في أغلب الظن أن الكاتب الكبير «يوسف السباعي» حين قرر كتابة روايته «أرض النفاق» لم يكن يتوقع لها أن تظل محفورة في أذهان المصريين بهذا الشكل. أما الأكيد فهو أنه مدين بالشكر للعبقري «فؤاد المهندس» الذي ساعد في هذا النجاح بفيلمه الأهم عبر تاريخه السينمائي.

مسعود الموظف الطيب الذي تبدلت حياته بأطوار حادة للغاية بعد أن قادته الصدفة إلى عطارة «أخلاق للبيع» في وسط الصحراء. في كل مرة يتناول حبة أخلاق اعتقادًا منه أنها ستكون الحل لجميع مشاكل حياته، ليكتشف بعد ذلك أن الأمر ليس متعلقًا بشخصيته فقط، بل بالشخصيات التي تعيش من حوله.

يقرر مسعود أن يؤثر على المجتمع كله من حوله فيفشل أيضًا ليدرك أن المنظومة أكبر وأعقد من ذلك بكثير ليعود مرة أخرى إلى نقطة الصفر.

نتحدث الآن عن مسعود آخر، ولكن هذه المرة في الوسط الرياضي المصري. شاب ذكي، لبق، متابع متميز لأدق تفاصيل مباريات كرة القدم المصرية والعالمية. قاده مجهوده والتوفيق إلى الانتشار على منصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير، لكنه رأى أن ذلك غير كافٍ وأن للعبة مراحل أخرى يجب عليه خوضها، تمامًا كمسعود الذي قرر أن يجرب حبوب الأخلاق واحدة تلو الأخرى.

دعنا نخوض سويًا رحلة قصيرة لتحليل تجربة المحلل الزملكاوي السابق والمتحدث الرسمي لنادي بيراميدز الحالي أحمد عفيفي، بداية من حبة الشجاعة وصولًا إلى حبة السلطة.


حبوب الشجاعة

«لا لمرتضى منصور»، إذا قمت بالبحث على محركات البحث عن تلك الجملة ستجد أن النتيجة الأولى واحدة، وهي إحدى حلقات برنامج «الكورة مش مع عفيفي». فيديو مدته عشر دقائق كاملة أفرد فيه عفيفي فضائح مرتضى منصور منذ توليه رئاسة نادي الزمالك في عام 2005، وأثبت فيه بالأدلة أن ادعاءات تحلي مرتضى منصور بقوة الشخصية هي محض خيالات لا أساس لها من الصحة.

شجاعة مفرطة ومتوقعة لشاب موهوب وجد نفسه فجأة ودون أن يتوقع بطلاً لجماهير نادي الزمالك على السوشيال ميديا؛ لدرجة أنه وصف مرتضى منصور صراحة أنه أحد المحرضين على شهداء مذبحة الدفاع الجوي.

الشباب الصغير ينشر حلقاته وينتظرها بفارغ الصبر في ساعة متأخرة من الليل بعد كل مباراة لنادي الزمالك، بل ويستعينون بها في مناوشاتهم أمام جماهير النادي الأهلي. تلك هي نسخة عفيفي الأقرب لقلوب الجماهير البيضاء؛ لأنها كانت النسخة الأكثر موضوعية_ الموضوعية فيما لا يتعلق بالنادي الأهلي بالطبع_.

لكن عفيفي وقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه مسعود في أرض النفاق، تناول حبوب الشجاعة ليعزز شعور الرضا عن نفسه دون أن يحسب جيدًا ما ينتظره في المستقبل. وكما ذهبت تلك الحبوب بمسعود إلى قسم الشرطة وطلاق زوجته وتخريب حياته، فإنها كانت ولا زالت سببًا في الاتهامات التي لا تترك عفيفي حتى الآن بالتطبيل والتغافل عن كوارث مرتضى منصور من أجل الوصول إلى مكانة متقدمة في الهرم الإعلامي في مصر.


حبوب النفاق

وإيه الصنف اللي كان عليه الطلب أكتر؟ كل الناس عايزة نفاق، العيشة بقت صعبة أوي. ضروري كل واحد يجري على أكل عيشه.

حوار قصير دار بين الراحل فؤاد المهندس والفنان عبد الرحيم الزرقاني في أرض النفاق حين اكتشف مسعود العطارة لأول مرة وبدأ يستكشف بضائعها. ولكن ما استوقفني في ذلك الحوار هي جملة «ضروري كل واحد يجري على أكل عيشه»، تلك هي القناعة التي تحرك بها عفيفي في تلك المرحلة.

ظهور على قناة صدى البلد مع الإعلامي عمرو عبد الحق، يصاحبه توطيد علاقته بأبناء «أحد المحرضين على شهداء مذبحة الدفاع الجوي» وخاصة أمير مرتضى منصور. الظهور داخل النادي وفي فيديوهات لايف مع أمير بدعوى التعاون من أجل عمل شيء جيد لنادي الزمالك.

لنكن منصفين فإن احتياج الشخصين لبعضهما كان متبادلًا، فأمير يحتاج إلى جمهور السوشيال ميديا الذي يسيطر عفيفي على جزء غير قليل منه بنبرته الهادئة وكلامه المنظم، وعفيفي يحتاج إلى الدخول إلى قلعة ميت عقبة وتثبيت قدميه كأحد أهم الأصوات المعبرة عن النادي ومن ثم نفوذ أكبر. لذلك كانت جملة «ضروري كل واحد يجري على أكل عيشه» هي المسيطرة على المشهد بعد تناول عفيفي لحبة النفاق.

بدأت بعض الجماهير تعلن عن غضبها الآن، هم يشعرون أن ابنهم قد تخلى عنهم. لكن عفيفي وبذكائه المعهود كان يجيد تخفيف حدة ذلك الهجوم بالنقد المنمق والمرتب للغاية للقلعة الحمراء، ذلك النقد الذي لم يفارق عفيفي طيلة مسيرته ولن يفارقه: لأنه رأس ماله الأكبر في الحفاظ على شعبية جماهيرية تضمن له التواجد على الساحة الرياضية بقوة في مصر.


حبوب الصبر

نحن الآن في مرحلة ما بعد تناول حبة الصبر من عطارة «أخلاق للبيع». الآن تختلف الحسابات وتهدأ النبرات وتقل مساحة إرضاء الجماهير شيئًا فشيئًا لأن قواعد اللعبة قد تبدلت قليلًا. يظهر عفيفي كأحد أعضاء فريق تحليل قناة dmc ، ثم يستقل ببرنامج خاص هو الأول له على شاشات التلفزيون.

الحديث عن الكرة العالمية يحتل مساحة أكبر في كل حواراته، الصراع لم يعد أهلي وزمالك فقط، فلا ضرر أن نجعله «ميسي وكريستيانو» أيضًا. نخرج لنقول إن «ميسي لوحده فرقة» ونكررها ثلاث مرات بنبرة منفعلة بعض الشيء توحي للمشاهد بالكاريزما المرغوبة، ونزين كل ذلك ببعض المصطلحات الأجنبية عن كرة القدم. مساحة جديدة ولها جمهورها العريض ولن أسمع فيها السؤال الذي طالما أرقني: «لماذا تغيرت وأصبحت أحد رجال مرتضى منصور ولو بشكل غير مباشر؟»

لم تطل تلك المرحلة كثيرًا لظهور تركي آل الشيخ كطرف أساسي في معادلة الكرة المصرية، وهنا قرر عفيفي قلب الطاولة على الجميع بشكل لم يتوقعه أحد، ليثبت أنه ما زال قادرًا على تناول الحبوب وأن ميعاد عودته لنقطة الصفر كمسعود في نهاية فيلم أرض النفاق لم يحن بعد، أو ربما ليثبت للجميع أنه لن يعود لها من الأساس!


حبوب السلطة

بعد تناول حبوب السلطة والتعاون مع تركي آل الشيخ والدفاع عنه بشكل مستميت، ظهرت النسخة الأضعف والأقل موضوعية وإبداعًا من أحمد عفيفي، حاله حال كل من تعامل مع المستشار السعودي في الفترة الأخيرة. نعم، أقصد عمرو دياب كما جاء في بالك الآن، لكنه ليس موضوعنا على أية حال.

العيب الأبرز لتعاون عفيفي مع آل الشيخ ،بدءًا من العمل في قناة بيراميدز وصولًا إلى تعيينه كمتحدث رسمي لنادي بيراميدز، هو انتفاء صفة المدافع الأبرز عن حقوق القلعة البيضاء كابن من أبناء الدرجة الثالثة، العباءة التي صعد بها عفيفي سلم الشهرة والانتشار من الأساس.

كيف ستكون نهاية حبة السلطة التي تناولها عفيفي؟ لا أحد يعرف. المستشار السعودي هوائي للغاية، وجزء غير قليل من قراراته لا يمكن لأحد توقعه. لا أحد يعرف إلى أي وقت سيظل يقوم بنشر فيديوهات عفيفي وهو يرد على أحمد شوبير ويكتب عليها وصف «رجل شجاع».

عفيفي مجرد أداة تجيد الهجوم على خصوم آل الشيخ الآن وحتمًا سيأتي وقت ويقرر المستشار السعودي تغيير خطته، وحينها سيستغني عن تلك الأداة ليبحث عن أخرى أكثر نفعًا.

حينها سيخرج علينا «المهندس» أحمد عفيفي بكلام منمق وأسباب مرتبة ترتيبًا منطقيًا للغاية وبصوت رخيم ليقنعنا أن تلك هي الحياة. سيبدأ حديثه بـ «واحدة واحدة كدة وركّز معايا»، سيقول بعض «الإفيهات» الظريفة للغاية وهو يقنعنا أن العالم كله يعمل بتلك الطريقة الآن وأن عقولنا هي التي لم تستوعب ما جرى!