أن يتعذب شخص ما في عشق فتاة، فيقرر أن يكتب شعرًا لكي يعذب به شعبًا بأكمله، بل والأدهى أن يتمادى في ذلك ويطلق على نفسه «أمير الأحزان»، فأنت في حضرة «مصطفى كامل».

بدأ مصطفى كامل حياته الفنية شاعرًا قبل أن يفرض نفسه على المطربين ويقرر تلحين أغنياته، ثم يحكم قبضته على العمل الفني بأن يتحول إلى مطرب ثم منتج ثم نقيب للموسيقيين. بغض النظر عن كل تلك المواهب الفنية التي يمتلكها مصطفى كامل، فإننا أمام أحد أعلام الغناء الملفق، منذ ظهوره في بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى الآن.

رصيد مصطفى كامل في الوسط الغنائي كشاعر يقترب من الخمسمئة أغنية، بما فيهم حوالي مئة أغنية غناها بصوته برصيد ألبومات وصل إلى العدد 12 ألبومًا بالتمام والكمال. يتباهى دائمًا بأنه تعامل مع نجوم مصر الكبار منهم عمرو دياب (3 أغنيات)، وعلي الحجار (أغنيتان)، ومحمد منير (أغنيتان)، والرصيد الأكبر مع أمير آخر للأحزان، وخليفته في مقعد نقيب الموسيقيين؛ هو الفنان «هاني شاكر» برصيد 10 أغنيات.


الاسترسال و«الأفورة»

مصطفى كامل أستاذ مدرسة الاسترسال والإسهاب في الغناء العربي، فهو يسترسل ويسهب ويكرر ويمطرك بسيل من الرؤى المتشابهة دون أدنى داعٍ ودون رؤية واضحة أو مفهوم جديد في المعنى، مجرد كلام مقفّى مرصوص بشكل موزون شعريًا دون أدنى خيال.

في أغنية «اتكلم» لهاني شاكر تجده يقول «اتكلم قول للعالم، قول للدنيا، قول للناس» إسهاب مفرط جدًا باستخدام مترادفات «العالم والدنيا والناس»، وفي أغنية حماده هلال «الأيام» يقول «الأيام ياحبيبتي غيرتنا، توهتنا، ضيعتنا»، كان من الممكن أن يكتفي بلفظ واحد حيث أن الكلمات الثلاث تعطيك نفس المعنى، ويقول في أغنية «ماتفكرنيش» لعمرو دياب «ماتفكرنيش بسنين عدت – وسنين مرت»، هل السنين التي «عدت» تختلف عن السنين التي «مرت»؟، أما في أغنية علي الحجار «لو كنت عرفتني» فيقول «كان حبك دنيتي – وحكايتي وقصتي – وعنيك كانت بلادي – وطريقي وسكتي» وهنا أيضًا نتساءل: ما الفارق بين الحكاية والقصة وما بين الطريق والسكة؟

آفة مصطفى كامل هي المبالغة أو على حد التعبير الشعبي «الأفورة»، فعندما يتصاعد بالحالة الشعرية تجد نفسك أمام أغنية تمزقك نفسيًا وقد تصل إلى حالة مرضية مستعصية لا علاج لها. فمثلًا في أغنية «بخاف» لـ«حماده هلال» هو شخص يخاف من كل شيء، وتحول الخوف عنده إلى حاله تستلزم تدخل جمعية الطب النفسي العالمية، بل إنه واصل أفورته الشعرية بتشبيه غريب «حتى الضحكة الحلوة تبقى جناين أحزان طارحة»، وانتقلت عدوى الأفورة والمبالغة للكورال الذي ردد كلمة بخاف أكثر من عشرين مرة.

في أغنية مجد القاسم «اسمع بقا» واصل وبجدارة تأكيد المعنى مع أفورته، فيقول «اتعودت إنك تهدمني، وتدمرني، وبتكسرني، وبتألمني، وبتظلمني»، ثم يواصل «اتعودت إنك تؤمرني، وانا بسمعلك، وانا بخضعلك، أضعف تقوى، دايما أقوى».

أما في أغنيه «الأيام الحلوة» لـ«إيهاب توفيق» واصل مصطفى كامل وبجدارة تحطيم الأرقام القياسية في الأفوره الكئيبة، لدرجة أنه يعتبرها من أعظم ما كتب ويعتبرها إيهاب توفيق درة أغانيه، ويقول فيها «واللي دابحنا ساكن روحنا، واللي جارحنا بننصفه … ناس كل ما دمعتها بتدبل تطرح دمعة جديدة … في عز ألمنا وفي جرحنا بنتخلى عن بعضنا».

ومصطفى يكاد يكون الشاعر الوحيد الذي طلب من حبيبته أن تكرهه، ففي أغنيته «اكرهينى» يقول: «إنتي اللي صح مش حلومك صدقيني، دوسي قوي على كل شيء بينك وبيني، بيعي قلبي خوني حبي اكرهيني».


اللامنطقية

مصطفى كامل لا يعاني من فقر في الخيال بل يعاني من خيال غريب الأطوار، فتجد في أغنياته تراكيب شعرية وكلمات تحتاج إلى الشرح والتفسير، ففي أغنية «سألتك» لهاني شاكر يقول مصطفى كامل «وجيت لك ماشي عايم في بحرك الغريق»، كيف أتته تلك الصورة الشعرية التي لا تمت للمنطق بأي صلة، وأتت فقط لكي تزعج أرشميدس في قبره؟

في أغنية «عمر عيني» لمحمد منير، لا تعرف ماذا يريد مصطفى كامل وما علاقة الشطرات بمذهب الأغنية عندما يقول في الكوبليه الأخير «حبيبتي الحب مش أحلام ولا قصة ولا حكاية، وشاهدة الدنيا والأيام على كل اللي جوايا»، فإذا كان الحب ﻻ هو أحلام ولا هو قصة ولا حكاية، فما هو إذن تعريف الحب المخفي في تلك الشطرات؟!

وفي أغنيته «ارجعوا»، يقول مصطفى كامل «ارجعوا، عيني عليكم كل يوم بيدمعوا»، فهو هنا خالف المنطق اللغوي، فكيف تأتى له أن يتكلم بصيغة المفرد (عيني) في بداية الشطرة، ثم لزومًا لإنهاء القافية يتحول الكلام إلى صيغة الجمع (بيدمعوا)؟ في هذه الأغنية تحديدًا واصل مصطفى كامل الكلام تارة بصيغة الجمع ثم الرجوع إلى صيغة المفرد مرة أخرى، وكأن المستمع لن يدقق ولن يحقق وسط هذه الأجواء الكئيبة، فقط أدخله في الحالة حتى يتخدر تمامًا وبعدها هو سيتقبل أي كلام سوف يسمعه حتى لو خالف المنطق.

في فيلمه الوحيد «قشطه يابا»، قرر مصطفى كامل أن يكتب أغنية بالفصحى والتي أتت خليطًا من الفصحى والعامية، وبغض النظر عن مخارج ألفاظه غير الصحيحة فلم تخلُ هذه الأغنية أيضًا من التشبيهات غير المنطقية، فيقول مثلاً «من أصبح مثل قطار دمي – يجري ويبوس شراييني»، أو يقول «سأحبك أكثر من عيني، من شفتي، من يدي، سأحبك فوق العالم أجمع».


مصطفى كامل الملحن

اتجاه مصطفى كامل للتلحين لم يكن نابعًا من موهبة ذاتية ظهرت عليه فجأة، بل كان نتاج خلافاته الكثيرة مع بعض الملحنين، واتجاه البعض الآخر للغناء مثل «عصام كاريكا»، و«عصام إسماعيل»،ولهذا قرر مصطفى كامل الاستعاضة عن الملحنين وتلحين كلماته بنفسه.

بدايات ألحان مصطفى كامل لم تكن بصوته، فلحّن قبل أن يتجه للغناء لعدة مطربين ومطربات منهم «حماده هلال»، و«هاني شاكر»، و«بهاء سلطان»، و«جواهر».

اعتمد مصطفى كامل الملحن على موسيقى كلماته المقفاة بعناية، بالإضافة إلى ذاكرته السمعية، فتجده يقص من هنا لكي يلصق هناك دون موهبة واضحة، وساعدته التكنولوجيا الحديثة في التسجيلات كثيرًا فهو غير مضطر لأن يعزف اللحن على أي آلة موسيقية، فقط سيضع اللحن بصوته كنسخة أولية للعمل ويتولى الموزع الموسيقي تحفيظ المطرب اللحن بعد ذلك.

كما أن أكثر ألحان مصطفى كامل كانت لأغنياته هو؛ لأنه توقف منذ فترة طويلة عن كتابة الأغاني للآخرين وكرس كل جهده بأن تكون كلماته وألحانه له هو فقط.


اقتباسات مصطفى كامل اللحنية

آفة مصطفى كامل هي المبالغة أو على حد التعبير الشعبي «الأفورة»، فعندما يتصاعد بالحالة الشعرية تجد نفسك أمام أغنية تمزقك نفسيًا وقد تصل إلى حالة مرضية مستعصية

يعتمد مصطفى كامل دائمًا على جمل لحنية بسيطة وقصيرة جدًا، مع بعض النواح عندما يتطلب الكلام ذلك، وقد لا يكون هناك أي رابط موسيقي بينهما، هو فقط يتفاعل مع جو الكلمات ثم يصب لحنًا منغمًا كلمة كلمة دون الاعتماد على جمل لحنية طويلة، ويظهر هذا جليًا في أغنيات «أصعب لحظة»، و«اسكت بقى» و«الله يسهله».

يبني مصطفى كامل ألحانه في الغالب على تيمات موسيقية مقتبسة من أغانٍ أخرى، ففي بداية أغنيته «عم قول يارب» بنى اللحن بالكامل على تيمة أغنية حكيم «السلام عليكم» للملحن «حسن إش إش»، وفي آخر ألبوماته «وسط الدنيا الخاينة» اقتبس لحن «ليل يا باشا يا ليل» من الملحن «أحمد عصفور» ومن غناء أيقونة الغناء الشعبي «أحمد عدوية» في أغنيته «خليها على الله».

أما أشهر ألحان مصطفى وأكثرها إثارة للجدل هي أغنية «تسلم الأيادي»، فالمقدمة الشعرية مأخوذة من أغنية لـ«محمد الحلو» بنفس المطلع كتبها الشاعر «سامح الرازقي» ثم واصل الاقتباس بأخذ لحن «تم البدر بدري» من الملحن «عبد العظيم محمد».

في لحن أغنية «أنا والنعمه دي» والذي غناه مصطفى كامل مع مطربة تدعى «سهام المغربية»، اقتبس مصطفى لحن «عَ العين موليّتين» من الفولكلور العراقي، والتي غنتها في البدايات المطربة العراقية «روتي»، ثم اشتهر اللحن بعد ذلك بصوت المطربة «سميرة توفيق»؛ ما جعل البعض يعتقد خطأ أنها من التراث اللبناني، وقد أشارت إلى ذلك المطربة «تانيا صالح» في ألبوم «وحدة» والذي غنت فيه نفس اللحن لكن نسبته للفولكلور العراقي، أما مصطفى كامل فقد لصق اللحن في الكوبليهات وذيّل اسمه تحتها كملحن.

هناك مثل إنجليزى يقول: «صاحب الصنائع السبع لا يجيد أي صنعة»، وهنا يثور السؤال: كيف وصل مصطفى كامل إلى مقعد نقيب الموسيقيين وهو لا يعزف على أي آلة موسيقية؟ يبرر مصطفى كامل ذلك بأنه كان يعزف آلة الأورج حتى عام 1996م بعدما كسر أحد أصابعه وأصبح يلحن سماعًا.

التاريخ الفني مليء بالأغنيات الملفقة شعرًا وألحانًا، فلا تعرف ماذا كان يقصد الشاعر بتلك الكلمات، وما هو المغزى وراء تلك العبارات التي لا يجمع بينها رابط سوى أنها مقفاة، وقد لا تأخذ نسقًا شعريًا أو بنية معينة، فيترك الشاعر العنان لقلمه يكتب ويكتب على أساس أن المستمع لن يدقق ولن ينتبه. في هذا التقرير تناولنا تجربة المطرب والملحن والشاعر «مصطفى كامل»، وفي تقارير ﻻحقة سنتناول أعمالاً ملفقة، وصناعًا ملفِّقين.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.