هل تعرف ما الذي يعنيه أن تسجل 100 هدف مع فريق واحد، ويكون 44 من بينها من ركلات حرة؟ هذا يعني أنك «جونينيو بيرنامبوكانو»، وأنك بالتأكيد تذكرت الآن تلك الكرات العجيبة التي كانت تدور درب التبانة قبل أن تسكن المقص الأيمن أو الأيسر أو كل نقاط الشباك.

يمكن أن يكون اسم جونينيو قد ذكرك بفترة بسط ليون سيطرته على الدوري الفرنسي قبل احتكار باريس سان جيرمان، أو أن يدفع إلى ذهنك تلك الركلة البديعة التي سكنت شباك برشلونة في موسمه التاريخي 2008-2009 بقدمي البرازيلي نفسه والتي قال عنها بيب جوارديولا عقب المباراة إن «سبعة حراس في المرمى لن يتمكنوا من التصدي لها، وليس فيكتور فالديز فقط!»

رقميًا، جونينيو هو أكثر من سجل أهدافًا من ركلات حرة مباشرة -بخلاف ركلات الجزاء- عبر التاريخ، ورغم أنه لم يملك تاريخًا كبيرًا في العموم كلاعب، فإن الحديث عن تاريخ الركلات الحرة المباشرة سيجعل جونينيو أول القافزين إلى ذهنك دونما شك.

قائد أوركسترا

في كتابه «I Think Therefore I Play»، يصف واحد من أبرز منفذي الركلات الحرة عبر التاريخ، الإيطالي أندريا بيرلو، كرات جونينيو، مؤكدًا أن «هذا الرجل جعل الكرة تفعل أشياء استثنائية للغاية وغير مسبوقة، لقد كان أشبه بقائد أوركسترا يقود عزفًا إلى أعلى وأسفل، لكن أداته كانت الكرة، وكان يفعل ذلك بقدميه».

بعين المشاهد المجردة التي كانت تراقب بذهول كل هدف له مع ليون الفرنسي، فإذا أردنا تلخيص المزايا المشتركة لركلات جونينيو الحرة، فيمكننا أن نرصد -متعجبين- 4 نقاط رئيسة:

أولها: القوة التي تخرج بها الكرة من قدمه مباشرة والتي تعد عاملاً مشتركًا كبصمة الإصبع لكل ركلاته سواء نفذها بوجه القدم المباشر أو بإصبع القدم الأكبر.

وثانيها: التقوسات غريبة الشكل التي كانت الكرة تسير بها قبل أن تسكن الشباك.

ثالثها: اختلاف موضع ضرب الكرة مع اختلاف المكان بشكل مدروس.

والرابعة: مستوى التسارع الذي تمر به الكرة قبل وصولها للمرمى، بحيث تبدو لك الكرة كما لو كانت تزداد قوة بشكل منتظم لتصل إلى أقصى قوتها لحظة دخول المرمى مهما كانت المسافة بعيدة، ومهما تعرجت تقوساتها في الطريق.

عين المشاهد المجردة رأت ذلك في 44 ركلة حرة سكنت شباك خصوم ليون الفرنسي بأقدام جونينيو، و77 سجلها البرازيلي بشكل عام في مسيرته، والتحليل المتعمق أيضًا يقود إلى نفس النتائج، هذا الرجل كان يعرف جيدًا ماذا يفعل، ولم يكن أي شيء في تلك السمات الأربعة ارتجالاً.

هذا ما تؤكده تلك الخارطة التي نشرها محلل الأداء ماريوس فيشر على تويتر والتي توضح لك بالتحديد الميزة الثانية أعلاه لركلات جونينيو الحرة المباشرة، وهي التقوسات الغريبة والزوايا الأغرب التي كانت تستقر فيها الكرة رغم عدم تماشيها في كثير من الأحيان منطقيًا مع موقع المخالفة.

الخارطة التي استعرضت 44 ركلة حرة نفذها جونينيو مع ليون تريك كم العبث الذي كانت الكرة تنتهجه في الطريق إلى المرمى، حينما تعرف أن المنفذ يلعب بالقدم اليمنى وتأتيه مخالفة من 35 ياردة تأخذ الطرف الأيمن للملعب ثم يصوبها جونينيو وتمر من الحائط البشري في اتجاه محتوم إلى المقص الأيسر للحارس فإذا بها تستقر في الزاوية العكسية أرضًا أو على ارتفاع متوسط، فهذا لا يسمى إلا عبثًا.

أو هل ترى تلك الركلة الوحيدة التي نفذها من أقصى يسار الملعب؟ لقد كانت تلك الركلة المذكورة أمام برشلونة في ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا 2008-2009، لقد سكنت الكرة التي خدعت الكل في بادئ الأمر بأنها عرضية قوية تنتظر الرؤوس، أقصى زاوية في المقص الأيسر لفيكتور فالديز، الذي تبدي حركات جسده بينما تسكن الكرة الشباك كم كان مندهشًا مما حصل في طريقها إلى مرماه.

في تحليل أكثر تعمقًا واستعراضًا لآليات جونينيو في تنفيذ الركلات الحرة المباشرة، فنّد متخصص العلاج الطبيعي الرياضي «راجبال برار» عبر قناته على يوتيوب آليات جونينيو المتنوعة في الركلات الحرة، والتي تفضي كلها إلى نفس النتيجة.

تفرد عصبي عضلي

وصف برار ما وصل إليه جونينيو في ركلاته الحرة المباشرة بأنه «نسق واحد قابل للتكرار»، وأن مزايا هذا النسق تتمثل في القدرة على أداء السلوك ذاته كل مرة بأعلى جودة أيًا كانت المؤثرات الداخلية التي تمر باللاعب كالتوتر والإجهاد، أو الخارجية كظروف المباراة أو ضغط المشجعين، مؤكدًا أن جونينيو امتلك في فترته مع ليون ما سماه «بالتفرد العصبي العضلي» في تنفيذ ركلته.

استعرض برار آلية جونينيو في تنفيذ الركلات الحرة قصيرة المدى (في حدود 25 ياردة)، تحديدًا آلية تحريك جونينيو لكل أجزاء جسده قبل وأثناء وبعد تنفيذ الركلة، والذي يمكن تفصيله بالترتيب في الحركات التالية.

 

يقوم جونينيو بتعليق القدم اليسرى (العكسية) في الهواء قبل التنفيذ مباشرة لمنح جسمه مساحة أكبر للتأرجح وبالتبعية على مستوى التقوس الذي يسمح به للكرة. (صورة 4)

ثم يثبت القدم نفسها أمام الكرة في وضع مقلوب وكأنه مثبت على وجه القدم الخارجي (صورة 5). وضع القدم العكسية بهذه الصورة يمنح القدم اليمنى المصوّبة تحكمًا أكبر في الضربة وقوتها والتوائها.

وأثناء التنفيذ يكون فخذ القدم اليسرى بعيدًا قدر الإمكان عن الكرة لتوسيع دائرة حركة القدم، ولشد العضلات كلها إلى أقصى درجة وزيادة قوتها لحظة التنفيذ لمنح الكرة قوة أكبر. (صورة 6)

نأتي الآن إلى لحظة التصويب، وفيها يصل جسم جونينيو إلى أكثر أوضاعه شدًا، ويكون على شكل زاوية منفرجة وقدماه إلى جوار بعضهما البعض. (صورة 7)

نأتي الآن إلى نقطة هامة، كيف يحدث التسارع وزيادة القوة التي تصل بها الكرة إلى المرمى؟

لا يكتفي جونينيو بعد ركل الكرة بمشاهدتها بل يواصل دفعها بقدمه اليمنى في اللحظات التي تسبق كون الكرة في الهواء تمامًا، كما لو كان يركلها ركلة ثانية، هذه الحركة تزيد قوة الكرة وتقوسها في الطريق إلى الشباك. (صورة 7)

الطبيعة ستتكفل بالباقي

يرتفع مستوى الجنون مع الركلات البعيدة، تمامًا كجنون مسارات الكرة وتقوساتها. الفوارق ليست كبيرة مع آلية تنفيذ الركلات القصيرة ولكنها كانت أكثر جنونًا، الفوارق تتلخص في أن جونينيو يبتعد عن الكرة 4 خطوات قبل التنفيذ وليس 3 كما هو الحال في الركلات القصيرة، وأنه يقابل المرمى بوجهه تمامًا وليس بزاوية.

أيضًا الزاوية المنفرجة التي يصنعها جسد جونينيو لحظة التسديد تكون قيمتها أكبر إلى حد يجعل جسد جونينيو لحظة التصويب أقرب إلى الخط المستقيم.

 

مشط القدم اليمنى المسددة للكرات البعيدة يقترب جدًا من الثبات على الأرض، وتكون الضربة كلها بوجه القدم دون أي احتكاك مع أصابع القدم، بينما يكون موضع الضرب هو آخر نقطة أسفل الكرة ولكن في المنتصف تمامًا بحيث تتساوى مساحة الكرة يمين ويسار قدم جونينيو.

جونينيو يريد إخراج الكرة قوية قدر المستطاع. والطبيعة ستتكفل بالباقي. نعم لقد قرأت ما أردت كتابته، الطبيعة!

قليل من الميل في وجه قدم جونينيو الخارجي وهو ما يمكن اعتباره «سر الصنعة الحقيقي» أثناء ركل الكرة كفيل بمنح تدفق الهواء المحيط بالكرة القدرة على توليد الحركة التي تحددها الطبيعة -لا جونينيو- للكرة يمينًا ويسارًا وارتفاعًا وانخفاضًا.

الطبيعة غير المستقرة لتدفق الهواء بعد إطلاق الكرة هي ما يعطي ضربة جونينيو طابعها الفريد، فيما يشبه تكرارًا مستمرًا لسلوك غير ثابت بالأساس لأن أهم معطياته -الهواء- لا يثبت بأي حال!

لكن هل يعني هذا أن جونينيو لا يملك التحكم في كل مسارات ركلاته الحرة البعيدة؟ ليس صحيحًا، وإنما يعني أن تلك الكرات التي كنت ترى فيها انحناءات غير مفهومة في الهواء وبشكل صعب التكرار كان البرازيلي يستخدم فيها ظروف الجو المتقلبة من يوم لآخر كي يرينا كل مرة شكلاً جديدًا، كما تريك خارطة فيشر.

50 ركلة يوميًا

يؤكد برار في نهاية تحليله أن جونينيو كان مهتمًا بخلق شكل واضح لمشاهدة الكرة بعد تنفيذها، من أجل برمجة دماغه على أماكن المخالفات وتصرفات الحائط البشري وسلوك الكرة في الهواء كي يجعل هذا النمط قابلاً للتكرار بنجاح في كل مرة، وهو ما قال البرازيلي إنه احتاج تسديد 50 ركلة حرة قريبة وبعيدة في التدريبات يوميًا كي يتقنه.

بقي أن أخبرك أن جونينيو كان قد صرح بأنه بنى طريقته الفريدة في الركلات الحرة على أسلوب لاعب برازيلي أسبق، هو مارسيلينيو كاريوكا الذي مثل البرازيل في نهاية التسعينيات ولم يملك مسيرة كبيرة في ملاعب كرة القدم، وأنه طور هذا التكنيك المقتبس من مارسيلينو في فترته مع ليون الفرنسي على وجه التحديد، بعد أن كان جونينيو بالكاد يستطيع أن يجعل الكرة تتجاوز الحائط البشري في بدايات مسيرته –على حد تعبيره.