في 26 مايو/آيار الماضي، أصدر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس أبو مازن، قرارًا بتعيين حسين الشيخ بمهام أمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، خلفًا للراحل صائب عريقات، في خطوة أثارت جدلًا حول إذا ما كانت جزءًا من ترتيبات خلافة عباس في رئاسة السلطة الفلسطينية التي يثار حولها كثير من المناقشات داخليًّا وإقليميًّا.

وكان عريقات، أمين سر اللجنة السابق وكبير المفاوضين الفلسطينيين، قد توفي في 10 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020 إثر إصابته بداء فيروس كورونا المستجد، كوفيد-19، وظل منصبه شاغرًا طوال الأشهر التالية على وفاته إلى أن حل محله الشيخ بقرار منفرد من الرئيس الفلسطيني. ويشغل الشيخ منصب وزير الشئون المدنية ورئيس لجنة التنسيق المدنية العليا التي تعتبر حلقة الوصل الرسمية بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية.

كان الرئيس الفلسطيني قد عيَّن الشيخ، المقرب منه، عضوًا باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في مطلع العام الجاري. وخلال حوار صحفي تلا ذلك التعيين نفى الشيخ أن يكون هذا نوعًا من أنواع التأهيل له لخلافة أبو مازن، قائلًا: إن «رئيس الشعب الفلسطيني لن يأتي إلا عبر صندوق الاقتراع، وليس عبر التعيين، ولن يأتي أي قائد أو زعيم عبر بروباجندا، أو دبابة إسرائيلية، أو بقرار إقليمي أو دولي، هناك مؤسسات في حركة فتح وفي منظمة التحرير صاحبة هذا الحق في الاختيار.»

إلا أن بعض التقارير الصحفية ظهرت قبيل القرار وبعده، وأشارت إلى أن مباحثات إقليمية تجري بين كل من مصر والأردن والإمارات بشأن رعاية الشيخ كخليفة محتمل وجاهز لرئاسة السلطة الفلسطينية، ضمن مسعًى إقليمي لاستباق حدوث فراغ أو انهيار للسلطة حال خروج عباس من المشهد لأي أسباب مفاجئة، على رأسها الوفاة. في الوقت نفسه أذاعت القناة 13 العبرية تقريرًا قالت فيه إن الشيخ عرَّف نفسه خلال لقائه بوزير الحرب الإسرائيلي بني جانتس بأنه «رئيس فلسطين القادم». ويبلغ الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس من العمر 87 عامًا.

من هو حسين الشيخ؟

الشيخ هو ابن عائلة مهجَّرة من قرية «دير طريف» المحتلة عام 1948. ولد عام 1960 بمدينة رام الله، وأمضى 11 عامًا في سجون إسرائيل، من 1978 إلى 1989. كان الشيخ عضوًا في «القيادة الوطنية الموحدة» في الانتفاضة الأولى.

بعد الانتفاضة عمل الشيخ بقوات الأمن الفلسطيني برتبة عقيد من 1994 حتى 1997، وأصبح مطاردًا ومطلوبًا من قوات الاحتلال خلال الانتفاضة الثانية بين عامي 2000 و2005. لكن في عام 2007 عُيِّن الشيخ وزيرًا للهيئة العامة للشئون المدنية ورئيسًا للجنة التنسيق المدنية العليا (CAC)، كما انتُخِب لعضوية اللجنة المركزية لحركة فتح منذ عام 2008. 

ووفق رئاسته للجنة التنسيق مع إسرائيل يُنظر إلى الشيخ باعتباره أقرب المسئولين إلى دولة الاحتلال، حيث إنها اللجنة الرسمية الوحيدة المعنية بالتواصل معها؛ لذا فهو المسئول الأول عن التنسيق معها منذ خمسة عشر عامًا حتى الآن.

وقد أثير ضد الشيخ كثير من الاتهامات بالتعاون مع جهاز الشاباك الإسرائيلي ضد أعضاء فصائل المقاومة والنشطاء بالضفة الغربية، وكذلك اتهامات من قبل الإعلام الفلسطيني والعبري بالفساد واستغلال منصبه، من ذلك التربح من تصاريح العمل التي يتحصَّل عليها من إسرائيل بحكم منصبه، ثم يبيعها للعمال الفلسطينيين.

وُجِّهت للشيخ كذلك اتهامات بعدد من الجرائم المخلة بالشرف، مثل اغتصاب قاصر، والتحرش الجنسي بزوجة أحد قيادات «شهداء الأقصى»، وغيرها من التهم التي لم يُحقَّق فيها بسبب قربه من الرئيس الفلسطيني ورئيس مخابراته، كما يرى البعض.

محمد اللحام، القيادي بحركة فتح، تحدث لـ «إضاءات» عن الجدل الدائر حول خلافة الشيخ لأبو مازن قائلًا: «موضوع التجهيز لخلافة أبو مازن أعتقد جازمًا أن في ذلك إساءة، ليس للرجل فحسب، بل للمنظومة الفلسطينية؛ لأن تعيين خليفة للرئيس لا يُجهَّز له، بل يتم ذلك من خلال المؤسسات والشرعيات الفلسطينية المتمثلة بمؤسسات منظمة التحرير، وهي المجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية للمنظمة.» 

وعن الشيخ نفسه أضاف اللحام: «هناك هجمة شرسة على السيد حسين الشيخ حتى من الإعلام العبري الذي يشن حملة منظمة عبر تقارير تصفه بالصديق لإسرائيل حينًا، وبالفاسد حينًا آخر، للتأثير على الشارع الفلسطيني وتنميط الرجل بالمتعاون مع إسرائيل وحرقه. كذلك يشن إعلام حركة حماس حملة ممنهجة عبر وسائل إعلامه ومنصاته الإلكترونية تستهدف شخص الشيخ.»

حقيقة نفوذ الشيخ

لا يملك الشيخ وزنًا كبيرًا داخل حركة فتح، وفق مصدر مقرب من الحركة في الضفة الغربية تحدث إلى «إضاءات»، ويعود وزنه الحقيقي إلى علاقته بإسرائيل التي تريده على رأس السلطة، وذلك بناءً على علاقته المتينة بجيشها بسبب طول علاقة التنسيق معه.

ويضيف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه: «خلافة أبو مازن ليست بالأمر السهل، وأعتقد أن أغلب ما نسمعه في الإعلام عبارة عن شائعات لقياس رد فعل الناس. أما عن الخلفاء المحتملين فهناك جبريل الرجوب صاحب الوزن الثقيل داخل الحركة، خاصة في الخليل، كما أنه ابن عائلة كبيرة. وهناك أيضًا اللواء ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات، له أيضًا وزن ثقيل وتأثير كبير في المخيمات كونه ابن شهيد. ومحمود العالول وزنه كبير، خاصة في جنين ونابلس وبقية كتائب «شهداء الأقصى» معه، وهو والد شهيد.»

أما بخصوص الشيخ، فنفوذه يتركز، وفق المصدر، في رام الله، «ومصدر قوته هو قربه من أبو مازن نفسه لأنه يتبنى نفس النهج، بالإضافة لانتمائه لطبقة رجال الأعمال، ولذلك تقف خلفه جماعة رأس المال.»

مصدر آخر من الضفة تحدث لـ «إضاءات» قائلًا: «إن الشيخ ليس له وزن عشائري بالمعنى الفلسطيني، لكن ذلك ليس حائلًا بينه وبين الرئاسة، فالرئيس عباس أيضًا ليس له وزن عشائري ولا يزال يحتل موقعه منذ سبعة عشر عامًا. وكلاهما يتشابهان في كثير من الصفات التي يأتي على رأسها رضا إسرائيل.»

ويتفق المصدران على أن فراغ مكان عباس بشكل مفاجئ يمكن أن يُحدِث حمام دم داخل حركة فتح، حيث إن هناك العديد من الأسماء التي لها وزن وقوة ونفوذ داخل الحركة. وحتى حسين الشيخ الذي ليس له قوة بين القواعد، ولا مؤيدون أو مخلصون له، يمكن بين يوم وليلة أن يصير له ذلك، حيث إن بعض هذه العناصر تُشتَرى بالمال.

ووفق تقارير صحفية عربية، فمن الوارد أن يتم توافق ثلاثي بين حسين الشيخ وماجد فرج وجبريل الرجوب على تقاسُم المناصب الثلاثة التي يَجمعها الرئيس عباس حاليًّا، بحيث يكون الشيخ رئيسًا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومرشح «فتح» لرئاسة السلطة أيضًا، ويتولى الثاني، فرج، قيادة الحركة، فيما تُوكل إلى رجوب رئاسة جهاز المخابرات العامة، ومعها الملف الأمني.

وكان أبو مازن قد اصطحب الشيخ وفرج معه خلال زيارته إلى دولة الإمارات خلال الشهر الماضي لتقديم واجبي العزاء في الشيخ خليفة رئيس الدولة، وتهنئة الرئيس الجديد محمد بن زايد. أما خلال شهر يونيو/حزيران الجاري، فأذاعت قناة BBC العربية خبر نقل عباس على عجل إلى المستشفى ونقل بعض صلاحياته إلى الشيخ، وهو ما نفته الحركة، وقالت إنها أخبار كاذبة تهدف إلى تقويض العلاقات الوثيقة بين عباس وحليفه. كما نفت السلطة الفلسطينية هذا التقرير بشدة؛ مما اضطر القناة إلى حذفه من موقعها على الإنترنت.

ووفق مصادر لجريدة الأخبار اللبنانية، فإن عباس يعاني عددًا من الأمراض المزمنة، منها الضغط الذي يُرافقه منذ قرابة 20 عامًا، ويتلقى بسببه العديد من الأدوية والمتابعة الطبية اليومية من قِبَل طاقم متخصص موجود على مدار الساعة في مقر المقاطعة في رام الله. وكان عباس قد أصيب سابقًا بسرطان البروستاتا قبل أكثر من 14 عامًا، قبل أن يُعالَج، في حين يواصل تلقي علاج وقائي لمنع الانتكاس. كما أنه أجرى عمليتَي قسطرة في القلب، بجانب خضوعه لعملية جراحية في الأذن الوسطى وإصابة سابقة بالتهاب حاد في إحدى رئتَيه، دخل على إثرها العناية المركزة.

صراع النفوذ داخل «فتح»

وقد أثارت تحركات الشيخ غضب بعض القيادات الفتحاوية، وعلى رأس تلك التحركات تعيينه أمينًا عامًّا للجنة التنفيذية دون إجراء انتخابات داخلية كما تتطلب اللوائح الداخلية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بجانب إضرار الشيخ بشعبية الحركة المتداعية بالأساس، وذلك بسبب سمعته التي تحوم حولها الشكوك، وظهر ذلك في هزيمة الحركة في عدد من الانتخابات الداخلية بمؤسسات الضفة الغربية، كان أبرزها مجلس طلاب جامعة بير زيت.

وينص القانون الفلسطيني على تعيين رئيس المجلس التشريعي رئيسًا لمدة 60 يومًا إذا خلا منصب الرئيس، على أن يتم من بعدها إجراء انتخابات رئاسية، إلا أن عباس حل المجلس حتى لا يتولى رئيسه، عزيز الدويك، القيادي في حركة «حماس»، منصب الرئيس طيلة تلك المدة في حال خلو المنصب، واعتُبِر «المجلس الوطني» بمثابة المجلس التشريعي. ويترأس المجلس الوطني روحي فتوح الذي شغل منصب الرئيس عقب وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات وقبل انتخاب محمود عباس.

يقول عادل الغول، القيادي بحركة فتح، في حديث لموقع «إضاءات» عبر الهاتف، إن هناك إجماعًا فلسطينيًّا على أن خلافة عباس لا يمكن أن تتم بشكل طبيعي إلا من خلال إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، وفق ما اتُّفِق عليه بين الفصائل الفلسطينية بالقاهرة، وفق القانون الفلسطيني، حيث يتولى روحي فتوح الرئاسة لمدة 60 يومًا، تُجرى بعدها انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة.

ويضيف الغول: «إن خلافة الشيخ لأبو مازن أمر مستبعد وغير مقبول فلسطينيًّا، وكذلك داخل الحركة؛ لذلك فتوريث السلطة للشيخ الذي لا يتمتع بقبول الشارع الفلسطيني ولا داخل الحركة لا يمكن أن يجري بهذا الشكل، ولكن المطروح، وهو ما عليه إجماع، هو عقد المؤتمر الثامن داخل فتح لانتخاب قيادة جديدة للحركة بعد عباس، وأن تكون هناك مصالحة فلسطينية وفتحاوية بين عباس ومحمد دحلان ومروان البرغوثي وناصر القدوة، تفضي إلى اختيار قائد فلسطيني جديد.»

وبجانب الشيخ فإن هناك عددًا كبيرًا من القيادات الفتحاوية المرشحة لخلافة عباس، يأتي على رأسهم الأسير مروان البرغوثي الذي يقضي خمسة أحكام بالمؤبد داخل سجون إسرائيل منذ اعتقاله عام 2002 لمسئوليته عن كتائب «شهداء الأقصى»، الجناح العسكري لحركة فتح. وقد صرحت زوجة البرغوثي، فدوى، بنيته الترشح للرئاسة بعد عباس لتسليط ضغط دولي ومحلي لإطلاق سراحه. والبرغوثي هو من أشد المعارضين للتنسيق الأمني مع إسرائيل، وهو الشخصية الأكثر شعبية في الحركة وفق استطلاعات الرأي.

هناك أيضًا محمود العالول، نائب رئيس حركة فتح، ووفقًا للوائحها فإنه سيحتل رئاستها لمدة 60 يومًا حتى إجراء انتخابات داخلية. إلى جانبه، جبريل الرجوب، مؤسس جهاز الأمن الوقائي ورئيسه حتى عام 2002، وأمين سر حركة فتح، ورئيس اللجنة الأوليمبية الفلسطينية. يتمتع الرجوب بعلاقات طيبة مع دولة الاحتلال، حيث تُذكر دعوته عام 2012 الوقوف حدادًا لتذكر 11 رياضيًّا إسرائيليًّا قُتلوا في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية على يد مقاومين فلسطينيين في عام 1972.

على الجانب الآخر، يمثل التوريث المحتمل لرئاسة السلطة الفلسطينية مصدر إزعاج لحركة حماس. محمود مرداوي، القيادي بحركة حماس، في حديث لـ «إضاءات»، قال إن عملية التوريث مرفوضة في النظام السياسي الفلسطيني، ويجب أن يعود الجميع للشعب الفلسطيني لاختيار قيادته، نحن توافقنا على انتخابات في العام الماضي ليتسنى لشعبنا أن يختار قيادته بعيدًا عن إرهاصات المرحلة الحالية وإدخال الساحة الفلسطينية في فوضى، لكن هناك فئة متنفذة تريد البقاء والسيطرة على السلطة وفق أجندة بعيدة عن إجماع الحالة الفلسطينية.

ويضيف: «اليوم هناك إجماع فلسطيني بما فيها تيار غير قليل داخل حركة فتح على رفض عملية التوريث التي سيكون لها تبعات خطيرة على النظام السياسي الفلسطيني، كما أن الشكل المشوه في ممارسة السياسة الداخلية الفلسطينية التي تُرسَّخ عبر استدعاء هياكل منظمة التحرير ومسمياتها لتمرير عملية التوريث هو أمر خطير، ويمثل حالة تحايل على إرادة شعبنا وحقه في اختيار قيادته.»

واختتم المرداوي حديثه قائلًا: «ندعو الجميع للذهاب نحو صندوق الاقتراع لتجديد الشرعيات الثلاث الرئاسية والتشريعية ومنظمة التحرير، وإعادة بناء الأجسام السياسية الفلسطينية على أساس برنامج نضالي متفق عليه، لمواجهة اليمين الإسرائيلي الذي يستغل حالة التيه السياسي التي تعيشها السلطة لفرض برامجه على أرض الواقع في الضفة، عبر الضم الصامت والذي يفرض الحقائق على الأرض، وآخرها خطة ضم الأغوار الجنوبية والتي تشكل خُمس مساحة الضفة.»