ما إن انتهت المباراة، إلا وكان مراسل جريدة Hespress المغربية يستوقف بعض جمهور الوداد، ليوثق عبر الفيديو ردة فعلهم على الخسارة 2/0 من الأهلي. طبعًا كانت الحسرة هي السمة الأساسية للفيديو، بعدما تضاءلت حظوظ فريقهم في التأهل لنهائي دوري الأبطال.

أما جمهور الغريم الأزلي: الرجاء فكانوا يمنون النفس بالفوز على الزمالك اليوم التالي. فعلق أحدهم على يوتيوب: «الرجاء سينسينا فضيحة الوداد»، لكن تعليق آخر أخبره: «لا تتعشم، لن تفوز بدون جمهور»، يقصد خلو المدرجات المغربية من جماهير الوداد والرجاء بسبب تفشي فيروس كورونا.

فعلًا خسر الرجاء بعقر داره أيضًا، فهل كان عدم حضور مشجعيه دور في ذلك؟ نعم بالتأكيد، لكن الأمر هنا لا يتعلق بأندية المغرب تحديدًا، لأن الغياب الجماهيري أثر سلبيًا على نتائج الأندية صاحبة الأرض على وجه العموم، سواء كان ذلك في البريميرليج، أو البوندسليجا، أو دوري أبطال إفريقيا.

التستوستيرون يحكم

مبدئيًا دعني أخبرك بما نشرته وكالة دويتشه فيله العام الماضي، حين تحرت وراء الأسباب التي تجعل للفريق صاحب الأرض أفضلية على الفريق الضيف. حيث أوكلت الأمر لمجموعة من الباحثين، قبل أن يخرجوا بحزمة مدهشة من الحقائق.

أولها هو ما وجدوه في إحدى الدراسات التي أشرف عليها الاتحاد الأوروبي UEFA، إذ قام بمراجعة ما يزيد عن 6 ألاف مباراة من الدوريات الأوروبية المحترفة. ليجد أن الضيوف لا يحققون الفوز إلا في 25% من المباريات، بينما ينتصر صاحب الأرض بنسبة تصل لـ50%.

أما عن الأسباب، فيأتي في مقدمتها ما أسموه بالسلوك الحيواني. إذ أجروا تحليلات على لاعبي الفرق، ووجدوا أن هرمون التستوستيرون يتدفق بشكل أكبر كلما شارك اللاعبون في ملعبهم، وكأنهم يذودون عن بيوتهم أمام عدو يسعى لاختراقها. وبالتالي يُظهرون جدية وعدائية ورغبة أكبر في الفوز، خصوصًا مع تشجيع وهتاف الجمهور صاحب الأرض الذي لا يتوقف.

الحكم لا يحكم

تأثير الجماهير لا ينتهي هنا، بل إنه يشمل حكم المباراة أيضًا. وهذا ما يؤكده عالم البيانات «دانيال ميمت»، بعدما قام بتجربة جديرة بالذكر. حيث دعا إلى معمله مجموعتين من الحكام، وعرض على الأولى مقاطع مصورة لحالات التحكيمية مصحوبة بصوت الجمهور، وحجب عن الثانية صوت الملعب تمامًا.

والنتيجة أن المجموعة الأولى، التي استمعت لصخب واعتراض المشجعين، رأت ضرورة عقاب الفريق الضيف بالبطاقات الصفراء والحمراء بصورة أكبر مما رأت المجموعة الثانية، التي حجب عنها الصوت. وهو ما أثر بالضرورة على نتيجة المباراة، ورجح كفة الأندية المضيفة.

هذه ليست كل الأسباب التي نشرتها دويتشه فيله، فهناك عوامل مثل الجغرافيا والمناخ تقف أيضًا في صالح أصحاب الملعب، لكننا لن نتعرض لها بالتفصيل، لأننا نستهدف معرفة تأثير دور الجماهير تحديدًا، وقياس إلى أي درجة تأثرت الفرق بعد غيابهم بسبب الجائحة.

دورتموند أول الضحايا

ذات مرة سُئِل «باستيان شفاينشتايجر» عن أكثر ما يقلقه حين يواجه بروسيا دورتموند، هل هو المدرب «كلوب»؟ أم لاعبيه؟ أجاب قائد بايرن ميونخ السابق أن أكثر ما يخيفه هو الجدار الأصفر، قاصدًا جماهير دورتموند التي تشتهر بالحضور الكثيف والتشجيع المذهل.

وفي الموسم الماضي، دفع الجدار الأصفر الفريق نحو صدارة البوندسليجا، فلم يتعرض دورتموند ﻷي هزيمة على ملعبه: سيجنال إيدونا بارك منذ انطلاق المسابقة وحتى توقفها في مارس/آذار، لكن مع عودة مباريات الدوري منتصف مايو/أيار، لم يعد معها الجدار الأصفر، ولعب بروسيا وحده.

النتيجة كانت أنه لم يتعرض لخسارة واحدة فقط على أرضه، بل لثلاث خسائر خلال شهر واحد. أحدها كانت في مواجهة بايرن ميونخ، حسمت الدوري لصالحه، وآخرها كانت أمام هوفنهايم، وفاز برباعية نظيفة.

وقد توقع «أدم بات»، محرر سكاي سبورت، هذه الخسائر قبل وقوعها. إذ بحث عن أكبر متوسط حضور جماهيري في أوروبا خلال موسم 2019/2020، ووجد أنه جمهور دورتموند في ملعبه بتعداد يزيد عن 80 ألف مناصر. سعى بعد ذلك لمعرفة تأثير هذا الحضور على نتائج الفريق، فاكتشف أن النسبة الأكبر من انتصارات الفريق بالمواسم السابقة (بين 56% وحتى 67%) تكون في ملعبه وسط هذه المساندة الجماهيرية.

الدوري الألماني، بروسيا دورتموند، بايرن ميونخ، يورجن كلوب.
نسبة فوز بروسيا دورتموند على ملعبه خلال السنوات الماضية. المصدر: موقع Skysports.

هنا تساءل أدم: كيف سيتعامل لاعبو بروسيا مع غياب هذا الدعم؟ وكيف سيؤدي لاعبو الخصوم في عدم وجود الجدار الأصفر الذي يخيف شفاينشتايجر؟ الإجابة كانت خسارة بروسيا لبطولة الدوري، ليصبح أول ضحايا غياب المشجعين بسبب جائحة كورونا، لكنه بالتأكيد ليس الضحية الوحيدة في ألمانيا.

تخيل أن أصحاب الملعب لم يتمكنوا من الفوز سوى 5 مرات فقط خلال أول 27 مباراة أقيمت بدون جماهير، لتنخفض نسبة فوز أصحاب الأرض في البوندسليجا من 43.3% قبل التوقف، أي بحضور الجمهور، إلى 16.7% فقط بعد العودة منه، أي في غياب الجمهور، ليبدو ذلك دليلًا دامغًا عن خسارة الفرق صاحبة الملعب لأي أفضلية في غياب المناصرين، بل تجرأ عليهم الضيوف بشكل استثنائي.

الدوري الألماني، بروسيا دورتموند، بايرن ميونخ، يورجن كلوب.
نسبة الفوز في البوندسليجا قبل توقف كورونا وبعده. المصدر: موقع Skysports.

هل تعرف تشرشل؟ سيقدم لك دليلًا

«ونستون تشرشل» هو قائد بريطانيا السابق، وهو الذي انتصر في الحرب العالمية الثانية. وقد قامت صحيفة The Conversation بحصر كل مباريات كرة القدم التي أقيمت بدون جمهور في أوروبا، وذلك منذ انتصر تشرشل وحتى توقف الدوريات بسبب تفشي كورونا، أي 75 عامًا كاملة. 

أحصت الصحيفة 191 مباراة، ثم اكتشفت أن الأندية صاحبة الأرض عانت خلالها جدًا، خصوصًا على صعيد تسجيل الأهداف، وهو ما أدى لهبوط نسبة الفوز بشكل ملحوظ من 46% إلى 36%. هذا دليل ثاني يشير لارتباط الحضور الجماهيري بفوز الفريق على ملعبه.

وإذا أردت دليلًا ثالثًا، فدعنا نأخذ جولة في نتائج البريميرليج. في الموسم السابق، وصلت نسبة فوز فرق الضيوف على أصحاب الملعب قبل التوقف إلى 30%، لكنها أخذت تزيد بعد استئناف البطولة حتى وصلت لنحو 40% بحلول يونيو/حزيران 2020، لكن هذا ليس كل شيء.

فمع أولى جولات هذا الموسم دون وجود مناصرين، لوحظ أن الفرق صاحبة الأرض تبدو متراجعة بصورة واضحة، وعاجزة عن ترويض هجوم الضيوف في أكثر من مناسبة. وحين عاد المحللون للبيانات، تفاجئوا أن نسبة فوز الضيوف تجاوزت 60% في أغسطس/آب الماضي كما يوضح هذا الرسم البياني. هل نحتاج دليلًا رابعًا؟ لا أظن.

الدوري الإنجليزي، ليفربول، مانشستر سيتي.
رسم بياني يوضح ارتفاع نسبة فوز الفريق الضيوف لما يزيد عن 60% في أغسطس الماضي. المصدر: موقع Skysports.

ماذا يعرف حسين الشحات ويوسف أوباما عن الوجود الجماهيري؟

إذا عكسنا كل ذلك على نتيجة مباراة الأهلي والوداد، والزمالك والرجاء، سنفهم كيف لعب عدم حضور الجمهور دورًا في انتصار الناديين المصريين. ﻷن ببساطة لاعبي الوداد والرجاء اعتادوا على وجود مساندة جماهيرية استثنائية كلما لعب أحدهما على ملعب محمد الخامس، وحين غابت هذه المساندة ظهر الثنائي المغربي بصورة باهتة.

الآن لنقلب الآية، لأن الأهلي والزمالك سيلعبان أمامهما في القاهرة بدون جمهور، فهل يغتنم رفاق «إسماعيل الحداد» و«محسن متولي» هذه الفرصة؟ لا يبدو ذلك، والسبب أن لاعبي الأهلي والزمالك لم يعتادوا على وجود جماهيري دائم في المدرجات خلال السنوات الفائتة، وقبل حتى انتشار فيروس كورونا.

لنأخذ مثالًا من الأهلي، ومثالًا من الزمالك. «حسين الشحات» ظهر على الساحة الكروية عام 2014، ولفت الانتباه رفقة نادي مصر المقاصة، ليخوض تجربة مع نادي العين الإماراتي، ويرجع لمصر بعد عام واحد. وخلال كل تلك السنوات، كانت المدرجات المصرية شبه خاوية بعد وقوع مذبحة بورسعيد عام 2012.

الأمر لا يختلف مع «يوسف أوباما»، هو أيضًا تم تصعيده للفريق الأول بنادي الزمالك عام 2014، وذهب في إعارتين داخل مصر، قبل أن يعود لنادي الزمالك مرة أخرى. بالطبع شارك بمباريات محلية وقارية في وجود جماهير الأبيض، لكنها لا تمثل أغلب، أو حتى نصف، مشاركاته مع ناديه.

طبعًا كان لذلك جانب سلبي كبير، ظهر جليًا مع صدمة لاعبي الأهلي والزمالك حين واجهوا في السابق أندية كبيرة على ملاعبها بحضور جماهيرها، فتعرض حينها الناديان لخسائر فادحة.

ولعلك تذكر خسارة الزمالك 5/0 من النجم الساحلي في سوسة، وخسارته أيضًا 5/2 من الوداد في الدار البيضاء، كما هزيمته من صن داونز 3/0 في بريتوريا، نفس الفريق الذي أذاق الأهلي أكبر هزيمة بتاريخه القاري 5/0 تحت تشجيع جمهور جنوب أفريقيا.