قم بتجربة بسيطة في منزلك على هامش أي احتفال أو عيد ميلاد وثق بأنك ستدهش جميع الحضور. فقط قم بثقب أي بالونة عملاقة من التي تحتوي غاز الهيليوم وتطير دائما في سقف الغرفة، قم بأخذ نفس عميق، ثم تكلم بهدوء.


الهيليوم

He هو رمزه الكيميائي، غاز نبيل ونادر، عديم اللون والطعم والرائحة، خامل وغير سام. ثاني أخف العناصر وكذلك ثاني أكثر العناصر انتشارًا في الكون المنظور، لا يسبقه سوى الهيدروجين في الحالتين. سمي هيليوم على اسم هيليوس إله الشمس عند الإغريق عندما رصده بيير جانسين بعدما لاحظ خطه الطيفي غير المعلوم وقتها كونه كان نادرًا على الأرض، وذلك أثناء رصده لكسوف شمسي كلي عام 1868.

ينتج الهيليوم في الأرض نتيجة للاضمحلال الإشعاعي للعناصر المشعة في باطن الأرض، وترجع ندرته في الغلاف الجوي الأرض إلى أن كتلته وكثافته أقل من الهواء الجوي تسمح له بالوصول لسرعة الهروب من الجاذبية الأرضية، وبالتالي التطاير خارج الغلاف الجوي.

وعلى الرغم من ندرته الشديدة إلا أن الهيليوم أحد أهم الغازات بالنسبة لعلماء الفيزياء، وذلك لأن درجة غليانه شديدة الانخفاض (4 كلفن) بجانب خموله الكيميائي يجعلانه الأفضل بلا منافس كمبرد للمعادن الفائقة التوصيل والتي تستخدم في صنع المغناطيسيات العملاقة superconducting magnets المستخدمة في أجهزة الرنين المغناطيسي، مصادم الهادرونات الكبير Large hadron collider في أوروبا، وكذلك استخدامه في أجهزة توليد الليزر، وفي المركبات الفضائية والأقمار الصناعية والمحركات الصاروخية. ومن هنا تأتي أهمية الهيليوم العلمية.


حقول الغاز الطبيعي المصدر الأول

http://gty.im/165109925

عام 1903، وأثناء عملية حفر بترولي معتادة بولاية كانساس، تم اكتشاف تجمع غازي لا يحترق، تم أخذ عينات منه وحللت في جامعة كانساس من قبل الجيولوجي إيراسموس هاوورث Erasmus Hawort والكيميائيين هاميلتون كادي Hamilton Cady و ديفيد ماكفارلند David McFarland. تم اكتشاف غاز الهيليوم على الأرض كنسبة ضئيلة في هذا التجمع الغازي، وبدأت البشرية في استخراج الهيليوم كعملية ثانوية ناتجة عن استخراج الغاز الطبيعي.

تعتبر قطر والجزائر والولايات المتحدة الأمريكية من أكبر منتجي الغاز النبيل حاليًا على مستوى العالم، وذلك على هامش إنتاجهم للغاز الطبيعي. إلا أن أسعار الهيليوم قد تضاعفت لحوالي خمسة أضعاف خلال العشرون سنة الماضية، وذلك بسبب قلة المعروض مقارنة بالاستهلاك، مما دفع العديد من الدول وضع ضوابط على استخدام الغاز النبيل في غير استخداماته العلمية – كالبالونات والاحتفالات ومدن الملاهي -. أحد الأسباب أيضًا هو انخفاض إنتاج الجزائر من الهيليوم بسبب انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي نظرًا لعزوف الأوروبيين – أكبر مستورديه من الجزائر – عنه. هددت تلك الأزمة الكثير من التجارب العلمية، وكذلك العديد من المؤسسات والهيئات الطبية والتي يعتمد عملها على أجهزة تحتاج غاز الهيليوم كأجهزة الرنين المغناطيسي، مما جعل ارتفاع سعره يمثل تحديًا جديدًا أمام أهداف تلك المؤسسات. لكن لحسن الحظ، لم – ولن – تستمر تلك الأزمة لفترة أطول.


اكتشاف أفريقي، وأولويات اقتصادية

http://gty.im/457879314

منذ حوالي أسبوعين، أعلن علماء في جامعتي دورهم وأوكسفورد عن اكتشاف جديد قد يقلب موازين سوق الهيليوم تمامًا، وهو الاكتشاف الذي اكتشفته شركة Helium one في صحراء تنزانيا في منطقة تسمى الوادي المتصدع الأفريقي African Rift Valley. حيث كشفت الشركة عن وجود 3 حقول من غاز الهيليوم أسفل قشرة الأرض، تحوي من الغاز النبيل ما قد يكفينا لسنوات، وحسب تقديرات الشركة ما سيكفي لعقود أيضًا.

تحتوي حقول الهيليوم المكتشفة حسب التقديرات حوالي 54.2 مليار قدم مكعب من الغاز، للمقارنة يجب أن تعرف أن مخزون الأرض حاليًا من الهيليوم حوالي 35 مليار قدم مكعب، تمتلك الولايات المتحدة منه ما نسبته 60%.

لكن، للاقتصاد رؤية أخرى. تقول شركة Helium one أنها تريد جمع 40 مليون دولار لبدء الحفر وتحديد أفضل المناطق التي يمكن استخلاص الغاز منها بأكثر تركيز نسبة للغازات البركانية. وبتلك الميزانية من الممكن أن تبدأ في الإنتاج مباشرة في 2017. والأمر هنا متوقف على الاحتياج العالمي للهيليوم، والذي مع تقنين استخدامه الترفيهي، وكذلك زيادة قطر من إنتاجها وإنشاء معمل الهيليوم Helium 2 plant في 2014 على هامش زيادة الطلب على غازها الطبيعي، وكذلك زيادة روسيا وأمريكا من الإنتاج، فبدأت الفجوة بين إنتاج واستهلاك الهيليوم في التضاؤل وتوقف معدل ارتفاع سعره الجنوني، والذي بلغ 35 دولارًا لكل لتر من الغاز أثناء فترة العجز الشديد من 2011 حتى 2013، قبل أن يهبط الآن لـ 12 دولارًا للتر وأحيانا أقل من ذلك.

الأمر يختلف بالنسبة لتنزانيا بالطبع، فهذا الاكتشاف سيمثل دفعة قوية للدولة الأفريقية النامية لو تم استغلاله بشكل استثماري جيد، بداية من دخل متوقع يبلغ حوالي 3.5 مليار دولار كاستثمار وأرباح نتيجة بيع الغاز، هذا بالطبع غير الطفرة الهائلة التي سيشهدها قطاع التعدين في الدولة، والذي ربما يحقق أيضًا اكتشافات تعدينية جديدة مجهولة.


نعود لتجربتنا

يجب أن نكون قد أيقننا الآن أهمية الهيليوم، وعدم صحة التفريط فيه بشكل ترفيهي، لكننا ثقبنا البالون بالفعل ولا ضير من قليل من اللهو. وبعد أن تأخذ نفسًا عميقًا ثم تبدأ في الحديث، ستفاجئ بأن صوتك ليس صوتك، بل هو أقرب لصوت أختك الصغيرة عند بكائها مثلا، حادًا مزعجًا ومضحكًا في نفس الوقت. فبسبب كثافة الهيليوم الأخف من الهواء، يصبح الصوت فيها أسرع حوالي 3 مرات من سرعته في الهواء عند نفس درجة الحرارة، وكذلك يصبح تردده أعلى كثيرًا مما يجعل صوتك حادًا ومضحكًا، يمكنك مشاهدة مورجان فريمان الممثل الشهير يقوم بالتجربة على صوته، وسوف تتفاجئ بالتأكيد.

لكن رجاءً، لا تكرر التجربة كثيرا، حفاظًا على نسبة غاز الهيليوم النبيل في الأرض.

المراجع
  1. sciencemag.org
  2. allafrica
  3. rasgas
  4. Atmospheric escape
  5. the guardian