منذ عدة سنوات تغيرت خريطة الإعلام الرياضي في مصر. ظهرت بعض الوجوه الشابة التي شقت طريقها وسط أساطير هذا المجال والمتحكمين به. لا يمكن أبدًا أن تنكر مجهود هؤلاء الشباب إلا أن العنصر الأساسي المسبب لهذا التغير كان التغيير الذي حدث في ذوق وهوية المتلقي نفسه.

المشاهد المصري تغير مع الوقت وازداد وعيًا واطلاعًا، سواء على الكرة الأوروبية والأحداث العالمية أو طريقة تناول كرة القدم بشكل إعلامي محترف. أصبح من الصعب مشاهدة استوديو تحليلي مكون من خمسة أشخاص يتحدثون بحديث يليق بجلسة في مقهى أكثر منها مناقشة لموضوع رياضي ما.

لم تظهر تلك الوجوه الشابة من العدم بل إن معظمهم عمل في دوائر الإعلام الرياضي، كانوا في الظل بينما جلسة المقهى ملقى عليها ضوءًا لا ينقطع. تشربوا الصناعة من الوجوه القديمة وهذا لا يعيبهم بالطبع، لكن في المقابل كان عليهم أن يتخلصوا من سطوة الكبار وأن يفرزوا جيدًا ما يجب التخلص منه للأبد وما لا يمكن تجاهله في أصول الإعلام الرياضي.

هذا ببساطة هو المعيار الذي يمكن الاستعانة به أثناء مشاهدة الإعلاميين الرياضيين الشباب، أن يقدم لك هذا الإعلامي محتوى متطورًا مناسبًا للأحداث دون افتعال وبشكل يحترم عقليتك كمشاهد.

هناك أمثلة فشلت في ذلك بالطبع وتحول الأمر إلى جلسة كافيه بدلًا من المقهى لا أكثر من ذلك. وهناك أسماء تمكنت من تقديم محتوى نزيه وموضوعي، وهي صفات صعبة في هذا المجال.

إذا كنت تعتقد أن هذا التغيير غير حقيقي وأن المصالح والانتماءات فقط هي التي تتحكم في مجال الإعلام الرياضي، فدعني أقدم لك مثالًا يؤكد عكس اعتقادك، دعنا نشير بشيء من الإنصاف نحو الإعلامي هاني حتحوت.

ما أسلحة حتحوت، وما الذي ينقصه للظهور بشكل متكامل؟ هذا هو ما نحاول رصده.

اللغة العربية كسلاح فعال

يقدم هاني حتحوت برنامجًا رياضيًا تلفزيونيًا يوميًا، وهو في ذلك ينافس عددًا من الوجوه الشابة والمخضرمة. بعيدًا عن الأخبار الحصرية، تتشابه القضايا التي يتم تناولها عادة في البرامج الرياضية، الفارق يكون في الأسلوب والطرح.

يؤمن بعض المذيعين أن التحدث بمفردات شبابية يسهم في توصيل المعلومة، بينما يلجأ حتحوت لأسلوب أكثر تميزًا وهو التنقل من الفصحى للعامية بشكل سلس للغاية ومتدفق دون عوار. هذا التنقل يساعده بشكل كبير في إقرار ما يريد أن يذكره على شكل حقائق أو معلومات مؤكدة، وجعله مختلفًا عما يتحدث به في صورة الرأي أو الاستنتاج.

يشبه الأمر ما ذكره المثقف الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد بأن والدته كانت ما إن تنتقل في حديثها إلى الإنجليزية إلا وتكون أكثر موضوعية وجدية. هكذا يفعل حتحوت فيوجه المتلقي بشكل خفي نحو إقرار الوقائع والمعلومات المؤكدة بالعربية الفصحى، ثم يترك للمشاهد مساحة لمناقشة الأفكار والموضوعات عندما يعود للعامية.

أما سر حتحوت في ذلك فيعود لوالده مدرس اللغة العربية الذي سافر الخليج لممارسة مهنة التدريس، وهناك ولد هاني وتشرب حب اللغة العربية من والده ثم تميز في مسابقات الإلقاء والخطابة.

هذا أيضًا يفسر لك اعتماده على الاجتهاد في العمل مبتعدًا عن الفهلوة المصرية المعتادة، وهي صفة تجدها في أغلب الذين قضوا فترة طفولتهم في الخليج.

أما السلاح الثاني الذي يمتلكه حتحوت فيتعلق بإيمانه أن الموضوعية ليست رفاهية.

الموضوعية: أن تدرك قيمة نفسك

يشجع هاني حتحوت نادي الزمالك، إذا قررت التفوه بتلك الجملة منذ عدة سنوات فلن تجد من يناقشك فيها أبدًا. أما الآن فالحديث عن انتماء حتحوت سيحتم عليك أن ترفق رأيك بتفاصيل تؤكد أنه رغم زملكاويته فهو يقدر قيمة نفسه قبل أي شيء.

هذا التطور الذي شهدته مسيرة حتحوت خلال السنوات الماضية في ما يتعلق بمهنية المنتج الذي يقدمه كان مفيدًا بشكل كبير للغاية. لأن الرجل أصبح مع الوقت يتمتع بالمصداقية على الجانبين.

يمكننا هنا تناول أكثر من مثال لتوضيح الأمر. دعنا مثلًا نتناول استضافته لهناء حمزة نائب رئيس اتحاد الطائرة إزاء خلافها مع مجلس إدارة الأهلي.

ظهرت كابتن هناء حمزة بشكل حصري رفقة حتحوت للحديث عن خلافها مع مجلس إدارة الأهلي، لكنه لم يدر الحوار نحو تصوير الأهلي كونه الطرف الغاشم مغتصب الحقوق -وهو طرح الضيفة بالمناسبة- بل استمع هاني لحديث كابتن هناء ثم وجه لها اتهامًا واضحًا بأسلوب شديد الأدب، بأنها قبلت أن تكون ماريونيت مرتضى منصور في خلافه مع الخطيب ومجلسه.

ما فعله هاني ببساطة هو الدور الحقيقي للإعلام، أن تتيح فرصة الحديث للجميع وأن تلعب دور الخصم في النقاش وألا توجه الحديث بأسئلتك نحو نتيجة ترجوها.

على الجانب الآخر تمامًا فقد خاض حتحوت خلافًا شهيرًا ضد مرتضى منصور نفسه، ثم خلافًا مشابهًا ضد خالد الغندور الذي استنكر على الرجل محاولة استبيان خطأ تحكيمي حدث لصالح الزمالك.

الخروج من الغرفة الآمنة

يقدم حتحوت خلال برنامجه نمطًا محددًا. تناول القضايا المطروحة يتخللها عدة من الأخبار حصرية وفي النهاية يقيم حوارًا مع ضيف يتم اختياره طبقًا للأحداث التي يشهدها الشارع الرياضي.

لا يمكن أن ننكر اعتماد حتحوت على فريق إعداد من الموثوقين فيما يتعلق بالأخبار داخل القطبين، بل والأهلي تحديدًا. بينما يعتمد أيضًا على علاقاته الواسعة بعدد من اللاعبين بخاصة لاعبو الزمالك.

هذا يميزه بشكل كبير في تقديم عدد من الأخبار و الكواليس الحصرية لكنه ببساطة يقدم ذات النمط الذي يعرفه المشاهد المصري منذ عشرات السنين وهذا هو العيب الأساسي في ما يقدمه هاني حتحوت: أنه يفتقد للتنوع بشكل واضح.

لا يقدم حتحوت أي فقرات مميزة سواء بتناول التحليل التكتيكي رغم حصوله على شهادة التدريب الأساسية أو فقرات تخص الكرة العالمية بشكل مفصل أو الحديث مع ضيوف يمتلكون رؤى مختلفة أو العديد من الفقرات المميزة التي لم يتطرق لها الإعلام المصري حتى الآن.

ربما يخاف حتحوت أن يتهمه البعض بالتقليد لأن بعض هذه الفقرات يقدمها إعلاميون شباب آخرون، وكأن التطور حكرًا على أحد، لكنه بذلك وقع في فخ الاعتيادية والاعتماد على قدراته الشخصية فقط في إنجاح البرنامج، وذلك تحديدًا ما جعل المشاهد يهرب من الوجوه القديمة ويلجأ لحتحوت وأقرانه.

يبرز حتحوت كونه شديد التميز وسط شباب الإعلام الرياضي، فلا أحد حقًا يمتلك مقوماته الشخصية لكنه في المقابل يعيبه أنه يخاف أن يخطو خطوات واسعة نحو أمور أماكن جديدة يكتشف فيها نفسه بشكل جديد.

يحتاج هاني الخروج من غرفته الآمنة التي يظهر داخلها بشكل مميز وأن يدرك أنه العالم أكبر من نمط شوبير وشلبي.