«امتلكت إيران على مدار السنوات الماضية ترسانة صاروخية هي الأكبر والأكثر تنوعًا بين بلدان الشرق الأوسط، وأصبحت صواريخها قادرة على إيذاء إسرائيل والقواعد العسكرية الأمريكية بالمنطقة»، هذا ما خلصت إليه تعليقات المتحدثين الرسميين – عن كل من الولايات المتحدة وإيران وفرنسا وإسرائيل والأمم المتحدة – على التجارب الإيرانية مارس/آذار الماضي.

تفاقمت في الفترة الأخيرة أزمة تجارب إيران الصاروخية حتى أن أربعة من الدول الكبرى الموقعة على اتفاق يوليو\تمّوز النووي (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، الولايات المتحدة الأمريكية) تقدموا بمذكرة مشتركة لمجلس الأمن الإثنين الماضي (28 مارس/آذار) لاتخاذ إجراءات مناهضة لإيران باعتبار تجاربها الصاروخية المتلاحقة خرقًا للاتفاق النووي الذي عقدته هذه الدول مع إيران العام الماضي، وكذلك خرقًا لقرار مجلس الأمن المتمّم لهذا الاتفاق برقم 2231، فيما تقول طهران أن تجاربها لا تُعد خرقًا للاتفاق أو لقرار مجلس الأمن!.

التحفز الدولي في مواجهة الاستفزازات الإيرانية له دعائمه ووجاهته نوعًا ما، فرغم أن الاتفاق عطّل الطموح الإيراني في امتلاك السلاح النووي مؤقتًا، إلا أن الصورايخ الباليستية التي تختبرها إيران يومًا بعد يوم قادرة -بحسب ما أشارت إليه الدول الأربعة في بيانها- على حمل رؤوس نووية، وكأن الاتفاق النووي بالنسبة لإيران لم يكن سوى مناورة وتغيير في قواعد اللعبة وأولويات الامتلاك، وهو ما تحاول إيران نفيه جملةً وتفصيلًا.


التحديث المستمر في منظومة إيران الصاروخية

http://gty.im/1582340

تظهر الصورة واحدة من الإصدارات الصاروخية الإيرانية «شهاب-3» في عرض عسكري نوفمبر/تشرين الثاني 2002م.

من غير المعقول أن نتحدث عن عظيم القلق الذي أحدثته التجارب الإيرانية ولا نتطرق للهوّة الكبيرة بين إيران اليوم وإيران الثورة 1979م من حيث الامتلاك الصاروخي طبعًا.طبقًا لما نشره المعهد الأمريكي للسلام في 2010م وجرى تحديثه في أغسطس/آب الماضي، فإيران تُعد أكثر دول الشرق الأوسط امتلاكًا للصواريخ الباليستية وأكثرهم تنوعًا. صحيح أن الاحتلال الإسرائيلي يمتلك قدرة صاروخية أكبر كيفًا إلا أن ترسانة إيران الصاروخية تتفوق من حيث الكم. أغلب هذه الترسانة وصلت إلى إيران من دولٍ أخرى، أبرزها كوريا الشمالية. ومن المفارقات أن إيران هي الدولة الأولى بالعالم التي تمتلك صاروخًا باليستيًا بمدى 2000 كم دون أن تملك القدرة النووية العسكرية ابتداءً!.جدير بالذكر أيضًا أن إيران ما زالت تعتمد حاليًا على الخارج في تصنيع الصواريخ من حيث الخامات والمعدّات ويتوقع لها أن تصنع صواريخ عابرة للقارات في نهاية تجاربها بمعدات وخامات محلية، وهو ما تحاول الدول الكبرى الحيلولة دون وقوعه.نختتم هذه المقدمة بالإشارة إلى أن الاستخدام الإيراني للصواريخ الباليستية لا يعدو حد الإرهاب النفسي والضغط السياسي على دول المنطقة ودول العالم الفاعلة تجاه إيران ومصالحها الإقليمية والدولية. ويعزو محللون محدودية الاستخدام العسكري الإيراني للصواريخ إلى تعثر الاقتصاد الإيراني من جرّاء العقوبات الاقتصادية المتلاحقة والتي من المفترض أن يخف أثرها بعد اتفاق يوليو/تموز الماضي.وتمتلك إيران اليوم العديد من الصواريخ قصيرة المدى والمتوسطة، تختلف من حيث النوع والقدرة القتالية والاستخدام. ورغم أن إيران تبالغ وتضخم من حجم الإنجاز الذي حققته في مجال التطوير الصاروخي إلا أنه لا أحد يمكنه نكران الطفرة التي حققتها إيران في السنوات الأخيرة لا سيّما وأنها أعلنت عن رغبتها في البدء في تنفيذ حلم المشروع الفضائي الذي يعتمد على ذات التكنولوجيا المستخدمة في التطوير الصاروخي!، وبغير إخلال سنحاول إيجاز سردية نتناول خلالها التطور الذي حققته إيران مؤخرًا في مجال الصواريخ الباليستية:صواريخ الشهاب/ Shahab missiles (قصيرة المدى): والتي دخلت إيران أواخر الثمانينات على سبيل الشراء حتى طورت إيران منها نماذج أكثر تطورًا، بدأتها بـ «شهاب-1» بمدى يقارب الـ300 كم، والتي هي بالأساس قائمة على صواريخ «سكود» المطوّرة من قبل الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة، ثم «شهاب-2» بمدى 500 كم، وقُدرت ترسانة إيران الصاروخية في منتصف عام 2010م بحوالي 200 إلى 300 صاروخ من نوعية «شهاب-1» و «شهاب-2».وأعلنت طهران عن النسخة الأكثر تطورًا من سلسلة «شهاب»؛ «شهاب-3»، معتمدًا على صواريخ «رودونج» الكورية الشمالية بمدى يصل 900 كم وحمولة رمزية قدرها 1000 كيلوغرام.صواريخ القدر/ Ghadr (متوسطة المدى) والتي بدأت إيران اختبارها عام 2004م، ويبلغ مدى النموذج الأول منها «قدر-1» نظريًا 1600 كم، بحمولة أقل وقدرها 750 كجم. صواريخ سجيل/ Sajjil missiles (متوسطة المدى): تختص ببعض المميزات الإستراتيجية استنادًا على استخدامها للغاز الصلب، وتعدّ إيران الدولة الوحيدة التي تمتلك صواريخ متطورة بهذا المدى دون أن تطور سلاحها النووي ابتداءً.

باتت إيران قادرة على استهداف أي تهديد يتمثل في مواجهة مصالحها.

عبدالله أراغي الجنرال بالحرس الثوري

وتعرف صواريخ السجيل بأنموذجها الثاني «سجيل-2» الذي يبلغ مداه 2000 كم، برأس حربية تزن 750 كجم. وقد اختبر إطلاق هذا النموذج في عام 2009م، بعد عام واحد من إعلان الجمهورية الإسلامية امتلاكها «سجيل-1»، وهو ما يعني قدرة كبيرة وإصرارًا واضحًا على التطوير المحلي للترسانة الصاروخية الإيرانية.بهذا الاختبار الذي جرى في 2009م «باتت إيران قادرة على استهداف أي تهديد يتمثل في مواجهة مصالحها» كما صرح عبدالله أراغي القائد البارز بالحرس الثوري. وتجدر الإشارة إلى أن الإطلاق التجريبي لنموذج «سجيل-2» واجه مشكلات تقنية ولم يتواصل منذ عام 2011م. فإذا ما قررت إيران استكمال مشروعها التجريبي هذا، فمن المرجح أن تنتهي منه خلال عام أو عامين. ولذلك من غير المحتمل حاليًا أن يدخل سجيل-2 بعيد المدى الخدمة قبل حلول 2017، ويعد الوسيلة الأكثر قدرة على حمل الرؤوس النووية إذا ما قررت إيران المضي في إنتاجها في وقت لاحق وكانت كذلك قادرة على إنتاج قنبلة نووية صغيرة في الوزن لتلائم قدرة الصاروخ الذي تمتلكه، وهو تحدٍ آخر يُضاف إلى التحديات المتعددة في هذا الإطار.


إيران اليوم: بين وعود المفاوضات وتهديد الصواريخ!

اليوم هو عصر الصواريخ، كما هو عصر التفاوض»، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية.

آية الله علي خامنئي

في الثامن من مارس/آذار الماضي، أطلقت قوات الحرس الثوري الإيراني اختبارات صاروخية جديدة، -اختبرت خلالها صاروخين من نوع «شهاب-3» و «قيام-1» بحسب البيان المشترك الذي تقدمت به الدول الأربعة الكبرى لمجلس الأمن في الثامن والعشرين من مارس/آذار الماضي- كان من شأنها أن تزعج العالم وأن تقضّ مضاجعه باعتبارها خطوةً في طريق إيران التوسعي في الشرق الأوسط وفي العالم. ولم لا وقد صرح القائد البارز بالحرس الثوري عبدالله أراغي بأن «كافة الأهداف التي تتهدد الجمهورية الإسلامية باتت في مرمى الصورايخ»؟، وهكذا أجمل الرجل مساعي إيران الصاروخية.أضف هذا إلى تصريح الجنرال قاسم سليماني بأن «إسرائيل اليوم باتت في مرمى أغلب الصواريخ الإيرانية».

بمراجعة ما أوردناه أعلاه من قدرات عسكرية لترسانة إيران الصاروخية، فإن المسافة الحقيقية بين إيران وإسرائيل جوًّا تعدل قرابة 1780 كم؛ بمعنى أكثر وضوحًا، باتت إسرائيل حقًا في مرمى صواريخ إيران الباليستية التي يقارب مداها 2000 كم!.

قبل أن نتناول الأصداء الدولية لهذه التجارب، ثمة حرب تصريحات داخلية نشبت بين أبناء الثورة الواحدة باختلاف أقطابهم السياسية الحالية، فتصريح المرشد الذي قدمنا به لهذه الفقرة جاء ردًا على تصريحات سابقة لزعيم الاعتدال ورئيس مجلس تشخيص النظام هاشمي رفسنجاني والذي نُشر على حساب منسوب للرجل على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، تدوينة يقول فيها “عالم الغد هو عالم الحوار، لا الصواريخ” بحسب ما نشرته جريدة السفير اللبنانية. ولم يكتفِ السيد خامنئي بمعارضة تصريحات رفسنجاني فاستغل مراسم استقباله لعدد من المنشدين الدينيين وصرّح بأن “من يقولون بأن المستقبل هو المفاوضات وليس الصواريخ إما جُهلاء أو خونة”، وأضاف متسائلًا: “في هذا العالم الذي تهيمن عليه شريعة الغاب، لو سعت إيران إلى الحوار والتبادل الاقتصادي، وحتى العلم والتكنولوجيا، ولم تمتلك قدرة الدفاع عن نفسها، ألا تسمح حتى الدول القزمة لنفسها بتهديد الشعب الإيراني؟”. واستدرك خامنئي بأنه لا يُعارض كافة المساعي التفاوضية، فقط إذا كانت محفوفةً بالحذر والتيقظ.

أما على الوجه الآخر من ثنائية الصراع، فالرئيس الأمريكي باراك أوباما يلقى انتقادات حادة من الجمهوريين الذين عارضوا الاتفاق النووي ابتداءً، لا سيما بعد الإعلان الذي تناولته وكالة أسوشييتد برس الإخبارية ويفيد باعتزام الإدارة الأمريكية السماح لحكومات ومصارف أجنبية باستخدام الدولار في تعاملات محدودة لتمهيد الطريق للتبادل التجاري مع إيران.وفي هذا الصدد وجّه السيناتور ماركو روبيو والسيناتور مارك كيرك رسالةً إلى وزير الخزانة الأمريكية جاك ليو يبديان فيها استياءهما من القرار الأمريكي موضحين أن وصول الإيرانيين إلى الدولار “سيفيد الممولين الإيرانيين للإرهاب الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان والتهديدات الصاروخية الباليستية!”.هذا القلق المتصل من الجمهوريين تدعمه تصريحات عسكريين كبار بالجيش الأمريكي، فقد وصف الجنرال لويد أوستين زعيم القيادة المركزية في الجيش الأمريكي -في كلمته التي ألقاها في الثامن من مارس/آذار الماضي أمام لجنة الشئون العسكرية بالكونجرس- العلاقة مع إيران بالتحدي الصعب، “فإيران تصرّ على طموح الهيمنة الخاص بها؛ ما يجعلها تشكل تهديدًا حقيقيًا لدول المنطقة، وتعد علاقتنا بالجمهورية الإسلامية واحدة من التحديات الصعبة، وسنكون منتبهين دائمًا لأفعالهم”.يمكنك الاطلاع على كلمة قادة الجيش الأمريكي في الكونجرس خلال الرابط التالي: الشرق الأوسط في نظر العسكريين الأمريكيين.

برنامج إيران الصاروخي في نظر قادة العالم

2016-04-03_0-10-16
2016-04-03_0-10-16

نظرًا لتعسّر استصدار قرار أممي يدين إيران بشأن تجاربها الصاروخية المتتابعة، والتي كان آخرها في الثامن والتاسع من مارس/آذار الماضي لمعارضة كل من روسيا والصين وكلاهما يمتلك حق الفيتو، توجهت الولايات المتحدة من جانبها لفرض عقوبات أحادية الجانب، إذ أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية شركتين على قوائمها السوداء لاتهامهما بدعم التجارب الصاروخية الإيرانية المعتمدة على الغاز المسال، هاتان الشركتان هما شاهد نوري للصناعات وشاهد مجاهد للصناعات، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز للأنباء في الرابع والعشرين من مارس/آذار الماضي.لم يكن هذا هو التحرك الأمريكي الأول منذ الاتفاق النووي، فقد وقّعت الإدارة الأمريكية عقوبات اقتصادية على أحد عشر كيانًا وشخصًا لاتهمامهم بدعم برنامج إيران الباليستي، وكان هذا التحرك ردًا على اختبارات صاروخية متوسطة المدى كانت إيران قد أطلقتها في أكتوبر/تشرين الأول، أي بعد ثلاثة أشهر فقط من الاتفاق النووي!.وكان من المفاجئ في هذا الإطار أن نجد تصريحات للسيد جاكوب ليو وزير الخزانة الأمريكي -مردّها إلى جريدة الحياة– يحذر فيها من «الاستخدام المفرط» للعقوبات الاقتصادية مشيرًا إلى أن ذلك «يمكن أن يقوّض موقفنا القيادي في الاقتصاد العالمي ويقلل كذلك من فاعلية العقوبات التي نفرضها»، وأكّد على أن أي تغير في الموقف الأمريكي من الاتفاق النووي قد تقدم عليه الإدارة الأمريكية الجديدة «سيكون خطرًا وسيؤدي إلى زعزعة الاستقرار».وبالنظر لأبرز ردود الأفعال الدولية تجاه تجارب إيران الصاروخية الأخيرة، نجد أغلبها يسير في اتجاه واحد؛ وهو الانتقاد والتذمر لمواصلة إيران تطوير برنامجها الصاروخي الباليستي، أبرز هذه التصريحات ما أدلى بها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت في الثالث عشر من مارس/آذار الماضي عقب اجتماعه بوزراء خارجية غربيين آخرين: “ندين من جانبنا اختبارات الصواريخ الباليستية، وسنفرض مزيدًا من العقوبات على طهران”. أما الأكثر تضررًا من هذا البرنامج بنظر المتابعين وبتصريحات العسكريين الإيرانيين، -وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون- فعقّب بأنه “من عميق أسفي أن يُخدع البعض في الغرب بالكلمات المعسولة من أحد أجنحة السلطة في إيران بينما باقي أفراد السلطة يحصّلون الأسلحة والمعدات العسكرية لخدمة وتسليح الجماعات الإرهابية”، كان ذلك في كلمته للإذاعة الإسرائيلية بتاريخ 9 مارس/آذار نشرتها رويترز.على النقيض جاءت تصريحات السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي شوركين للإعلام واضحة وصارمة بأنه لا عقوبات على إيران إزاء تجاربها الصاروخية.وتمسكت إيران بأحقّيتها في تطوير أنظمتها الدفاعية لحق الدفاع عن النفس على لسان وزير خارجيتها جواد ظريف، الذي قال أن بلاده لم تطور منظومتها الصاروخية لحمل أية رؤوس نووية كما يزعم القادة الغربيون، فقط حق الدفاع عن النفس، فبلادنا لم تهاجم أي دولة في مئتين وخمسين عامًا مضت، لكن عندما هاجمنا صدام وقتل شعبنا بالغاز لثمانية أعوام لم يمدّ أحدٌ يد العون إلينا. فقط، لو كنا نمتلك هذه الصواريخ لكنا قادرين على صد الهجوم عن المدنيين من شعبنا، أنا فقط أتحدى أولئك الذين يتهموننا بالتصعيد، «نحن -كما قال قائد الحرس الثوري- لن نستخدم القوة إلا في الدفاع عن النفس».

المراجع
  1. Iran's Ballistic Missile Program – UNITED STATES INSTITUTE OF PEACE
  2. Iran Launches Ballistic Missiles, US Reacts – UNITED STATES INSTITUTE OF PEACE
  3. Iran 'certain' Security Council will not act on missile tests – The StraitsTimes
  4. خامنئي: اليوم هو عصر الصواريخ كما هو عصر التفاوض – السفير اللبنانية
  5. خامنئي يؤيد سياسة «الصواريخ… والحوار» – الحياة
  6. خامنئي: اليوم هو عصر الصواريخ كما هو عصر التفاوض – السفير
  7. قمنا بحساب المسافة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي من خلال هذا الموقع، وقُدّرت ب1788 كيلو متر، أي في متناول الإصدارات الصاروخية الإيرانية الأخيرة