كان مقتل 21 مصريا الحدث المحرك الذي دعا السلطات المصرية للتحرك بشكل معلن أخيرا تجاه الوضع المتردي في ليبيا، ولكن قبل الحديث عن سمات هذا التحرك وتحليله علينا أن نعي جيدا عدة أمور، أولها أنه هؤلاء الـ21 قبطيا، الذين قتلوا بدم بارد من قبل أحد الجماعات التي تتدعي انتمائها لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ليسوا أول المطاف أو نهايته، فقبل مقتل هؤلاء قتل عدد من المصريين أثناء الاشتباكات الدائرة في ليبيا، بالإضافة إلى عديد من حوادث الاختطاف للمصريين الذين يعملون في ليبيا وافرج عن بعضهم بمساعدة وجهاء القبائل المصرية الذين يرتبطون بعدد من قبائل الليبية.

والأمر الثاني الجدير بالاعتبار في هذا الصدد أن كل ما تجنيه مصر الآن في ليبيا ما هو إلا ثمار فشلها السابق وابتعادها عن واحدة من أهم دوائر الأمن القومي المصري، فمنذ السابع عشر من فبراير 2011 عندما اندلعت الثورة في ليبيا اكتفت مصر ببيانات الشجب تارة وبيانات الدعم تارة، ولا يمكننا أن نعتبر الظروف التي كانت تمر بها البلاد مسوغا للانشغال عن مقومات الأمن القومي، بالإضافة إلى أن طريقة التدخل في ليبيا لم تبدأ إلا مؤخرا واعتمدت «الاستراتيجية» المصرية التي بدأت مؤخرا على دعم طرف وكسب عداء طرف آخر غير واضعة في الاعتبار تشابكات الداخل الليبي وتداخل المصالح وحجم العمالة المصرية هناك وخريطة انتشارها ومدى تضرر الاقتصاد المصري حال عودتهم وما يمثله من ضغط اقتصادي كبير، ومن ناحية أخرى مدى تضررهم في حال حسبت مصر على حساب طرف ضد طرف.


مشروع القرار المصري – الأردني

وعقب نشر مقاطع مصورة لمقتل الأقباط المصريين في ليبيا ربما شعرت الإدارة المصرية بالإهانة وفي قرار سريع نفذت ضربات جوية للتنفيس عن الغضب الشعبي الذي تلا نشر المقاطع المصورة، وبعد رد الفعل المصري السريع بدأت خطوات أخرى على مستوى دبلوماسي تمثلت في طرح مشروع قرار عبر الأردن _ العضو العربي غير الدائم بمجلس الأمن _ تضمن المشروع المصري – الأردني رفع حظر السلاح عن ليبيا، وفرض حصار بحري على المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة الليبية «المعترف بها»، ومساعدتها في بناء جيشها حتى تتمكن من التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية وغيره من الجماعات المتطرفة، إضافة إلى إدانة محاولات تزويد أطراف أخرى بالسلاح ودعم المساعي الليبية لمكافحة الأرهاب، ولكن مشروع القرار الذي تم توزيعه على الدول الأعضاء بمجلس الأمن أعيد مرة أخرى للتشاور قبل طرحه على الأعضاء مجددا، جاء هذا في ظل استهجان أطراف دولية وإقليمية الضربة الجوية المصرية مؤكدين أن القرار المصري جاء فرديا ولم يتم التنسيق مع الأطراف، وقال مسؤولون بالبيت الأبيض:

التدخل المصري يختلف عن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق.

ولا ينبع تصريح البيت الأبيض من مدى محورية الاختلاف بين ما فعلته القاهرة ردا على مقتل مواطنيها وما فعلته الأردن عقب مقتل الكساسبة أو حتى ما فعلته الولايات المتحدة عندما قتل سفيرها في ليبيا ستيفنز، ولكن الاعتراض على التدخل المصري جاء كنتيجة للشكل الذي تم به التدخل فلمصر الحق في الدفاع عن أمنها القومي ولكن عندما يتطلب هذا الدفاع تخطي حدودها فعليها التنسيق مع الأطراف الدولية الفاعلة حتى لو كانت الحكومة الليبية «المعترف بها» لا تعترض على مثل هذا التدخل، مع العلم أن أطرافا أخرى لا تستحسن التدخل المصري في ليبيا أيا ما كان شكله وسببه وأن هذه الأطراف لها علاقات قوية ومصالح اقتصادية حيوية مع دولا كبرى تستطيع التأثير لرفض التدخل المصري حتى لو كان منطقيا أو حتى التأثير بما يتضمن عدم قبوله من الغرب وإحراج القاهرة.


الحاجة إلى استراتيجية للتعامل مع الوضع في ليبيا

كانت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للجزائر كأول زيارة رسمية له منذ أن تولى السلطة في مصر مؤشرا على أن القاهرة والجزائر قد ينسقان نحو بناء استراتيجية للتعامل مع الأوضاع في ليبيا، ولكن رد الفعل المصري السريع على مقتل الأقباط في ليبيا ربما يشير من ناحية أخرى أنه لم تكن بالأساس هناك استراتيجية بين البلدين ولكن بشكل آخر محاولات للتنسيق ليس أكثر، ولطالما أن القاهرة انخرطت بالفعل في الداخل الليبي سواء بدعمها غير المباشر لأحد الأطراف أو بعد تدخلها انتقاما لمواطنيها وحفاظا على ماء وجهها أمام شعبها بالداخل، فعليها البدء في التفكير باستراتيجية فعليه لا تقوم فقط على دعم أحد الأطراف ولكن تراعي كافة الجوانب، فقتل الأقباط المصريين كان ردا على دعم مصر لقوات اللواء المتقاعد «خليفة حفتر» والذي يحارب كتائب الثوار والكتائب الإسلامية المتصارعة التي تسيطر على العاصمة وأجزاء أخرى من ليبيا.


التنسيق مع الدول الجارة والحدودية

يمكن أن تنبني هذه الاستراتيجية الجديدة على عدد من الأسس التي تضمن الاستمرارية ومواجهة التطرف وحماية الحدود وحماية المصريين بالداخل كما تشمل تنسيقا متكاملا مع أطراف عدة و أول عنصر يمكن أن تعتمد علية الإدارة المصرية كي تتجنب موقفا مماثلا لما حدث أن يكون هناك تنسيقا كاملا مع الدول الحدودية والدول الجارة لليبيا بما في ذلك التنسيق المعلوماتي وحماية الحدود ومنع تهريب السلاح والاتفاق على دعم العملية السياسية في ليبيا وعدم التعامل مع الأطراف التي لا ترغب في الحوار وتصر على استخدام السلاح، وضرورة أن يقوم محور سياسي مواز للمحور العسكري والأمني للازمة في ليبيا.


التنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي

حتى يكون أي طلب مصري للتدخل في ليبيا مقبولا يجب السعي للوصول لتفاهمات وفتح قنوات اتصال مع الأطراف الأخرى المعارضة للتدخل

التعاون مع الدول المحيطة والمجاورة يستتبع بالضرورة ضرورة التنسيق مع الدول التي ترى في ليبيا خطرا محدقا بها ولدى الدول الأوروبية خاصة إيطاليا وفرنسا واللذان قد يكونوا متعاونان بشكل كبير في حال نسقت مصر معهم بشكل أفضل، وقد يساعدان القاهرة على تمرير قرارات من الأمم المتحدة بخصوص الوضع في ليبيا كما يمكنها تقديم الدعم العسكري واللوجستي اللازم وتقريب وجهات النظر بين القاهرة وإدارة واشنطن بخصوص التوصل لتفاهمات بشأن تنسيق شكل التعامل المصري بالاشتراك مع أطراف دوليين وبتنسيق من الأمم المتحدة على غرار القرار 1973 الذي صدر إبان الحرب ضد القذافي.

ومن ناحية أخرى وبجانب التنسيق مع الأطراف المعنية حتى يكون أي طلب مصري للتدخل في ليبيا مقبولا يجب السعي للوصول لتفاهمات وفتح قنوات اتصال مع الأطراف الأخرى المعارضة للتدخل المصري أو على الأقل تحييدها خاصة عندما يتعلق الأمر بحماية مصالح دول أخرى أو التدخل لحماية المواطنين المدنيين خاصة مع دعم غربي، بالإضافة إلى الحرص على كسب أكثر من صديق في الداخل وعدم الاعتماد على طرف واحد بحيث يعتمد التدخل المصري على استراتيجية واضحة وشاملة لطريقة التدخل وشكله وليس مجرد رد فعل انتقامي قد يأتي بنتائج عكسية، إضافة إلى رفض دولي أو على الأقل عدم ترحيب.

ولا يتعلق الأمر فقط بالوصول للتفاهمات والتنسيق بين عدة أطراف ولكنه يمتد إلى توقع رد الفعل لأي تدخل بشكل مباشر أو غير مباشر كمعرفة من يسيطر على الحدود في الجهة المقابلة، والسيطرة على تهريب السلاح إلى الداخل المصري عبر ليبيا، والعمل على استغلال العلاقات القبلية بين القبائل المصرية والليبية خاصة قبائل أولاد علي المنتشرة في مناطق سيوه ومطروح وعلاقاتها خاصة علاقات المصاهرة مع قبائل العبيدات الليبية في فتح قنوات اتصال مع اكثر من طرف ووضع موطأ قدم للقاهرة في الداخل الليبي يسعى لإحداث نوع من التوازن في العلاقات المصرية في داخل ليبيا مما يفسح مجالات أكبر نحو حرية الحركة والقبول لدى اكثر من طرف ما يعطي أي تدخل أيا كان شكله شكلا أكبر من الترحيب والقبول خاصة من القوى الداخلية في ليبيا.

وهذا الأمر، أي الحصول على مساعدة القبائل المصرية المرتبطة بقبائل في ليبيا، لن يحدث إلا بإحداث إصلاحات داخلية عميقة تتعلق بالوضع الاجتماعي والسياسي لهذه القبائل والعمل على إنهاء التمييز القبلي والسماح لأبناء هذه القبائل بتولي المناصب والشعور بأنهم مصريون، عندها ستفتح العديد من الأبواب أمام صناع القرار، فالسياسة الخارجية لأي دولة لا تنفصل حتما عن الأوضاع الداخلية التي قد تتيح فرصا أكبر ومساحة في الخارج فالعمل على حل مشكلات القبائل على الحدود قد يساعد كثيرا على ضبطها ويوسع دائرة الفرص المتاحة أمام صانع القرار كما أن البدء في إصلاحات إقتصادية جوهرية وزيادة النمو الاقتصادي وتحسين البنية التحتية، وإدماج المناطق المهمشة في الحياة السياسية والاقتصادية سيساعد على القضاء على بؤر الإرهاب والتطرف.


أظهر حيادك وابرز أوراق الضغط

من المهم جدا أن يعي صناع القرار في القاهرة أن أي طرف غير محايد أو على الأقل على يظهر حياده بالشكل المناسب لن يقبل به كشريك في عملية مشتركة أو تحالف دولي لمحاربة المتطرفين، وحتى لن تكون اقتراحاته على المستوى الدولي بفرض عقوبات و غيره كمناطق الحظر الجوي أو الدعم العسكري ستقابل بكثير من الحذر خاصة مع الأطراف الغربية التي لا يزال بعضها يرى النظام في القاهرة غير شرعي كليا وحكومة «عسكرية» جاءت بعد الانقضاض على الحكومة المنتخبة، وأيا كان من الأمر من المهم جدا ألا تتدخل مصر عسكريا في ليبيا بشكل منفرد، إذا أنه سيمنع أي محاولات لاحقة للتفاوض أو شرعنة التدخل فالقاهرة ليست واشنطن- بوش التي تدخلت في العراق ثم شرعنت تدخلها لاحقا، يجب ان تسبق الوسائل الدبلوماسية أي حلول عسكرية حتى لو ظهرت عاجلة أو ضرورية، ولا يقصد بالدبلوماسية الوصول لحلول سريعة ولكن مجرد التنسيق والتوصل لتفاهمات مشتركة مع أطراف دولية قبل أن تحرك عسكري أو ضربات جوية.


شأنك الداخلي هو المؤسس لسياساتك الخارجية

ليس أدل على حرية ومساحة الحركة التي تتيحها تحسن الأوضاع الداخلية للتعامل خارجيا خاصة في الوضع الليبي من الحالة القطرية إذ أتاح عدد السكان القليل والاصلاحات الاقتصادية مساحة أكبر لقطر للعب دور أكبر خاصة بعد ثورات الربيع العربي وتدخلت كوسيط في أكثر من نزاع وفي ليبيا أنشأت قطر روابط وثيقة مع عدد من قادة الميليشيات الإسلامية الرئيسية، كما أنشات علاقات اقتصادية وثيقة الصلة ببيع الغاز المسال على شكل عقود طويلة المدى مع عدد من القوى الكبرى مثل الصين وبريطانيا وغيرها مما ربط أمن قطر بأمن الطاقة في هذه البلاد وجعل تحركها في الداخل الليبي يواجه بصمت غربي أو رضا في كثير من الأحيان نتيجة للمصالح والتعاون المشترك في كثير من المجالات، على القاهرة أن تحاول أن تتبني النهج القطري فالدبلوماسية وحيدة لا تنجح دائما ولكنها عندما تكون مشفوعة بمصالح سياسية واقتصادية تكون بالتأكيد أكثر تأثيرا.


لا تتورط في الشأن الليبي الداخلي

العنف في ليبيا شأن محلي محض، ومتشابك ومعقد، ومن ثم فعلى أي استراتيجية مصرية تتعامل مع الوضع في ليبيا أن تعي أن أي تدخل في دولة جارة له عواقب كبيرة خاصة وإذا كانت هذه الدولة تغرق في الفوضى وعلى وشك الدخول في حرب أهلية، قد تطلب القاهرة من مجلس الأمن أن تقوم قوات مصرية خاصة بعمل عمليات محدودة بموافقة أطرف أخرى دولية وإقليمية أو تقوم بتدريب الجيش تحت لواء الأمم المتحدة، أو التعاون مع القوات التي تحمي الحدود التي يبلغ طولها ما يقرب من 1100 كم أو السماح بضربات عسكرية منتقاه لكن لا يجب على الدبلوماسية المصرية في إطار أي استراتيجية مستقبلية أن تطالب المجتمع الدولي بتدخل منفرد أو تدخل بري ليس فقط لأنه طلب سيواجه بالرفض مهما كانت الأسباب لكن أيضا لأن مثل هذا الطلب سيؤدي لمزيد من الضرر على الجانب المصري، كما يجب ان يكون أي نهج أمني مشفوعا بخط موازي من الحلول السياسية وعلى القاهرة أن تحاول أن تقف على مسافة متقاربة من الأطراف كافة لحماية مصالحها ولتكون أقرب للوسيط منها للحليف المتحيز لطرف.


اظهر نواياك الجيدة والضربات الجوية ليست حلا

سيكون مقبولا أكثر لدى الأطراف الدولية وحتى مجلس الأمن مطالبة مصر في مشروع قراراها في ليبيا أن تدعو للتوسط لوقف إطلاق النار وعقد هدنة، والدعوة للحل سياسي ودعوة أطراف عدة برعاية مجلس الأمن للحوار ولعقد هدنة والبدء في إجراء مناقشات سياسية شاملة، وبعدها سيكون مقبول للقاهرة أن تشترك في ضربات جوية أو غيرها إذ أنها أظهرت نواياها الجيدة في البداية، فالحل دائما يأتي من الداخل إذا أراد المصريون التوصل لحل فعلي للأزمة في ليبيا فعليهم أن يضعوا في سياساتهم أنه يجب تحفيز الداخل لاختيار الحل الأنسب، فالتحالف الدولي من أجل ليبيا تركها غارقة في الفوضى بعد مقتل القذافي والضربات الجوية الأمريكية في سوريا والعراق لم تؤت ثمارها إلى الآن، ولم يؤت التدخل على الأرض في العراق منذ 2003 في جعلها واحه للديمقراطية كما وعد الامريكان، كما أن الانسحاب منها تركها مرتعا للتنظيمات الإرهابية تبني فيها دولتها.

إذن ضربة جوية أو عشرات الضربات لن تؤت الثمار المطلوبة وتحرك المجتمع الدولي أو المطالبة بذلك لن يؤتي ثماره ايضا إلا في إطار استراتيجية شاملة تحمي مصالح القاهرة في طرابلس وتلقى رضا المجتمع الدولي عما ستطالب القاهرة بفعله.


خاتمة: احذر من انقلاب السحر على الساحر

أي تدخل في دولة جارة له عواقب كبيرة خاصة وإذا كانت هذه الدولة تغرق في الفوضى وعلى وشك الدخول في حرب أهلية
على القاهرة أن تنوع من أصدقائها وان تقلل من أعدائها وتنسق مع جيرانها والقوى الكبرى في هذا الصدد

يمكننا التذكير بدرس هام جعلتنا الثورات العربية لا ننساه أو على الأقل حتى هذه اللحظة.. احذر أن ينقلب السحر على الساحر.. لا تؤيد طرفا بشدة وتدعو المجتمع الدولي لدعمه فمن الممكن أن يتحول هذا الطرف في المستقبل القريب وعقب الانتصار إلى الوحش الكبير الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة باسرها، ظهر هذا جليا في سوريا عندما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية ودول عربية متنافسة في دعم جماعات متطرفة ولم تحسب المعادلة جيدا إذ أن هذه الجماعات انقسمت واستمرت في الانقسام إلى أن أخرجت شكلا جديدا يحارب الجميع متبنيا الشكل الإسلامي وقبل سوريا وليبيا هناك أمثلة كثيرة تحذر القاهرة من دعمها لشريك واحد فقط في الداخل الليبي أو دعوة المجتمع الدولي لدعمه دون غيره فعلى القاهرة أن تنوع من أصدقائها وان تقلل من أعدائها وتنسق مع جيرانها والقوى الكبرى في هذا الصدد.

وربما كان يجب على القاهرة قبل البدء بمجلس الأمن، أن تبدأ بجامعة الدول العربية والحشد العربي لقرار أممي كما حدث في 2011- 2012 والقرارات التي اتخذها مجلس الجامعة فيما يتعلق بالثورات العربية، وخطوة مماثلة عبر الاتحاد الأفريقي كانت ستزيد مزيدا من الحشد قبل اللجوء لمجلس الأمن والتراجع على هذا النحو، إضافة إلى أن قبول مجلس الأمن لدولة تدخلا في دولة أخرى لا يحدث إلا نادرا ولدول كبرى، ناهيك عن أنه لتكون ذا مصداقية على المستوى الخارجي يجب أن يكون مشفوعا بإحداث إصلاحات داخلية علي مستوى المسار السياسي وإظهار مدى قدرتك على ان تكون شريكا قويا لحفظ الأمن والسلام الدوليين، وكذا كانت القاهرة في حاجة ماسة قبل اقتراح مشروع قرارها على مجلس الأمن أن تكسب شريكا قويا في الداخل الأمريكي وهو الحزب الجمهوري الذي كان من الممكن ان يلعب دورا أكبر في حال دعمت القاهرة دعاية ممولة من شركات أمريكية تعمل في ليبيا للضغط على إدارة الرئيس باراك أوباما لتوسيع جهود التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في العراق ليشمل ليبيا وتكون مصر طرفا فيه.

وفي النهاية فإن السياسة الخارجية المصرية كان عليها أن تعيد حساباتها جيدا قبل التقدم بمشروع مباشرة لمجلس الأمن، وعليها أن تتدارك خطئها وأن يتم هذا في إطار أكثر شمولا يحمي مصالح البلاد من ناحية ويراعي الظروف الداخلية في ليبيا والمتطلبات الخارجية للمجتمع الدولي.