محتوى مترجم
المصدر
فورين أفيرز
التاريخ
2016/02/17
الكاتب
هارون مجيد

للوهلة الأولى، يبدو الأردن كهدف رئيس للتنظيم الذي نصّب نفسه دولة إسلامية، «المعروف أيضًا باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام؛ داعش». لقد شن تنظيم الدولة تقريبًا هجمات في جميع الدول المجاورة للأردن. في مايو 2015، كان هناك هجوم دموي على مسجد في المملكة العربية السعودية. وفي نوفمبر، كان هناك هجوم على طائرة روسية في مصر. كما ضرب التنظيم مركز تسوق عراقي، في يناير 2016، وهو يستهدف أيضًا قوات النظام السوري منذ سنتين. ومنذ عام 2014، قتل 18 ألف عراقي مدني. وفي عام 2015 وحده، قتل نحو ألفي سوري.علاوة على ذلك، يواجه اقتصاد المملكة الهاشمية تحديات خطيرة، مع بطالة في شريحة الشباب تصل إلى 28.8 في المئة، وفقًا للإحصاءات الأخيرة لمنظمة العمل الدولية. وقد دفع الوضع الاقتصادي بالتأكيد بعض الأردنيين- حوالي ألفين – لمغادرة البلاد للانضمام إلى التنظيم، وفقًا لمسئولين حكوميين.«وقد لاحظت دراسة لبنانية، استُشهد بها مؤخرًا من قِبل مساعد وزير الدفاع الأمريكي، مايكل مبكين، أن الاعتبارات المالية تُعدّ عاملًا مهمًا، لكن بالتأكيد ليست هي العامل الوحيد في دفع المدنيين نحو الانضمام إلى الدولة الإسلامية».بعبارة أخرى، يبدو أن البلاد جاهزة للمتاعب. لكن لم ينفّذ التنظيم هجومًا واحدًا واسع النطاق داخل المملكة. فالوفيات داخل البلاد من حوادث مرتبطة بالتنظيم تقف عند خمسة أشخاص على الأكثر، بل إنه ثمة تنازع بشأن الهجوم الذي أدى إلى هذه الوفيات. من هنا، ما الذي يقوم به الأردن؟.مثَّل القربان الذي قدّمته «الدولة الإسلامية» في عام 2015، من خلال القبض على الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، في سوريا، لحظة توحيد داخل البلاد. بينما قبل شهر من الهجوم، كان يعتقد 72 في المئة فقط من الأردنيين أن تنظيم الدولة ينبغي أن يُصنّف كجماعة إرهابية، فإنه بعد وفاة الكساسبة قفزت هذه النسبة إلى 95 في المئة من السكان، وهي نسبة مذهلة. كما دعت جماعة الإخوان المسلمين الأردنية ذات النفوذ، في الوقت نفسه، عملية القتل بأنها شنيعة وإجرامية.لكن الغضب الشعبي الذي أعقب الوفاة الوحشية للكساسبة لا يمكنه أن يفسّر تمامًا نجاح عمّان في تجنب هجمات التنظيم بأخذ ما سبق في الاعتبار. تقوم هذه الجماعة الإرهابية بأعمال وحشية ومروعة في أي مكان تذهب إليه. أما الحقيقة الثانية في حماية الأردن من هجمات التنظيم فهي أن أجهزة الأمن مدربة تدريبًا جيدًا في البلاد. «لدى الأردن أجهزة عسكرية وأمنية قوية على الرغم من مشاكلها الاقتصادية»، في مقابلة معي يقول حسن أبو هنية، المؤلف المشارك لكتاب «تنظيم الدولة الإسلامية والجهادية السلفية السابقة»، والذي كان قد سُجن 12 مرة. ومصنفًا في المرتبة السابعة على مستوى العالم، من قبل وكالة الاستخبارات المركزية، فيما يتعلق بالنفقات العسكرية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، لدى الأردن ما يقرب من 100 ألف فرد نشط و65 ألف ضمن قوات الاحتياط، وفقًا لتقارير.وعلاوة على ذلك، بالتعاون مع كبار وكالات الاستخبارات الغربية، لدى الأردن عقود من الخبرة في مجال مكافحة الإرهاب، حتى أنه لدى وكالة المخابرات المركزية كوادر فنية تُعدّ «جزءًا لا يتجزأ تقريبًا» في مديرية المخابرات العامة الأردنية. وقد قامت الوكالتان بإجراء عمليات مشتركة رفيعة المستوى تمثل أحد أكبر نجاحات عمّان المخابراتية في توفير المعلومات الاستخبارتية الحاسمة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التي أدت إلى وفاة قيادي تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي. مشيدًا بمديرية المخابرات الأردنية، قال ضابط وكالة الاستخبارات المركزية السابق مايكل شوير، لصحيفة لوس أنجلوس تايمز، إن «دائرة المخابرات العامة الأردنية لديها تمكن أوسع [في الشرق الأوسط] من الموساد». وفي مقال نشر في ذا أتلنتيك، وصف المؤلف جيفري غولدبرغ مديرية المخابرات الأردنية بأنها «الأكثر احترامًا بين أجهزة المخابرات العربية».لكن حتى القوة العسكرية في الأردن، مع ذلك، لا يمكن أن تفسر تمامًا الكيفية التي تجنبت بها البلاد حتى الآن هجمات تنظيم الدولة. تمتلك مصر جيشًا كبيرًا وممولًا تمويلًا جيدًا، أيضًا، إلا أن المسلحين المصريين التابعين لتنظيم الدولة قد اقتطعوا أراضيَ لهم في سيناء. من هنا، إن الفضاء السياسي الأكثر انفتاحًا نسبيًا للأردن هو مفتاح الحل. خلال انتفاضات الربيع العربي في عام 2011، اعتمدت عمان النهج السلمي الذي تجنب خسائر كبيرة، في حين أن النظامين السوري والليبي قد استخدما القوة المفرطة لقمع خصومهم السياسيين، «وفي وقت لاحق، قاما بتنفير أجزاء واسعة من البلاد وترك تنظيم الدولة لاستغلال وجوده». على سبيل المثال، عند استجابته لاحتجاجات مكافحة الفساد، قام الملك عبد الله، عاهل الأردن، بسرعة، بإقالة رئيس الوزراء، سمير الرفاعي، جنبًا إلى جنب مع مجلس الوزراء. وحركت الحكومة الانتخابات البرلمانية بعد عامين في يناير 2013، وتجنبت قوات الأمن إلى حد كبير شن حملة قاتلة على المتظاهرين، خلافًا لما حدث في دمشق وبنغازي.وعلاوة على ذلك، بعد أن ثارت الاحتجاجات في محافظة معان العام الماضي جرّاء مزاعم عنف الشرطة، استقال وزير الداخلية، حسين المجالي، بسرعة، وأقالت الحكومة الأردنية مدير مديرية الأمن العام. لقد منع عمل عمان الحاسم الفوضى واسعة النطاق. باختصار، على الرغم من أن النزاع قد يتحول بسرعة إلى صراع دموي جدًا مع وجود مسلحين متطرفين على استعداد لاستغلال السخط، استجابت الحكومة الأردنية إلى بعض مطالب مواطنيها، وحافظت على وحدة الأمن في المنطقة.ونتيجة لاستجابة الحكومة للربيع العربي، فإن «الأردن من بين عدد قليل من الدول العربية – على الرغم من أنه ليس ديمقراطيًا – لمّا يزل يمتلك مساحة مفتوحة للناس للتعبير عن همومهم ومطالبهم»، يقول عريب الرنطاوي، مدير مركز أبحاث القدس للدراسات السياسية في عمّان.إن دور الإسلاميين في الأردن أمر بالغ الأهمية أيضًا. لقد كفّ السلفيون الأردنيون البارزون، بمن فيهم أبو قتادة وأبو محمد المقدسي، عن إصدار فتاوى تدعو للعنف ضد النظام الأردني وأدانوا علنًا تنظيم الدولة. يُعدّ المقدسي المرشد الروحي للزعيم الأردني السابق لتنظيم القاعدة في العراق، أبو مصعب الزرقاوي. وهو يعتقد أن تنظيم الدولة «منحرف» أيديولوجيًا. وبالمثل، يساند أبو قتادة النصرة في سوريا، وقد أدان ذبح تنظيم الدولة للصحفيين بأنه «غير إسلامي».