنتصر، وأنها سوف تعجز عن تمثيل ذلك الطيف الواسع من الناخبيين الذين تحاول استمالتهم بكافة الطرق.

فمثلًا تتخذ ميلوني موقفًا صارمًا من اللاجئين، تجلى ذلك في يوليو/ تموز 2021 حين أرسلت سفينة إنقاذ فرنسية طلبًا لروما من أجل استضافة 600 مهاجر غير شرعي استطاعت السفينة أن تنقذهم من الغرق. طلبت السلطات الإيطالية وقتًا للتشارو، لكن كان رد ميلوني سابقًا للجميع. قالت إنه على السفينة أن تتوجه إلى ميناء مارسيليا الفرنسي، وإن إيطاليا ليست مخيمًا للاجئين، وإنها كذلك ليست مستعمرة فرنسية أو ألمانية. ثم تساءلت هل تكون المعاملة مثل الخدم هي الثمن الذي يجب على الحكومة الإيطالية دفعه كي تحصل على الثناء من أوروبا.

الموقف من المهاجرين هو نفس الموقف التقليدي لكافة أحزاب اليمين المتطرف في العالم، لكن رغم ذلك تنفي ميلوني بشراسة عن نفسها انتمائها لليمين المتطرف. فتقول إنها لا ترى في حزب إخوان إيطاليا العوامل الكافية لوصفه بالتطرف أو الفاشية. فحزبها عضو في حزب الإصلاحيين والمحافظين الأوروبيين، وهو مظلة ينضوي تحتها أكثر من 40 حزبًا في مختلف دول العالم، مثل الليكود في إسرائيل، والحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، وحزب المحافظين في المملكة المتحدة.

أفكار ترامب دون جسده

إذا كثر أعداؤك فقد حُزت الشرف، عبارة ميلوني المفضلة، وهي للمصادفة عبارة موسوليني المفضلة. ورغم كل تلك الشبهات التي تصل إلى مرحلة التأكيد على أن ميلوني وحزبها ليسا إلا امتدادًا للفاشية القديمة، فإن شعبيتها آخذة في الازدياد. ربما لا يقول ذلك الكثير عن ميلوني بقدر ما يُعبر أكثر عن إيطاليا وشعبها.

فيبدو أن الشعب الإيطالي ما زال يشعر بالحنين للفاشية المنقضية، سواء بصورة واعية أو غير واعية. فلم تقف إيطاليا مع ماضيها وقفة جادة، ولم يزل بعض الإيطاليين يرون في الفاشية مذهبًا كباقي المذاهب. أمّا الآخرون الذين يرون الفاشية شرًا، فإنهم يردفون قائلين إنها لم تكن شرًا محضًا.

وتلك الفئة هي التي تغازلهم ميلوني وتريد استمالتهم، وتلعب في أحاديثها على ذلك التناقض الموجود داخل المجتمع الإيطالي. فهي تريد أن تخلق مجتمعًا فاشيًا دون وجود رموز الفاشية التقليدية. مثلما أرادت مع الحزب الجمهوري الأمريكي، فقد قالت إنها تحلم بوجود حزب جمهوري يتبنى أفكار ترامب، لكن من دون وجود ترامب شخصيًا في الصورة.