البيانات هي النفط الجديد.
كلايف همبي، عالم رياضيات ورجل أعمال بريطاني.

بعد خسارته لثلاث مرات من بوريس بيكر، حاول أندريه أغاسي لاعب التنس الأسطوري التفكير في حل يمكّنه من هزيمة خصمه. بعد مشاهدة اللقاءات مع بيكر، أدرك أغاسي أنّ بيكر يحرّك لسانه بطريقة معينة عند الإرسال؛ كانت هذه الحركة تخبر عن المكان الذي سيرسل بيكر الكرة إليه.

من خلال هذه البيانات تمكن أغاسي من التغلب على بيكر لمدة سنوات وفي العديد من اللقاءات الهامة، حتى أنّه تمكن من هزيمته لثماني مرات على التوالي، وفي المحصلة النهائية 10-4، أي أنّه لم يخسر سوى لقاء واحد فقط بعد هذا الاكتشاف.

الأمر الذي كاد يصيب بيكر بالجنون، فكان بعد انتهاء اللقاء وعودته إلى المنزل يخبر زوجته أنّه يشعر وكأنّ أغاسي يقرأ أفكاره بالفعل. لاحقًا اعترف أغاسي لبيكر بالحادثة، وكيف تمكن من هزيمته خلال هذه السنوات.

حسنًا، الأمر ليس في التنس فقط، لكنّه أيضًا في عالم الأعمال، حيث كل شيء في العالم الرقمي يعتمد على البيانات. تسعى الشركات لامتلاك نموذج عمل دائم، والحقيقة أنّ البيانات هي منجم ذهب خفي حقيقي للشركات، يمكنها من تعزيز أرباحها أو خلق مصادر جديدة للربح، في حالة تمكنت من استخدامها بطريقة صحيحة. إذن كيف يمكن لشركتك أن تجني الأرباح من بيانات عملائك؟

البيانات كمصدر للأرباح: فيسبوك نموذجًا

يفية عمل نموذج العمل الخاص بشركة فيسبوك
توضيح لكيفية عمل نموذج العمل الخاص بشركة فيسبوك

بلغت إيرادات منصة فيسبوك في عام 2020 حوالي 86 مليار دولار تقريبًا، منها 84.2 مليار دولار من الإعلانات فقط، أي أنّ حوالي 98% من إجمالي الدخل الخاص بفيسبوك يأتي من الإعلانات. بالتأكيد يوجد سبب يجعل فيسبوك قادرة على تحقيق هذا الرقم، فهي واحدة من كبرى شركات التقنية في العالم، وتُصنف ضمن مجموعة الخمسة الكبار حول العالم في التقنية، مع: ألفا بيت (الشركة الأم لجوجل)، أبل، مايكروسوفت، أمازون.

السبب الرئيسي في ذلك هو قدرة فيسبوك على استثمار البيانات للحصول على إيرادات من خلالها. على الرغم من أنّ التسجيل حتى الآن مجاني، وسيظل كذلك حسب ما تقوله الشركة دائمًا، لكنّها تحصد ما هو أكثر من ذلك بواسطة البيانات؛ عملًا بالمقولة الشهيرة: «إذا لم تدفع لشراء المنتج، فاعلم أنّك المنتج الذي يُباع». وهذا ما تفعله فيسبوك مع العملاء، فهم منتجها الذي تبيعه إلى الشركات من خلال البيانات.

تستفيد الشركات الأخرى من هذه البيانات، إذ يمكنها إجراء إعلانات على فيسبوك بأنواع مختلفة من الإعلانات، مع إمكانية الاستهداف التفصيلي للعملاء المحتملين. نتيجة امتلاك فيسبوك لهذه البيانات، فيمكنها تحسين نتائج الإعلانات التي تنتج معدل تحويل، يمكّن أصحاب الشركات من تحقيق الأرباح. تتيح فيسبوك كذلك استثمار بيانات العملاء من خلال منصة انستغرام التي تملكها، فتزيد من فاعلية أداء الإعلانات لهذه الشركات.

حتى تفهم قيمة البيانات الفعلية، فعلى الرغم من استحواذ فيسبوك على واتساب في 2014 بقيمة بلغت 19 مليار دولار، إلّا أنّها حتى الآن لم توفر على التطبيق إعلانات، وتتيح استخدامه مجانًا. لكن استفادتها الحقيقية هي من خلال بيانات العملاء على التطبيق، التي توفّر لها القدرة على فهم المستخدمين بطريقة أفضل، وبالتالي تتمكن من تحسين أداء الإعلانات واستثمار البيانات.

في فبراير من العام الحالي، نُشر على موقع فوربس تقرير بعنوان: أبل × فيسبوك – من سيفوز في حرب خصوصية البيانات؟.

يشير التقرير إلى التحديث الجديد لخصوصية البيانات الذي أقرته شركة أبل لمستخدمي نظامها IOS، وأنّها ستتيح لهم التحكم في البيانات التي يشاركونها مع التطبيقات الأخرى، بالتالي لا يمكن لأحد حصد بيانات المستخدمين لاستخدامها من أجل الإعلانات. بالطبع هذه ضربة قوية لفيسبوك، الذي يحاول إنشاء تكامل بين منتجاته المختلفة، لخلق منظومة من استثمار البيانات، وتطويعها لصالح الشركات لتحسين أداء الإعلانات.

يؤكد التقرير على قيمة البيانات في الحرب بين الشركات، لا فيسبوك وأبل فقط، وأنّ الشركات الكبرى تحاول استثمار منجم الذهب هذا لصالحها في مواجهة بقية الشركات. فالشركات مثل فيسبوك لا تخشى من المنافسين الاعتياديين، لكنّها تخشى من الشركات التي تملك السيطرة على البيانات.

التنقيب في منجم الذهب: 4 طرق تساعدك على الاستفادة من بيانات عملائك

ظهر مصطلح تسييل البيانات (Data Monetization) كتعريف لعملية الاعتماد على البيانات من أجل زيادة الإيرادات. بالتالي، يمكن للشركات الاعتماد على تسييل البيانات من خلال استثمارها بمجموعة من الطرق المختلفة، يتطلب ذلك النظر إلى البيانات على أنّها مورد وأصل حقيقي تملكه الشركة، يمكنها من تحقيق العديد من الفوائد.

من أهم النماذج التي تشرح طريقة تحسين مستوى الاستفادة من البيانات في الشركات هي، مؤشر نضج نموذج عمل البيانات الضخمة (Big Data Business Model Maturity Index) الذي طوّر بواسطة بيل شمارزو، الذي يشتهر بكونه عميد البيانات الضخمة، نتيجة لمجهوداته في هذا المجال.

يشرح بيل في النموذج الخطوات الفعلية لامتلاك نموذج عمل قائم على البيانات، يتضمن البدء بتقييم الأعمال لاستخراج الرؤى المفصلة والاستفادة منها في تحسين الأعمال التجارية، وكذلك الاستفادة منها خارجيًا من خلال بيع البيانات إلى الشركات الأخرى، أو غيرها من طرق الاستفادة من البيانات.

مؤشر نضج نموذج عمل البيانات الضخمة
مؤشر نضج نموذج عمل البيانات الضخمة

بالطبع لا يوجد قيود على طريقة استثمار البيانات، فيوميًا توجد العديد من الطرق التي تتطور في كيفية الاستفادة من هذه البيانات. توجد أربع طرق أساسية يمكنها مساعدتك على الاستفادة من بيانات عملائك كالتالي:

1- اتخاذ القرارات بناءً على البيانات

تعتمد هذه الطريقة على توظيف البيانات داخليًا دون الحاجة إلى بيعها أو مشاركتها مع أطراف خارجية. لكن في الوقت ذاته يمكن لك الاستفادة من البيانات في اتخاذ القرارات، التي تساعد على تحسين الأداء، ومن ثم يمكنك تحسين مبيعاتك. من أهم أشكال الاستفادة من البيانات في هذه الطريقة:

تقسيم العملاء إلى مجموعات

تعد شرائح العملاء جزءًا رئيسيًا من نموذج العمل التجاري للشركات، وذلك لأنّه مضى زمن تقديم المنتجات ذاتها إلى جميع العملاء، إلّا في حالات قليلة قد لا يؤثر فيها التقسيم. بالتالي، تلجأ الشركات إلى إجراء هذا التقسيم عند إنشاء نموذج العمل الخاص بها في بداية عملها.

من خلال العمل المستمر وجمع البيانات، يمكن للشركة معرفة إذا كانت هذه التقسيمات ذات فاعلية أو لا، ومن ثم تحدث تغييرات عليها، حتى يكون بإمكانها الوصول إلى التصور المناسب لشخصية العميل في كل تقسيم للعملاء. من خلال ذلك سيكون بإمكانها توجيه مجهوداتها التسويقية بالطريقة الصحيحة إلى العملاء.

تطوير فرص لتحقيق الأرباح

لا يقتصر الأمر فقط على تقسيم العملاء، لكن يمكنك أيضًا استثمار البيانات في تطوير المزيد من الفرص لتحقيق الأرباح، من خلال اكتشاف المزيد عن العملاء واهتماماتهم، وبالتالي تحرص على تطوير منتجاتها وخدماتها الحالية وفقًا لذلك، أو تطوّر مجموعة جديدة من المنتجات. يمكن للشركات أيضًا تقديم خدمات إضافية لتعزيز عملية البيع.

على سبيل المثال من أهم طرق زيادة الأرباح للمتاجر الإلكترونية، هي الاعتماد على ترشيح المنتجات أو الخدمات التكميلية إلى العملاء، بناءً على عمليات الشراء التي يرغبون في شرائها. مثلًا إذا كان المتجر يبيع منتجات رياضية، فإذا قرر الشخص شراء زي رياضي، يمكن للمتجر أن يظهر له منتجات إضافية مثل شراء حذاء رياضي، مع خصومات للشراء لتشجيعه على اتخاذ القرار.

تحسين تجربة المستخدم

تعتمد بعض الشركات على نموذج العمل القائم على الاشتراك، فبدلًا من شراء الشخص للمنتج مرة واحدة فقط، تتيح له قائمة كبيرة من المنتجات لفترة طويلة من الوقت. من أهم الأعمال التي تعتمد على نموذج عمل الاشتراك، هي منصات المشاهدة مثل نتفلكس وشاهد وغيرها. بالنسبة لهذه الشركات فالبيانات هي ليست وسيلة لزيادة الأرباح فقط، ولكنّها تساهم في الحفاظ على عملائها لأطول فترة ممكنة، لا سيّما وأنّ هذا هو المصدر الأساسي لأرباحها، لا جذب عملاء جدد باستمرار.

بالتالي من خلال البيانات يمكن للشركة تحسين تجربة المستخدم لمنصاتها، من خلال استثمار مشاهدات العميل وتفضيلاته، لترشيح المزيد من الأعمال له ليشاهدها. كلّما وجد العميل أعمالًا جديدة تتفق مع اهتماماته، سيقرر تجديد الاشتراك في هذه المنصات دائمًا حتى يشعر أنّه لم يعد هناك جديد بالنسبة له للمشاهدة.

اتخاذ القرارات المختلفة

بدون بيانات، أنت فقط شخص آخر يملك رأيًا لا معلومات.
ويليام ديمنغ، مهندس تصنيع الأمريكي.

تحتاج الشركات إلى امتلاك البيانات عند الرغبة في اتّخاذ أي قرار مهم بالنسبة لها، إذ لا يمكن أبدًا الاكتفاء بالآراء أو التصورات الشخصية لتنفيذ القرار الصحيح. بل لا بد من امتلاك معلومات كافية لذلك، وهذه المعلومات بالنسبة للأعمال التجارية تأتي من خلال البيانات.

يمكن استثمار البيانات في قرارات كثيرة مثل: تحديد إستراتيجيات التسعير، كيفية التعامل مع المخاطر، تنفيذ الحملات والإستراتيجيات التسويقية المستخدمة مثل التسويق عبر البريد الإلكتروني، تحسين أداء خدمة العملاء. ببساطة، كل قرار يمكن اتخاذه بالاعتماد على البيانات، قد يكون سببًا في تطوير أداء الشركة، وبالتبعية زيادة المبيعات.

إذا كنت تبحث عن الاستفادة من البيانات داخليًا بالطريقة المناسبة لك، فبإمكانك توظيف المتخصصين في التسويق من موقع مستقل، لمساعدتك على إنجاز هذا الهدف، وإعداد تقارير حول كيفية توظيف البيانات التي تملكها الشركة حاليًا، لاتّخاذ القرارات المناسبة لتحسين الأداء.

2- توريد وبيع البيانات

من طرق الاستفادة من البيانات كمصدر للأرباح هي الاعتماد على بيعها وتوريدها إلى الجهات المهتمة بها. بالنسبة لبعض الشركات تعتمد على هذا النموذج كمصدر عمل أساسي بالنسبة لها، وهي الشركات المتخصصة في أبحاث السوق، إذ تعتمد هذه الشركات على إنشاء بحوث في مجالات مختلفة، وتبيع هذه البيانات إلى المهتمين بها.

تختلف آلية بيع البيانات بالطبع، فبالإمكان بيع البيانات كمادة خام، أي البيانات المجردة التي تم تجميعها فعلًا دون أي تعديل أو تحليل. يمكن كذلك بيع البيانات من خلال تحليلها وإعداد تقارير برؤى واضحة، حتى تتمكن الشركات الأخرى من الاستفادة بهذه النتائج. بالطبع يكون سعر بيع الآلية الثانية أغلى من الأولى، وفقًا لحجم المجهود في إعداد التقارير النهائية.

يمكنك الاستفادة من هذه الطريقة لامتلاك أكثر من مصدر لتحقيق الإيرادات، الأولى هي البيع المفرد للمنتجات، مثلًا تبيع شركات أبحاث السوق التقرير بقيمة معينة. الثانية هي الاعتماد على تقديم خاصية الاشتراك في خدماتك، للراغبين في الحصول على المحتوى باستمرار، مثلًا تتيح شركات أبحاث السوق الاشتراك في المنصة بمجموعة مختلفة من الباقات، للراغبين في الولوج إلى المحتوى الموجود لديها.

إذا أردت الاعتماد على هذه الطريقة، فمن المهم إدراك ضرورة استئذان العملاء بشأن مشاركة هذه البيانات مع جهات أخرى، ومعرفتهم بأنّك تستخدم البيانات لهدف البيع، حتى لا يتسبب ذلك في مشكلة من العملاء الذين يجدون هذا الفعل مخالفًا للقانون، ويتقدمون بشكاوى في حق الشركة التي تفعل ذلك.

3- العمل كوسيط للإعلانات

تشتهر فيسبوك بكونها النموذج الأشهر في هذا الشأن كما ذكرنا في الفقرة الأولى، وكذلك جميع شبكات التواصل الاجتماعي تعتمد عليها كمصدر أساسي للدخل. تسعى الكثير من الشركات إلى استثمار هذه الطريقة للاستفادة من البيانات، من خلال العمل كوسيط للإعلانات بين الشركات الراغبة في الإعلان، وعملائها الحاليين. يمكن استثمار هذه الطريقة بأشكال متعددة من بينها:

  1. تقديم مساحات إعلانية على الموقع الخاص بالشركة للراغبين في الإعلان عليها.
  2. إعلانات في المقالات المنشورة على مدونة الشركة، بين أجزاء المحتوى.
  3. إعلانات على التطبيق الخاص بالشركة تظهر في أثناء التصفح.
  4. إعلانات على صفحات الشركة في مواقع التواصل الاجتماعي، سواءً ما بين الفيديوهات أو في المنشورات أو البودكاست الخاص بها.
  5. الاشتراك في برامج الإعلانات مثل Google AdSense التي تتيح للناشرين الاشتراك معها، وتُظهر إعلانات على المواقع أو التطبيقات التابعة لهم، في مقابل حصولهم على أموال كمقابل لذلك.

تبدو هذه الطريقة غير مكلفة للبعض، ويمكن إنتاج المزيد من أشكال الربح من خلالها. لذلك تسارع العديد من المشاريع إلى التفكير بها كمصدر أساسي لتحقيق الإيرادات في نموذج العمل. لكن في الحقيقة هذا الأمر ليس سهلًا كما قد يبدو، إذ يُطرح سؤال هام في هذه الحالة: لماذا ستقبل الشركة الاعتماد عليك كوسيط للإعلانات؟

الإجابة هي: نوعية وكم البيانات التي تملكها لتقدمها لهذه الشركات. ببساطة، إذا لم يكن لديك قاعدة كبيرة من العملاء، يمكن للشركات الأخرى أن تستفيد منها لأنّها تضم عملاءها المحتملين، فلن يقبل أحد على الاعتماد عليك كوسيط للإعلانات. لذلك أنت بحاجة إلى امتلاك قاعدة كبيرة من العملاء أولًا، ثم ثانيًا استهداف الشركات التي تملك نوعية العملاء التي لديك، فتتولد إمكانية لتحقيق استفادة حقيقية من الطرفين.

4- أدوات دعم التحليل في الشركات

قد لا تتعلق هذه الطريقة بعملائك الحاليين بطريقة مباشرة، لكنّها قد تكون استثمارًا حقيقيًا لفهمك لكيفية استخدام البيانات فعلًا، وتوظيفك لهذه المعرفة في إنتاج أدوات يمكن للشركات الأخرى الاستفادة منها، مثل أدوات التحليل أو السحابة أو إدارة أنظمة العلاقات مع العملاء.

تعتمد هذه الأدوات ببساطة على كون الشركات الأخرى ليس لديها القدرة على إجراء خطوات تحليل أعمالها باستمرار، وبالتالي فهي تبحث عن أدوات لتساعدها على ذلك. مثلًا تقدم جوجل أداة Google Analytics كوسيلة هامة يمكن لأصحاب المواقع ربطها، والاستفادة منها في تحليل بعض نقاط الأداء في موقعهم، مثل إجمالي عدد الزوار، ومصدر الزيارات، وغيرها. ليتمكن أصحاب المواقع من تطوير الأداء، وإصلاح الأخطاء الموجودة، ومتابعة أهم المؤشرات المؤثرة على مواقعهم.

ختامًا، لا شك أنّ جميع الشركات تسعى إلى تطوير أعمالها، وقد يكون الحل موجودًا لدى الشركة من الداخل، من خلال إعادة تنظيم البيانات وكيفية الاستفادة منها بأفضل طريقة ممكنة. إذ تملك الشركة منجم ذهب حقيقي تحتاج إلى التنقيب داخله جيدًا؛ حتى تدرك الكنوز الموجودة هناك.