محتوى مترجم
المصدر
مجلة “تقييم استراتيجي” الصادرة عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي
التاريخ
2016/04/01
الكاتب
كوبي مايكل ويوئيل جوزانسكي

نظرة إلى المستقبل

تُمثل الزيادة في أعداد الدول الفاشلة الناتجة عن الاضطرابات الإقليمية في الشرق الأوسط تهديدًا للاستقرار بالمنطقة والنظام الدولي. وبالتالي، ما قد يبدو للوهلة الأولى كصراع بين التنظيمات المسلحة والقوات الحكومية، كما في سوريا، والعراق، ليبيا، واليمن، والسلطة الفلسطينية، هو في الواقع صراع بين القوى العالمية والإقليمية، بين الشيعة والسنة (أو بين إيران والسعودية، الدولتين الرائدتين في المعسكرين على التوالي)، وحتى بين السنة المعتدلين والسنة السلفيين الجهاديين.بينما لا تعد الدول الفاشلة والضعيفة جديدة على الشرق الأوسط، اتخذت المشكلة بعدًا جديدًا مع اندلاع أحداث الربيع العربي. تحدث المراقبون المتشائمون مثل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر عن مساحات فارغة ترمز إلى الانفلات الأمني، والتي قد تصبح مهيمنة على خريطة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتمثل اليمن، والصومال، وليبيا، والعراق، ومالي، وسوريا، وشبه جزيرة سيناء، دراسات حالةٍ للدول الفاشلة أو المنهارة.يُظهِر تحليلٌ لسمات الهياكل الاجتماعية والسياسية للسلطة الفلسطينية أن السلطة الفلسطينية تصبح بالتدريج “مساحة فارغة” إقليمية أخرى. بالفعل، يعكس الواقع في أراضي السلطة الفلسطينية أعراضًا واضحة لفشل الدولة مشابهة لأعراضٍ محددةٍ في دول الشرق الأوسط المنهارة أو الفاشلة في حقبة ما بعد الربيع العربي.

يجب أن تقوم عملية بناء الدولة الفلسطينية بالتركيز على إعادة بناء المجتمع جنبًا إلى جنب مع إعادة بناء النظام ومؤسساته.

وبالتالي، فمن غير الواقعي أن نعتقد أنه في حالة السلطة الفلسطينية سوف تكون التطورات صعبة جدًا دون تدخل ودعم المجتمع الدولي في عملية بناء الدولة الفلسطينية، بطريقةٍ تضمن جودةً معقولة لصفات الدولة.تعتبر القيادة الفلسطينية، إلى جانب بعض العناصر في إسرائيل والمجتمع الدولي، تأسيس دولةٍ فلسطينية شرطًا مسبقًا لإجراء التحسينات اللازمة على أداء الدولة الفلسطينية. ومع ذلك، وعلى الرغم من أهمية التوصل إلى تسوية سياسية – وفي حين أن الاتفاق من شأنه أن يساعد على نحو محتمل – لا نعتبره شرطًا مسبقًا. في ضوء حقيقة أن فرص التوصل إلى مثل هذا الاتفاق في الظروف الحالية منخفضة جدًا، فإن اختيار عدم إصلاح الإخفاقات وتحسين دولة الفلسطينيين والبنية التحتية المؤسسية من شأنه أن يمثل خطأً كبيرًا سوف يؤدي إلى المزيد من التدهور في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية.مثل هذا التدهور يمكن أن يتضح في تفاقم الظروف المعيشية ورفاهية السكان المحليين، وزيادةً في الإحباط واليأس، وفقدانٍ للأمل، والميل إلى العنف، وقد يُترجَم كل ذلك إلى تصعيدٍ وإلى المزيد من التآكل لثقة الجمهور في قيادته وشرعيتها.تعتبر المنطقة المحدودة (حتى وإن كانت منطقة مستقبلية وفق حدود 1967 مع تبادلٍ للأراضي مقبول من الطرفين)؛ والاعتمادية الاقتصادية العالية على إسرائيل، شروطًا مسبقة مُقيِدة وإشكالية تؤثر على القابلية المحتملة للدولة الفلسطينية المستقبلية، التي تعد فرصها للوجود المستقل معتمدة على مدى التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، وجودة دولتها وأدائها المؤسسي. يمكن لهذين العنصرين أن يتطورا في غياب تسوية نهائية؛ ويمكن لتطورهما بدوره أن يساعد في تأسيس الدولة الفلسطينية، وتوفير ظروفٍ أفضل لتسريع العملية السياسية والتوصل إلى اتفاق.لن يكون المجتمع الدولي قادرًا على تجاهل الحاجة إلى مواجهة ظاهرة الدول الفاشلة، بسبب تأثيرها غير المباشر والمباشر على الاستقرار العالمي والإقليمي. ببعض الوسائل الفعالة، يمكن للسلطة الفلسطينية، التي لا تعد أوضاعها بخطورة أوضاع سوريا وليبيا واليمن، أن تمثل نموذجًا إيجابيًا ونجاحًا لهذا النوع من التدخل، شريطة أن يحدث ذلك قريبًا، دون أوهام، ومع تولية اهتمامٍ دقيق لدروس السنوات العشرين الماضية الخاصة بفشل المساعدات الدولية في تحقيق النتائج المرجوة.بالإضافة إلى الجهود الجبارة التي يبذلها المجتمع الدولي لتجديد العملية السياسية، التي تهدف إلى تأسيس دولة فلسطينية، من المهم أيضًا استثمار الجهود الفكرية والموارد المطلوبة ضمن الخطوات اللازمة لبناء دولة فلسطينية.

من المشكوك فيه أن نموذج الوصاية الدولية مع الوجود المادي لفرقة عمل دولية يمكن أن يناسب الحالة الفلسطينية في هذا الوقت.

يجب أن تقوم عملية بناء الدولة الفلسطينية جزئيًا على افتراض أن إعادة بناء الدول الفاشلة يتطلب تركيزًا كبيرًا أيضًا على إعادة بناء المجتمع جنبًا إلى جنب مع إعادة بناء النظام ومؤسساته. تتمثل الوصفة الأهم لبناء دولةٍ بشكل ناجح وإعادة بناء الدولة الفاشلة في إعادة تشكيل هيكل القوة من أسفل إلى أعلى، بناءً على فهم أن هيكل القوة غير الشرعي، وغير المُمثِل والمشوه يمثل جزءً من المشكلة الكامنة. وبالتالي، لابد من معالجة ذلك بطريقة تضمن شرعية واسعة النطاق، وتقاسم وتوزيع أصول الدولة والنفوذ السياسي.من المشكوك فيه أن نموذج الوصاية الدولية مع الوجود المادي لفرقة عمل دولية يمكن أن يناسب الحالة الفلسطينية في هذا الوقت، بعد 22 عامًا من الوجود المستقل. هذا النموذج من شأنه أن يُنظَر إليه من قبل الفلسطينيين كصورة من الاستعمار الجديد الذي يحمل المزيد من التأجيل لفلسطين المستقلة، وسيتسبب بأكبر ضرر عبر تحييد تأثير الفلسطينيين المباشر على العملية. وعلى الجانب الآخر، تُبيّن التجربة أنه إن تُركت العملية للسلطة الفلسطينية بشكل منفرد، سوف يكون هناك أملٌ ضئيلٌ في تطوير دولةٍ فعالة، وسوف تنمو فقط فرص إنشاء دولة فاشلة تمثل مركزًا لعدم الاستقرار الإقليمي وخطرًا أمنيًا على إسرائيل، وكذلك الأردن وعلى الأرجح مصر.تتطلب الحالة الفلسطينية إلقاء نظرة صادقة ومتماسكة على 22 عامًا من عمليةٍ سياسية فشل فيها الفلسطينيين في بناء كيان دولةٍ فعالة. يشهد كياناً شبه الدولة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية عملية خطيرة من فشل الدولة، والمجتمع الدولي عاجز عن إيقافها. يجب أن تكون هناك عملية مسئولة، ومضنية، ومستمرة ومنظمة لبناء دولة تلعب فيها إسرائيل دورًا هامًا، وتعالج سلسلةً كاملة من أسباب الحالة الراهنة للوضع في السلطة الفلسطينية، من أجل ضمان توقف عملية فشل الدولة.ليس هناك أملٌ حقيقي في تطور الوضع في فلسطين، إذا ظل الوضع بين الضفة الغربية وغزة كما هو. علاوة على ذلك، من الضروري إلقاء نظرة واقعية على الواقع الإقليمي في صحوة الاضطرابات الإقليمية، التي كشفت فجأة وبشكل متفجر التعقيد والخطورة الكامنين في ظاهرة الدول الفاشلة.يتمثل الآن التحدي الذي يواجه السلطة الفلسطينية، وإسرائيل، والمجتمع الدولي في تبديد الشك السائد حول أن الفلسطينيين سوف يكونون في يومٍ ما قادرين على بناء دولة وطنية فعالة، حتى ولو بمساعدةٍ دولية.