تعرفون ماذا يجب أن نفعل بالصراصير؟

ستّ كلمات قالها مذيع راديو «التلال الألف» المحلي في رواندا صباح الخميس 7 إبريل عام 1994، أطلقت شرارة إحدى أسوأ مجازر الإبادة الجماعية في التاريخ.


رواندا

كانت أقلية التوتسي التي تشكل حوالي 15% من سكان رواندا تحكم البلاد لفترة طويلة وتسيطر على الاقتصاد أيضًا، وبعد الاستقلال عن الاستعمار البلجيكي صعد الهوتو الذين يشكلون الأغلبية (أكثر من 80%) إلى الحكم مرتكبين أعمال عنف أدت إلى لجوء آلاف التوتسيين إلى الدول المجاورة، حتى وصل عددهم إلى أكثر من 120 ألفًا في المنفى. هؤلاء اللاجئون من التوتسي كوّنوا في أوغندا «الجبهة الوطنية الرواندية» التي قامت بعدة محاولات عسكرية لإسقاط الحكومة، حتى عام 1993 حين وقّعت مع الحكومة اتفاقية سلامٍ هش، سرعان ما انهار حين اغتيل الرئيس الرواندي «جيوفينال هابياريمانا» بصاروخ أطلقه مجهولون فأسقط الطائرة التي كان يستقلها.

شارك الجيش وميليشيات الهوتو وحتى الناس العاديون في حملة تطهير عرقيّ واسعة ضد التوتسي.

منذ الاستقلال ساد البلاد خطاب كراهية عرقي بلغ ذروته في 1993، حيث دأبت عدة إذاعات أبرزها إذاعة «التلال الألف» على تشبيه التوتسي بالصراصير، وتأكيد هذه الصورة لنزع التعاطف الإنساني الكامل عنهم، وفور اغتيال الرئيس «هابياريمانا» سارعت الإذاعة إلى اتهام «الصراصير التوتسي»، فانطلقت حملة تطهير عرقي واسعة، شارك فيها الجيش وميليشيات الهوتو بل وحتى الناس العاديون قتلوا جيرانهم من التوتسي.

استمرت المجازر 100 يوم تقريبًا، وأدت إلى قتل حوالي مليون شخص من أقلية التوتسي، واغتصاب 250 ألف امرأة، إضافة إلى ملايين المصابين والمشردين.

عام 2003 أدانت المحكمة الجنائية الدولية وزير الإعلام وقت المجزرة وأربعة إعلاميين بتهمة التحريض على الإبادة الجماعية، منهم مذيعان من «التلال الألف» حكم عليهما بالسجن المؤبد.


حرية تعبير مقيدة

«لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها»؛ المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

حق حرية التعبير قد يقتل كما فعل التحريض الإعلامي النازي ضد اليهود والأقليات الأخرى خلال الحرب العالمية الثانية.

تقدّس مواثيق حقوق الإنسان العالمية ودساتير الدول الديمقراطية حق حرية التعبير، لكن التجربة علّمت العالم أن هذا الحق الأساسي والضروري لتقدُّم المجتمعات والأمم قد يقتل، كما فعل التحريض الإعلامي النازي ضد اليهود والأقليات الأخرى خلال الحرب العالمية الثانية، ما أهّب الألمان لتقبل حدوث جريمة الهولوكوست.

لذا قيد العهد الدولي حرية التعبير المكفولة بالمادة 19، في المادة التالية لها مباشرة، والتي تحظر بالقانون «أية دعاية للحرب وأية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف»؛ المادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.


متى يصبح الخطاب كراهية؟

تُشكل «خطابات الكراهية» مصطلحًا جامعًا يشمل ضمنه خطابات التمييز والتحريض بأنواعها، وقد وضعت «منظمة المادة 19» المعنية بحرية التعبير، ستة معايير لتحديد ما إذا كان الخطاب يدخل في نطاق الكراهية المُجَرَّمة أم لا؟.

المعيار الأول يتعلق بالسياق حيث ينبغي أن يراعى السياق السياسي والاجتماعي خلال الخطاب من حيث وجود صراع أو سلام، ووضع الجماعة أو الفرد الذين وُجه ضدهم الخطاب هل هم أقلية وهل هناك تمييز أو تحريض قائم ضدهم أصلًا.

والمعيار الثاني خاص بالمتحدث بما في ذلك وضعه في المجتمع، فهناك فارق كبير بين أن يدلي مواطن عادي بخطاب كراهية، وبين أن يدلي به موظف رسمي، أو شخص ذو منصب أو مكانة سياسية أو دينية أو اجتماعية، أو ذو نفوذ أو تأثير في محيط.

أما المعيار الثالث فيتحدث عن نية المتحدث، من حيث قصده إلى التحريض ضد مجموعة بعينها، وإدراكه للعواقب المحتملة لهذا الخطاب.

والرابع يتعلق بمحتوى التعبير من حيث الألفاظ المستخدمة، واللهجة، واستعماله لتعبيرات محددة يقصد بها عادة الدعوة إلى التمييز أو العنف.

والمعيار الخامس يختص بنطاق ومدى التعبير، فهو مُتعلق بالوسيلة التي قيل بها، ومدى انتشارها، والمكان الذي قيل فيه، وعدد الجمهور المتلقي وطبيعته، إضافة إلى مرات تكراره والتأكيد عليه.

بينما المعيار السادس والأخير فيهتم باحتمال حدوث الفعل الذي يدعو له المتحدث بما في ذلك احتمال وقوعه بشكل وشيك، ويعتمد هذا المعيار على رد الفعل الذي حدث أو المتوقع حدوثه بعد الخطاب، وما إذا كان المتلقّون قد فهموه على أنه دعوة للعنف أو التمييز أو الكراهية.

هذه المعايير المفصلة تهدف لوضع حدود بين خطاب الكراهية المُجرَّم وحرية التعبير، وأيضًا لضمان ألا تستخدم مواد تجريم خطاب الكراهية من قبل السلطات في التضييق على المعارضين أو من ترغب في إسكاتهم.


مصر

الأقباط بيقتلوا الجيش.

رشا مجدي مذيعة التلفزيون المصري محرضة ضد المتظاهرين المسيحيين في مجزرة ماسبيرو التي قتل فيها 28 شهيدًا، وتبعها قيام مواطنين غاضبين باستهداف المسيحيين في المناطق المحيطة بماسبيرو.

خلال السنوات الخمس الماضية كانت وسائل الإعلام والتجمعات الدينية والسياسية والجماهيرية منبرًا لصنوف من خطابات الكراهية، وفتحت الباب واسعًا لاضطهاد وقمع الآخر، بل وقتله أحيانًا.

أثناء ثورة الـ ـ25 من يناير 2011 دأب إعلام الدولة على التحريض ضد المتظاهرين، واتهامهم بأنهم مموّلون وخونة وعملاء وطابور خامس يعمل لصالح قوى أجنبية، وهو ما أدى إلى موقعة الجمل التي قتل فيها 13 شهيدًا، واستمر نهج مشابه من خطابات التحريض والكراهية خلال حكم محمد مرسي وزادت القنوات الإسلامية بالتشكيك في إسلام المعارضين بل ووصفهم أحيانًا بأنهم كفار، هذا الأداء الإعلامي المحرض خلق حالة حادة من الاستقطاب والكراهية في الشارع.

كان نفسي الشرطة تقتل النهاردة 400 إرهابي.

– الإعلامي أحمد موسى في الذكرى الرابعة لثورة يناير التي قُتل فيها أكثر من 17 شهيدًا.

وبعد عزل مرسي شنّ الإعلام الرسمي وشبه الرسمي حملة كراهية وتحريض ضد المعارضين وبالذات من الإخوان الذين تم وصفهم بـ«الخرفان»، في خطوة تذكرنا بوصف الراديو في رواندا للتوتسي بـ«الصراصير»، هذا النوع من الوصم والوصف بالحيوانية ينزع الإنسانية عن الآخر ويفتح الباب على مصراعيه لتجريده من أبسط حقوقه، وهكذا رأينا مواطنين يهللون ويحتفلون بعد ساعات من مذبحة رابعة التي قتلت فيها الشرطة قرابة ألف شخص في أبشع مذبحة شهدتها مصر.

أنا بقولكم أهو على الهوا، اقتلوا ضباط الشرطة.
– الإعلامي محمد ناصر على قناة «مصر الآن» المؤيدة للإخوان.

أما إعلام الإخوان ومناصروهم ومنصاتهم في رابعة وقبلها فقد أكد مرارًا وتكرارًا أن متظاهري 30 يونيو مسيحيون حشدتهم الكنيسة المعادية للإسلام، وحين فضّت الشرطة اعتصام رابعة ارتكب مؤيدون لمرسي في عدة محافظات أبرزها المنيا وأسيوط والسويس وسوهاج، جرائم قتل وتعذيب ضد المسيحيين وحرقت ونهبت ممتلكاتهم وكنائسهم.


كيف يمكن مواجهة خطاب الكراهية؟

يومي السبت والأحد 23 و24 يناير عقد مركز «هليوبوليس» للتنمية السياسية ودراسات حقوق الإنسان اجتماعًا للمختصين حول خطابات الكراهية، ودار النقاش بشكل أساسي حول مفهوم الكراهية، وأسبابها وطبيعتها والفئات المعرضة لها في المجتمع المصري، وموقع خطابات الكراهية في القانون.

ورأى المجتمعون أن الكراهية في المجتمع المصري نابعة من الخطابات المتعصبة، سواء التعصب القومي الذي يلغي الآخر ويعتبر غير المواطن وأنواعًا من المواطنين أقل في الدرجة، فمثلًا يشيع في الإعلام المصري خطابات التمييز ضد سكان سيناء من البدو واحتقارهم ما يؤدي إلى ممارسات تمييزية ضدهم وإلى صمت شعبي على الانتهاكات الواقعة بحقهم، كما شاعت خطابات كراهية الأجانب واعتبارهم جواسيس وهو ما أدى إلى تعدي مواطنين على بعض الأجانب والقبض على آخرين وتسليمهم للشرطة.

الكراهية في المجتمع المصري نابعة من الخطابات المتعصبة، سواء التعصب القومي أو التعصب الديني.

ويشيع نوع آخر هو التعصب الديني الذي يحثّ على كراهية الآخر أو اعتباره أدنى في الدرجة من المؤمن، ويمارس هذا النوع المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية وبعض الأحزاب والجماعات السياسية ورجال الدين وقنوات دينية، حيث يزخر خطابها بالكراهية ضد التنويريين والقرآنيين والشيعة والبهائيين واليهود والمسيحيين والكفار والملحدين والمرتدين، ولعل أبرز مثال على ذلك ما وقع في 24 يونيو 2013 حين قتل أربعة من الشيعة سحلًا في الشوارع في قرية زاوية أبو مسلم، بعد تحريض كثيف مارسه مسجد التوحيد الذي تديره الدعوة السلفية بالقرية.

ولا يحوي القانون المصري عقوبات ضد خطابات الكراهية، إلا أن المادة 176 من قانون العقوبات تنص على أنه «يعاقب بالحبس كل من حرض على التمييز ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إذا كان من شأن هذا التحريض تكدير السلم العام»، لكن هذه المادة لم تُفَعَّل ولم يعاقب أحد بها وحدها من قبل، بحسب المحامي محمد محمود مدير مؤسسة دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وتكمن الإشكالية الكبرى في مواجهة خطابات الكراهية في أن الحكومة المصرية والجهات الرسمية شريكة في خطابات الكراهية والتمييز، ورأى المجتمعون أن ذلك ينبغي مواجهته بالضغط على الجهات المعنيّة لوقف مثل هذه الخطابات، والضغط لمحاكمة مطلقيها، لتكون مثل هذه الأحكام رادعًا لمنع تكرارها.

وخلص الاجتماع إلى التوصية بمشروع قانون يقدم إلى مجلس الشعب لتجريم خطابات الكراهية، وتوصية أخرى بتفعيل ميثاق الشرف الإعلامي وجعله ملزمًا عبر ترتيب عقوبات توقع على من يخالفه، وإضافة مادة تجرم خطابات الكراهية وتلزم الإعلاميين بمعايير المهنيّة والحياد للحد من استخدام وسائل الإعلام كمنابر للكراهية، وكذلك دعوة الإعلاميين والشخصيات العامة إلى تبنّي أدوار إيجابية في نشر التسامح والتعددية وقبول الآخر.

المراجع
  1. الحرب الأهلية في راوندا
  2. هنا راديو راوندا
  3. العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية
  4. دليل حظر التحريض على التمييز والكراهية والعنف
  5. احصائيات شهداء موقعة الجمل
  6. القرضاوي متحدثًا عن معارضي مرسي: إذا لم يكف الخارج عن الحاكم فالأصل هو قتله
  7. إحصاء لشهداء رابعة
  8. أسابيع القتل
  9. القبض على 12 جاسوس أجنبي والبحث عن 137 سائح مختفي بمصر خلال 6 أشهر
  10. القبض على أمريكى بالجيزة لاتهامه بتحريض المواطنين للتظاهر في ذكرى يناير
  11. مصر ـ قتل الشيعة يعقب شهورا من الخطاب التحريضي