يتسلل سامح إلى غرفة لينا ليأخذ لعبتها المفضلة ، تراه لينا وتسرع وراءه لاسترجاع لعبتها منه ، يتمسك سامح باللعبة مستعطفا لينا أن يلعب بها القليل من الوقت، ترفض لينا وتذكره بالمرة السابقة حين أخذ بيت الألعاب منها وقام بكسره، يرفض أحمد إعطاء لينا اللعبة ويخرج مسرعا من الغرفة فتقوم لينا بالصراخ عاليا ثم تسرع إلى صندوق ألعابه وتأخذ سيارته المفضلة، يعلو الصراخ مرة أخرى والجدل بين الأخوين وتقف والدتهما متحيرة، فماذا عليها أن تفعل؟

إن هذا المشهد وإن اختلفت تفاصيله قد يتكرر في كل منزل يحتوي على طفلين أو أكثر، وهو طبيعي وشائع فهؤلاء الأطفال يقضون الكثير من الوقت سويا مما يؤدي إلى وجود لحظات الكدر جنبا إلى جنب مع لحظات الصفاء، ولكن هل الشجار دائما ذو أضرار ويجب على الأبوين التدخل في حله؟ الخبراء يخبرونك أن هذا غير صحيح ، فالأبحاث الحالية تشير إلى أن التنافس بين الأخوة هو علامة على وجود أسرة صحية، بينما البيوت المفككة كثيرا ما تفتقر للتنافس بين الإخوة، لأن الأطفال يميلون إلى التكاتف معا بحثا عن الأمان.

إنك بتصرفك الحكيم كمربي قد تصنع من الشجار فوائد جمّة، نستعرضها في هذا التقرير.


1. مهارات حل المشكلات

إن الشجار بين الإخوة عبارة عن تحديات صغيرة يتعرض لها الأطفال يوميا ويجب عليهم الحصول على حلول لها، إن تدخل الوالدين لفض النزاعات يقلل من مهارات الأطفال للإتيان بهذه الحلول ويكون بمثابة المسكن الذي لن يعمل طويلا ثم تظهر المشكلة مرة أخرى، فالخبراء يقترحون عدم التدخل إلا في حالات محدودة كوقوع الأذى البدني أو النفسي على أحد الطرفين مثل: جرح أحد الإخوة للآخر أو حدوث اضطهاد لأحد الأخوة وخصومة طويلة لا تنقطع، ودونا عن ذلك يخبرك الخبراء أن تدخلك لا يجب أن يكون بطريقة مباشرة حتى تترك للطرفين الفرصة في تسوية النزاعات بينهما ، فمثلا يكفي لتدخلك أن تنبه إلى قيمة اللحظات الجميلة بين الأطفال، ورغبتك في أن ينتهي النزاع حتى يتسنى لكم البدء سويا في نشاط مفيد وممتع.


2. مهارات فهم الذات والآخر

إن من أهم ما يقوم به الوالدين مساعدة الأطفال في التعبير عن احتياجاته في أوقات الصفاء والشجار، ففي بعض الأحيان ستجبر على التدخل عند مشاهدتك للموقف يتصاعد، حينها عليك اتباع أسلوب يعطي الطفل مساحة من التعبير عن نفسه وسماع غيره، فكل طفل يقوم باستعراض المشكلة من وجهة نظره وعلى الجميع أن يستمع بدون مقاطعة، قم بسؤال جميع الأطفال أسئلة محددة، مثل: «سلمى، ماذا حدث بالضبط؟» كرر الأسئلة لجميع الأطفال، فبداية حل المشكلة تكون بفهم احتياجات الطفل لنفسه وللآخرين، وتقبل وجهات النظر المختلفة يأتي بالاستماع إليها، ساعد أطفالك بالوصول لهذه المهارات بتجنب المقارنة بينهم مطلقا لأنها تعزز الغيرة والتشاحن وتمنعهم من تفهم بعضهم البعض.


3. مهارات تحديد الأولويات

ساعد كل طرف أن يستعرض الحلول من وجهة نظره وأظهر التفهم لجميع وجهات النظر، تأكد من سؤال كل طفل عن رأيه بوضوح فهذه المناقشة ستجعلهم يفكرون بعقلانية أكثر ويتعلمون الحكم على الأمور بطريقة أفضل: «ما رأيك يا حسام؟ كيف نستطيع أن نحل هذه المشكلة؟» سيخبرك كل طفل بالتأكيد بما يظنه الحل الصحيح، فكما أن الأطفال يتعرفون من خلال المناوشات على إمكاناتهم ونقاط الضعف والقوة عندهم.

فإن مناقشة الحلول التي يطرحونها تبين أولويات أطفالك في علاقتهم ببعضهم البعض، أكد على هذه الأولويات بمزيد من الأسئلة حتى تساعدهم على تحديد أهدافهم بدقة وتساعد الطرف الآخر على فهمهم، مثال: «هل أخبرتني أنك تتضايق من فوضوية ماجد؟ ولكن ألا تظن أنك تستطيع مساعدته لحل هذه المشكلة وأن أخذك اللعب منه سيحرمك من متعة المشاركة؟»، مع ملاحظة احترام رغبة الطفل في عدم مشاركة ألعابه مع إخوته فهذا يعزز عنده الخصوصية ورغبته في التملك.


5. مهارات التفاوض

ساعد أطفالك باستعراض جميع الحلول المطروحة للمشكلة من جميع الأطراف، ناقش جميع الحلول وأخبرهم أن عليهم أن يختاروا واحدا من الحلول بالاتفاق وبدون انحياز منك، سيبدأ أطفالك بالجدل والتفاوض، أرشدهم بأن عليهم الوصول إلى حل وسط، واترك لهم مساحة من التجربة، وذكرهم بأن لديهم قائمة أخرى من الحلول وأن عليهم إذا فشل هذا الحل أن يجربوا حلا آخر ، راقبهم عن بعد واتركهم ليديروا أمورهم بأنفسهم، وإذا وجدت الشجار يتكرر بين الطفلين فلا يجب أن تسعى إلى فضه من خلال كلمة رادعة فحسب؛ لأن مثل هذه الطريقة لا تُسهم في حل النزاع على الإطلاق ولكنها تؤجله فقط.


6. قبول مبدأ الربح والخسارة

إن الإدارة الجيدة لأوقات الشجار تعلم الطفل عدم التعنت في رأيه على طول الخط ، فهو كما يسعد بانتصار رأيه وتنفيذ مطالبه، عليه أيضا ألا يغضب عندما لا تنفذ رغباته ولا يتم الاتفاق على الحل الذي قام بطرحه، ومثالا على ذلك: الصراع المتكرر بين الأبناء حول الجلوس بجوار نافذة السيارة، فلن يستطيع الطرفان المتصارعان الجلوس جميعا بجوار النافذة في المرة الواحدة، ولكن الأفضل وضع حل وسط يضمن للجميع الجلوس بجوار النافذة في وقت ما.


7. فهم طبيعة الحياة

إن الحياة لا تعطي جميع الأفراد نفس الامتيازات، فنحن لسنا نسخا مكررة فهناك الأذكى والأغنى والأكثر موهبة وصاحب الشعبية الأكبر، هذه المبادئ تترسخ في طفلك في أوقات الشجار عندما تساعدهم على التعامل معها بشكل جيد، إن الشجار كما ألقينا الضوء عليه يسهم في مهارات اجتماعية متعددة وهذا ما تؤكده الأبحاث التي أجرتها جامعة كامبريدج، هذه المهارات تساعد الطفل على مواجهة الصراعات التي يتعرض لها مستقبلا وتمنعه من مشاكل الاندماج مع المجتمع لاحقا، لذا على الأبويين تقبل وجود هذا النشاط في حياة أبنائهم كنتيجة طبيعية لوجود فارق الشخصيات والأعمار بل وحتى النوع – ذكر أو أنثى – مما يعلم الأطفال حقائق كثيرة حول الحياة ويعلمهم التعامل مع من يختلفون عنهم بطريقة صائبة مستقبلا.

وإذا أراد الآباء ألا يتحول الشجار إلى ساحة معركة كبرى وألا تنتج عنه خسائر في علاقات الأبناء ببعضهم البعض فعليهم أن يكونوا قدوة في إدارة الغضب والتعامل مع غيرهم، كما عليهم ألا يتورطوا في أداء دور الشهود في الشجار، وأن يرشدوا أبناءهم في أوقات الصفاء إلى التعاون وإلى أهمية وجود مشتركات بينهم (كأن يكونوا جميعا يحبون أداء رياضة معينة أو ممارسة نشاط محبب) مما يقرب المسافات في هذه الأوقات، وأن يثنوا على السلوك الجيد لكل ابن على حدة (دون إظهار تفضيل لابن على الآخر ودون تفرقة أو تمييز في المعاملة) مما يعزز هذا السلوك ويجعله سائدا في كل المواقف حتى مواقف الصراعات.

وفي النهاية قد تكون هذه المهارات غائبة عنك وعن أبنائك في أوقات الشجار، لذا ننصح بكتابتها في ورقة وتعليقها في مكان ظاهر لتشجيع أبناءك أن يتعلموا مهارات وقيم إيجابية من جميع مواقف حياتهم، حتى المواقف التي تبدو سلبية لأول وهلة!