لم يكن أشد المتشائمين عام 2011 في أعقاب ثورات الربيع العربي يدور بخلده أن يقف الدعم الشعبي العربي للقضية الفلسطينية عند النقطة التي يقف عندها حاليًّا؛ فالجرعات التحفيزية التي أفرزتها الثورات في دماء الشعوب جعلت الكل يظن أن الخطوة اللاحقة هي تحرير فلسطين مباشرة.

لكن مع تشابك الأحداث في كل قطر عربي بات دعم القضية الفلسطينية محل شك حتى بين الشعوب، الأمر الذي انعكس بالتبعية على التصريحات العلنية لنجوم كرة القدم الذين يكونون حتى عشرينيات أعمارهم جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع وطبقته المتوسطة في الأغلب، قبل أن ينتقلوا بفعل العقود الضخمة وتجارب الاحتراف إلى مستويات أعلى اجتماعيًّا، ويبتعدون عن المعايير الاجتماعية والثقافية والأخلاقية التي تحكم الطبقتين المتوسطة والدنيا، وهما المعبرتان عن جزء كبير من نسيج المجتمعات العربية.

وإذا كان يبدو من الطبيعي أن يدعم نجوم الرياضة العرب والمسلمون القضية الفلسطينية بحكم انتمائهم للمنطقة والإشكاليات المشتركة، فإن الدعم الذي يأتي من نجوم كرة القدم حول العالم يكون اختياريًّا للغاية. دعنا نستعمل مصطلح «أصدق» كتعبير عن هذا الدعم؛ لأن نجم كرة القدم العالمي غير المسلم أو العربي لا يتعرض لأي ضغوطات شعبية للتعبير عن تضامنه مع القضية الفلسطينية.

فضلًا عن اللبس الكبير الذي يواجه أي أجنبي حيال تلك القضية التي شابتها أزمة مفاهيمية كبيرة، فتحولت إلى مصطلحات مثل «الصراع العربي الإسرائيلي» أو «الحرب الفلسطينية الإسرائيلية» أو «تبادل الصواريخ بين إسرائيل وحركة حماس»؛ كل هذه تسميات تنزع الاحتلال من معناه الحقيقي، وتجعل القضية خاضعة لتقييمات مبنية على معطيات مجتزأة من السياق.

نجم كرة القدم العالمي الذي يختار أن يقرأ فيعرف حقيقة الأمر، ثم يقرر أن يدعم الجانب الفلسطيني، ثم يتخطى ذلك إلى إعلان وجهة نظره باستخدام كلمة «فلسطين» واستنكار «إسرائيل» بهذا الوضوح، يمكننا أن نثمِّن فعلًا مواقفه، خاصة نجوم الكرة الذين ليسوا من المسلمين أو العرب، وأعلنوا بوضوح دعمهم للقضية الفلسطينية.

إريك كانتونا

أسطورة مانشستر يونايتد الإنجليزي ربما يكون أكبر داعم للقضية الفلسطينية بين لاعبي كرة القدم من غير المسلمين أو العرب، وقد عبر عن ذلك أكثر من مرة.

أثناء الاعتداءات على حي الشيح جراح في 2021، نشر كانتونا صورة له وهو يرتدي قميصًا مكتوبًا عليه: «الأمل لفلسطين» داعيًا متابعيه على إنستجرام، والذين يصل عددهم إلى نحو مليون شخص، إلى التبرع وتقديم المساعدات لفلسطين.

لم يكن هذا هو التضامن الأول لكانتونا، فقد سبق أن أعلن بشكل واضح رأيه في إسرائيل كـ «كيان عنصري لا بد ألَّا يُتَعامل معه بمكيالين». كان هذا في خطاب أرسله بنفسه عام 2012 إلى رئيس الاتحاد الأوروبي السابق ميشيل بلاتيني، بعد إسناد حق تنظيم كأس أمم أوروبا تحت 21 عامًا نسخة 2013 إلى الكيان الصهيوني.

تساءل كانتونا عن سبب «عدم تناول الممارسات العنصرية لهذا البلد بشكل يومي»، مشددًا على ضرورة «ضمان عدم إفلات إسرائيل من عقوبة خرق القواعد والقوانين الدولية».

المهاجم الفرنسي الذي اشتهر بشغبه على أرضية الميدان يشارك في العديد من التظاهرات والفعاليات الليبرالية الداعية للتحرر في كل أنحاء العالم، وفي إحدى الفعاليات في فرنسا عام 2018 ألقى قصيدة «سأقاوم» لشاعر المقاومة الفلسطينية الراحل سميح القاسم مترجمة إلى اللغة الإنجليزية.

جوزيه مورينيو

أيقونة تدريب كرة القدم جوزيه مورينيو فاجأ العالم بتصريح واضح في مايو 2022 عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

سُئل البرتغالي المتوج بلقب دوري المؤتمر الأوروبي عن رأيه حيال الحرب الروسية الأوكرانية، فقال لشبكة «سكاي سبورتس» إن الحرب لا بد أن تتوقف، وإنه يشعر بالحزن لضحايا أوكرانيا «تمامًا كما يشعر حيال ضحايا فلسطين وسوريا وقطاع غزة».

يمكنك أن تعرف بوضوح ما يعنيه مورينيو بالضحايا من الجانب الفلسطيني عندما ذكر قطاع غزة على وجه التحديد، واستخدم كلمة «فلسطين»، وليس «الحرب» أو «الضحايا» أو «الأبرياء» أو حتى «الصراع الفلسطيني الإسرائيلي»، أو أيًّا من تلك المصطلحات التي تؤخر أكثر مما تقدم.

دييجو مارادونا

أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم بالنسبة إلى الكثيرين لم يُخفِ دعمه للقضية الفلسطينية، وأعلنه بصراحته المعتادة في مناصرة أي حركة تحرر أو تمرد على مستعمر، أو حتى على ديكتاتورية داخلية.

مارادونا الذي كان صديقًا مقربًا لفيدل كاسترو الرئيس الكوبي الأسبق وأيقونة الثورة الكوبية، ولم يُخفِ حبه لأسطورة المقاومة حول العالم تشي جيفارا عبر تصريحاته وارتداء قمصان عليها صورته، قال في الإمارات حين كان يستعد لتدريب نادي الوصل في 2011: «أحترم الشعب الفلسطيني، أنا المحبوب الأول لهم، أؤيد قضية هذا الشعب القائمة على الكفاح، أقف ضد الظلم».

وفي فعاليات عدة ارتدى الكوفية الفلسطينية تعبيرًا عن إيمانه بالقضية، وله أكثر من صورة يرفع فيها علامة النصر ويقول: «تعيش فلسطين». وإلى جانب كل هذا، فقد التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس على هامش مونديال روسيا 2018، ليسلم عليه بحرارة ويقول له: «أنا من الداخل فلسطيني».

هيكتور بيليرين

في تصريحات نقلتها صحيفة «ماركا» الإسبانية، لم يُخفِ الظهير الأيمن لنادي أرسنال الإنجليزي استغرابه من سياسة الكيل بمكيالين حيال الحرب التي تشنها إسرائيل على الجانب الفلسطيني.

بيليرين استغرب في تصريحاته منع روسيا من خوض مباراة الملحق التأهيلي لمونديال قطر 2022، أو بالأحرى حرمانها من لعب كأس العالم على خلفية شنها حربًا ضد أوكرانيا في فبراير 2022.

قال بيليرين: «هذه عنصرية، لا يتحدث أحد عن الحرب في فلسطين أو اليمن، دائمًا ما كان الصمت هو السائد، لكن روسيا لن تلعب كأس العالم».

كان هذا بعد أيام من نشره تغريدة على «تويتر» قال فيها: «علينا أن ندرك النزاعات الأخرى في العالم، العديد من البلدان علينا أن نعرف مقدار الألم الذي تمر به من فقدان الأحباء وانتهاكات حقوق الإنسان».

دروجبا وهازارد

ضمن استنكار إقامة بطولة الأمم الأوروبية تحت 21 عامًا نسخة 2013 في إسرائيل، أطلق المالي فريدريك كانوتيه حملة لسحب تنظيم البطولة من إسرائيل اعتراضًا على ممارساتها بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

الحملة ضمت توقيع 60 من نجوم عالم الرياضة في طليعتهم كلٌّ من ديدييه دروجبا وإيدن هازارد إلى جانب عدد من اللاعبين المسلمين والعرب، وطالبت الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في بيان رسمي بسحب تنظيم البطولة من الجانب الإسرائيلي.

البيان الذي أعلنت به مبادرة كانوتيه مطالباتها صرَّح بأن «موقعيه كلاعبي كرة قدم متضامنون مع الشعب الفلسطيني في غزة الذي يعيش تحت الحصار، وهو محروم من الحرية والكرامة الإنسانية، العدوان الأخير الذي راح ضحيته أكثر من 150 مدنيًّا وطفلًا بريئًا وصمة عار على الضمير البشري».

وأضاف البيان أنه «من غير المعقول اعتقال الرياضيين الفلسطينيين وقتل الأطفال وهم يلعبون كرة القدم».

جدير بالذكر أن العديد من النجوم غير العرب أو المسلمين ممن أشيع دعمهم للقضية الفلسطينية من أمثال كريستيانو رونالدو أو جيانلويجي بوفون أو ليونيل ميسي إما أن مظاهر دعمهم لم تكن إلا مبالغة من الطرف العربي، أو أن مساهماتهم تمت عبر جمعيات ترعى حقوق الإنسان بشكل عام دون أن يعبروا بوضوح عن دعم القضية الفلسطينية، وهذا مختلف عن النماذج التي استعرضناها، والتي عبرت بوضوح لا يقبل اللبس عن دعم القضية الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني.