في 14 أغسطس/ آب 1947 احتفلت باكستان باستقلالها عن بريطانيا. في اليوم التالي مباشرة احتفلت الهند باستقلالها عن بريطانيا أيضًا. لتترك بريطانيا خلفها دولتين مستقلتين لكنهما متناقضتان، فباكستان أغلبيتها مسلمة وهي دولة إسلامية، أما الهند فأغلبيتها هندوسية وهي دولة علمانية.

كان الوصول لتلك اللحظة نتيجة للعديد من المقدمات، سواء لحظة الاستقلال أو التقسيم. عام 1858 خضعت الهند للحكم البريطاني المباشر. وأتى غاندي عام 1920 لتندلع حركة استقلال الهند. غاندي دعا للمقاومة غير العنيفة، وتبنى تلك الدعوة عديد من الهنود على اختلاف طبقاتهم وعقائدهم، لكن ظل المسلمون والسيخ بعيدين عن موافقة غاندي على دعوته للهند كبلد موحد، فلم يؤمنوا أنه تحدث عنهم جميعًا.

مع المقاومة المستمرة، وبعد الحرب العالمية الثانية التي جعلت بريطانيا مملكة منهكة ذات قبضة متراخية على ممالكها المترامية، قررت بريطانيا إنهاء وجودها في الهند وتسليم السلطة لحكومة هندية. لتنشأ بذلك خلافات بين القيادات السياسية في الهند نفسها. تمثلت الخلافات في شخصين، جواهر لال نهرو ومحمد علي جناح.

نهرو كان معارضًا لمبدأ تقسيم البلاد على أسس دينية. وكان نهرو زعيمًا لحزب المؤتمر، وأول رئيس وزراء في الهند المستقلة. أما جناح، زعيم عصبة مسلمي الهند، فكان مصرًا على أن لمسلمي الهند حق تأسيس دولة خاصة بهم. فقد كانت الأغلبية المسلمة تخشى من محاولة الهندوس تهميشهم، رغم التأكيدات الرسمية أن الدولة ستكون علمانية. زاد من مخاوفهم كلام جناح نفسه، فقد كان عضوًا في حزب المؤتمر ومن دعاة الوحدة بين المسلمين والهندوس، لكنه استقال من الحزب بحجة أن الهندوس يسعون لتهميش المسلمين.

التقسيم حل بريطانيا لكل المشاكل

أتت الانتخابات التشريعية التي أجريت بعد الاستقلال لتؤكد أن العصبة الإسلامية لها صوتها الخاص. فقد فازت العصبة وحدها بـ30 مقعدًا مخصصة للمسلمين في المجلس التشريعي المركزي، كما فازت بمعظم مقاعد المقاطعات أيضًا. ورغم نجاح حزب المؤتمر في حصد عدد كبير من المقاعد هو الآخر، لكنه بات مدركًا أنه لا يتحدث نيابة عن كافة الهنود.

نتيجة لهذا الخلاف سافر وزير الدولة البريطاني لشئون الهند وبورما برفقة وفد وزاري إلى نيودلهي كي يحل الخلاف بين حزب المؤتمر والعصبة الإسلامية، ومن ثم يمكن للتاج البريطاني نقل السلطة لحكومة موحدة. تقدم الوفد البريطاني بمقترح لتقسيم الهند وتحويلها إلى اتحاد فيدرالي من 3 مستويات.

الحكومة المركزية في دلهي سيكون دورها مقتصرًا على الشئون الخارجية والدفاع والمالية. ثم تُقسم إلى 3 مجموعات رئيسية من المقاطعات. المقاطعات ذات الأغلبية الهندوسية، والمقاطعات ذات الأغلبية الإسلامية، والمقاطعات البنغالية ذات الأغلبية المسلمة ومعها مقاطعة أسام ذات الأغلبية الهندوسية. ووفقًا لهذا الحل تمتلك حكومات المقاطعات حكمًا ذاتيًا في كل شيء عدا الأمور المخصصة للحكومة المركزية. ويحق لكل مقاطعة الانسحاب من المجموعة التي وُجدت فيها إذا صوت أغلب سكانها لذلك.

لكن فوجئ الوفد البريطاني بالسكان السيخ، الذين سيقعون طبقًا لهذا التقسيم فيما سيصبح باكستان لاحقًا، يطالبون بإقامة دولة مستقلة خاصة بهم. لأن السيخ كانوا معادين للمسلمين منذ عصر الأباطرة المغول. ولعب السيخ دورًا مهمًا في خدمة الجيش البريطاني على حساب المسلمين إلى حد طمعهم في أن يكافئهم البريطانيون بدولة خاصة بهم. لكن كانت المشاكل بين الطرفين الأقوى صوتها أعلى ولم يكن البريطانيون راغبين في الانحراف عن التسوية الكبرى، فرفضوا مطالبهم.

كانت المفاجأة الثانية للوفد البريطاني أن محمد علي جناح وافق على مقترحاتهم. وكذلك وافق قادة حزب المؤتمر. تفاءل الجميع  بقرب حل الأمر، لكن إعلان نهرو قضى على ذلك التفاؤل.

التخلص من كرة النار

في أول مؤتمر صحفي لنهرو بعد إعادة انتخابه رئيسًا لحزب المؤتمر، أن الجمعية الدستورية التي ستنشأ لن تكون ملزمة بأي ترتيبات دستورية سابقة. فرأى جناح في ذلك رفضًا قطعيًا للاتفاق بالتقسيم الفيدرالي. فعقد جناح مؤتمرًا صحفيًا يعلن فيه انسحاب العصبة من الاتفاق. وأطلق الرجل تحركًا مباشرًا في أغسطس/ آب عام 1946 لتحقيق هذا الهدف.

فبدأت حرب أهلية دموية بين الهندوس والمسلمين. بدأت الشرارات الأولى في كالكاتا لكنها امتدت إلى كل ركن في شبه القارة الهندية. هذا الرعب طال الحكومة البريطانية كذلك فقررت الإسراع في تسليم الهند لأي حكومة تريد حكمها. ولهذا فلا بد من القبول بخيار التقسيم بدلًا من انتظار مزيد من المفاوضات السياسية، كذلك لا بد أن يكون انسحاب القوات البريطانية سريعًا.

في يوليو/ تموز 1947 أقر البرلمان البريطاني قانون استقلال الهند. وأمر بترسيم الحدود بين الهند وباكستان في 15 أغسطس/ آب 1947. أي أن ترسيم الحدود التي قسمت شبه القارة الهندية استغرق 5 أسابيع فحسب. فانهارت بذلك أكبر إمبراطورية  في العالم. وبدأت مأساة جديدة يمكن أن تُعتبر من أبشع مآسي القرن العشرين.

فبعد بضعة أيام من فرحة التقسيم بدأت الخلافات حول الحدود. محمد علي جناح قال إنه حصل على باكستان أكلها العث. فكانت باكستان عبارة عن نصفين يفصل بينهما قرابة ألف كيلو متر. وبمجرد إعلان التقسيم نزح 12 مليون لاجئ من الدولة لدولة أخرى. وقُتل نصف مليون شخص في العنف الطائفي. واخطفت عشرات الآلاف من النساء. وبدأت مشكلة كشمير والنزاع حول تبعيته لأي منهما.

قضية كشمير

لم تتعاف الهند ولا باكستان مما حدث بعد التقسيم. فظلت كشمير مشكلة حية لا حل لها حتى اليوم. ومنذ الاستقلال وقعت حربان بين البلدين حول كشمير ذات الأغلبية المسلمة التي يطالب الطرفان بأحقيته بها. نتيجة لهذا الصراع باتت كشمير حاليًا واحدة من أبرز المناطق المدججة بالسلاح في العالم. وتسيطر الصين على جزء منه.

كشمير مشكلة ترجع إلى ما قبل التقسيم. وبموجب خطة التقسيم المنصوص عليها في قانون الاستقلال الهندي يكون لكشمير الحرية في اختيار الانضمام للهند أو لباكستان. اختار هاري سينج، حاكم كشمير آنذاك، الانضمام للهند عام 1947 فاندلعت الحرب واستمرت لعامين.

هدأت الحرب لكن ظل الصراع دائرًا بشكل خفي. حتى تجددت الحرب مرة أخرى عام 1965. ثم لاحقًا خاضت الهند صراعًا مع القوات الباكستانية عام 1999، رافق ذلك الصراع إعلان الطرفين أنهما صارتا قوتين نوويتين. والمعضلة أن كشمير الخاضع إداريًا للهند يدين أغلب سكانه بالإسلام، 60%، لذا فهو الولاية الوحيدة داخل الهند ذات الأغلبية المسلمة.

لكن بعد الحروب التي دارت فيه وحوله أصبح الإقليم مشهورًا بمعدل البطالة المرتفع. وانتهاكات حقوق الإنسان الفجة من قبل القوات الهندية. وظهرت موجات عنف متتابعة على فترات متفاوتة. ففي عام 2016 تفجرت الاشتباكات بعد مقتل الزعيم برهان واني، 22 عامًا، على يد قوات الأمن، وكانت له شعبية ضخمة بين سكان الإقليم. كما قُتل 500 فرد على يد قوات الأمن عام 2018.

استقلال داخل استقلال

كانت باكستان في البداية عبارة عن شطرين، الشطر الثاني استقل لاحقًا بعد حرب شرسة وأصبح بنجلاديش، بعد أن كان باكستان الشرقية. ففي عام 1952 قررت حكومة باكستان أن الأوردية فقط ستكون لغة الدولة، رغم أن غالبية سكان باكستان يعيشون في البنغال الشرقية ويتحدثون البنغالية.

فتحدى البنغاليون هذا القرار، وقاموا باحتجاجات كبيرة لإقرار لغتهم في التعليم والإعلام وطوابع البريد وعلى العملة. في 21 فبراير/ شباط 1952 قام البنغال بعدد من المظاهرات تصدت لها القوات الباكستانية فقتلت 5 طلاب. استمر النزاع 6 سنوات كاملة خضعت بعدها الحكومة الباكستانية وأضفت على اللغة البنغالية صفة الرسمية.

لكن عام 1971 قامت حرب بين باكستان الشرقية وباكستان، فتدخلت الهند لدعم البنغال وتحريضهم للمطالبة بالاستقلال. شرارة الحرب الأولى أطلقتها باكستان بضربها لقاعدة جوية هندية. وانتهت بتوقيع باكستان وثيقة استسلام، بعد أن فر قرابة 10 ملايين لاجئ من باكستان الشرقية إلى الهند. وبالفعل حصل البنغال على الاستقلال، وأصبحت البنغالية هي اللغة الرسمية الوحيدة للدولة الوليدة، وولدت بنغلاديش في تلك اللحظة.

انتهت مشكلة باكستان الشرقية لكن لم تنته مشكلة كشمير. خصوصًا بعد امتلاك الجارتين للقنبلة النووية. ومع إصرار كل طرف فيهما على أحقيته بالإقليم، هذا الإصرار الذي لا ينتهي حتى مع اختيار الإقليم وقاطنيه الانضمام لطرف من الطرفين.