فجَّر مقتل صحفية الجزيرة «شيرين أبو عاقلة» الغضب حول العالم بأسره، بسبب سقوطها في مخيم جنين بعد استهدافها ومجموعة من الصحفيين من قِبل جيش الاحتلال أثناء استعداداها لتغطية اقتحام قوات الاحتلال المخيم.

شيرين التي تحظى بشُهرة عالمية كان طبيعيًّا أن تتصدَّر صورتها وسائل الإعلام العالمية فور شيوع خبر وفاتها، ولكن ماذا عن الصحافة الإسرائيلية، كيف تعاملت مع هذه الأزمة؟ وكيف رصدت خبر استشهاد شيرين.

تايمز أوف إسرائيل: إسرائيل قد تنهار

قدَّم الموقع تغطية خبرية «غير مكثفة» لجنازة شيرين أبو عاقلة، تحدَّث فيها على استحياء عن وقوع اشتباكات بين الشرطة والمُشيعين.

ووفقًا للموقع، فإنه طوال مسيرة الجنازة في طريقها إلى المقبرة الكاثوليكية التي تقع في جبل صهيون، انفجر آلاف الفلسطينيين بالتصفيق، واستمروا في إلقاء الزهور فوق نعشها، علاوة على قرع الطبول والاستعانة بالمزامير.

كما نقل عن مصادر بالشرطة الإسرائيلية أنهم اشتبكوا مع المُشيعين «مضطرين» بسبب إلقاء الفلسطينيين الحجارة على رجال الشرطة وترديد هتافات قومية ضد إسرائيل، وهو ما أجبر جنوده على التعامل معهم وتفريقهم بالقوة لاستكمال الجنازة!

وقدَّر الموقع -في إطار تغطيته- أن حضور الجنازة لم يقل عن 10 آلاف فرد، بحسب الأرقام التقريبية، وأن الشرطة فشلت في منعهم رغم تمزيقهم للأعلام الإسرائيلية.

واعتبر قائد الشرطة في حديثه أنهم اضطروا لضرب المُشيعين لضمان عدم إفسادهم للمراسم.

أتت هذه الخطوة بعد ساعاتٍ من استدعاء الشرطة الإسرائيلية لأنطون أبو عاقلة -شقيق شيرين- لتحذيره من أنها ستفرق الجنازة بالقوة لو تحوَّلت إلى مظاهرة منددة بإسرائيل!

وبحسب التقرير، فإن عضوي الكنيست العربيين أحمد الطيبي وأسامة السعدي رافقا أنطون إلى تلك المقابلة.

واستعرض الموقع النتائج الأولية التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، بأن التحقيقات باتت تقتصر على سيناريوهين لتخيُّل كيفية مقتل شيرين، أحدهما أن تكون ضحية لإطلاق نار فلسطيني عشوائي، والآخر هو أن يكون القاتل قنَّاص إسرائيلي.

الاحتمال الثاني تضمَّن تحديد مجنَّد بعينه -لم يُذكر اسمه طبعًا- استخدم مسدسًا لإطلاق النار على الفلسطينيين عبر شق في السيارة المدرعة، ربما يكون هذا الجندي هو المتهم الأول في القضية حتى هذه الساعة، خاصة أن شيرين كانت على بُعد 200 متر فقط من السيارة المدرعة.

ووفقًا لتحليل كاري كيلر لين (CARRIE KELLER-LYNN) المُراسلة السياسية لـ«تايمز أوف إسرائيل»، فإن التداعيات السياسية لهذه الجريمة قد تكون وخيمة بعدما زادت الضغوط إلى حدها الأقصى على عاتق منصور عباس رئيس «القائمة العربية الموحدة» التي تشكِّل دعامة رئيسية لحكومة نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي.

حالة الاستياء التي عمَّت أعضاء القائمة العربية فوق مقتل أبو عاقلة دفعتها لإرجاء عقد مؤتمرها الصحفي المنتظر، ومن الوارد جدًّا أن تخرج بتجميد مشاركتها في الحكومة، وهو ما قد يؤدي لانهيار الائتلاف الحاكم بأسره. خاصة أنها تأتي في ظل معاناة بينيت من انشقاقات كُبرى هزَّت حكومته بالفعل هذه الأيام، عقب استقالة شيمريت منير كبيرة مستشاريه السياسيين.

جورزاليم بوست: إسرائيل تخسر «حرب الروايات»

في تغطيتها للجنازة، أكدت الصحيفة العبرية أن الشرطة الإسرائيلية حاولت مصادرة الأعلام الفلسطينية التي رفعها المشيعون خلال الجنازة التي خرجت من كنيسة مقدسية، وهو ما أدى لاشتباكات بين الطرفين أسفرت عن اعتقال 6 فلسطينيين.

ومن جانبها كتبت ليات كولينز الصحفية الإسرائيلية المتخصصة في الشأن العربي، والتي خدمت سابقًا كمقاتلة في الجيش الإسرائيلي، أعربت فيها عن حزنها الشديد من وفاة شيرين، معتبرة أن الاستغلال السياسي لتلك الجريمة يأتي ضمن الحملة الممنهجة لاستهداف دولة إسرائيل، قائلة إنه من الصعب اتهام إسرائيل بقتل صحفية الجزيرة قبل انتهاء التحقيقات الرسمية.

كما أعربت الصحيفة عن قناعتها بأن إسرائيل تعيش مأزقًا كبيرًا بشأن هذه الأزمة، فإذا رفضت إجراء تحقيق دولي فيها فسيُنظر لها على أنها تتستر على المجرم، وإذا وافقت فإن تلك الخطوة قد تفتح الباب أمام المزيد من التدخُّل في الشأن الإسرائيلي ويعيق جهود «التصدي للفلسطينيين».

وفي تقريرٍ تحليلي طويل اعتبرت «جورزاليم بوست» أن إسرائيل عادةً ما تخسر هذا النوع من المعارك الإعلامية، مستشهدة بآراء عددٍ من العسكريين الإسرائيليين الذين أكدوا أن الإعلام العربي يبرع في تصدير الروايات السلبية عن إسرائيل.

تأتي هذه الهزيمة الجديدة بعد زمنٍ قصير من الهزيمة الساحقة التي مُنيت بها إسرائيل في أحداث الشيخ جراح، وكيف أجبرها الصخب العالمي على إرجاء قرارها بتهجير السكان العرب من ذلك الحي المُتنازع عليه في القدس.

وسعت حكومة بينيت منذ بدايتها لمحاولة تحسين قُدرة إسرائيل على إدارة ماكينتها الدعائية، وذلك عبر تدشين ما عُرف بـ “مديرية الدبلوماسية العامة”، والتي ستسعى لتقديم ردود سريعة على الروايات الفلسطينية في مثل هذه المواقف.

دور هذه المديرية ظهر منذ اللحظات الأولى لاستشهاد شيرين أبو عاقلة بعدما سعت فورًا لترويج نظرية عدم حتمية إدانة العسكريين الإسرائيليين، وأن على الجميع انتظار نتائج التحقيقات أولًا.

ووفقًا لأحد المحللين العسكريين الإسرائيليين، فإن إسرائيل رغم كل هذا دائمًا ما تخسر «حرب الروايات»، منتقدًا تعامل المتحدثين الرسميين باسم الجيش الإسرائيلي ورئيس الوزراء مع الأزمة فور اندلاعها.

الجمينير: محمود عباس هو السبب

تبنى ذلك الموقع موقفًا متطرفًا ضد الفلسطينيين كعادته، بعدما فند الأوضاع الأمنية الهشة التي سادت أزقة جنين جراء الاشتباكات بين المجندين الإسرائيليين والمسلحين الفلسطينيين.

ونشرت مقالًا كتبه يوشاي جيسكي مقدم سابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، انتقد فيها موقف رشيدة طليب عضو الكونجرس الأمريكي ذات الأصل الفلسطيني، والتي تتخذ موقفًا معاديًا من إسرائيل، وتبنت فورًا السردية الفلسطينية.

كما انتقد قناة الجزيرة معتبرًا إياها «بوقًا للإسلاميين»، وبالذات حركة حماس، وهو ما يجعلها وسيلة إعلامية متهمة بدعم «الإرهابيين»، وهو ما دفع إسرائيل يومًا للتفكير في حظر أنشطتها على أراضيها.

وفي مقال آخر كتبه إيتامار ماركوس الباحث الإسرائيلي المختص بالشأن الفلسطيني، قال إن محمود عباس والسلطة الفلسطينية تتحمَّل جانبًا كبيرًا من الذنب في مقتل صحفية الجزيرة.

وأكد إيتمار أن محمود عباس هو الذي حرَّض «إرهابيي جنين» على بدء القتال مع الجيش الإسرائيلي، وبالتالي فإن وقوع أي خسائر في صفوف المدنيين لا تتحملها إسرائيل وحدها، وإنما يتحملها الفلسطينيون أيضًا.