لم يكن خبر وفاة الشيخ يوسف القرضاوي عاديًا على كثيرين، فثمة فريق منحاز له أخذ يعدد مآثره وأفضاله، وثمة فريق ضد تولى ذكر مساوئه وهناته، وبين هذا وذاك وسائل إعلام عربية تناولت رحيل الرجل عملاً بمبدأ «كل إناء ينضح بما فيه».

«العربية»: إخواني مُجنَّس

كان تناول الخبر مختلفا من وسيلة إعلام إلى أخرى، حيث ظهرت الفوارق الشاسعة بين توجهات تلك الوسائل، التي تمثل بشكل كبير توجهات الدول صاحبة التمويل الرئيس، فمثلاً موقع قناة «العربية» السعودية كان تناوله لخبر الرحيل كالتالي: «وفاة يوسف القرضاوي عن 96 عاماً»، هكذا كان العنوان، أما المتن فذكر أن القرضاوي قيادي إخواني معروف، بل هو منظر الجماعة الأول على مر السنوات الماضية، مؤكدة أنه عُرض عليه تولي منصب المرشد عدة مرات، وكان يحضر لقاءات التنظيم العالمي للجماعة.

وأشارت «العربية» إلى أن القرضاوي مصري، لكنه مُنح الجنسية القطرية بعد أن غادر البلاد عام 2013، وقد أصدرت محكمة مصرية حكمًا غيابيًا بإعدامه عام 2015 إلى جانب مصريين آخرين منتمين للإخوان في قضية لها علاقة باقتحام سجون عام 2011.

وفي نهاية الخبر تذكير بأن القرضاوي هو الرئيس السابق لما يسمى «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، وقد ظل رئيسًا للاتحاد منذ تأسيسه عام 2004، ولمدة 14سنة، إلى أن خلفه أحمد الريسوني، قبل أن يستقيل هذا العام، على خلفية تصريحات أثارت الجدل.

ويتضح من تناول الخبر في «العربية» التي تنتمي إدارةً وتمويلاً إلى المملكة العربية السعودية موقفها من القرضاوي ومن جماعة الإخوان ومن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فالواضح أن موقفها من الشيخ الراحل هو موقف خلافي، حيث ركزت على فكرة انتمائه إلى جماعة الإخوان، وكذا صدور حكم إعدام بشأنه، بل إنها في الفقرة الأخيرة من الخبر ذكرت «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» باعتباره اتحادًا غير شرعي، مشيرة إلى أزمات تلاحق الاتحاد ورؤساءه ومنهم أحمد الريسوني المغربي، الذي استقال من رئاسة الاتحاد في الشهر الماضي بسبب تصريحاته حول المصالحات العربي الأخيرة.

وكانت السعودية (مالكة قناة «العربية») إضافة إلى مصر والبحرين قد صنفت «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، على قوائم الإرهاب، وذلك ضمن ما وصفته حينها بـ«الالتزام بمحاربة الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله ومكافحة الفكر المتطرف وأدوات نشره وترويجه».

أما موقع صحيفة «الشرق الأوسط» المملوكة للمجموعة «السعودية للأبحاث والتسويق» فكانت أجرأ في تناولها لخبر الرحيل، إذ عنونته بـ«وفاة يوسف القرضاوي.. أيقونة الإخوان المطلوب مصريًا»، وفي متنه أنه الرمز الأيقوني لجماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر، وذكرت كذلك أنه كان مطلوبًا للعدالة بسبب تورطه في كثير من قضايا العنف، مؤكدة حرص الراحل على ارتداء الزي الأزهري رغم إقالته سنة 2013 من عضوية كبار العلماء، نتيجة ما نُسب إليه من إساءات إلى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب.

بينما في مقال له بعنوان «رحيل القرضاوي… بين الذات والموضوع» ظهر الكاتب السعودي يوسف الديني وكأنه طبيب يشخّص حالة الاختلاف الكبيرة التي نشأت عقب خبر الوفاة بين الحالة القرضاوية كموضوع والذات الراحلة، التي اعتبرها شخصية محيرة جدلية (حد التخمة) لعدة أسباب، منها تحويره كل ما هو سياسي إلى عقائدي، بحيث يصبح الخلاف معه والاختلاف أزمة غالبًا ما يجري تصويرها بشكل تراجيدي.

«الجزيرة»: أبرز علماء الإسلام

أما «الجزيرة» القطرية فموقفها من القرضاوي واضح منذ الوهلة الأولى، ومنذ الخبر الأول لوفاته، الذي اتخذ عنوان «وفاة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي»، وذكر موقع قناة «الجزيرة» أن الراحل كان من أبرز علماء الشريعة في العالم الإسلامي، وهو عالم مصري أزهري، ويحمل الجنسية القطرية، ومن مواليد قرية صفط تراب بمركز المحلة الكبرى في محافظة الغربية في جمهورية مصر العربية.

وأضافت: «في عام 2008، جاء القرضاوي في المرتبة الثالثة من بين 20 شخصية على قائمة أكثر المفكرين تأثيرًا على مستوى العالم، وذلك في استطلاع أجرته مجلتا (فورين بوليسي، وبروسبكت)، وقالت فورين بوليسي عند نشر الاستطلاع، إن الشيخ القرضاوي من خلال برنامج الشريعة والحياة الذي تبثه قناة الجزيرة الفضائية، يصدر فتاوى أسبوعية تتطرق لكافة مناحي الحياة)». وذكر الخبر أيضًا أن للقرضاوي ما يزيد على 170 من المؤلفات، كما شارك في كثير من المؤتمرات والندوات والبرامج التلفزيونية خلال مسيرته العلمية والدعوية.

لم يكتف موقع القناة التي تبث من الدولة التي احتضنت القرضاوي طوال السنوات الماضية ببث خبر الوفاة، أو تكرار التنويه عنه في القناة والموقع، بل عددت من التقارير التي مجدت الشيخ، بل إنها في تقرير صحفي تالٍ على خبر الوفاة عنونته بـ«الأمة فقدت رجلًا عظيمًا.. الحزن يخيم على مواقع التواصل عقب وفاة القرضاوي» تناولت فيه تفاعلات المحبين على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم مقال لوصفي عاشور أبوزيد بعنوان «الإمام المجتهد والإنسان»، عدد فيه مآثر الرجل وكيف كان سيفًا مسلطًا على أعداء الأمة الإسلامية وحكامها وغير ذلك من الأوصاف التي تظهر من عنوان المقال، ثم مقال بعنوان «علامة الجيل»، وربما لن ينته سيل المقالات والتقارير والبرامج للرجل حتى بعد موارته الثرى.

الملاحظة في كل ما ذكره موقع قناة «الجزيرة» أو حتى القناة هو اختفاء ذكر علاقته بجماعة الإخوان المسلمين، أو حتى موقف الشيخ الراحل من السلطة في مصر، ربما يأتي ذلك في ظل العلاقات المُحسَّنة التي تجمع بين قيادات البلدين أخيرًا، والذي حتم على القناة القطرية تغيير سياستها.

وهي نفس الملاحظة تقريبًا في تناول موقع «العربي الجديد» للوفاة، ربما كانت أوصاف الشيخ أكبر في موقع التلفزيون الذي يُبث من لندن، ويرتبط تمويليًا بالسياسي الفلسطيني عزمي بشارة، وهو الموقع المعروف بانحيازه لجماعات الإسلام السياسي في الوطن العربي، فكان خبر الرحيل معنونًا بـ«وفاة الداعية والعالم الإسلامي الشيخ يوسف القرضاوي عن 96 عامًا»، وفي المتن كثير من إنجازاته، التي لا يوجد بها أيضًا انتماؤه لجماعة الإخوان!

الموقف نفسه تقريبًا تكرر مع تناول موقع «القدس العربي» لخبر الرحيل، إلا أن الإضافات ظهرت بعد ساعات من إعلان الخبر في مقالات وتقارير بالموقع الصادر من لندن، والمعروفة توجهاته، وكانت في أغلبها تمجد في الرجل وفي علمه، التي وصلت إلى حد كتابة مقال عنوان «رحيل القرضاوي.. خسارة للأمة».

«سكاي نيوز»: الوفاة لم تحدث

«سكاي نيوز» و«الشرق» وهما وسيلتان إعلاميتان تنتميان – بشكل أو بآخر – إلى الإمارات فإن الأولى لم تتناول الخبر إطلاقًا، وكأنه لم يكن، بينما الثانية اكتفت بعنوان: «وفاة الداعية يوسف القرضاوي»، وجاء المتن في أقل من سطر، وفيه: «أعلن الحساب الرسمي للداعية يوسف القرضاوي على تويتر، الإثنين، أنه توفي عن 96 عاماً» فقط.

ربما اتضح الموقف الإماراتي من القرضاوي عمومًا في وصف الأكاديمي الإماراتي، عبدالخالق عبدالله، في تغريدته التي نشرها موقع «سي إن إن عربية»، فقد قال، إن الشيخ يوسف القرضاوي هو الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين الذي اشتهر بفتاويه التي تحرض على العنف والتكفير، مضيفاً أن يوسف القرضاوي «قاد خلال فترة الربيع العربي حملة إساءة وكراهية وتعبئة ضد استقرار الإمارات، رغم أن الإمارات أكرمته وأحسنت استقباله».

وسائل الإعلام الخارجية كـ«سي إن إن عربية»، و«بي بي سي عربية» و«الحرة» تناولت الخبر بغير انحيازات واضحة، بل أنها نشرت بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وتغريدة نجل القرضاوي باعتبرهما مصدر خبر الرحيل الرئيسي، أما التقارير التي نشرتها تلك الوسائل بعد خبر الرحيل فهي راصدة لحياة الرجل بكل ما فيها من إنجازات على المستوى الفكري ومطاردات على المستوى السياسي، فضلاً عن الجدل الذي دار في مناقشات مواقع التواصل الاجتماعي حول جواز الترحم عليه أم لا؟ مع التذكير بفتاويه التي حرضت على قتل كثير من الشخصيات المعروفة.

أما في مصر، فاللافت أن كثيرًا من وسائل الإعلام المصرية تجاهلت الخبر تمامًا، ومنها على سبيل المثال أهم موقع مصري وهو «اليوم السابع» المنتمي إلى الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، فلم تذكر خبر الرحيل أو حتى أي تعليق عليه، بينما ذكرته مواقع أخرى تنتمي إلى نفس الشركة مثل «الوطن»، لكن باقتضاب شديد.

دراسة حالة خبر رحيل القرضاوي والكيفية التي تناولته بها وسائل الإعلام المختلفة، ربما يُطبّق على كثير من الأحداث والأخبار، التي ستظهر فيها الفوارق الكبيرة بين تعاطي هذا وذاك مع ذات الحدث أو الخبر، وهي فوارق ناجمة عن التوجهات والأيديولوجية الخاصة بوسائل الإعلام، والبلاد والجهات التي تمتلكها وتمولها.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.