لا نحتاج للإطالة في مقدماتٍ عن أهمية صحة القلب لحياة الإنسان ماديًا ومعنويًا، فالجميع يعرفون أن كل ما يتعلق بصحة القلب هو مسألة حياة أو موت، وأن ثانية واحدة في حالات القلب الحرجة تكون هي الفيصل بين النجاة وضدها.

وفي الأسابيع الأخيرة، ومع تفاقم انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد أو كوفيد-19، والذي تواترت الأدلة العلمية على شدة سطوته على كبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة، وفي القلب منها أمراض القلب، وكذلك مع تسجيل مئات الحالات الحرجة التي سبَّبت فيها الإصابة بفيروس كورونا المستَجَد مضاعفاتٍ جسيمة بالقلب، أصبح لزامًا أن نُخَصص مساحةً بارزة لكيفية الحفاظ على صحة القلب في زمن الوباء الصعب.

وباء الكورونا يستحق الاهتمام ولكن..

يواصل عدَّاد ضحايا وباء كوفيد-19 المرعب حركتَه الدؤوبة على مدار الساعة رغم الجهود المضنية التي بذلتها معظم دول العالم ولا تزال لكبح جماح هذا الوباء، ليتجاوز عدد الحالات الموثقة 5 ملايين حالة، فقدنا منهم أكثر من 340 ألف إنسان، جلُّهم من كبار السن، والمصابين بالأمراض المزمنة، بمتوسط يومي يتراوح بين 4 آلاف و 6 آلاف وفاة بالكورونا في النصف الثاني من شهر مايو/آيار 2020.

لكن هل تعلم عزيزي القارئ، أن تلك الأرقام المخيفة الخاصة بكوفيد-19، تتصاغر كثيرًا إذا وضعناها في مقارنة مع أمراضٍ عديدة أخرى تتفشَّى بين البشر؟ على سبيل المثال، لدينا بالفعل في العالم أكثر من 300 مليون مصاب بالاكتئاب وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية، ومرضُ مميت كالانتحار متعلق بالاكتئاب، يفتك بأرواح أكثر من 800 ألف إنسان كل عام حول العالم. فماذا إذن عن أمراض القلب؟

أمراض القلب هي السبب الأهم للوفاة حول العالم، وأخطرها وأكثرها شيوعًا هو أمراض الشرايين التاجية المغذية للقلب، كالذبحة الصدرية، وجلطات الشرايين، والتي تفتك بأرواح أكثر من 9 ملايين إنسان كل عام، أي حوالي 25 ألف إنسان يوميًا، وهو أضعاف ما يسببه وباء كوفيد-19 الحالي في أشد أيام ذروته.

ولم تقتصر أضرار وباء كوفيد-19 على صحة القلب على أضراره المباشرة فحسب، إنما هناك أضرار غير مباشرة لا تعد ولا تُحصى. فالحالة التي فرضها الفيروس، من تقييدٍ للحركة، وإلغاءٍ لمعظم الأنشطة لشهور، تساهم في تفاقم ظاهرة السمنة، والتي بدورها تفتح الأبواب أمام العديد من عوامل الخطر لأمراض القلب مثل السكر والضغط واختلال الدهون. كذلك تسبب ضغط الوباء على الأنظمة الصحية في حرمان الملايين من مرضى القلب والأمراض المزمنة من الرعاية الصحية اللائقة، والمتابعة المستمرة اللازمة للحفاظ على استقرار حالاتهم بعيدًا عن المضاعفات والطوارئ.

كما أنَّ الضغوط النفسية والعصبية التي سببها هذا الوباء الذي أفسد حياة مئات الملايين العملية والاجتماعية، تمثل عبئًا شديدًا على صحة القلب، وتُنذِر بزيادة خطيرة في معدلات تدهور حالات القلب، والوصول إلى المضاعفات الطارئة.

كيف أحمي قلبي في زمن كورونا الصعب؟

في نقاطٍ موجزة، سنذكر أهم ما ينبغي فعله للحفاظ على صحة قلوبنا وقلوب أحبابنا في زمن الوباء والحظر، وشيوع تأثيراتهما السلبية على سلامتنا النفسية والجسدية.

تجنب عدوى فيروس كورونا المستَجَد قدر المستطاع 

رغم وجودِ خلافٍ في صفوف الأطباء والعلماء حول الآلية التي يؤثر بها فيروس كورونا المُستَجَد على صحة القلب، وهل هو التهابٌ مباشر في عضلة القلب viral myocarditis، أم أن عضلة القلب تتأثر كجزء من التفاعل السلبي الذي يعم الجسم بأكمله نتيجة رد الفعل المناعي الزائد عن الحد في الحالات الحرجة، فلا شك أن الثابت بين الجميع هو ضرورة تجنب العدوى قدر المستطاع، حتى لمن لا يعانون من مشاكل صحية في القلب، فقد سُجِّلت حالات لتضرر مفاجئ في القلب، وضعف شديد في وظائفه دون تاريخ مرضي سابق، وسُجِّلت حالات لتضرر جسيم في شرايين القلب شُخِّصَ بالقسطرة القلبية .. إلخ.

وليس أمر الوقاية عسيرًا كما يتصور البعض، المطلوب هو الحفاظ على النظافة الشخصية وعلى رأسها غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون، وتجنب الاختلاط بالناس لغير ضرورة. وفي حالة الاختلاط نلتزم بنصيحتيْن جوهريَّتين: الحفاظ على مسافة آمنة تتراوح بين متر ونصف ومترين، وارتداء الكمامة، ولو كانت كمامة قماشية عادية.

اقرأ أيضًا: أمانٌ زائف .. احترس من وسائل الوقاية الكاذبة من كورونا

الالتزام بالتعليمات الغذائية والعلاجية

بالنسبة لمرضى القلب خاصة، ولأصحاب الأمراض المزمنة عامة، يجب الالتزام الشديد بتعليمات الطبيب فيما يتعلق بالأدوية الموصوفة، أو التعليمات الغذائية الشهيرة كتقليل الملح والدهون، والإكثار من الأطعمة الصحية للقلب، كالخضروات والفواكه والأسماك والألبان منزوعة الدسم، والبقوليات، والدهون غير المشبعة كزيت الزيتون، وقدرٍ معتدل من الشيكولاتة الداكنة. 

هذا الالتزام الشديد كفيل بإبعاد معظم الحالات عن الوصول للمضاعفات الخطيرة، وبالتالي تقليل الحاجة للمشافي في هذه الفترة العصيبة التي اضطربت فيها معظم الخدمات الصحية حتى الطارئ منها.

ويجب كذلك الحفاظ على حدٍّ أدنى من الـتواصل مع الأطباء ولو عن بُعد، لمراجعة جرعات الأدوية، والتعليمات الصحية، وأخذ رأيهم المبدئي في أية أعراض طارئة، ليحدد الطبيب مدى ضرورة الحاجة للعرض المباشر عليه، وبذلك نتتجنب الذهاب إلى أماكن الخدمة الصحية دون ضرورة، وهي من أكثر الأماكن في احتمالات وجود العدوى بها.

احترس من مضاعفات ارتفاع الحرارة

يصدقُ الكثيرون أن ارتفاع درجة الحرارة كفيل بالحماية من عدوى فيروس كورونا المستَجَد، وهذا الكلام وإن كان له شواهد، فليس التطبيق السليم له هو بتعريض أنفسنا للحر، ولأشعة الشمس المباشرة، فهذا قد يسبب الإصابة بالجفاف الشديد الذي قد ينجم عنه هبوط في الدورة الدموية يتضرر منه الأعضاء الحيوية ومنها القلب، كما قد يزيد من لزوجة الدم، وقابليته للتجلط، لاسيما جلطات القلب والمخ، والتي تعتبر أخطر كثيرًا على الصحة من الإصابة بفيروس الكورونا المستجد.

اقرأ: نصائح مهمة حتى لا يؤذي حر الصيف صحتك

وأيضًا: كيف يمكن أن ينجو أصحاب الأمراض المزمنة من حر الصيف

التمارين الرياضية .. أدومه وإن قل

الحفاظ على جرعة ثابتة يوميًا من الرياضة، جوهري للحفاظ على صحة القلب، ولتحسين الحالة النفسية والعصبية المهمة في ذاتها، وللقلب. 

كما ذكرنا، يحمل زمن الكورونا خطورةً كبيرة للإصابة بزيادة الوزن والسمنة، مما يزيد فرص الإصابة بالأمراض المزمنة كالضغط والسكر ومن بعدها أمراض القلب. لكن ممارسة حدٍّ أدنى من المجهود البدني ولو الجري الخفيف أو المشي لنصف ساعة، من تجنب تناول العشاء المتأخر في الساعات الست الأخيرة من اليوم، يساعد كثيرًا ليس في لجم زيادة الوزن فحسب، إنما قد نبدأ في فقد الوزن تدريجيًا.

اقرأ: وجبة العشاء المتأخرة: خطر داهم يهدد صحتك.

تخفيف الضغط العصبي والنفسي

بالطبع لا يمكن أن نخدع أنفسنا بتوهم القدرة على القضاء التام على الضغوط العصبية، خاصة في فترةٍ ضاغطة كفترة الوباء ذكرنا أنها أثرت سلبًا على حياة مئات الملايين منا. لكن لابد من المحاولة، ومجرد التخفيف النسبي لتلك الضغوط بخطواتٍ بسيطة سيكون لا شك مثمرًا ..

أولاً: الرشادة وعدم التكلُّف في اتخاذ الإجراءات الوقائية من عدوى فيروس الكورونا المستجد، يقلل صعوبة الأمر، ويمنع من تحولها إلى ضغطٍ نفسيٍّ علينا. فما نراه لدى البعض من حالة القلق الخارج عن السيطرة، وهوس تعقيم الشوارع والبيوت، وخلع الملابس خارج المنزل، وتعقيم الأحذية .. إلخ، قد يكون الطريق الأمثل للحصول على اضطرابات القلق والوساوس القهرية، دون فائدة متناسبة.

ثانيًا: التقليل من متابعة الأخبار وأرقام الضحايا، والاكتفاء بالمتابعات المفيدة التي تتناول وسائل الوقاية وكيفية الحفاظ على الصحة، و الخروج من قمقم الوباء تمامًا أكثر الوقت، والاستمتاع بأنشطة ترفيهية وثقافية .. إلخ.

ثالثًا: الحفاظ على حدٍّ أدنى من التواصل مع الأهل والأحباب، ولو عبر وسائل التواصل، أو يمكن التجمع في أماكن مفتوحة مع الحفاظ على المسافة الآمنة والكمامات.

رابعًا: إتمام ما نقدر عليه من أعمالنا من المنزل، وذلك لتكريس الشعور بالإنجاز بالقيمة. 

خامسًا: تخصيص أوقات مهمة للاستمتاع بالأجواء العائلية والأسرية مع المخالطين الإجباريين لنا في المنازل، والاندماج في تلك اللحظات الحيوية، والتي حُرِمَ معظمنا منها في عصر ما قبل كورونا.

سادسًا: التمارين الرياضية الخفيفة، ولو المشي لنصف ساعة في الهواء الطلق، فهذا كفيل بتخفيف التوتر النفسي والعصبي بقدرٍ ملحوظ.

زيادة الوعي الصحي والمعلومات العملية الموثوقة

المعلومة الصحية السليمة، لا سيَّما فيما يتعلق بالطوارئ الطبية، والإسعافات الأولية، قد تساوي حياتنا أو حياة بعض أحبابنا. ولذا يمكن أن نستغل الفائض النسبي من الوقت هذه الأيام في زيادة حصيلة المعارف الطبية من المصادر الموثوقة، أو حضور بعض دورات الإسعافات الأولية عبر الإنترنت، وذلك للتعرف على الأعراض المبكرة لطوارئ القلب كآلام الصدر، وكيفية التعامل معها في الدقائق الأولى الحرجة، ومتى يجب طلب الخدمة الطبية الطارئة فورًا.

اقرأ: كيف تنقذ حياة مريض بجلطة في القلب