تدخل الأخت الكبرى إلى بيتها بعد يوم مليء بالإحباط والقهر، فترى أمامها أخاها الشاب الذي تخرج من الجامعة ولم يجد عملاً بعد، وهو يقوم بمسح الشقة وتنظيفها ومساعدة أمهما في أعمال المنزل. فإذا بها تنهره وتهم بإمساك أدوات التنظيف بدلاً منه، وهي تتبرم وتتحسر على حال أخيها العاطل المقهور الذي اضطرته الظروف الصعبة لكي يقوم بعمل النساء:

أنا مش قولتلك قبل كدة إنت راجل ومينفعش تعمل كده؟ أنا اللي هنضف!
هذا مشهد من الفيلم المهم والمميز «بنتين من مصر».

يكرس هذا المشهد مفهومًا طالما عانينا وما زلنا نعاني منه؛ ألا وهو التمييز بين الذكور والإناث وتعزيز فكرة اختلاف الدور الاجتماعي حسب الجنس. تمثل هذه اللقطة امتدادًا لمشهد «طبلية السيد أحمد عبد الجواد» في فيلم «بين القصرين» المأخوذ عن ثلاثية الأديب نجيب محفوظ، إناث المنزل لا يتناولن طعامهن إلا بعد انتهاء الذكور منه ويظللن واقفات لتقديم الخدمات لهم أيضًا، في مشهد يوضح مدى رؤية الذكور للإناث ودورهن ونظرة الإناث لأنفسهن وللذكور بالبيت الواحد.

أما على الجانب الآخر يظهر في هذا المقطع المصور رجل أمريكي يقوم بتنظيف منزله كاملاً، ويحكي تفاصيل عمله فيه أيضًا، حتى ولو كان هذا لا يتكرر بشكل منتظم ولكن طريقته في التعامل مع الأدوات والتنظيف وتفاصيل بيته وحتى أبنائه تظهر أنه فعلها قبلاً عدة مرات وتمرّس عليها.

الفرق بين المشهدين تربوي بامتياز، فهذا الرجل الأمريكي تدرب وتعلم بأن لا عيب في القيام بأعمال منزلية، أما في المشهد المصري فكل من الأنثى والذكر تربيا على فكرة نمطية تُعزز من التمييز في التعامل بين الإناث والذكور، وتنميط أدوارهم الاجتماعية على حساب الفهم الصحيح لمعاني المشاركة الحياتية وروح التعاون وتحمّل كل فرد مسئولياته تجاه نفسه وتجاه باقي أفراد أسرته.

إن انتشار حالات العنف ضد المرأة على اختلاف أشكاله التي ترصدها المنظمات الدولية كا لأمم المتحدة، والارتفاع الملحوظ لنسب الطلاق كما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بأن مصر أصبحت الأولى عالميًا في نسب الطلاق بواقع حالة طلاق كل 4 دقائق، توضح مدى تدني نظرة الرجل للمرأة وعدم فهمه لطبيعة دوره الاجتماعي داخل الأسرة، وأن الأنثى في كثير من الأحيان هي التي تساعد على تأكيد هذه المفاهيم، من خلال التأكيد على سياسات التمييز داخل المنزل بين أبنائها. كما أكدت الكثير من الدراسات الاجتماعية والنفسية على أن التمييز بين الإناث والذكور يبدأ بالبيت.

وتحمل الكثير من الفلسفات التعليمية والتربوية والنظريات النفسية والاجتماعية الحديثة أفكارًا مثيرة للاهتمام في اتجاه تعزيز ثقافة عدم التمييز بين الذكور والإناث، والتأكيد على دورهم الاجتماعي المشترك والمتساوي في بعض الأحيان، نعرض لكم بعضها.


1. أنشطة الحياة العملية

تعتمد هذه النوعية من الأنشطة على تعزيز مهارات الطفل المختلفة لدخول عالم الكبار، ففيها يتعلم الطفل ذو العامين بدايات الاعتماد على نفسه في مهام متدرجة من البسيطة إلى الأكثر تعقيدًا. كل هذه الأنشطة لا تميز عند تقديمها للطفل بين كونه ذكرًا أو أنثى.

على سبيل المثال: عندما يُسكب من طفلك أي سائل عن طريق الخطأ على الأرض أو المنضدة، اهدئي ولا توجهي اللوم له، فقط اجعلي أدوات النظافة في مكان يسهل الوصول إليه لكي يقوم بحل مشكلته بنفسه اعتمادًا على القدر الذي تعلمه من المهارات. يتأكد في هذه الحالة دليله بأنه مسئول عن نتيجة أفعاله ولا ينتظر من أحد أن يصلحها له.

ففي فلسفة مونتيسوري:

هناك الكثير من الأنشطة التي يقوم فيها الطفل بسكب السوائل ونقل المواد الجافة وتنظيف حجرته وإعادة ترتيب ألعابه وتنظيفها باستخدام أدوات نظافة تناسبه، كما يتعلم الطفل كيف يقوم بربط حذائه وفك الأزرة والسوستة وغيرها لكي يتمكن من إلباس نفسه بنفسه في سن مبكرة. تعزز هذه الأنشطة من مهارات تحمل المسئولية الذاتية والاعتماد على النفس وتدعم من فكرة استقلالية الطفل منذ نعومة أظافره.

أما في فلسفة والدورف:

فالطفل يقوم بالمساعدة بشكل حقيقي وليس صوريًا في أعمال الخبز والعجن كل صباح، كما يساعد في تحضير المائدة قبل الأكل، وفي تنظيف الطاولة بعد انتهاء الطعام.


2. تجنب الألعاب النمطية للذكور والإناث

فالبنت تلعب بالدمية وبالألعاب التمثيلية المختلفة مثل المطبخ أو أدوات التنظيف وغيرها من الألعاب التي لازمت الفتيات طوال حياتهن، أما الولد يلعب بالسيارات والكرة فقط. أليس هناك طهاة رجال؟ أليس هناك سيدات يلعبن كرة القدم؟ لماذا لا يتعلم الطفل الذكر منذ نعومة أظافره العناية بالدمية فيكبر غير متذمر من رعاية أبنائه؟

حسب تقرير نشرته صحيفة الجارديان نقلاً عن دراسات نفسية واجتماعية في جامعات عديدة منها جامعة كاليفورنيا، أن الألعاب بشكل عام تساعد الأطفال على تعلم مهارات جديدة، كما تساهم في تطورهم الفكري والمعرفي. فالدمى ألعاب محاكاة مناسبة جدًا لتقديم مفاهيم مثل التسلسل المعرفي للأحداث ومهارات اللغة المبكرة لدى الأطفال.

كما تقوم وحدات البناء مثل Lego والألغاز بتعليم مهارات الذكاء المكاني والإحساس الحقيقي بالأبعاد والكتل والمجسمات، والذي يُعد حجر الأساس في تعلم مبادئ الرياضيات. وحسب المصدر السابق فإن كلا الجنسين يخسران إذا وضعناهم في مسار واحد نمطي كلاً وفق جنسه، فلا يستطيعون استكشاف غيره، بألا يتعرف كل جنس على ألعاب الجنس الآخر. فعلى سبيل المثال اللعب بالدمى يُعلِّم الأطفال التعاطف وكيفية الاعتناء بشخص آخر.

وفق دراسة طريفة قامت بها BBC قامت باختيار طفل وطفلة وبدّلا في ملابسهما؛ فالذكر في لبس أنثى والعكس. وجاءوا ببعض المتطوعين الذين يجهلون جنس الأطفال الحقيقي، وتركوهم مع كل طفل على حدة وأمامهم مجموعة من الألعاب الخاصة بالذكور مثل السيارات وألعاب التركيب، والخاصة بالأنثى مثل الدمى وألعاب المحاكاة وغيرها.

فاكتشف الباحثون أن المتطوعين تأثروا بهيئة الأطفال وقدموا لهم ألعابًا تناسب جنسهم بشكل نمطي، وكان الأطفال يلعبون ويندمجون بلا أي انزعاج أو عدم تقبل للعبة، بالرغم من أنها لا توافق جنسهم الحقيقي!

أوضحت هذه الدراسة أيضًا أن مقدمي الألعاب للأطفال لهم تأثير كبير ليس فقط على كيفية رؤيتهم لأنفسهم وعلى المهارات التي يتعلمونها، ولكن أيضًا على كيفية تطور أدمغتهم ومساراتها. كما تؤثر الألعاب المُقدمة لهم على تصوراتهم الذهنية حول طبيعة أدوارهم الاجتماعية في المجتمع وأدوار شركائهم، كما تحدد حجم وشكل المشاركة في المستقبل في تحمل المسئوليات المختلفة.

فهذا يساعد على تفسير هيمنة بعض المهن على الذكور. وكما توضح هذه التجربة، ليس من السهل دائمًا التغلب على الأحكام المسبقة الخاصة بك. كما يُوصي العديد من المتخصصين والآباء ومقدمي الرعاية بتجنب اختيار الألعاب النمطية للجنسين.

كما نجد في فلسفة والدورف التعليمية أن هناك اهتمامًا كبيرًا بالأشغال الفنية اليدوية مثل الكروشيه والتريكو وغيرها من المهارات التي تعزز من فكرة الإرادة عند الطفل، وتُحفزه على العمل حتى إنهاء المهمة واستغلال مهاراته في صنع ملابس وألعاب وغيرها. فلا نجد غضاضة من أن يمسك صبي صغير بإبر الحياكة ويقوم بصنع كنزة له أو ربما لأخته.


3. تقسيم المسئوليات على كل أفراد الأسرة

إذا افترضنا أن الأم والأب يعملان في مكان واحد ويعودان في وقت واحد من العمل، من يقوم يا ترى بالأعمال المنزلية الإضافية كلها غير الأم؟

هذا ما يسمى بـ «الاستنزاف الكامل للمرأة». وتظهر المشكلة مع لحظة ولادة طفل جديد وتعاظم الأدوار والمسئوليات والأعباء، فيزداد حجم التقاعس عن المشاركة عندما تفكر في توقعاتنا النمطية لأدوار الرجال والنساء في المنزل.

يبدأ حل هذه الإشكالية بالاعتراف أولاً بالمشكلة، ومنها يمكن للأزواج البدء في معالجة عدم التوازن في الأدوار من خلال وضع قائمة بجميع الأعمال والمسئوليات التي تتعرض لها الأسرة، وتقسيمها على أفراد الأسرة كبارًا وصغارًا على حد سواء، كل حسب قدرته ورغبته وإمكاناته.

إحدى الطرق لإعادة النظر في الواجبات المنزلية هي بتقسيمها بناءً على توزيع المسئولية وليس توزيع مهام. يسمح هذا لكل شخص بوضع المهام التي تندرج تحت مسئوليته الموكلة إليه، بما يعطي مساحة أكبر من الثقة بين الشركاء في المنزل.

فالاتفاق على أن هناك فردًا من الأسرة يتحمل عبء هذه المسئولية، يساعد في التزام الشخص بإتمام عمله، كما يساعد على عدم تراكم هذه المهام وحملها على عاتق فرد آخر من أفراد الأسرة.

يمكن أن تكون مهمة ابنك أن يُنظف المطبخ بعد وجبة الغذاء، أو على الأقل يقوم كل طفل بترتيب غرفته يوميًا بعد الاستيقاظ وقبل النوم، أو الاهتمام بإطعام الحيوانات المنزلية أو الاعتناء بالنباتات، بحيث تكون المسئولية لها شكل روتيني ثابت، مما يجعل هناك قدرًا من تحمله لمسئولية نفسه لدعم استقلاليته واعتماده على ذاته وعلى قدرته على إتمام المهام والمسئوليات الموكلة إليه.

يمكن أن تقوم الأسرة بعقد هذه الاتفاقات من خلال اجتماع الأسرة، وهو أحد الأدوات الفعالة للتربية الإيجابية، والتي تساهم بشكل كبير في دعم التواصل ولغة الحوار بين أفراد الأسرة، وتعزز من احترام بعضهم البعض، فلا مكان لفرد داخل الأسرة مستباح الكرامة أو تعرضه للإهانة أو التقليل من شأنه.

ومن أهم ما يميز فكرة التقسيم:

1. كل فرد في الأسرة عليه قدر من المسئولية، فهذا يطور خبرته في هذا المجال.

2. يسمح تقسيم المسئوليات لكل طرف بتطوير شعور أكبر من التقدير لمدى الفكر والجهد المبذول في إدارة أمر معين تجاه باقي أفراد أسرته، كما يُعزز من الاحترام المتبادل لكل أفراد الأسرة.

3. يقلل تقسيم المسئوليات من الجدال القائم حول إتمام هذه المهام.

4. لا مكان للتمييز بين ذكور وإناث في أداء المسئوليات المختلفة داخل المنزل، فقط الإرادة والرغبة والقدرة والكفاءة هي معايير الاختيار وليس احتكار المهام حسب تصورات نمطية تربط بين نوع المهمة وجنس فاعلها.

5. يقدم الأب في هذه الحالة نموذجًا مميزًا لأطفاله عن حقيقة دوره الاجتماعي، وفهم صحيح لمعنى العيش المشترك داخل الأسرة الواحدة.

6. لا يقوم أي فرد من الأسرة بالقيام بالنيابة عن أي فرد آخر بما عليه القيام به من مهام وخاصة لو كانوا صغارًا.

7. يعطي تقسيم المسئوليات أبناءك الفرصة بالشعور بالقدرة على الفعل والتمكين، وأنه قادر على القيام بمهمة ما وإتمامها.


4. قومي بإشراك أبنائك في اتخاذ القرارات الخاصة بهم

أن يكون طفلك صاحب قرار منذ صغره سيقوّي بداخله فكرة المسئولية وأن يكون على قدر خياراته. يبدأ هذا من اختيار نوع الطعام المفضل أو لون طبق الأكل أو تحديد وقت مشاهدة التلفاز، مرورًا بإشراكه في اختيار الملابس عند شرائها، ووصولاً إلى القرارات المصيرية كاختيار المسار التعليمي أو قرار الزواج على سبيل المثال.

كل طفل يُولد على الفطرة، فببلوغ طفلك عامه الثاني يعلن عن رغبته في الاستقلال والاعتماد على نفسه في كل ما يستطيع وما لا يستطيع القيام به، فقط نحن من ندعم هذا الحس الاستقلالي بأن نقويه ونضعه في مساره الصحيح، أو ندفنه تمامًا ونجعله يذهب بغير عودة.