بعد مرور خمسة أيام على بدء الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت في إيران بعد قرار الحكومة في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني رفع أسعار البنزين ثلاثة أضعاف، أعلن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي النصر على ما وصفها بـ «مخططات الأعداء تجاه إيران».

قال خامنئي في خطاب له: «دع جميع الأصدقاء والأعداء يعرفون أننا نجحنا في صدنا للعدو في الحرب الأمنية الأخيرة»، قاصدًا المظاهرات التي شملت أغلب المدن الإيرانية. وبنفس نبرة النصر، صرح الرئيس الإيرانى حسن روحاني بأن القوات الأمنية استطاعت السيطرة على من أطلق عليهم جنود العدو، الذين عملوا ضد الأمن القومي الإيراني.

في الوقت الذي أعلنت القوات الأمنية السيطرة تمامًا على الاحتجاجات المناهضة للحكومة، كانت السلطات الإيرانية ما تزال تحجب خدمة الإنترنت عن الشعب الإيراني، فترى ما الذي حصل في تلك الفترة؟ وما أبرز ما تكشفت عنه الأيام الأخيرة من الاحتجاجات؟

1. من كان وراء قطع الإنترنت؟

بعد يوم واحد من بدء الاحتجاجات، ونشر المقاطع المصورة على وسائل التواصل الإيراني التي أظهرت تعامل القوات الأمنية بعنف شديد مع المتظاهرين، قررت السلطات الإيرانية حجب البلاد بالكامل عن الاتصال بشبكة الإنترنت، وهو ما جعل الكثيرين خارج إيران غير قادرين على الوصول إلى أي معلومات بشأن الاحتجاجات، لكن في 21 نوفمبر (بعد خمسة أيام من الحجب)، قررت الحكومة الإيرانية عودة خدمة الإنترنت.

أفادت عدة وسائل إعلامية محلية، أن الحكومة قررت عودة الاتصال بالإنترنت لكن بشكل تدريجى، مع استمرار انقطاع الخدمة تمامًا عن الهواتف المحمولة.

بعد عودة الإنترنت بسويعات قليلة، انتشر خبر مفاده أن وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإيراني محمد جواد عذارى جهرمى، لم يكن على علم بقرار حجب الإنترنت من الأساس، وأن القرار أتى من المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يترأسه الرئيس حسن روحاني.

قبل أن يتم اتخاذ القرار من قبل المجلس الأعلى للأمن القومي، اجتمع مجلس أمن الدولة الذي يترأسه وزير الداخلية، لمناقشة الأحداث الأخيرة، وخلص المجلس إلى أن انتشار الأخبار والمقاطع المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي سيزيد الأمور سوءًا، ومن هنا جاء قرار حجب الإنترنت.

نشرت وسائل إعلام محلية أن حجب الحكومة للإنترنت كبّد الدولة خسائر مالية كبيرة، تُقدر بحوالي 800 مليون دولار. تضررت التجارة الدولية الإيرانية بشكل كبير بسبب قطع الاتصال بالإنترنت، فهناك حوالي 200 ألف شركة تجارية إيرانية لم تستطع تتبع الشحنات الخاصة بها، أو إيداع الأموال اللازمة لتلك الشحنات في حسابات البنوك الأوروبية التي تتعامل معها. وبجانب الشركات التجارية، هناك أيضًا القطاع الطبي الذي لم يستطع استكمال عمليات شراء الأدوية من الخارج.

2. كيف تعاملت الدولة مع المتظاهرين؟

بالعودة الجزئية لخدمة الإنترنت، بدأت الأمور تتكشف شيئًا فشيئًا عما دار في أسبوع الاحتجاجات. انتشر عدد من المقاطع المصورة تُظهر كيف تعاملت قوات الأمن الإيرانية بعنف مع المتظاهرين، وظهرت لقطات لقوات الباسيج، تلك القوات المدنية شبه العسكرية التي تأسست في وقت مبكر من الثورة الإيرانية عام 1979 مهمتها الأساسية قمع الاحتجاجات، وهي تسحل وتعتقل العديد من المتظاهرين، وفي لقطات أخرى تطلق النيران الحية من مسافة قريبة عليهم.

وبينما تقول منظمة العفو الدولية إن 100 شخص قد قتلوا في تلك الاحتجاجات، تقول مصادر صحفية داخل إيران إن عدد القتلى وصل إلى 136 شخصًا، واعتقل حوالي أربعة آلاف آخرون.

شهدت تلك الموجة الجديدة من الاحتجاجات الإيرانية العديد من المظاهر التي لم يسبق لها مثيل في كل الموجات السابقة من عام 1992 إلى عام 2018، حيث أقدم المتظاهرون على إشعال النيران في حوالي 100 بنك حكومي، بجانب عدد من المعاهد والمدارس الدينية.

في نفس الوقت، أعلن عدد من المسؤولين الإيرانيين عن عمليات نهب واسعة النطاق لعدد من سلاسل المتاجر في جميع المدن التي شهدت خروج الاحتجاجات، ما جعلهم يصفون المتظاهرين بـ «مثيري الشغب، والبلطجية المستأجرين».

3. هل هي ثورة جياع؟

وصف أحد قادة قوات الباسيج الجنرال سالار ابنوش، الاحتجاجات في إيران بأنها كانت بمثابة «حرب شاملة» ضد الجمهورية الإسلامية، استمرت لمدة 48 ساعة.

بالنظر إلى الأماكن التي خرجت منها الشرارة الأولى للاحتجاجات، نجد أن أغلبها كانت في الأحياء الفقيرة للغاية، بالرغم من أن الحكومة كانت قد بررت قرارها برفع أسعار البنزين بأنه في مصلحة 60 مليون إيراني فقير، لأنهم سيحصلون على إعانات مالية جراء هذا القرار، لكن يبدو أن هؤلاء الفقراء لا يملكون الثقة في الحكومة، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تمر بها البلاد، والتي تُرجعها الحكومة إلى العقوبات الاقتصادية الأمريكية، في حين يرى العديد من الإيرانيين أن ثمة أسبابًا أخرى لتلك الأزمة، كالفساد المالي والإداري المنتشر في أرجاء الإدارة الإيرانية.

في احتجاجات عام 2009 أو ما يطلق عليها اسم الحركة الخضراء، التي خرجت احتجاجًا على إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، كانت الطبقة الوسطى التي حظيت بتعليم جيد، بجانب المثقفين والحركات المدنية المختلفة، الذين كانوا هم أبطال تلك الاحتجاجات.

في الاحتجاجات الأخيرة غاب هؤلاء الأبطال السابقون عن المشهد، الذي تصدر أغلبه الفقراء الذين يعيشون على الإعانات الحكومية القليلة. تلك الأسر الفقيرة تعلم أن أي زيادة في أسعار البنزين تعني بالضرورة زيادة في أسعار باقي السلع الغذائية والأساسية، والتي بالكاد يقدرون على تدبيرها في ظل اقتصاد على حافة الانهيار، ومعدل تضخم يصل إلى 40 في المئة، وانهيار للعملة المحلية بمعدلات لم يسبق لها مثيل في تاريخ إيران الحديث.

هناك العديد من المسؤولين في الإدارة الإيرانية يعلمون أن غضب الناس الأخير من زيادة أسعار البنزين، ما هو إلا قشة في مقابل الغضب المتراكم لدى الشعب منذ سنوات. نشرت جريدة عصر ايران المعتدلة مقالًا ينحاز لغضب الجماهير قليلًا، ومما قيل في ثنايا التقرير: «إن الناس يحتجون على الفساد والتمييز السياسي والاقتصادي، والبطالة، وعدم استقرار القوانين، وارتفاع الأسعار الدائم».

4. هل نحن أمام جيل جديد من الاحتجاجات الشعبية في إيران؟

فتحت الاحتجاجات، لا سيما بعد مشاهد إحراق ونهب عدد من المتظاهرين المتاجر والبنوك، النقاش حول ظاهرة جديدة من نوعها للاحتجاج في إيران. يجادل البعض داخل إيران، أن البلاد أمام حركة احتجاجية جديدة لم تشهدها من قبل، حركة عفوية، بلا قيادة سياسية معروفة، يتم من خلالها تهميش دور النخب والمثقفين، وتتسم بالعنف والتخريب نتيجة الغضب المتزايد.

اتسمت الموجات الاحتجاجية السابقة بأن لها هدفًا واضحًا. على سبيل المثال، كان هدف احتجاجات عام 2009 المزيد من الإصلاح السياسي، وفي مظاهرات ديسمبر 2017 ويناير 2018، كانت المطالب الأبرز للمحتجين، إصلاح اقتصادي والقضاء على الفساد المالي.

أما تلك المرة، بدأت الاحتجاجات بمطالب اقتصادية وسخط على الوضع الاقتصادي الراهن، سرعان ما امتدت إلى أعمال حرق ونهب، مطالبةً بالتخلص من القيادة السياسية العليا المتمثلة في المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي.

وهذا ما يفسر محاولات القوات الأمنية قمع تلك الاحتجاجات بمستويات غير مسبوقة من العنف، حيث أدركت المؤسسة السياسية الإيرانية أنها أمام غضب كبير، يزيده اشتعالًا الاحتجاجات في العراق ولبنان، تلك التي ندد فيها المتظاهرون بدور إيران السلبي في بلادهم.

أعلنت الشرطة الإيرانية أنه قُتل حوالي 10 أفراد من قوات الأمن جراء الاشتباكات مع المتظاهرين، وهذا ما يجعل البعض داخل وخارج إيران يخشى من لجوء المتظاهرين فيما بعد لحمل السلاح كنتيجة لتجاهل الحكومة مظالمهم.

يقول روح الله قاسمي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة طهران: «استمرار إهمال المؤسسة الحاكمة لمطالب الناس على مر السنوات، وفي ظل المعاناة الكبيرة التي تعيشها قطاعات واسعة من الإيرانيين، فإن الخوف من استخدام العنف وحمل السلاح أمر ليس بالبعيد».

5. هل انتهت الاحتجاجات الإيرانية بالفعل؟

قضت هذه الحملة العنيفة من قبل الدولة على المتظاهرين على أي مساعٍ لمواصلة الحراك، لخوف طيف واسع من الإيرانيين والمحتجين من الفوضى وانعدام الأمن في البلاد، ذلك أن الدولة تصر على وصف المتظاهرين بالإرهابيين، وهو ما يستوجب العقاب بالقتل والتصفية.

نستطيع الادعاء اليوم بأن الاحتجاجات قد تلاشت، لكن في الوقت نفسه من المتوقع أن تعود مرة أخرى، لا سيما وأنه من المقرر أن تضع الحكومة الإيرانية الموازنة الجديدة خلال أسابيع قليلة، تلك الموازنة التي من المقرر لها أن تتخلى تمامًا عن عائدات النفط، ما قد ينذر بمزيد من خطط التقشف، وزيادة الضرائب، واتجاه الحكومة لخصخصة الكيانات الحكومية، وجميعها أمور تؤجج غضب الجماهير أكثر فأكثر.