في ثلاثينيات القرن العشرين، ظهرت في هوليوود أفلام مثل «عدو الشعب» سنة 1931 و«سكارفيس» 1932، لتدشن بدء جونرة أفلام العصابات Gangsters movies، التي تدور دومًا حول الخارجين عن القانون الذين يتحدون كل القواعد، لكنهم في النهاية يتعرضون للتوقيف أو القتل، كانت العدالة الأخلاقية حاضرة بقوة في تلك الأفلام، كإدانة سينمائية لعصابات السطو الحقيقية التي انتشرت كالسرطان في أمريكا العشرينيات بعد الكساد الاقتصادي وترهل المؤسسات مثل بوني وكلايد وآل كابوني.

يخبرنا البروفيسور في تاريخ الأفلام «بروس تشادويك» أن تلك الجونرة- عكس المتوقع- صنعت نجومية جارفة للمجرمين ولم تحقق الإدانة الأخلاقية فيها أي تعاطف مع الشرطة، وذلك لعجز صناع الأفلام عن فهم هموم الطبقات التي تُخاطبها، طبقات مفلسة حطمها الكساد العظيم، ترى في الحكومة والبنوك مؤسسات متلاعبة ووحشية ائتمنوها على مدخراتهم واستيقظوا ذات يوم لتخبرهم تلك المؤسسات بلغة اقتصادية غير مفهومة أن مدخراتهم تبخرت، لذلك اعتبر الجمهور سارقي المصارف أبطالًا بطريقة أو بأخرى وأضفوا عليهم هالات تشبه روبن هود الذي يسرق الأغنياء لصالح الفقراء، بينما تحولت أمريكا لطبقات مهزومة تجر أذيال الخيبة ويعود أفرادها لبلادهم الأولى كُفرًا بالحلم الأمريكي، جسد المجرم على الشاشة صورة المهاجر الوحيد الذي نجا من الكساد وحقق الحلم الأمريكي، ولو بطريقة خارجة عن القانون.

ليست من شروط الفن أن يكون أيديولوجيًا أو طبقيًا ولا يمكن أن نفرض عليه ذلك، لكن لا بد للفن أن يفهم الطبقات التي يتوجه لها، والتوتر الذي ينجم عن حياة تلك الطبقات معًا في حيز مُجتمعي واحد، كل قصة مهما بلغت خصوصيتها سيقدمها شخوص هم سفراء عن طبقتهم وملامحها وتوترها، هذا الحبل السُري بين القصة كأنطولوجيا مستقلة وأفرادها كسفراء عن مجتمع وطبقات موجودة، لو انقطع ستظهر قصص باهتة تشبه الأجنة المُجهضة أو قصص تأتي بنقيض ما يقصده صانعوها وتصير مادة للسخرية. 

اللمبي بطل طبقي ولد من رحم مزحة 

اللمبي شخصية جاءت على سيناريو مُكتمل ولم تكن أبدًا جزءًا منه، لكنه احتاجها بشدة
شريف عرفة

خلال الإعداد لفيلم «الناظر» الذي يعتمد على كوميديا بطل يخرج من عباءة الحماية الأمومية والتسلط الأبوي للعالم، وفي مزيج من السذاجة والبراءة يحاول تلمس خطواته بشكل مُضحك، أراد المُخرج «شريف عرفة» إضافة شخصية تُقدم حيوية للعمل، شاب من طبقة أدنى وأقل حظًا لكنه أكثر اتصالًا بقسوة العالم، يلجأ له البطل صلاح ليُعلمه (الصياعة) أو مهارات الخشونة اللازمة للبقاء.

قدم «شريف عرفة» بناء الشخصية ومنحها المؤلف «أحمد عبد الله» اسم «اللمبي» الذي يُشبه اسم شخصية حقيقية يعرفها من الجيزة، وجاء «محمد سعد» ليُقدم اللمسة السحرية الأخيرة وهي التجسيد، لغة الجسد والصوت المُضحكة التي تمنحك دلالات متضاربة لفتى يتعاطى المخدرات بشكل أفسد مخارج ألفاظه أو مُتأخر عقليًا أو يعتنق براءة بدائية في التعاطي مع العالم، أقرب لحيوانية غُفل لا تراعي القواعد الاجتماعية التي يحترمها كل من حوله فيبرز أكثر بينهم ببدائيته العدوانية، قال «محمد سعد»، إن طريقة اللمبي وليدة نكتة متداولة بينه وبين أصدقائه لم يسأم من تطويرها طوال الوقت.

بمُجرد تقديم فيلم «الناظر»، تحولت شخصية «اللمبي» لجواد رابح، على ظهره سبق محمد سعد الجميع وتربعت أفلامه على قمة شباك التذاكر لسنوات، هنا يُمكننا أن نتساءل…

ما الذي جعل شخصية اللمبي في توقيتها ساحرة لتلك الدرجة؟

شخصية البطل «صلاح» في فيلم الناظر رغم أن مُعاناتها من الانغلاق نفسية بالأساس نتيجة التربية الكاريكاتورية لأبويه إلا أنها تُجسد من زاوية بعينها المنتمين لطبقة متوسطة مُغلقة بعناية على نفسها بين طبقتين، تريد الالتحاق بالطبقة الأعلى عبر صلات النسب والنفوذ وتوريث المناصب، كذلك تريد التمايز بشدة عن الأقل حظًا أسفلها، يحاول صلاح بتدبير أمه الزواج من ابنة مسئول ليُثبته نفوذ أبيها في منصبه كطريقة للصعود لأعلى، وعندما تفشل الزيجة ويواجه صلاح طلبة لا يشبهون عالمه، مُنغمسين في التنمر والسوقية وتعاطي الأغاني الهابطة، يعجز عن وصال عالمهم وطبقتهم الدنيا، فيلجأ للمبي ليُعلمه لغة هذا العالم وكيف يكتسب احترام الطلبة، رغم تباين ما صار إليه صلاح وعاطف واللمبي إلا أن المدرسة الحكومية كانت مكان لقائهم الأول في الصغر، الذي بعده رحل كل منهم لقصة ومصير يناسب أعراف طبقته.

يعود اللمبي هنا كسفير عن طبقة أدنى بقليل من المتوسطة، طبقة شعبية غير مُمثلة بالأساس في سينما وقتها إلا في قوالب بعينها، لا يظهر اللمبي كمرآة لاستعلاء طبقة أعلى منه أو لاستدرار التعاطف مع الأقل حظًا، بل يظهر بشكل كاريكاتوري كسفير إنقاذ لصديقه الأوفر حظًا، بمهارات طبقته يجعل البطل أكثر خشونة وثقة بذاته.

جسد اللمبي شخصية الـUnder dog أو المُستضعف القادم من الطبقة الدنيا لكن دون حمولاتها النفسية وتعقيداتها الطبقية، شخصية فاعلة رغم خلفيتها المتواضعة، يعود الفضل في ذلك لطريقة صنعها بالأساس، فهي صنيعة مزحة شديدة الخفة، النكتة ببساطة هي شخص يتصرف بطريقة أكثر غرابة وأقل توقعًا لذا تثير الضحك، كان اللمبي سفير طبقة مُثقلة بتوقعات بعينها، لكنه حضر بخفة لا تناسبها وتطوع السيناريو والإخراج لجعلها فاعلة بحضور خلاب.

اعتنق «محمد سعد» شخصية الـUnder dog، وحول فاعلية اللمبي العابرة في الناظر كبطل ثانوي، لانتصارات كاريكاتورية لبطل رئيسي، انتصارات لطبقات وفئات مُهمشة وغير مُمثلة بتلك الطريقة.

في «اللمبي» يُحاول الشاب عاثر الحظ كل شيء، يبدأ من أسفل الصفر لنيل شهادة محو الأمية، ويتزوج حبيبته في النهاية بحلول تنتمي لطبقته وهي «النُقطة» التي تُعدها الحارات الشعبية نقود سائلة ومُستعادة دومًا، وفي «اللي بالي بالك» يتبادل اللمبي مواقع النفوذ والسلطة مع الضابط، الشخصية الأكثر إثارة للرهبة في الحارة الشعبية، لا يكتفي اللمبي بأن يشبهه بل يحتل جسده ويؤنسنه ويجعله أكثر اقترابًا من الطبقات الأدنى ويحارب عبره فساد الطبقة الأعلى، وعوكل وبوحة وكتكوت تنويعات عن شخصية عاثرة الحظ تكتسب فاعليتها عبر حبكة مُفرطة في خفتها، بدلًا من الهجرة غير الشرعية التي تبتلع آلاف الشباب في قوارب متهالكة يسافر «عوكل» الميكانيكي لجنة أوروبا في صدفة ساخرة، وفي بوحة تمنح الحبكة لقروي ساذج انتصاره على العاصمة وفي كتكوت يصير الانتصار للقروي عالميًا على شبكة تجسس.

شخصية اللمبي وتنويعاتها تُستدعى كمثال حاضر دومًا عن الاحتراق، كيف يحرق الفنان نفسه بحلب شخصية وتنويعاتها للنهاية؟ وهذا صحيح لكنها من زاوية أخرى مثلت فئة الـUnderdog أو سفيرًا عن طبقات عشوائية ودنيا تضخمت في التسعينيات حتى وصلت لأعتاب الألفية دون تمثيل فاعل لها، جسدت شخصية اللمبي واقع وأحلام ومصاعب تلك الطبقة بطريقة أقرب للكاريكاتورية والفارص لكنها منحتها ما لا تناله أبدًا في الواقع، الخفة والانتصار ولو بحبكة هزلية لا يُمكن تصديقها.

والمثير أن تواري تلك الشخصية، كان نتيجة لجوء تلك الطبقة لتمثيل أكثر قوة، وهو شخصية البلطجي والمهرجانات، لم يعد اللمبي مُناسبًا بكاريكاتوريته وبإفيهاته ومونولوج النهاية الذي يتحدث فيه عن طبقته المفرومة في خلاط طلبًا الرزق، كانت هناك حاجة لشخصية تستوعب غضب تلك الطبقة ورغبتها في الحضور بنرجسية لا تناسبها، نرجسية قط خائف يتصلب جسده بأضعاف حجمه أمام واقع يبتلعه بتحولاته، وهو ما قدمته شخصيات البلطجي وأغاني المهرجانات، لكن لسنوات كانت شخصية اللمبي مُمثلة لطبقة لم تجد لها تمثيلًا بطريقة مبتكرة ومنتصرة ولو بالكوميديا التي لا تصدق، وهذا التعاقد بين شخصية خيالية وطبقة جديدة تريد تمثيلًا هو ما منحها النجاح.

البحث عن علا قديمة في دراما لا تشبهها

أتمنى الجمهور يفهم الفاصل الزمني بين عايزة أتجوز والبحث عن علا
غادة عبد العال

في بداية 2022، قدمت منصة «نتفليكس» «البحث عن علا» العمل الذي انتظره ملايين المشاهدين بلهفة على مدار 12 عامًا منذ العرض الأول لمسلسل «عايزة أتجوز» الذي حقق جماهيرية ما زال صداها حاضرًا حتى تلك اللحظة.

يدور «عايزة أتجوز» حول الصيدلانية «علا عبد الصبور» التي تُجسد مُعاناة فتيات جيلها اللائي يعشن أجمل سنوات العمر في مُطاردة قلقة مع عقارب الساعة خوفًا من أن تنتهي عشرينياتهن بلا زواج ويبتلعهن شبح العنوسة.

ما منح المسلسل جماهيريته جوار حيوية وتنوع حلقاته التي جسد بطولة كل واحدة منها عريس يقدم نفسه بعيب كوميدي يفسد الزيجة في النهاية، هو تمثيل «علا» الجيد لبنات جيلها من الطبقة المتوسطة.

علا فتاة عاملة لا تملك الوقت أبدًا لضبط زينتها، ولا تحفظ ثيابها رونقها بل تتجعد وتفسد بسبب القفز بين مواصلة وأخرى واعتصارها في عربة السيدات، بينما تعمل الرطوبة عملها في إفساد شعرها نتيجة النزول لهذا المعترك يوميًا، لهذا لا تنتهي تعليقات أمها اللاذعة على مظهرها الذي لا تعتني به الذي سينفر العرسان حتمًا.

لم تقدم الكاتبة «غادة عبد العال» لشخصية علا حلول سهلة، استقلال مادي، الانتماء لطبقة عليا تسمح بأنشطة تعارف غير ضاغطة أو مُنظمة على طريقة الصالونات مثل الانتماء لأندية أو أنشطة سفر، لا تملك علا سيارة تحفظ لها رونق مظهرها، تعمل في وظيفة حكومية مع أقران يبحثن مثلها بنهم عن عريس، تؤسس الكاتبة ببراعة لعُزلة شخصيتها عن مفاهيم المجتمع والأسرة باستخدامها الدائم لتقنية «كسر الحائط الرابع» أو التوجه المباشر للحديث مع الجمهور، باعتبارنا مشاهدي المنفذ الوحيد لتنفيس علا عن معضلتها لأنه لا أحد سيفهمها سوى جمهور غير مرئي.

كل تلك العناصر أسهمت في تقديم كوميديا أصيلة عاشت لسنوات طويلة وكان جمهورها وفيًا ومنتظرًا للجزء الجديد.

في «البحث عن علا» صارت علا أربعينية وصارت المعضلة الأنسب لعمرها ليست العنوسة بل أزمة منتصف العمر وإيجاد الذات بعد طلاقها من زوجها الذي وجد الانفصال طريقته المثلى للتعامل مع أزمة منتصف العمر خاصته.

على الرغم من أن أزمة منتصف العمر هي مشكلة ثرية ويعاملها المجتمع بأحكام لاذعة تفرض على أصحابها عزلة وخوفًا في أعمار لا يتسامح معها أحد لو ارتكبت حماقة مما يؤسس تقريبًا أرضية مثالية للتعاطي الدرامي توازي مشكلة العنوسة فإن علا تلك المرة أوفر حظًا بكثير!

تحيا علا في مستوى اجتماعي أعلى يعتمد كليًا على دخل زوجها السابق، ورغم وفاء الكاتبة لقضاياها بإشارة واضحة لحمولة الوصم للقب مطلقة الذي لا يقل عن لقب عانس، ولصعوبة الاستقلال المادي لزوجة ركنت لأمان مؤسسة الزواج دون الاستثمار في نفسها، فإن الإطار الطبقي الذي نوقشت من خلاله القضايا الخاصة بعلا الأربعينية منح تلك القضايا خفة لا تحتمل، جعلها همومًا أرستقراطية لامرأة تجرب تطبيق مواعدة أو تجرب معسكرًا صيفيًا مع أطفالها، لا شيء على المحك هنا، هذا وأيضًا جرعة من الحظ الوافر تجعل علا تطور بيزنس مثاليًا في وقت قصير جعل اسم العمل «البحث عن علا» مثاليًا، هناك كثير مما نفتقده في العمل الأول، في أسرة علا، في البيت القديم، في مغامرات الشارع والميكروباص والمصلحة الحكومية، شيء يشبهنا، شيء يمكن أن نتماهى معه، أما نُسخة علا الجديدة فنُسخة مُعدلة طبقيًا لتناسب ظروف التصوير ومتطلبات الصناعة الحالية ورغبة منصة في 6 حلقات أن تمنح لأنثى حلًا يمتلك الجمالية والصوابية الكافية، حلًا موفقًا لو كانت الشخصية بلا ماض تعلقنا به، بررت المؤلفة «غادة عبد العال» كثيرًا من الاختلافات للفاصل الزمني الذي يتجاهله البعض بين علا 2010 وعلا 2022 لكن الفاصل مشكلته أنه طبقي بين شخصية تمثل في عملين مختلفين واقع وهموم طبقتين متباعدتين.

لا تذكرة للطبقة الوسطى

السينما الحالية تملك شباك تذاكر طارد للطبقة المتوسطة، سينما نظيفة أو تجارية لكنها في المجمل لا تتحدث عن تلك الطبقة أو تمثلها
داود عبد السيد

ينتمي «داود عبد السيد» لتيار الواقعية الجديدة الذي عاش أزهى فتراته في الثمانينيات واشتبك دومًا مع السُلطة التي تخذل أبناءها وتقمعهم (ولد جيل الواقعية الجديدة سينمائيًا من نكسة 1967) وكذلك اشتبك هذا الجيل مع سياسة الانفتاح الاقتصادي باعتبارها تحولًا يهضم في معدته الطبقة المتوسطة ويترك المُجتمع فريسة قطبين أحدهما شديد الثراء والآخر شديد الفقر مما يدفع الأمور في النهاية لصدام حتمي أو تحلل بطيء.

جسدت أفلام «داود عبد السيد» دومًا شخوصًا في مُفاوضة مع عجزهم الشخصي في الكادر الضيق بينما في الصورة الكاملة عجزهم هو نتاج واقعهم الاقتصادي والسياسي، حاول داود أن ينقل تلك المعاني في رحلة سينمائية لا يدفع المتلقي لقاءها إلا قروشًا قليلة في سينما تتراوح بين الدرجة الأولى للثالثة، مهما كانت طبقتك الاجتماعية ستجد كرسيًا للمشاهدة.

أعلن «داود عبد السيد» هذا العام اعتزاله الإخراج، لأن الوسيط السينمائي المصري حاليًا يخون الطبقة التي دافع عنها في كل أعماله والتيار الذي انتمى له وصنع اسمه، في تصريحاته الأخيرة يقول إن اقتصاديات السينما حاليًا تعتمد على دور عرض المولات التي تحتاج تذكرة باهظة الثمن لأسرة تريد مشاهدة سينما نظيفة لا يجرحها فيها مشهد أو معضلة أو مساءلة.

يدرك داود أن الطريقة الأساسية للاستمرار سينمائيًا هي تقديم قصص خالية من الدسم، تتجاهل الهموم الحقيقية للطبقة الوسطى، سينما كومباوندات مُغلقة، أو قصص حب نظيفة مع قليل من الإفيهات الإيحائية، يصعب أن تتقبل الظروف الراهنة الطبقات التي يستهدفها والهموم التي يتوق للحديث عنها.

تُجسد شهادة داود عبد السيد في هذا المقال ما يعنيه انقطاع الحبل السري بين الفن والطبقة التي يُعبر عنها، وأنه يصل في النهاية لموت الفن والفنان حتى لو كان موتًا رمزيًا بالاعتزال.

لا يعني المقال أن الفن لا بد أن يكون طبقيًا أو مؤدلجًا بأي طريقة موجهة، في النهاية يعتمد نجاح الفيلم على عوامل شتى، لكن هناك لحظة سحرية بعينها عندما ترى طبقات من المجتمع نفسها مُمثلة بصدق غير مفتعل في شخصية بعينها، ممثلة بما تريد أو تتوق أو تخشى أن تراه، عندها يحدث تماه لا يقاوم، يمكنه أن يمنح شخصيات مثل اللمبي وعلا عبد الصبور خلودًا أكبر من إمكانيات العمل، خلود يسري لأعوام يفاجئ أبطاله ويصنع مسيرتهم، وانقطاع هذا السحر أو الحبل السري بين دراما بعينها والطبقات التي تُخاطبها يجهض العمل ويطبع عليه تاريخ انتهاء صلاحيته مهما أنقذه نقاده أو صناعه بالإشادة، لأن العمل الفني في النهاية رهين قدرة المتلقين على وصاله ورؤية أنفسهم في موضع أبطاله ومعضلاتهم.