نحن نعلم أنه كان إسبوعًا مزدحمًا. بدأ كل شيء مع اللحظة التي أطلق فيها «مجدى أفشة» تسديدته، ليتدفق بعدها عدد لا نهائي من المنشورات، الفيديوهات، وطبعًا الكوميكس. وصل الأمر بأحدهم أن نشر مقطعًا على يوتيوب بعنوان: «هدف أفشة بصوت أم كلثوم»، قبل أن يزايد عليه آخر ويقرر الاستعانة بصوت شيخ المداحين «ياسين التهامى». 

بعد كل ذلك الزخم، ربما لا تذكر كل ما رافق قرار تعيين مدرب الأهلي «بيتسو موسيماني» من ردود فعل، لكن يظل أبرزها ذلك الهجوم الذي شنّه كابتن «مجدي عبد الغني»، رافضًا فكرة الاستعانة بمدرب من جنوب أفريقيا، ومراهنًا على فشله. وإن كنت لا تذكره، فعليك مشاهدة هذا الفيديو.   

هل انتهيت من مشاهدة الفيديو؟ الحقيقة أن ما قاله كابتن مجدي ينبع من صورة نمطية غير صحيحة عن كرة القدم في أفريقيا السمراء. صورة تضع كل الأفارقة في سلة واحدة، فتساوي مستوى كرة القدم في جنوب أفريقيا والكونغو، بنظيره في مالاوي وتنزانيا، ثم تحكم عليهم جميعًا بالتخلف، لكن موسيماني تحديدًا أثبت أكثر من مرة زيف هذا التصور، وخطأ رهان عبد الغني.

شاهد على الصفر

مشكلة الصورة النمطية أنها تهمل عدّة أمور، وفي حالتنا فأهم ما تهمله هو المشروعات الكبيرة التي انطلقت داخل القارة، وحققت نجاحًا ملموسًا في رفع كفاءة كرة القدم. المدهش هو أن عبد الغني كان شاهدًا على أحد أكبر هذه المشروعات، وكان عليه إدراك أن جنوب أفريقيا تتقدم خطوات كبيرة للأمام. 

كان ذلك في مايو/آيار 2004، حين فازت بحق استضافة مونديال 2010. بعدما حصدت 14 صوتًا من أصل 24 هم إجمالي عدد المصوتين باللجنة التنفيذية في فيفا، لتتغلب بذلك على مصر والمغرب. المصيبة ليست في خسارة مشروع مصر، ولكن في أنه حل بعد المغرب، ولم ينل أي صوت. 

والحقيقة أن اللجنة المنظمة للبطولة بجنوب أفريقيا تفوقت على نفسها، فبعدما توقع البعض فشلهم في تنظيم حدث رياضي بهذا الحجم، نجحت بوقت قياسي في تجهيز 10 ملاعب على أعلى مستوى، ثم قامت بتأمين الميادين العامة لاستقبال الجماهير، وكذلك حل مشكلات وسائل المواصلات والتنقل.

وقد كان لذلك تأثير كبير، إذ سجلت وزارة السياحة دخول 300 ألف سائح للبلد، وبيع ما يزيد عن 3 مليون تذكرة، وبذلك أصبح ثالث مونديال من حيث الكثافة بالتاريخ. الأهم هو إعجاب «جيروم فالكي»، سكرتير فيفا، بالحدث. لدرجة اعترافه بالتفكير في جنوب أفريقيا كوجهة بديلة لاستضافة أي مونديال قادم، بعدما كانوا يبحثون عن بديل لها قبل انطلاق البطولة! 

الآن لنعد لكابتن مجدي، هل تعرف أين كان في ذلك الوقت؟! كان يعد نفسه لخوض انتخابات اتحاد الكرة عام 2005. نحن نعرف أنه فاز، لكننا لا نعرف هل سعى لاستخلاص الدروس من هذه التجربة، وأدرك أن الاتحاد المصري السابق أخفق أمام نظيره بجنوب أفريقيا. لأن أول هذه الدروس هو فهم أن أفريقيا لم تعد صغيرة في عالم كرة القدم كما تحدث عنها بالفيديو.

أكثر من مجرد هزيمة أمام موسيماني

في نفس الفيديو، تساءل عبد الغني مستنكرًا: «هل تولى موسيماني تدريب منتخب جنوب أفريقيا؟» وإجابة هذا السؤال هي: «نعم». أما المفارقة، التي لم يتوقعها، هي أن بيتسو قاد البافانا بافانا للفوز على الفراعنة عام 2011، لينهي حظوظ بطل القارة في التأهل لبطولته المفضلة، وكان حينها البلدوزر عضوًا باتحاد الكرة! 

والحقيقة أن الفوز بمباراة واحدة لا يثبت للمدرب أي شيء، لذلك لا يمكن الجزم بكفاءة موسيماني لأنه فقط فاز على منتخبنا، لكن يمكننا العودة إلى تاريخه، واستنتاج هل حقق الفوز بالمصادفة، أم أنها نتيجة لسنوات طويلة من العمل ومراكمة الخبرة.  

والمتأمل في مسيرة بيتسو سيجد أمرين؛ الأول هي أنها مسيرة ثرية للغاية، والثاني هو أنه شخص شغوف جدًا بالكرة. لأنه ببساطة خاض أولى تجاربه التدريبية وهو في سن ال33، حين كان لاعبًا في صن داونز، وطلب منه المدرب الروماني «تيد دوميترو» تولي الفريق الرديف. 

لم يكن هناك دوري للرديف، ولا مرتبات منتظمة، ولا حتى شاحنة تقل اللاعبين. ورغم ذلك تمسك بيتسو بالفرصة، وأقنع اللاعبين بتحمل تلك الصعاب، مع الاستعانة بأفكار دوميترو التكتيكية، واختبارها تحت التطبيق العملي خلال المباريات البسيطة التي خاضها، وقد أكسبته هذه التجربة سمعة لا بأس بها.

ولذلك أتته فرصة العمل بنادي سوبرستار، حيث شرع المسؤولون في إعادة هيكلة أكاديمية الكرة، ووجدوا في بيتسو إضافة جيدة. لم يخيب الوافد ظنهم، لدرجة أنهم رشحوه للسفر لهولندا، بعدما شكلوا شراكة مع نادي فاينورد صاحب الخبرات الضخمة في إعداد ورعاية الناشئين، ولن تصدق ماذا فعل موسيماني. 

حيث وصل هولندا قبل ميعاد سفره بشهر كامل. والسبب أنه لم يكتف بهذه الفرصة الذهبية، إنما حرص على اصطياد فرصة أخرى. فقام بالتواصل مع نادي هيرنفين، وحصل على معايشة لشهر كامل. عاد اختياره لذلك النادي للمدرب «فوب دي هان»، أحد أبرز مدربي المدرسة الهولندية. 

كان فوب مولعًا بالتفاصيل التكتيكية، وتحركه طاقة وحماس كبيران، لكن موسيماني كان أكثر حماسًا للتعلم، وتسجيل الملاحظات، وسؤاله مئات الأسئلة عن الوحدات التدريبية، أسلوب اللعب، تعديل مراكز اللاعبين. لدرجة أنه كان يصيب فوب بالتعب، فيحيله للمساعدين الذين يواصلون الإجابة.

الأفريقي المختلف مع فان بيرسي

الملفت أنه حين جاء موعده مع فاينورد، لم يفتر حماس بيتسو، وأخذ يتحرك بنفس القوة. كان عمله بأكاديمية الفريق، لكنه لم يكن ليفوت فرصة للتعلم من المدرب الشهير: «بيرت فان مارفيك». فكان يصحو مبكرًا ليشاهد تدريبات الفريق الأول، ويسجل ما يلفت انتباهه، ثم يدخل للأكاديمية ليقضي يومه داخلها. 

تعرّف موسيماني على آلية عمل مدرسة الكرة، وفهم كيف يمكن تعميم أسلوب اللعب على مختلف الفئات السنية، ولاحظ اهتمام المدربين بالجوانب النفسية والشخصية في اللاعب لأنها ستؤثر على أدائه داخل الملعب. طبعًا كان جدول يومه متكدسًا ومرهقًا، لكنه أحبه للغاية ﻷنه أشبع شغفه. 

رأى رئيس نادي فاينورد هذا الشغف والنشاط، فأخبر مدربي الأكاديمية أن موسيماني أفريقي يمتلك عقلية مختلفة، وسينجح إذا وجد البيئة المناسبة. وذات يوم، أخبره الرئيس أنه سيقود تدريب فريق تحت 15 سنة، ليكتشف كيف تمكن بيتسو من السيطرة على ناشئ فذ، لكنه متمرد، مثل «روبن فان بيرسي»، وجعله يأخذ صفّه ويتبع تعليماته! 

هنا عرض عليه الرئيس وظيفة تدريبية في فاينورد، لكن إدارة سوبر ستار الجنوب أفريقي رفضت بشدّة التفريط فيه، حتى أنها أغرته بقيادة الفريق الأول، وهو لا يزال في ال37 من عمره. لذلك عاد موسيماني أدراجه، وتولى الإدارة في ظروف صعبة يمر بها الفريق، لكن يكفي معرفة أنه أخذهم للمركز الثاني في موسمه الأول. 

كان نجاحه مع هذا النادي بوابته نحو المنتخب، حيث عينه اتحاد الكرة كمساعد للمدرب البرازيلي المخضرم: «كارلوس بيريرا»، ثم مواطنه الذي لا يقل خبرة «جويل سانتانا». ويمكننا التخيل كيف استفاد منهما موسيماني لأقصى درجة، ليصبح بعد ذلك الرجل الأول وينتصر على منتخب مصر، تحت أنظار مجدي عبد الغني. الانتصار هنا لم يكن مصادفة، بل نتاج سنوات.

ماذا يعرف كابتن مجدي عن صن داونز؟

لسنا متأكدين بالضبط، لكن ما نعرفه هو أن كلامه عن فوز صن داونز دائمًا بالدوري قبل موسيماني ليس صحيحًا. لأن ببساطة مجموع بطولات الدوري التي فاز بها الفريق هو 13، خمسة منها كانت تحت قيادته. هذا بالإضافة لدوري أبطال وحيد، وسوبر أفريقي أيضًا وحيد، كان موسيماني السبب في التتويج بهما. أي أن الرجل صنع نصف تاريخ صن داونز على الأقل. 

في الواقع حين تولى بيتسو الفريق أواخر 2012، كان يصارع الهبوط. ولم يكن قد توج بأي بطولة دوري خلال السنوات الخمسة الأخيرة، ناهيك طبعًا عن أي أحلام قارية، لكن رغبته في النجاح كانت مفتاح حقبة ذهبية، سيصعد فيها بالفريق الأصفر للقمة المحلية والأفريقية. 

بدأت تلك الحقبة بتحديد الصلاحيات بينه وبين إدارة النادي، ﻷن بيستو يحب أن تكون الأمور التقنية تحت سيطرته. فأعاد تنظيم الساحة التدريبية، وأدخل تعديلات على أجور اللاعبين في قائمة الفريق، وبات ملف اختيار اللاعبين المنضمين تحت تصرفه هو ومساعديه، وهذا كله قبل أن يغرس فلسفته داخل الفريق. 

موسيماني تعرّف على مدارس تدريبية عديدة، منذ كان لاعبًا في الدوري اليوناني والبلجيكي، وحتى بعدما صار مدربًا مساعدًا، لكنه كوّن فلسفته الخاصة المتأثرة بكرة هولندا الشاملة التي تقوم على الاستحواذ، مع تطلّع لتحقيق الفوز تلو الآخر دائمًا، بالإضافة لاهتمامه بأدق التفاصيل داخل فريقه وفي الخصوم. 

ولذلك ستكتشف أنه استعان بثلاثة محللي أداء، أحدهم يتفرغ لدراسة كل شيء عن الخصم القادم، والآخر يركّز عمله على اكتشاف الثغرات داخل الفريق، والأخير يشارك موسيماني والمساعدين التدريات. وقد بحثنا في سجل هذا الأخير، ويدعى «جولام فولوديا»، ووجدنا أنه يعمل في منصبه منذ 10 سنوات كاملة، بينما ترفض بعض أنديتنا تعيين محلل أداء واحد حتى يومنا هذا. 

يرى الصحفي «فومزيلي نجاتشي» أن التدريب تحت قيادة موسيماني قد يكون صعبًا، لأنه لا يترك شيئًا بدون دراسة، ولا يسمح لأحد بالتراخي بعد تحقيق الفوز، ولا يمل من مطالبة لاعبيه بتطوير مستوياتهم، وربما ذلك يفسر استغناءه سريعًا عن صالح جمعة، لكن الصحفي يؤكد أن ثمار عمله تكون مبهرة، حتى بالنسبة للمتفائلين به. 

والثمرة الأولى كانت الفوز بالدوري في موسمه الثاني، والاحتفال بتأهله لدوري الأبطال، لكنه أعلن أنه يخطط الآن للفوز بدرة البطولات الأفريقية. طبعًا سخر منه البعض، لكنه في الموسم الرابع كان يضيف لقب دوري جديد، ويتقدم بخطوات ثابتة نحو نهائي الأبطال.

3 هزائم

قد لا يكون كابتن مجدي على دراية بكل ذلك، لكنه طبعًا يعرف بانتصار موسيماني على الزمالك 3/0 في نهائي 2016، ثم انتصاره بعد 3 سنوات على الأهلي بدور الثمانية 5/0. هذان هما الناديان الأكبر في مصر وأفريقيا، وهاتان هما الهزيمتان الأسوأ في تاريخهما الكبير. وقد كان عبد الغني عضوًا للاتحاد، وضيفًا ثابتًا على البرامج الرياضية، خلالهما. 

وبذكر الاتحاد المصري، ففي ذلك التوقيت كان منشغلًا بتعيين «هيكتور كوبر» مدربًا لمصر، والدافع عن خياراته التكتيكية الدفاعية، حتى وقعت هزائم المونديال، فيقال. ثم يقرر أن يأتي بـ«خافيير أجيري»، الذي يلعب كرة هجومية لدرجة التهور، حتى قادنا للهزيمة في عقر دارنا، فيقال. ولا ندري لماذا تم الاستعانة بالأول، وكيف وقع الاختيار على الثاني.

ما نعرفه هو أنهم أعلنوا تجديد عقد الأول تارة، ثم انتقدوه تارة. وصفوا أجيري بالمدرب العالمي تارة، وتبرؤوا منه تارة. وفي ذلك الوقت كانت جنوب أفريقيا تختار المدرب وفقًا للإحصائيات والنتائج، وتعمل على تطوير أداء اللاعبين الشباب، من أمثال «بيرسي تاو» الذي أرهق دفاعات مصر بكأس الأمم الأخيرة. هل تعرف من المدرب الذي اكتشف تاو؟ اسمه بيتسو موسيماني.