يشير مصطلح «لعنة الموارد»، المعروف أيضًا باسم «المرض الهولندي»، إلى فشل عديد من حكومات البلدان الغنية بالموارد الطبيعية في الاستفادة بشكل كامل من تلك الموارد، فتاريخيًا يؤدي اكتشاف الثروات إلى تركيزها في أيدي قلة واستبعاد الغالبية من أي منفعة، مما يسفر عن ارتفاع معدلات الصراع وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي.

كما وُجد أن اكتشافات الموارد الطبيعية تمثل في أغلب الأحيان تحديًا خاصًا في الدول الإفريقية، فلا تكاد توجد دولة غنية بالموارد في إفريقيا لم تشهد حروبًا على الموارد، فبدلًا من أن تكون القارة الإفريقية هي الأكثر تقدمًا نظرًا لكونها تمتلك ثلث الموارد الطبيعية في العالم، أصبحت هي الأكثر امتلاكًا لمعدلات الفقر والبطالة وعدم المساواة، فعلى الرغم من أن العديد من البلدان الإفريقية تنعم بالنفط والثروة المعدنية التي لديها القدرة على تحويل اقتصاداتها، لكن من الناحية التاريخية، كانت هذه الموارد -غالبًا- نقمة أكثر منها نعمة. [1]

ولعل أبرز مثال على لعنة الموارد هي أزمة النفط في دلتا النَّيجر، التي تعد واحدة من أطول الأزمات التي وقعت في القارة الإفريقيَّة. فمنذ اكتشاف النفط الخام في منطقة دلتا النيجر، عام 1908، التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من نيجيريا، أصبحت منطقة تلعب دورًا هامًا في التنمية الاقتصادية النيجيرية، حيث حلّ النفط محل الزراعة كمحرك للاقتصاد النيجيري، واحتل النفط مركزًا متقدمًا في الصادرات النيجيرية، حيث مثّل إنتاج النفط 95% من عائدات النقد الأجنبي. وعلى الرغم من أن نيجيريا تعد من أكبر مُصدِّري النفط في القارة الإفريقية، فإن اكتشاف النفط لم ينعكس بشكل إيجابي على مستوى معيشة السكان، بل على العكس أصبحت دلتا النيجر من أفقر المناطق على مستوى العالم. [2]

نشأة وتطور الصراع في دلتا النيجر

على الرَّغم من أنَّ أزمة دلتا النيجر قد تفجَّرت في مطلع التِّسعينيَّات، فإنَّ جذورها تعود إلى المرحلة الاستعماريَّة، حيث شكّلت الاستكشافات والمسوحات الجيولوجية للموارد المعدنية جزء لا يتجزأ من السياسة الاقتصادية الاستعمارية البريطانية، حيث أصدرت بريطانيا بين عامي 1906 و1907، عدة مبادئ توجيهية وقانونية يمكن بموجبها منح امتيازات لشركات التعدين. وقد بدأ التنقيب عن النفط منطقة دلتا النيجر عام 1908، وكان أول اكتشاف للنفط في نيجيريا عام 1956 في منطقة أولويبيري الواقعة في دلتا النيجر بعد حوالي نصف قرن من التنقيب على يد شركة «شل». [3]

وقد بدأت الصِّراعات الحالية في دلتا النَّيجر بسبب التوَّترُّ الَّذي نشب بين شركات النَّفط الأجنبيَّة وعدد من الجماعات التي تسكن المنطقة، الذين شعروا بأنه يتمُّ استغلالهم واستغلال ثروات أرضيهم دون الحصول على عائد تنمويّ. وقد بدأت الأزمة ببعض الاضطرابات السِّياسيَّة ثم أخذت شكل النّزاع المسلح مع الدولة، واستمرت الأزمة دون حلّ منذ التسِّعينيَّات.

وعلى الرَّغم من تحوُّل نِظام الحكم في نيجيريا من الحكم العسكري إلى الحكم المدنيِّ عام 1999، وذلك عندما تمَّ انتخاب الجنرال «أولوسيجون أوباسانجو» رئيسا للبلاد، إذ تم منح ما نسبته 13% لسكان مناطق إنتاج النفط الذين تضرروا بسبب مصادرة أراضيهم، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لإصلاح كم التهميش الذي تعرضت له منطقة دلتا النيجر خلال سنوات طوال من الإهمال.

وقد أدّى سلوك الشركات والحكومة إلى عدم العدل التوزيعي، والتناقض بين فقر المنطقة وتخلفها من جهة، وتوليد الثروات الضخمة من أراضيها من جهة أخرى، مما تسبّب في تنامي مشاعر السخط والكراهية بين سكان دلتا النيجر نحو الحكومة والشركات الأجنبية، كما أسفر قمع الحركات السلمية واستخدام العنف المسلح في مواجهتها إلى وجود صدامات من جانب المحتجين، بخاصة الشباب. ثم تطوّر الأمر إلى نشوء الحركات والتنظيمات المسلحة التي تتبنى العنف المسلح. وأدت أعمال العنف إلى انخفاض معدل إنتاج النفط، كما تدهور الوضع الأمني للدرجة التي جعلت بعض شركات النفط تفكر في الرحيل.

وترتكز الصراعات حول تقاسم عائدات النفط وفشل الحكومة النيجيرية في اتخاذ تدابير مناسبة للتخفيف من الأضرار البيئية، كما إن تبني الحكومة للخيار العسكري واللجوء الدائم إلى العنف أدى إلى تنامي المزيد من العنف، حيث أدى تجاهل الحكومة النيجيرية لمطالب سكان دلتا النيجر بصرف تعويضات عن الأضرار البيئية الناجمة عن التسرب النفطي، إلى تفاقم مشاعر الكره نحو الحكومة النيجيرية، ولم تستطع الحكومة النيجيرية السيطرة على الأوضاع الأمنية المتردية، مما أدى إلى سيطرة الميليشيات المسلحة على دلتا النيجر.

كما أن استخدام الحلول العسكرية والسياسات القمعية من قِبل الحكومة النيجيرية أدى إلى حالة من العنف والعنف المضاد، وقد أسفر الصراع عن نشوء عدد من الحركات المسلحة ولعل من أبرزها:

1. حركة تحرير دلتا النيجر:

تعد حركة تحرير دلتا النيجر التي ظهرت للعلن عام 2005 إحدى أكبر الجماعات المسلحة من السكان الأصليين في منطقة دلتا النيجر، حيث تقوم الحركة بمقاومة مسلحة ضد الاستغلال والاضطهاد الواقع على شعب دلتا النيجر، ضد شراكات القطاعين العام والخاص والحكومة الاتحادية النيجيرية والشركات العاملة في إنتاج النفط في دلتا النيجر، كما استهدفت الحركة مصافي النفط وخطوط الأنابيب.

وقد تبنّت الحركة اختطاف موظفي شركات النفط وأخذهم كرهائن، وتتمثل أهداف الحركة في السيطرة على نفط نيجيريا وتأمين تعويضات من الحكومة الفيدرالية للتلوث الناجم عن صناعة النفط، والحصول على المزيد من عوائد إنتاج النفط حتى يتم استثمارها في الطرق والمدارس والمستشفيات والمياه النقية وإمدادات الطاقة.

2. حركة «منتقمون دلتا النيجر»:

تعد حركة «منتقمون دلتا النيجر» من الجماعات المسلحة التي أعلنت عن وجودها عام 2016 عبر شن هجمات على المرافق المنتجة للنفط في دلتا النيجر، مما تسبّب في إغلاق محطات النفط وهبوط إنتاج البترول في نيجيريا إلى أدنى مستوى له خلال عشرين عامًا، وقد ادّعت الحركة أنها تتكون من الشباب المتعلمين والمثقفين، وأن كل ما تطلبه الحركة مطالب شرعية يسعى شعب دلتا النيجر إلى تحقيقها، ولكن الحكومات المتعاقبة لم تلب المطالب المتمثلة في توفير مياه الشرب النقية وتوفير الكهرباء.

كما تُطالب الحركة المجتمع الدولي بالتحدث في ما يحدث من انتهاكات لحقوق سكان دلتا النيجر من قبل الحكومة النيجيرية وشركات النفط متعددة الجنسيات، وتحاول حركة «منتقمون دلتا النيجر» لفت أنظار العالم إلى حقيقة ما يحدث في دلتا النيجر، موضحين أنهم يقاتلون من أجل حرية الشعوب «التي تم تجاهلها» من قبل الحكومة النيجيرية.

الأسباب التي أدت لتفاقم الصراع في دلتا النيجر

هناك عديد من الأسباب وراء الصراع الدامي في إقليم دلتا النيجر الذي يقطنه ما يقرب من ثلاثين مليون شخص، وتتمحور هذه الأسباب في الآتي:

1. أسباب سياسية واجتماعية:

اتجهت الحكومة النيجيرية إلى تبني الخيار العسكري واللجوء الدائم إلى القوة والقمع لمواجهة العنف في المنطقة، مما زاد الأوضاع تعقيدًا، سواء في ظل الحكومات العسكرية أو في ظل الحكم المدني، حيث رأت هذه الحكومات أن مطالب جماعات وتنظيمات دلتا النيجر استفزازية وتتجاوز الحدود، بل إجرامية أحيانًا.

كما أن استجابة الحكومة العنيفة غذّت المزيد من العداء في منطقة دلتا النيجر، حيث تنتهج الحكومة النيجيرية السياسة القمعية، وذلك للحفاظ على علاقاتها القوية مع الشركات النفطية الأجنبية التي قوّضت تدريجيًا وضع الشركات النيجيرية.

وقد أدى استخدام الحلول العسكرية والسياسات القمعية من قِبل الحكومة النيجيرية إلى حالة من العنف والعنف المضاد، كما تسبّب سوء توزيع العائدات النفطية في آثار اجتماعية سلبية على المجتمع النيجيري، فقد ازدادت حدة الصراع الطبقي، كما شهد المجتمع النيجيري شرائح اجتماعية مترفة أصبح لها ثقافتها الخاصة وأساليب معيشتها التي تتناسب مع دخولها المرتفعة، ونجم عن ذلك مظاهر لا تخطئها العين في أماكن السكن ووسائل المواصلات. هذه الفوارق الطبقية تسبّبت في مشاعر من الحنق لدى السواد الأعظم من المواطنين.

2. أسباب اقتصادية وبيئية:

تعتبر منطقة دلتا النيجر أفقر المناطق في العالم، إذ يعيش الفرد بأقل من واحد دولار يوميًا، مع ارتفاع معدلات البطالة والأمية والتهميش السياسي، حيث أدى عدم العدل التوزيعي والتناقض بين فقر المنطقة وتخلفها من جهة، وتوليد الثروات الضخمة من أراضيها من جهة أخرى، إلى تنامي مشاعر السخط والكراهية بين سكان الدلتا نحو الحكومة والشركات الأجنبية.

وعلى الرغم من الثروة الهائلة التي يوّلدها النفط، فإن الفوائد كانت بطيئة في الوصول إلى غالبية السكان الذين تخلوا تدريجيًا عن ممارساتهم الزراعية التقليدية، حيث انخفض الإنتاج السنوي للمحاصيل النقدية والغذائية بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة من القرن العشرين، وقد أدى الاعتماد الكلي على قطاع النفط المتوفر بكثافة إلى إهمال الزراعة وزيادة الهجرة من الريف إلى الحضر، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدل البطالة والتضخم.

كما عانى سكان الدلتا من مشكلة تسرب النفط على الأراضي الزراعية وتدميرها وتلوث مصادر المياه، كما كان تراخي الحكومة في تعويض السكان عن الأضرار البيئية الناجمة عن التسرب النفطي سببًا يدفعهم للتمرد، الذي تطور في ما بعد لتبدأ موجة من المطالبات بالحكم الذاتي للسيطرة على موارد المنطقة.

خاتمة

إن وجود الموارد في حد ذاتها لا يؤدي إلى الصراعات، ولكن طريقة استغلاله وتوزيعه بين أصحاب المصالح هو أهم أسباب الصراع، ومن هنا يمكن فهم العلاقة بين الموارد الطبيعية في القارة الإفريقية والصراعات العنيفة حول الموارد الطبيعية، حيث يمثل عدم التوزيع العادل للثروة والسلطة وسياسات القمع ضد السكان وتدخل الشركات متعددة الجنسية -التي لا تضع أي اعتبار للسكان المحليين وتهتم فقط بنهب الثروات والتعامل مع النخبة الفاسدة- سببًا رئيسيًا لاستدامة الصراعات حول الموارد. [4]

المراجع
  1. رشا رمزي، الصراع السياسي حول النفط في دلتا النيجر، رسالة ماجستير (القاهرة: جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الافريقية، 2013).
  2. المرجع السابق.
  3. صبحي قنصوة، النفط والسياسة في دلتا النيجر صراع لا ينتهي، قراءات إفريقية (لندن، المنتدى الاسلامي: العدد 11، 2012).
  4. أميرة عبد الحليم، الغرب الإفريقي: نيجيريا بين الداخل الديني والخارج النفطي، السياسة الدولية (القاهرة: مؤسسة الأهرام، العدد 188، 2012).

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.