تعرضت الكوميديا المصرية في السينما والتليفزيون في السنوات الأخيرة إلى انتقادات عديدة، مردها إلى الاستسهال والكتابة السيئة. وبين فينة والأخرى يطل علينا مسلسل كوميدي جيد الصنع يعيد للأذهان الآمال في عودة الكوميديا المصرية من جديد، مسلسلات مثل «اللعبة»، «خلصانة بشياكة»، «الوصية»، «بالطو» مؤخرًا، لاقت قبولًا واستسحانًا جماهيريًّا على نطاق واسع. لكن، بينما كان ينحسر الإنتاج الكوميدي كانت الدراما العائلية ذات المسحة الكوميدية آخذة في الإثبات أنها أكثر جذابية للمشاهد المصري من الكوميديا الخالصة، في مسلسلات من أمثال: «موضوع عائلي، سابع جار، أبو العروسة، رمضان كريم، خلي بالك من زيزي، ليه لأ، عائلة زيزو».

في رمضان 2017 تنافس ثمانية مسلسلات كوميدية، وفي رمضان الذي يليه تنافس سبعة مسلسلات، وفي رمضان 2019 كان نفس العدد، وبدأنا نرى الانحسار بسبب فشل الكثير من المسلسلات التي كانت تصنف على أنها كوميدية منذ العام 2020 الذي جاء فيه السباق بستة مسلسلات فشلت، لم ينقذها سوى مسلسل «100 وش»، وتجلى الفشل الذريع في هذه السنة في مسلسل «رجالة البيت» لأحمد فهمي، و«فالنتينو» لعادل إمام، والفشل المتكرر لكوميديي مسرح مصر في مسلسلاتهم. وفي العام 2021 كان السباق بأربعة مسلسلات، لك أن تتخيل أن المطرب مصطفى قمر كان بطلًا لواحد منها! وربما كان العام 2022 بداية لعودة السباق الكوميدي بأعمال كثيرة من جديد، كان عددها سبعة، لم يكن أي منهما منتظرًا أو مغريًا بقدر ما كان عودة أحمد مكي بالجزء السادس من الكبير أوي، فبالتأكيد لم يكن لشيرين رضا وفيفي عبده ومي عمر وروبي أن يشكلن بأعمالهن المصنفة على أنها كوميدية منافسة أو آمالًا للمتابعين.

يعود رمضان 2023 بسبعة أعمال كوميدية أيضًا، والفارق أن معظم أبطالها هم من الذين يتلقون إشادة على أعمالهم في السنوات الأخيرة، ولكن بعد أن نلقي نظرة على تلك الأعمال، هل يمكن أن نتوسم خيرًا أنها ستعيد الرهان على الكوميديا المصرية من جديد؟

هل يصبح الكبير «عجوزًا»

كانت عودة أحمد مكي بالجزء السادس من الكبير في رمضان الماضي مفاجأة سارة، أثبتت أنها كانت عند التوقعات جماهيريًّا، وإن كثر الجدل بشأن جودة العمل نقديًّا، وكانت مفيدة في رفدها الكوميديا المصرية بأسماء جديدة مثل رحمة أحمد/مربوحة، ومصطفى غريب/العترة، وعبد الرحمن حسن/طبازة، وحاتم صلاح/نفادي.

في الجزء السادس عاد الكبير بعد غياب تخلله الكثير من الظواهر والأحداث التي كانت في حاجة لتأطيرها بشكل كوميدي، استفاد مكي من ذلك الغياب في أن يجعل مسلسله ثريًّا، فوجدناه يورط حزلقوم في حب نسوية، ويجعل جوني العين التي تسخر من الإنفلونسرز والتيك توكرز، واشترك طاقم العمل كله في صناعة Paraody محاكاة ساخرة للمسلسل الديستوبي الشهير في تلك السنة «لعبة الحبار»، وهي الحلقات التي برهنت على نجاح مكي في اكتساح موسم الكوميديا.

محمد عز الدين ومصطفى صقر هما الاسمان اللذان رافقا مكي منذ الجزء الأول للكبير، وهما أصحاب كتابة جيدة للكوميديا رغم بعض المغامرات التي فشلت، إلا أنهما قدما: «نيللي وشريهان» و «اللالالاند» و«بنك الحظ» و«الحرب العالمية الثالثة»، ولكن يبدو الخوف من أن يصبح الكبير عجوزًا بسبب آفات متكررة في الصناعة المصرية، أبرزها التشبع، فحلقات مسلسل الكبير تصل إلى 30 دقيقة أحيانًا، كما أنها في حاجة إلى أن تغطي 30 يومًا من السباق الرمضاني، وليس هذا الأمر بالسهل حين تطرح مسلسلًا للمرة الأولى، فما بالك بالجزء السابع؟ لقد كان الكبير باديًا في التراجع منذ الجزء الرابع، وظهر الشرخ في العلاقة بين الكبير وجماهيره في الجزء الخامس الذي أصبح أكثر بهوتًا بعد ترك دنيا سمير غانم/هدية، وهشام إسماعيل/فزاع العمل، ما جعل مكي يتوقف بعد هذا الجزء، ولم يعد إلا بناءً على طلب الجمهور الذي ظهر حنينه بالأساس إلى الأجزاء الأولى، وحينما عاد الكبير بعد غياب كان المسلسل ممهدًا للنجاح بالكثير من المعطيات التي جعلته يظهر وكأنه في جزئه الأول، بدماء جديد وقصص جديدة، فهل يهرب مكي من فخ التشبع في الجزء السابع؟ الذي يبدو من إعلانه أنه يتجه إلى كليشيه ملل العلاقات الزوجية والوقوع في حب امرأة أخرى.

ضيف غير معزوم.. الحاج حناوي

مليئة بالتناقض هي حالة محمد سعد، فنجم الكوميديا الأول في مجده، ونجم الميمز حتى الآن، لا يلقى سوى الفشل والتجاهل من الجماهير حينما يطرح عملًا جديدًا.

يعود محمد سعد مرة أخرى بعد غياب عن التليفزيون قارب تسع سنوات، فكان آخر أعماله «فيفا أطاطا» الذي كان ناجحًا حين دمج محمد سعد شخصية اللمبي وأطاطا في عمل واحد، رغم تعرض المسلسل إلى الكثير النقد في وقته، إلا أن مقاطعه على اليوتيوب ما زالت تحقق ملايين المشاهدات والثناء الجماهيري الذي لا يلقاه محمد سعد على أفلامه التي يطرحها وتفشل واحدًا بعد الآخر من بعد «تتح».

أعاد سعد اكتشاف وتقديم نفسه من خلال الدراما للجماهير في ثنائية «الكنز» ونجح، حتى إن نجاحه طغى وغطى على الأسماء التي كانت إلى جواره في الثنائية، مثل محمد رمضان وهند صبري وعمرو يوسف، إلا أنه يعود بخطوة غير محسوبة إلى الوراء من جديد، حين قرر أن يعود بالحاج الحناوي شخصيته الشهيرة في فيلم «كركر».

لماذا تبدو تلك الخطوة عودة للوراء؟ أولًا لأن سعد لم يستثمر نجاحه في الميلودراما في تقديم أشياء أخرى رغم أن الجماهير ظلت تطالبه بذلك، ثانيًا وتلك المشكلة الأبرز من الأولى فيظل من حق محمد سعد أن يقدم كوميديا، ولكن المشكلة الكتابة لتلك الكوميديا، مسلسل الحناوي من تأليف ورشة كتابة «بلاك هورس»، والتي لا يظهر عنها أي معلومات حين تبحث عنها، ولكن الأزمة ليست هنا، الأزمة في الكتابة الكوميدية الورشجية، فكتابة الورشة تصلح للستكومز بطبيعته التي تفرض أن تكون كل حلقة منفصلة عن الأخرى، مثلما كانت حالة «رجل وست ستات» في أجزائه الأولى.

ولكن إذا كنا نتعامل مع مسلسل ذي بنية تسلسلية حيث تقودك كل حلقة للأخرى، فسنجد الكثير من الضعف والثغرات في الكتابة بين حلقة والأخرى، وسنجد الكثير من التفكك، خصوصًا إذا كان يبدو أن تلك الورشة ما زالت تخوض تجربتها الأولى في الكتابة وبدون إشراف من اسم له حضور. باستثناء ورشة «سرد» التي استطاعت بإشراف مريم نعوم التي عملت عليها بتأنٍ منذ العام 2015 أن تقدم أعمالًا ناجحة للتليفزيون في مصر، لا تبدو الورش ناجحة في الكتابة هنا في مصر، وليست سوى كتابة «ترزية» لمن هم بحاجة إلى الدخول في السباق الرمضاني بأسرع وقت، كحالة محمد سعد.

والأسماء التي اختارها محمد سعد لتكون إلى جواره في عمله لا تعلق من خلالها آمالها كثيرة، فشيماء سيف وويزو وأحمد فتحي نجوم قد انطفأت بسبب التكرار.

عانى المسلسل أيضًا أثناء إعداده مشكلة بترك المخرج للعمل، واستبداله بمخرج آخر في الأيام الأخيرة لشهر يناير أي قبل رمضان بشهرين فقط.

أخيرًا تعود دنيا

بعد ثلاث سنوات من الغياب، منذ عملها الأخير «بدل الحدوتة تلاتة»، تعود دنيا سمير غانم من خلال مسلسل «جت سليمة»، نجمة الكوميديا التي أثبتت جدارتها من خلال شخصية هدية في الكبير، وأثبتت قدرتها على تقديم الكوميديا بنجاح دون أن تكون في دور ثانٍ من خلال أعمال مثل «نيللي وشريهان» و«اللالالاند» و«لهفة»، وفي عام 2022م قدمت دنيا سمير غانم مع هشام ماجد عملًا سينمائيًّا ناجحًا هو «تسليم أهالي»، والذي حقق إيرادات تخطت ثلاثين مليون جنيه، وكان الجمهور متعطشًا أكثر لعودة دنيا إلى الموسم الرمضاني الذي كانت عنصرًا أساسيًّا فيه منذ العام 2011.

يكتب للمسلسل كريم يوسف الذي شارك دنيا كل أعمالها الناجحة، بالإضافة لثلاثة أسماء تكتب للكوميديا للمرة الأولى، هم: سامح جمال، وندى عزت، وأشرف نصر، بالإضافة إلى عدد من الأسماء التي تشارك دنيا البطولة، واعتدنا على نجاحها معها، مثل محمد سلام، وسلوى خطاب، وبيومي فؤاد، وهالة فاخر، وسامي مغاوري، ومحمد ثروت.

وكالعادة، ستلجأ دنيا في الكوميديا الخاصة بها إلى تقديم مزج بين الواقعي والسحري، فالمسلسل سينتقل بين حقب زمنية مختلفة، بسبب المكتبة التي سترثها من والدها، وعملها كمحررة أدبية في أحد دور النشر تحب الكتب وتهواها.

اللافت للنظر أن دنيا تخوض السباق من خلال أحد التجارب المتكرر نجاحها مؤخرًا في التليفزيون، وهو نظام الـ 15 حلقة، وهو الذي يفيد صناع أي عمل في تجنب المط والحشو في كتابة الأحداث، كما يبدو أن حلقات المسلسل ستكون قصصًا منفصلة، ما سيجنبهم أيضًا مشقة البناء للأحداث حلقة بعد الأخرى.

الأمين على كوميديانا

ينجح أحمد أمين دائمًا لأنه انتقائي للأدوار بشكل بارع، ومتأنٍ، ويكره الاستسهال، كما أنه ابن المسرح المخلص، لذلك فهو على دراية وثقافة حقيقية بما يقدمه، سواء كان من كتاباته، أو أدائه. ويفرض أحمد أمين نفسه كالاسم الأبرز في الكوميديا على الساحة المصرية في السنوات الأخيرة، من خلال برنامج البلاتوه، أو مسرح أمين وشركاه، وحتى قناته على اليوتيوب، والأعمال الكوميدية التي قدمها على الشاشة، وميلودراما ناجحة في «ما وراء الطبيعة» و«جزيرة غمام».

سيُقدم أحمد أمين «الصفارة» في 15 حلقة، وهو ما يدعو للتفاؤل أكثر وأكثر، بالتعاون مع علاء إسماعيل الذي أخرج له أنجح وأبرز أعماله. يشارك أحمد أمين البطولة آية سماحة، والشاب طه دسوقي والقدير محمد رضوان اللذان حققا نجاحًا مدويًا في «موضوع عائلي»، بالاشتراك مع القديرة إنعام سالوسة ومحمود البزاوي.

وبالنسبة للكتابة، كانت من إشراف أمين كالعادة بالاشتراك مع محمود عزت الذي قدم العديد من الأعمال الناجحة، أبرزها «أبو صدام» واشترك في كتابة «أبلة فاهيتا» في الكثير من الحلقات. أما الكتَّاب فهم: سارة هجرس وشريف عبد الفتاح اللذان اشتركا مع أمين في كل أجزاء برنامج البلاتوه وأمين وشركاه، وبالكتابة لمكي في الكبير أيضًا، وعبد الرحمن جاويش الذي اشترك في الكتابة مؤخرًا لمسلسل «مكتوب عليا» و«متحف الدحيح».

 سيلجأ أمين إلى الفانتازيا، حيث يعمل كمرشد سياحي يسرق صفارة أثرية ستسبب له الكثير من المتاعب.

لون جديد لطارق لطفي، وكوميديا معتادة

ستقدم يسرا للعام الثاني على التوالي كوميديا نسائية مجددًا في مسلسل «ألف حمدلله على السلامة» بالتعاون مع طاقم عمل مكون من شيماء سيف ومحمد ثروت ومايان السيد وسماء إبراهيم ومحمود حجازي. حقق مسلسل «أحلام سعيدة» ليسرا العام الماضي نجاحًا معقولًا، وعمومًا، تنجح يسرا في تقديم ذلك النوع من الكوميديا النسائية الذي له جماهيريته وتشيع أكثر بين الأمهات والجيل الذي تربى على يسرا كبطلتهم المثالية من الأساس، ولا تفشل يسرا في تقديم الكوميديا، لأنها لا تفرض نفسها كممثلة كوميدية، ولكنها تزعم باستمرار أنها تقدم دراما «لايت». وتنجح يسرا أيضًا من خلال الاستعانة بمجموعة من الشباب دومًا في أعمالها، يبدو غريبًا ظهور مغني المهرجانات عنبة، ولكنه مثير للفضول والحماس كذلك. ربما تبدو القصة مكررة حين نعلم أن يسرا تجسد دور دكتورة كانت في كندا مدة 22 عامًا، وها هي تعود للوطن، ولكن لنرَ كيف ستقدمها.

على جانب آخر، يتعاون محمد عبد الرحمن ومصطفى خاطر، ثنائي مسرح مصر، في عمل قصير 15 حلقة، وهو ما يبدو مشجعًا تلك المرة؛ لأن الثنائي يتمتعان بخفة ظل حقيقية، ظلمها تكرارهما وحرقهما في الكثير من الأعمال بعد نجاح مسرح مصر، حتى أصبح لا ينتظرهما أحد إلا في أدوار ثانوية، وليست أعمال بطولة. ولكن في «كشف مستعجل» سنرى معالجة كوميدية لمسلسل أحداث الجريمة هذا، وهو من إخراج شادي الرملي الذي قام من قبل بالاشتراك كمخرج في أعمال لم تنجح، ومساعد مخرج في أعمال ناجحة، ولكن تجربته الأكثر بروزًا كانت تأليف تجربة كوميدية رائدة في موجة كوميدي، هي «مسلسلات كوم».

ويقدم طارق لطفي بالتعاون مع خالد الصاوي. والمخرج الكوميدي تامر نادي الذي أخرج أربعة أجزاء للكبير أوي. مسلسل الدراما العائلية الذي تغلب عليه الكوميديا «مذكرات زوج». يبدو اللون جديدًا على طارق لطفي الذي اعتدناه دراميًّا في السنوات الأخيرة، وهي تجربة جريئة تثير كثيرًا من الحماس بالنسبة لمنتظريها، خاصة أن المسلسل مأخوذ عن كتاب بنفس العنوان للكاتب الراحل أحمد بهجت، والذي سيعود تقديمها بشكل عصري من خلال كتابة محمد سليمان عبد المالك الذي قدم أعمالًا ناجحة مثل «باب الخلق» و«أبواب الخوف» و«راجعين يا هوى».