بدأ الأمر بمُزحة، «مبروك يا شباب القايمة سقطت في مصر»، هكذا أطلقها إسلام عبد المقصود، مدرس في كلية الهندسة، جامعة الإسكندرية، عبر حسابه عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، حتى انتشر الأمر باعتباره «خبرًا»، أو حدثًا على وشك الحدوث، ثم ظهرت عدة أحكام قضائية، تُلامس نفس الموضوع.

أبرز هذه الأحكام، حكم صادر من المحكمة الإدارية العليا دائرة الفحص، برفض طعن مُقدم من (ن.أ.ع)، يعمل مدرسًا بمدينة طنطا، لقيامه بتبديد منقولات زوجته (ج.ع.ع)، واختلاسها لنفسه بنية الإضرار بزوجته، وتبديد كافة المنقولات، وعلى الرغم من أن الحكم أيد معاقبته بالحبس، ثم أيد معاقبته بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه، فإن الحكم الصادر برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، لاقى تأييدًا، في جزئه المتعلق بالتبديد، حيث اعتبرت المحكمة ذلك «جريمة أسرية تنال من شيم الرجال وليست مخلة بالشرف»، حفظًا لكرامة رب الأسرة، وعدم التأثير على الأبناء.

وعلى مدار سنوات، كانت «القائمة» وترتيبات الزواج في مصر، من الموضوعات المثيرة للجدل، حيث يرى كل طرف أهمية الخروج منتصرًا في هذه المعركة، من ناحية يرى الرجال أن أسرة العروس، عادة ما تشترط إمضاءه على القائمة، بمبلغ أكبر من قيمة التجهيزات التي اشترتها، والتخوف من تحول الورقة إلى قيد، وتهديد دائم له بإمكانية تعرضه للحبس في حال نشوب خلاف بينهما مستقبلًا، بينما ترى المرأة أن كتابة القائمة رمز للرجولة، وإشارة على أن الرجل «شاريها»، ثم يُطل السؤال «ما الذي يُخيف الرجل من القائمة طالما أنه لا ينوي سوءًا؟».

كيف نكأ «الترند» الجرح؟

بمجرد انتشار شائعة إلغاء «القايمة»، بدأ التراشق بـ«الكوميكس» بين الرجال والنساء، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أشاد الرجال بـ«تحررهم» من قيودها، وإمكانية دفع مهور متواضعة مستقبلًا، حتى وإن تكلفوا تجهيز منزل الزوجية من الألف إلى الياء، فسيكون ذلك بإمكاناتهم المحدودة، في المقابل عايرتهم بعض النساء بشراء أدوات المطبخ، التي تكون على العروس، وتُدوّن في قائمة المنقولات.

وسط هؤلاء، استعاد آخرون ذكرياتهم مع «حوارات القايمة»، والتجارب التي مروا بها، تحكي (ج.م) لـ«إضاءات»، ذكريات محادثاتها مع خطيبها السابق، عندما ذُكر أمر قائمة المنقولات، «كان شايف إن مش من حقي أكتب قائمة لأنه كان يعتقد أن في حال الانفصال هاخد كل حاجة وأن قائمة المنقولات ليست هي الضمانة لحق المرأة».

رغم أنها كانت من أنصار عدم كتابة القائمة، طالما كانت بصحبة من تُحب وتثق، فإن الرفض المباغت والمنطق الذي ساقه عندما قال «كل أصحابي مكتبوش قايمة»، ورغم علمها بأن القائمة ليست الضمانة الوحيدة للزوجة أو الزوج، من تقلب الطباع، جعلها ترى في تمسكها بالقائمة حق لها، كان يجب على الطرف الآخر، التفكير فيه قبلها، تقول «هو المفروض يكون شايف إن ده حقي وبيثبت لك إنه شاريكي وإلا هيبقى عنده مشكلة».

كشفت (ج.م) جانبًا آخر، لأسباب رفض خطيبها السابق، تتعلق بخوفه من تكرار تجربة شقيقه، الذي مر بتجربة صعبة مع طليقته، التي أساءت استخدام القائمة، وأدخلته في دوامة من المشكلات.

لم تبدأ التجربة الصعبة التي مرت بها «أ.ب» مع مشكلات قائمة المنقولات، بعد الطلاق فقط، ولكن الأمر بدأ قبل الزواج بشهرين، عندما أعلمها برفضه كتابة القائمة «قالي أنا مش هكتب قايمة، كلمت أخوه وقالي اكتبي اللي انتي عايزاه وهو هيمضي».

مع ذلك لم تجد منه سوى مماطلة، تقول لـ«إضاءات»: «كل ما كنت اكتب القايمة بالحاجات اللي جبتها بس ومكنتش أعرف أنها لازم تتسعر.. كان يقطعها»، حتى وصلت معه إلى حل وسط، بأن يكتب قائمة مماثلة لقائمة شقيقته، التي تضمنت المستهلكات مثل الملاءات وأدوات المطبخ.

حاولت «أ.ب» إخفاء خلافات القائمة عن أسرتها لأطول فترة ممكنة، تقول: «لحد قبل الفرح بيوم، جاب ورقه وكتب بس الخشب والأدوات الكهربائية والسجاد والنجف والشبكة، وقالي هي دي القايمة»، رافضًا إثبات المستهلكات. 

وقّعت «أ.ب» على القائمة كشاهد، وأدركت خطأ ما فعلت مع نشوب الخلافات بينهما، وتسلمها محتويات القائمة فقط، تضيف: «المفروشات وأدوات المطبخ كلها والصيني حتى لبسي ما أخدتوش.. الصالون مثلًا كان مكتوب بس الـcushions مش مكتوبة فمستلمتهاش».

لا تتعلق مشكلات قائمة المنقولات، بشكوك الزوج والزوجة فقط، فبعض تدخلات الأهل، المدفوعة بالخوف على مصلحة كل طرف، تتسبب في ذلك، مثلما حدث مع «م.س»، الذي فوجئ قبل عُرسه بأيام، برغبة أسرة زوجته في عدم ذكر القيمة المادية للمصوغات المذكورة في القائمة.

تدخلت أسرته وأصرت على ذكر القيمة المادية للذهب، وليس فقط عدد الجرامات، وهدد الخلاف بتعطل الزيجة، لكنه لم يرض بذلك، واتفق مع والد زوجته على كتابة قائمتين، الأولى رسمية تكون لدى أسرته عروسه، لا تضم القيمة المادية للمصوغات، والأخرى بالصيغة التي تُرضي أسرته، مدفوعًا بثقته في اختياره لشريكة حياته «طالما فيه حب واختيار جيد فمفيش خوف من الطرف التاني».

من شائعة الإلغاء إلى التوثيق بالشهر العقاري

أوضح المحامي عبد الحميد رحيم، في تصريحه لـ«إضاءات» أن تبديد المنقولات تخضع للمادة 341 من قانون العقوبات، وهي المادة التي تُعاقب على خيانة الأمانة، فهي بمثابة «وصل أمانة»، في حال استيلاء الزوج على المنقولات أو تبديدها أو بيع ذهب الزوجة، تُحرر الزوجة محضرًا، يتم على إثره معاقبة الزوج وقد تصل العقوبة إلى 3 سنوات، وفي نقطة الذهب تحديدًا على الزوجة إثبات اختلاس الزوج له، بشهادة الشهود أو بمحاضر التعدي خلال خروجها من منزلها.

تستلم الزوجة محتويات قائمة المنقولات، بعد عرضها أمام قسم الشرطة، عرضًا قانونيًا، ثم تنتدب المحكمة خبيرًا، يُعاين مدى مطابقة المنقولات لما ورد في القائمة من عدمه، وفي حال رفض الزوجة الاستلام، يتم الحكم للرجل، واعتبار الزوجة متعنتة في الاستلام.

ما يثار من جدل طُرفة ليس له أصل من الواقع، ليس هناك قانون بشأن هذا الأمر، بل ولم يُطرح من الأساس، لكنه أشار إلى ما أثير داخل أروقة مجلس النواب، من محاولة لـ«تقنين» القائمة، وتوثيقها بالشهر العقاري، مؤكدًا أن حتى هذا الأمر ليس مستحدثا، حيث نص قانون الشهر العقاري، على أن من حق كل شخص بحوزته ورقة عرفية ذات حجية، أن يوثقها في الشهر العقاري، مثل عقود البيع أو الإيجار، وتدخل قائمة المنقولات ضمن هذه الأوراق.

رغم ذلك اعتبر «عبد الحميد» أن توثيق قائمة المنقولات في الشهر العقاري، ليس في صالح الزوجة، «قد يضر بالزوجة قانونا أكثر من الزوج.. لأن التوثيق بالشهر العقاري سيعطيها حُجية التاريخ، لكن القائمة في المعتاد تكون غير مؤرخة.. وبكدة ممكن بعد 15 سنة الزوجة تطالب بالمنقولات فيُحكم بالانقضاء ولا تتمكن الزوجة من الحصول على محتوياتها» لطول الفترة الزمنية على استعمال تلك المنقولات.

أول «قائمة زواج» في مصر القديمة

في فصل بعنوان «عقود الزواج: النصوص وتحليل مضمونها» من كتاب «المرأة المصرية القديمة»، للدكتور محمد فيّاض، يرى الكاتب أن العلماء اختلفوا على كيفية إتمام الزواج في مصر القديمة، فمنهم من يرى أن الزواج كان ينعقد ويتم شفويا، وبالتراضي بين الزوج ووالد الزوجة، من دون إجراءات مثل كتابة عقد بالزواج أو على يد كاهن.

ومنهم من يرى أن الزواج كان ينعقد كتابة، استنادًا إلى أن النصوص القديمة، تؤكد أن جميع معاملات المصريين، من مواريث ووصايا، حملت شكلا متطورا بتحريرها كتابة، لضمان الحقوق، وبالتالي فالأولى هو توثيق الزواج.

يُدلل علماء على أن الزواج في مصر القديمة، كان موثقًا، إلى أن المرأة وقتها تميزت بحق التصرف في أموالها وممتلكاتها، وحق لها التصرف فيها بموجب ذمتها المالية المستقلة عن الزوج، وبالتالي لا أقل من تحرير قائمة وقت الزواج، إضافة إلى ظهور شكل «الزواج الديني» في عهد الملك أحمس الثاني «الأسرة 26»، حيث كان الزواج ينعقد في المعبد على يد كاهن وبحضور شهود.

وأشار الكاتب إلى ما ذكره قانون حامورابي، الذي نص على ضرورة وجود عقد مكتوب ينظم العلاقات المالية، وحقوق الملكية بين الزوجين، واعتبار هذا العقد، ركنًا أساسيًا من أركان الزواج.

ويُشير الكاتب إلى أن المصريين لجأوا إلى كتابة عقود الزواج قديمًا، من أجل صون هذه العلاقة من «الجحود والإنكار»، وخاصة عندما تنشب النزاعات على الإرث بين الأبناء، كما كان يعتبر مثل ما في عصرنا الحالي، بأن العقد يصون حقوق الزوجة.

وتنوعت العقود بين التي تمنح الزوج الحق في إدارة ممتلكات زوجته، أو إعطاء الزوجة الحق في إدارة ما تملكه، وأحيانًا كانت تنص على حق الزوجة في التصرف في ممتلكات زوجها، وعند تغيير أي بند من البنود، يتعين عليهما تحرير وثيقة جديدة.

كانت العقود تتكون من عدة بنود وشروط، ولم يكن ضروريًا أن تنص جميعها على نفس الشروط، كما كان يوقّع الزوج على العقد، كضمان إضافي للزوجة.

حتى الآن لم تذكر العقود، مشاركة الزوجة بأي أموال، ولكن يُشير الكتاب إلى بردية من العصر الفارسي، بحفوظة في المتحف البريطاني، بتاريخ 517 ق.م ، جاء فيها نصًا «إذا تركتك كزوجة وكرهتك فسأرد إليكِ هذه القطع الثلاث التي أعيطتها لي وسأعطيك كذلك ثلث كل ما سأحصل عليه معك من ريع.

وهنا يأتي أول ذكر لما يُشبه ما يُعرف الآن بـ«قائمة الزواج»، ويُسمى المبلغ الذي تدفعه المرأة للعريس «دوطة» وهو عبارة عن مساهمة منها في أعباء الحياة، تستردها كاملة في حالة الطلاق.

مع مرور الوقت تتضح معالم قائمة الزواج أكثر داخل المجتمع، فيُشير الكاتب إلى بردية من إدفو مؤرخة ما بين سنة 364 و363 ق.م في عهد الملك نخطانبو، تذكر ضمن عقد الزواج «متاع الزوجة»، ويتضمن قائمة الأشياء التي دخلت بها الزوجة منزل الزوجية، وأهمها «غطاء الرأس من الشعر المستعار».

بذكر تكون هذه أول وثيقة في مصر الفرعونية، تُشير إلى قائمة بالممتلكات التي تُحضرها معها الزوجة إلى بيت الزوجية، تحت اسم «الجهاز»، والتي يُقر فيها الزوج لزوجته بأن الجهاز لها ما دامت في منزل الزوجية، وإذا تركت زوجها وخرجت من المنزل بأنها تأخذ الجهاز أو ما يُعادله من النقود.

استند الكاتب في توثيقه لعقود الزواج عند المصري القديم، إلى رسالة الدكتوراه المقدمة من الدكتورة تحفة حندوسة، والتي رحلت عام 2017، وكانت تُلقب بأم الأثريين.

صورة القائمة في العصر القديم
صورة القائمة في العصر القديم

ما أظهره الترند أن قائمة المنقولات في حد ذاتها، أو ترتيبات الزواج، ليست هي ما يزرع الشك أو يخنق الحب، فالوسيلة التي اخترعها المصري القديم لحفظ الحياة الأسرية من «الجحود»، تحولت في الكثير من الحالات، ومع التغيرات التي أصابت المجتمع، إلى أداة مُفاوضة وتهديد وإخضاع.