للإسلام عدة أساليب وأدوات للحث على الاستثمار في الطيبات؛ بما يحقق الصالح العام، وذلك وفقًا لسلم الأولويات الإسلامية؛ وهي الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وتحريم الاستثمار في الترفيات.

ونتناول في هذا المقال موضوعات: تجنب الاستثمار في الخبائث، وتحريم الاكتناز، والمحافظة على الأصول الرأسمالية؛ في ضوء القرآن الكريم والسنة المشرفة. ثم موقف الاقتصاد الوضعي من الادخار والاستثمار.

تجنب الاستثمار في الخبائث في القرآن والسنة

يلتزم المستثمر المسلم في استثمار ماله بمجموعة من القيم والأخلاق، ويحرص أن تكون معاملاته الاقتصادية في الطيبات؛ التي تتطابق مع الشريعة الإسلامية، فلا يتم الاستثمار في سلع أو خدمات محرمة شرعًا.

يقول الله سبحانه وتعالى:

﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾
الأعراف: 32.
﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾
البقرة: 281.

يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

لا تزولُ قَدَما عبد يوم القيامةِ حتى يُسأل عن عمرِه فيما أفناه، وعن عِلمِه ماذا فعل، وعن مالهِ من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جِسمِه فيم أبلاه. [1]

في حديث ابن عباس رضي الله عنهما:

بَلَغ عمرَ أن فلاناً باع خمراً فقال: قاتلَ اللهُ فلاناً، ألم يعلم أن رسولَ اللِه (صلى الله عليه وسلم) قال: قاتل اللهُ اليهودَ، حرمت عليهمُ الشحومُ فجمَلوها فباعوها. [2]
أيها الناس، إن الله طيب لا يقبلُ إلا طيبًا. وإن الله أمر المؤمنين بما أمرَ بِهِ المُرسلين. فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إني بما تعملون عليم (المؤمنون: 51)، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ (البقرة:172). ثم ذكر الرجلَ يُطيل السفر. أشعث أغبر. يَمُد يَدَيهِ إلى السماء. يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام. فأنَّى يُستجاب لذلك؟ [3]

ومعنى الطيب المنزه عن النقائص والخبائث؛ فيكون بمعنى القدوس، وقيل أيضًا طيب الثناء ومستلذ الأسماء عند العارفين بها؛ وهو طيب عباده لدخول الجنة بالأعمال الصالحة وطيبها لهم. والكلمة الطيبة لا إله إلا الله. وقوله (صلى الله عليه وسلم) لا يقبل إلا طيبًا؛ أي لا يتقرب إليه بصدقة حرام ويكره التصدق بالرديء من الطعام، وكذلك يكره التصدق بما فيه شبهة، قال الله تعالى:

﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ﴾
البقرة: 267.

ويستنبط من الآيات والأحاديث السابقة ما يلي:

  • إن مجال الاستثمار من أهم المجالات في النشاط الاقتصادي؛ فهي أساس الكسب الحلال، وكذلك الإنفاق في الطيبات، وأن الإنسان سوف يحاسب على ذلك أمام الله سبحانه وتعالى.
  • توجد علاقة بين الحلال والطيب، وأن من شروط قبول الدعاء أكل الطيب؛ أي الحلال الصحيح.
  • إن الله تعالى لا يقبل من المال إلا الطيب؛ لذلك فإنه لا يجوز الاستثمار إلا في مجال الطيبات؛ الخالصة من وجوه التحريم؛ حتى يكون الربح حلالًا طيبًا.
  • تجنب التعامل في المنتجات المحرم استهلاكها؛ مثل الخمر، وكذلك لا يجوز الاستثمار في أي منتجات غير مطابقة للمواصفات؛ خاصة في المنتجات الغذائية أو المنتجات الصيدلانية وغيرها.
  • عدم التحايل على شرع الله؛ فإذا كان المُنتَج محرمًا؛ فإن ثمنه يكون محرمًا، سواء كان هذا المُنتَج في صورته المحرمة أو غير ذلك.

ويرتبط بمبدأ تجنب الاستثمار في الخبائث؛ مبدأ الالتزام بالأولويات في الاستثمار؛ حيث إن الالتزام بمبدأ الأولويات يرتكز على مبدأ الاستثمار في الطيبات.

تحريم الاكتناز في القرآن والسنة

إن التشريع الإسلامي في استغلال المال يكون وفقًا لبعض المعايير والضوابط. ولا يكتفي الإسلام بمنع نمو المال عن طريق الربا، بل يضيف إلى ذلك ميزة أخرى، وهي تحريم تجميد المال أو حبسه واكتنازه، وذلك مبني على نص صريح في القرآن الكريم.

يقول الله تبارك وتعالى:

﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم ⁕ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾
التوبة: 34، 35.

واكتناز المال أي جَمْعُهُ ومرَاكَمْتُهُ؛ أي إبعاده عن التداول والإنتاج، والأضرار الاقتصادية لكنز المال تكون بجانب مضاره الأخلاقية والمعنوية. وكما تناولنا في مقالات (في موقع إضاءات) أن الإسلام يحث على الإنفاق في وجوه الخير، وكما أنه يرشد الجزء من الدخل الذي يوجه إلى الإنفاق الاستهلاكي، فإنه ينفر من اكتناز الجزء الباقي.

وهناك علاقة بين الادخار والاكتناز؛ فالاكتناز هو جزء الادخار الذي لم يوجه إلى الاستثمار. والإسلام بذلك؛ يحث على دفع المال إلى ميدان الاستثمار. ويؤدي ذلك إلى توجيه الأموال إلى زيادة التشغيل، وأداء دور هام؛ بالمشاركة بفاعلية في النشاط الاقتصادي.

وفي حين تهدف السياسات الاقتصادية العالمية إلى منع الاكتناز؛ لدفع المال إلى المشروعات؛ فإن النهي عن الاكتناز، وتحريم تجميد الأموال وحبسها عن التداول، وتجنب الاقتراض بفوائد؛ من أهم أسس المنهج الإسلامي في التنمية الاقتصادية، وهو إعجاز اقتصادي؛ للحث على الاستثمار، وتوفير السيولة اللازمة لتمويل المشروعات ذاتيًا للتنمية.

كما جاء تأثيم الاكتناز؛ بسبب ما يتضمنه من حقوق للجماعة على المال الخاص، ويؤكد على نظرة الإسلام إلى الملكية الخاصة أو الفردية للأموال على أنها ليست حقًا مطلقًا؛ لأن المالك ليس من حقه اكتناز ماله وحبسه عن سوق التداول، وبالتالي حرمان المجتمع من ثمار تنمية هذا المال. وإذا التزم المسلم بالمنهج الإسلامي؛ فسوف يوجه كل مدخراته إلى الاستثمار، وبالتالي سوف لا توجد نقود مكتنزة أو معطلة عن أداء دورها في إعمار الأرض.

وقد قرن القرآن الكريم بين أكل أموال الناس بالباطل وكنز المال، وأكد أن تلك الممارسات هي صد عن سبيل الله.

ويتضح ذلك في قول الله عز وجل:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾
التوبة: 34.

أيضًا من صور النهي عن الاكتناز؛ الاتجار بمال اليتيم حتى لا تأكله الصدقة.

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

من ولي يتيمًا له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة. [4]

إن أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالاتجار في أموال اليتامى هو حث على الاستثمار. وهي من الإعجاز الاقتصادي في منع اكتناز الأموال لصالح الفرد والمجتمع.

وفي علاقة فريضة الزكاة بمحاربة الاكتناز؛ فإن تنمية العنصر البشري، والحث على الكسب من العمل، والتشغيل الكامل، وتقليل التفاوت بين أفراد المجتمع؛ تعتبر من أهداف الزكاة الأساسية؛ لكي توجه الأموال إلى الاستثمار والتعمير والتنمية.

إن النظم الاقتصادية تحاول منع اكتناز الأموال بالعديد من السياسات والإجراءات الاقتصادية، في حين أن فرض نسبة 2.5% على المال المكتنز يؤدي إلى البحث عن وسائل مشروعة تمنع نقص المال، وكذلك للتعويض عن تآكل قيمة النقود بسبب التضخم، وتحقيق عائد يكون مناسبًا وأعلى من نسب التضخم؛ مما يؤدي إلى وجود حافز على تشغيل هذا المال، والبحث في المشروعات المختلفة بالصيغ الإسلامية، وبالتالي المشاركة في تنمية المجتمع اقتصاديًا واجتماعيًا.

المحافظة على الأصول الرأسمالية في القرآن والسنة

الأصول الرأسمالية عبارة عن ممتلكات تستخدم على المدى الطويل، وليس بغرض إعادة البيع، وتستهلك خلال عملية الإنتاج، وعملية التكوين الرأسمالي هي زيادة أدوات ومستلزمات الإنتاج؛ التي لا تستخدم لأغراض الاستهلاك المباشرة، وإنما للمساهمة في إنتاج منتجات أخرى. والتكوين الرأسمالي يضم رأس المال الثابت، ورأس المال العامل.

إن انخفاض معدل النمو الاقتصادي، وقلة الإنتاج، وانتشار الفقر سببه الأساسي هو نقص أدوات الإنتاج؛ بسبب قلة الادخار، وهذا سببه قلة الدخل؛ لنقص الإنتاج؛ بسبب نقص الآلية والتكنولوجيا، وهي حلقة مفرغة، ويبدأ كسر هذه الحلقة بمزيد من الآلية.

ولا شك أن الآلية والأصول الرأسمالية عمومًا؛ تؤدي إلى زيادة الإنتاج وجودته، ومن ثم زيادة القدرة على المنافسة، ومزيد من النمو والتنمية. ومن أمثلة الأصول الرأسمالية: الآلات والمباني وأجهزة الكمبيوتر والإنسان الآلي، وأيضًا براءات الاختراع؛ تعتبر ضمن الأصول الرأسمالية.

وقد حث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على عدم تبديد الأصول الثابتة، فقال (صلى الله عليه وسلم):

من باع دارًا أو عقارًا فلم يجعل ثمنه في مثلِه كانَ قِمنًا أن لا يُبارك فيه. [5]

والبركة شيء أصيل في الإسلام.

كما حث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على المحافظة على الطاقات الإنتاجية.

يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

إياك والحَلوب. [6]

أي أن من هديه (صلى الله عليه وسلم) المحافظة على الأصول الرأسمالية؛ حتى يستمر الإنتاج، والحصول على المنفعة.

والجدير بالذكر؛ أن الإنسان لا يخلق الإنتاج؛ ولكن دوره في النشاط الاقتصادي؛ هو إضافة المنفعة بأنواعها. وبالنسبة لرأس المال؛ فإن التطور الآلي المعاصر يكون نتيجة كشوف علمية وتجربة وبحث وابتكارات. كما يكون نتيجة تطبيق العلوم الطبيعية والرياضية المختلفة؛ على الأشياء.

ومن وسائل التكوين الرأسمالي، وحفظ رأس المال ما يلي: [7]

  • عدم الإنفاق أكثر مما يكتسب الإنسان؛ حتى لا يفنى المال.
  • عدم الإنفاق بما يكون مساويًا لما يكسب؛ حتى يبقى عند الإنسان لنائبة لا تؤمن، أو آفة تنزل، أو وضيعة فيما يعانيه التاجر من كساد البضاعة.
  • عدم مد اليد إلى ما يعجز الإنسان عن القيام به؛ مثل أن يستثمر في مشروع يعجز عن القيام بإدارته.
  • عدم تشغيل المال في الشيء الذي يبطئ خروجه عنه؛ ويكون ذلك مما يقل الطلب عليه؛ لاستغناء عوام الناس عنه.

إن دور الإنسان هو الكشف عن نعم الله تعالى؛ مثل الكشف عن الخامات محل رأس المال، وأيضًا الكشف عن قوانين تشغيلها التي سنها الله سبحانه وتعالى في كونه.

وكما سبق فإن محاربة الإسلام للاكتناز، يؤدي إلى اتجاه المدخرات إلى الإنفاق بشقيه الاستهلاكي والاستثماري، والإنفاق الاستثماري يؤدي إلى التكوين الرأسمالي. وهو من وسائل التنمية. وهذا من الإعجاز الاقتصادي في قول الله تعالى:

﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾
التوبة: 34.

إن المنهج الاقتصادي الإسلامي يتضمن من السياسات والإجراءات التي تؤدي إلى مشاركة الأموال في النشاط الاقتصادي، وبالتالي يستفيد الفرد والمجتمع من ثمار هذه الأموال، وينعم بنتائج ذلك على التنمية.

ومن وجهة النظر الإسلامية؛ فإن العائد ليس عائدًا نقديًا فقط؛ لأن الاستثمار يوجه إلى النشاط الاقتصادي الأكثر ضرورة للمجتمع؛ كأولوية. وبالتالي فإن قاعدة الأولويات في الإسلام والتي تهتم بتوجيه الاستثمار إلى الضروريات تعتبر من الإعجاز الاقتصادي. والدليل على ذلك أن توجيه الاستثمارات في بعض الدول الإسلامية دون الالتزام بسلم الأولويات؛ من أهم أسباب التخلف، ويسبب عدم دفع عجلة النشاط الاقتصادي إلى الأمام، وبالتالي حدوث البطالة، وانخفاض الإنتاج، وانخفاض قيمة العملة، وزيادة التبعية؛ بسبب الاعتماد على الخارج في الضروريات.

ويحتاج ذلك إلى ملايين المشروعات الإنمائية الصغيرة، وذلك وفقًا لاحتياجات المجتمع، وتلبية تطلعاته المشروعة والمنضبطة، وعلى أساس تكنولوجي يتفق مع الاقتصاد والمرحلة التي يمر بها، والظروف التي يعيشها المجتمع وتتناسب مع الموارد الإنتاجية المتاحة.

نظرة الاقتصاد الوضعي إلى الادخار والاستثمار

يمكن التطرق إلى نظرة الاقتصاد الوضعي إلى الادخار والاستثمار من زاويتين هما:

1. دور سعر الفائدة في توجيهات الاستثمار

يعكس الرأي التقليدي في الربا اعتباره نوعًا من الدخول التي تكسبها رؤوس الأموال المنتجة. والمغالطة في هذا الزعم في أن الفائدة تتحدد قبل تحقق الدخول وليس بعده؛ بصرف النظر عن وجود ربح للمشروع من عدمه. ويتحدد حجم الاستثمار في الفترة القصيرة بحجم التشغيل والدخل القومي، ويتوقف على الميل للاستثمار. ويتحدد الميل للاستثمار بعاملين؛ هما: الكفاية الحدية لرأس المال، وسعر الفائدة.

وتعني الكفاية الحدية لرأس المال معدل العائد المتوقع من استثمار حجم معين من رأس المال إلى تكلفة هذا الاستثمار نفسه، وترتبط الكفاية الحدية لرأس المال بعلاقة طردية مع حجم الاستثمار. كما توجد علاقة عكسية بين مستويات الاستثمار وتكلفة رأس المال وهي سعر الفائدة وفقًا للنظام الاقتصادي العالمي؛ حيث إن خفض سعر الفائدة يشجع على الاستثمار.

ووفقًا لذلك يتحول الاستثمار إلى المشروعات التي تحقق أعلى ربح؛ دون النظر لحاجة المجتمع في نوعية الاستثمار، ويتضح ذلك مما يلي:

  • مجموع الميل الحدي للاستهلاك والميل الحدي للادخار يساوي واحدًا صحيحًا. [8]
  • تتوجه الاستثمارات نحو المشروعات ذات العائد المرتفع؛ لأن الإنفاق على الاستثمار من وجهة نظر المنظمين يجب أن يتجه للمشروعات التي تحقق أكبر عائد ممكن، وتناول كينز نظرية؛ أطلق عليها نظرية المضاعف، بين فيها أثر الاستثمار على الدخل القومي؛ حيث إن الاستثمار هنا هو المتغير الأساسي في الدخل القومي. ومضمون هذه النظرية أن الزيادة الأولية في الإنفاق على الاستثمار تؤدي إلى زيادة الدخل القومي بكميات مضاعفة؛ تقدر بما تؤدي إليه هذه الزيادة في الاستثمار من إنفاق متتالٍ على الاستهلاك.
  • سعر الفائدة هو المحرك للاستثمار. وابتكر الاقتصاديون الغربيون النظريات التي تبرر الفائدة؛ حيث إن الفائدة وجدت في الميدان العملي تحايلًا على الربا، ثم وضعت النظريات لتبريرها وتدعيمها. وهذه النظريات كالآتي [9]: نظرية الريع؛ وهو تشبيه الفائدة بريع الأرض، ونظرية الربح؛ على أساس أن معدل الربح في العادة أعلى من معدل الفائدة، ونظرية المخاطر؛ وهي أن الفائدة عبارة عن تعويض عن المخاطر التي يتعرض لها الدائن؛ مثل عجز المدين عن السداد، ونظرية تحويل رأس المال النقدي إلى رأس مال عقاري، ونظرية أجر الزمن، ونظرية التضحية والانتظار، ونظرية تفضيل السيولة، ونظرية الاستعمال، ونظرية العمل المتراكم، ونظرية الأجير أو بخس المستقبل.
  • وهذه النظريات المبررة للفائدة على اختلاف تعبيراتها تتلاقى على أن الفائدة هي ثمن أو أجرة للنقود مثل أي سلعة أخرى مقابل بقاء الدين في ذمة المدين إلى أجل أو مقابل التضحية، أو مقابل الانتظار أو جزاء الادخار أو جزاء عدم الاكتناز. [10]
  • أكد كينز على الدور الذي يمكن أن تلعبه السياسات الاقتصادية بصفة عامة، وتدخل الدولة بشكل إيجابي في النشاط الاقتصادي؛ من أجل دفع النشاط الاقتصادي والتنمية. والمعروف أن السياسة النقدية الحكيمة تعمل على زيادة الإنتاج وعلى المحافظة على مستواه الفعلي في حدود المقدرة الإنتاجية للاقتصاد القومي، ولكن ليست السياسة النقدية العامل الأساسي في تحديد سعة تلك المقدرة أو تعيين مستوى الكفاءة الإنتاجية في الاقتصاد القومي. [11]
  • توجد نتيجة هامة بالنسبة لدور سعر الفائدة في تحديد الاستثمار والسياسة الاقتصادية –من وجهة نظر الاقتصاد الوضعي- وهي أن السلطات النقدية تحدد الاستثمار عن طريق حركات سعر الفائدة؛ فإذا أرادت تشجيع الاستثمار خفضت سعر الفائدة، ومع ذلك توجد قيود على ذلك.

2. دور الاستثمار في التنمية في الدول المتخلفة

اتفقت جميع المناهج الوضعية على أن الجهد الإنمائي لا بد أن يكون من الكبر والشمول؛ بحيث يستطيع أن يتغلب على معوقات التنمية. وذلك حتى يمكن للدول المتخلفة أن تحقق بداية جادة على طريق التنمية. ولكن السؤال هو: ما هو العنصر –المادي– الفاعل لإحداث عملية التنمية؟ وكانت الإجابة الرئيسة هي: عن طريق التغلب على ندرة رأس المال، ويكون ذلك عن طريق الاستثمار.

وبالتالي؛ فإن خطط التنمية وفقًا للاقتصاد الوضعي عبارة عن برامج استثمار. ولا شك أن هذا التوجه المادي الذي يركز على المؤشرات الاقتصادية المجردة كالناتج الكلي؛ يحتاج إلى بيئة مناسبة تسود فيها الحرية والعدالة على مستوى الفرد. أي أن الإنسان سيقع عليه عبء كل الجهد الإنمائي المطلوب.

المراجع
  1. حديث أبي بَرَزة الأسلمي: ورد في جامع الترمذي برقم 2417.
  2. حديث ابن عباس: رواه البخاري في صحيحه برقم 2223.
  3. حديث أبو هريرة: رواه مسلم في صحيحه برقم 1015.
  4. رواه الترمذي.
  5. ابن ماجه رقم 2490.
  6. من حديث أبو هريرة: رواه مسلم برقم 2038 في صحيحه.
  7. يوسف كمال محمد، فقه الاقتصاد الإسلامي: النشاط الخاص، (الكويت: دار القلم، 1408هـ = 1988م)، ص 127 – 132.
  8. انظر: رفعت المحجوب، الاقتصاد السياسي، ج1، (القاهرة: دار النهضة العربية، 1982م)، ص454، 455.
  9. انظر: فتحي السيد لاشين، فوائد البنوك بين الاستغلال الربوي والاستثمار الإسلامي، (الجيزة: البصائر للبحوث والدراسات، 2009م)، ص17 – 21.
  10. المرجع السابق نفسه، ص23.
  11. انظر: محمد زكي شافعي، مقدمة في النقود والبنوك، (القاهرة: دار النهضة العربية، 1980م)، ص11.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.